![]() |
#1 | ||||||||||
![]() ![]()
|
السلام عيكم ورحمه الله وبركاته الموضوع انهرده عن المستشرقين و اغلب الناس متعرفشى يعنى ايه مستشرقين و هما بيعملو ايه؟؟ و ايه كانت وظيفتهم ومازالت.... انهردا باذن الله كل حاجه هتوضح بسم الله الرحمن الرحيم منهج المستشرقين ودوافعهم مقالات وأبحاث لقد ألَّفَ في السِّيرةِ الكثيرون من المستشرقينَ مِنْ كُلِّ جنسٍ ولونٍ. ومِن هؤلاءِ المنصفون - وقليلٌ ما هم - وغيرُ المنصفين - وهم الكثيرون - ، ولا عجبَ فأغلبُهم مُبشِّرون1 بدياناتِهم، والكثرةُ منهم صليبيون لا يزالونَ يحملونُ الحقدَ على الإسلامِ ، ونبيِّ الإسلامِ ، فمِن ثَمَّ لا يجدونَ ثغرةً ينفثون منها أحقادَهم وسمومَهم إلا نفذُوا منها، ولا روايةً واهيةً منكرةً أو مختلقةً إلا طبَّلوا لها وزمَّروا، ولا عليهم لو زيَّفُوا الصَّحيحَ مادام ذلك يُساعدهم على أهوائِهم، ولأجلِ أنْ يُلبِّسوا على الأغرارِ من المسلمينَ تَستَّروا تحتَ ستارِ البحثِ العلميِّ ، وحريةِ الرأي، وما هُو من البحثِ، ولا حرية الرأي في شيءٍ، وإنَّما الغَرَضُ حَلُّ عُرَى الإيمانِ من نُفُوسِ المسلمين، والتَّشكيكِ في سيرةِ مثلِهم الأعلى وقدوتِهم، وهو النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -. وقد ساعدَ على تقبل آرائِهم أنَّ المغلوبَ ينظرُ إلى الغالبِ على أنَّهُ فوقَهُ في كلِّ شيءٍ، وإذا لم تستدرك الأمة المغلوبة أمرها، وتتخلص بجهودها الذاتية من وطأة التقليد الأعمى، فإنه - ولا بد - أن ينتهي بها الأمر إلى الاضمحلال والاستعباد، قال ابن خلدون: "والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تُغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبعي؛ إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل لها حصل اعتقاد، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء. ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالبِ في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله2. فمِن ثَمَّ نظر بعض المتعلمين، - ولا سيما الذين لم يحظَوا من الثقافةِ الإسلاميةِ وعلومِ الإسلامِ الأصيلةِ بحظٍّ يُؤهِّلهم للتمييزِ بين الحقِّ والباطلِ، والخطأِ والصَّوابِ - نظروا إلى المستشرقين على أنَّهم قِممٌ في التفكيرِ، وفي البحثِ، فلا يُراجعون ما يقولُون! ولا يُنقض ما إليه ينتهون، بل بلغَ ببعضِ الذين تثقَّفوا ثقافةً إسلاميةً أنْ انزلقُوا فيما انزلقَ إليه غيرُهم، ومنهم مَن قام بترجمةِ بعضِ هذه الكتبِ من غيرِ أنْ يُعلِّقَ على ما فيها من خطأٍ بيِّنٍ، وباطلٍ صُراحٍ، وليتَهُ اكتفى بهذا، ولكنَّهُ شاركَ في الإثمِ، فكالَ له3ولهم المديحَ والثَّناءَ !! ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ4. والدافع الذي دفع هؤلاء المستشرقين لدراسة الإسلام هو في الحقيقة العداء السافر لهذا الدين وللرسول - صلى الله عليه وسلم- ، هذا العداء الذي بدأ منذ فجر الإسلام، فالمستشرقون ليسوا سوى امتدادا لليهود والنصارى الذين بذلوا كل ما في وسعهم لطمس دين الإسلام، وإزالة معالمه من الوجود، ولم تخفف من هذا العداء القرون المتطاولة، بل ظل يأخذ صوراً شتى وأشكالاً متنوعة، تُعلَن تارة وتُخفى أخرى، وتُظهر في ثوب الود والولاء تارة، وتُكشِّر عن أنياب العداء أحياناً، واشتدت هذه العداوة بعد الحروب الصليبية (1097-1295م ) التي كانت نقطة تحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي وبين الشرق الإسلامي، فقد عاش المستشرقون في هذه البيئة المفعمة ببغض الإسلام وارتضعوا من لبانها، ولذا جاء منهجهم يحوي بين طياته كل دسيسة وشبهة تطعن في هذا الدين. وأبرز سمات هذا المنهج الذي درسوا الإسلام على أساسه: 1. تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوربية، فهم حكموا على الإسلام معتمدين على القيم والمقاييس الغربية المستمدة من الفهم القاصر والمغلوط الذي يجهل حقيقة الإسلام. 2. تبييت فكرة مسبقة ثم اللجوء إلى النصوص واصطيادها لإثبات تلك الفكرة واستبعاد ما يخالفها. 3. اعتمادهم على الضعيف والشاذ من الأخبار وغض الطرف عما هو صحيح وثابت. 4. تحريف النصوص ونقلها نقلاً مشوهاً وعرضها عرضاً مبتوراً وإساءة فهم ما لا يجدون سبيلاً لتحريفه. 5. غربتهم عن العربية والإسلام منحتهم عدم الدقة والفكر المستوعب في البحث الموضوعي. 6. تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ، كل ذلك انسياقاً مع الهوى وانحرافاً عن الحق. 7. إبراز الجوانب الضعيفة والمعقدة والمتضاربة، كالخلاف بين الفرق، وإحياء الشبه وكل ما يثير الفرقة، وإخفاء الجوانب المشرقة والإيجابية وتجاهلها. 8. الاستنتاجات الخاطئة والوهمية وجعلها أحكاماً ثابتة يؤكدها أحدهم المرة تلو الأخرى، ويجتمعون عليها حتى تكاد تكون يقيناً عندهم. 9. النظرة العقلية المادية البحتة التي تعجز عن التعامل مع الحقائق الروحية5. 10.تحاملهم على النبي صلى الله عليه وسلم، استجابة لنداء الصليبية- كما ذكرنا- التي ورثوها من آبائهم، ورضعوها في لبان أمهاتهم، ورموه بأشنع الصفات التي يتنزه القلم عن ذكرها. وقد استندوا في طعونهم وسفاهاتهم إما على روايات باطلة اعتبروها صحيحة، وإما على روايات صحيحة حرَّفوها عن مواضعها، وإما على أوهام تخيَّلوها. ومن الأباطيل التي تمسك بها بعض الكاتبين في السيرة من الغربيين، وأبواقهم المقلِّدون لهم: قصة الغرانيق، وقولهم: أن الإسلام قام على السيف والإكراه، وطعنهم في النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب تعدد زوجاته ، وقصة زواجه بالسيدة زينب بنت جحش على ما يذكرها من لا علم عندهم، ولا تحقيق ولا تمييز بين الغث والسمين. ومن مزاعمهم إنكارهم الوحي بالمعنى الشرعي، وتفسيرهم له بالوحي النفسي، بل أسفَّ بعضهم فجعل الحالة التي كانت تعتري النبي - صلوات الله وسلامه عليه - عند الوحي نوعاً من الصَّرَع، إلى غير ذلك . ومن عجيب أمر المبشرين والمستشرقين أنهم في سبيل إرضاء أهوائهم، ونزواتهم الجامحة، وأحقادهم الموروثة يصحِّحون الروايات المكذوبة، والإسرائيليات المدسوسة، ما دامت تسعفهم وتساعدهم على باطلهم، على حين نجدهم يحكمون على روايات صحيحة، بل في أعلى درجات الصحة بالوضع والاختلاق؛ لأنها لا تؤيدهم فيما يجترحون من طعون، وتجنٍ أثيم على مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته. ومن أعمالهم السيئة بدعة الإكتفاء بالقرآن دون السنة ، ثم سرت عدوى هذه البدعة إلى كتابنا المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل في كتابه "حياة محمد"، وقلما تجد أحداً من المؤلفين المتأخرين في (السيرة النبوية) يذكر شيئاً من المعجزات الحسية. ومن هؤلاء من يتلطف فيقول: إنه مادام القرآن آية دالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم-، فنحن في غنية عن غيره من الآيات، ولا سيما والكثير منها لم يثبت إلا بالطرق الآحادية التي لا تفيد اليقين، ومنهم من يجاهر فينكر المعجزات الحسية جملة!! وأحب أن أقول لهؤلاء وأولئك: إن موقفهم من المعجزات الحسية وإنكارها، حدا ببعض المبشرين والمستشرقين إلى الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتفضيل غيره من الأنبياء عليه، بحجة أن النبي محمداً - عليه الصلاة والسلام - ليس له من المعجزات الحسية المتكاثرة ما لموسى وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - ، وهكذا نراهم قد أعطوا لأعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يقصدوا- متكأ لهمزه ولمزه. وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الكبير ابن حجر في هذا، قال: (وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدِّي به، ومنه ما وقع دالاً على صدقه من غير سبق تحدٍّ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده - صلى الله عليه وسلم- من خوارق العادات شيء كثير، كما يقطع بجود حاتم، وشجاعة علي، وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد، مع أن كثيراً من المعجزات النبوية قد اشتهر، وانتشر، ورواه العدد الكبير، والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار، والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك، بل لو ادّعى مُدَّع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعداً، وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدَّثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة، ولا من بعدهم مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك، ولا الإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق، لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل). (فتح الباري (7/392-393)6 صلتهم بالفكر الإسلامي وأثر تلك الصلة في إثارة الشبه حول السنة: سبق أن الحروب الصليبية كانت نقطة التحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وأنها الدافع الأساسي للنشاط الاستشراقي المكثف، ولكن اتصال الغرب بالشرق في ذلك الوقت وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي كان اتصالاً عدائياً مسلحاً، متمثلاً في الحروب الطاحنة التي ظلت آثارها باقية حتى الآن. وفي نهاية القرن السادس عشر الذي يعتبر منطلق الإصلاح الديني في الغرب، كانت بداية الاتصال الاقتصادي المتمثل في اكتشاف موارد الثروة في العالم الإسلامي، واستغلالها ونقلها إلى الغرب في صورة تبادل تجاري وغير ذلك، وتبع هذا الاتصال السياسي المتمثل في سيطرة الغرب ونفوذه على العالم الإسلامي حتى بلغ أوجه خلال الفترة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين، وخلال هذه الفترة الاستعمارية عمل الغربيون على تخلف المسلمين بإبعادهم عن دينهم حتى يتمكنوا من إخضاعهم إخضاعاً تاماً للسيطرة الغربية. ففي تلك الفترة كان الاستشراق في ذروته لأنه كان مدعوماً من قبل الحكومات الغربية التي كانت توفر لهم الأسباب المعينة على دراسة العلوم الإسلامية حتى يتمكن الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية، فبحث المستشرقون في كل ما يتصل بالإسلام من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة، وصبغوا كل ذلك بصبغة علمية مما أدى بتلك البحوث والدراسات أن تكون مراجع للكثير من الباحثين في المعاهد والجامعات العالمية. وقد غزت تلك البحوث العالم الإسلامي في مؤسساته الفكرية والتربوية ومناهج التعليم، وكان العديد من قادة الفكر الإسلامي قد تتلمذوا على أيدي أولئك المستشرقين عن طريق إيفادهم إلى الخارج، أو استقدام المستشرقين إلى البلاد الإسلامية للعمل في المؤسسات الفكرية ومناهج التعليم، وهكذا ظلت العلاقة قائمة، والصلة وثيقة بين العالم الغربي والفكر الإسلامي، ولكنها علاقة تستهدف الإسلام بدرجة أولى. والمستشرقون الذين بحثوا في كل جوانب الإسلام لم يغب عنهم أهمية السنة النبوية فقد علموا أنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن، وفيها توضيحه وبيانه، ولذا تناولوها بالطعن والتشويه والشبه ليتسنى لهم بعد ذلك أن يتلاعبوا بالقرآن ويؤولوه بما يحلو لهم، فطعنهم في السنة هو في الحقيقة طعن في القرآن وهدم لصرح الإسلام.7 يقول السباعي: "ويحاولُ المستشرقون المغرضون وأتباعُهم من المسلمين الذين رقَّ دينُهم، وفُتنوا بالغرب وعلمائِهِ أنْ يُشككوا في صحةِ ما بين أيدينا من كتب السُّنَّةِ المعتمدة، لينفذُوا منها إلى هدمِ الشَّريعةِ، والتَّشكيك بوقائعِ السِّيرةِ، ولكن الله الذي تكفَّلَ بحفظِ دينِهِ قد هيَّأ لهم مَن يَردُّ سهامَ باطِلهم، وكيدِهم إلى نحورِهم8. وسيتضح لنا ذلك من خلال الفصل القادم الذي سنذكر فيه بعض شبهات المستشرقين وتفنيد العلماء تلك الشبهات التي هي أوهى من خيوط العنكبوت {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة:32 1 - أو بالأصح منصرون , ولكن ذكرناهم بما اشتُهر من تسميتهم . 2- مقدمة ابن خلدون فصل في أن المغلوب مولعٌ أبداً بالإقتداء بالغالب في شعائره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده (1/156). 3 - أي للكتب. 4 -انظر: مُقدِّمة كتاب "السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء الكتاب والسُّنَّة" للدكتور محمد بن محمد أبوشهبة (1/38-39). 5 - مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف، نقلاً عن موقع (الشبكة الإسلامية) إسلام ويب - سعادة تمتد 6 - انظر: مُقدِّمة كتاب "السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء الكتاب والسُّنَّة" للدكتور محمد بن محمد أبوشهبة (1/14-39). 7 - مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف. نقلاً عن موقع (الشبكة الإسلامية) إسلام ويب - سعادة تمتد 8 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة دروس وعبر د.مصطفى السباعي ص(14- 15). منهج المستشرقين ودوافعهم مقالات وأبحاث لقد ألَّفَ في السِّيرةِ الكثيرون من المستشرقينَ مِنْ كُلِّ جنسٍ ولونٍ. ومِن هؤلاءِ المنصفون - وقليلٌ ما هم - وغيرُ المنصفين - وهم الكثيرون - ، ولا عجبَ فأغلبُهم مُبشِّرون1 بدياناتِهم، والكثرةُ منهم صليبيون لا يزالونَ يحملونُ الحقدَ على الإسلامِ ، ونبيِّ الإسلامِ ، فمِن ثَمَّ لا يجدونَ ثغرةً ينفثون منها أحقادَهم وسمومَهم إلا نفذُوا منها، ولا روايةً واهيةً منكرةً أو مختلقةً إلا طبَّلوا لها وزمَّروا، ولا عليهم لو زيَّفُوا الصَّحيحَ مادام ذلك يُساعدهم على أهوائِهم، ولأجلِ أنْ يُلبِّسوا على الأغرارِ من المسلمينَ تَستَّروا تحتَ ستارِ البحثِ العلميِّ ، وحريةِ الرأي، وما هُو من البحثِ، ولا حرية الرأي في شيءٍ، وإنَّما الغَرَضُ حَلُّ عُرَى الإيمانِ من نُفُوسِ المسلمين، والتَّشكيكِ في سيرةِ مثلِهم الأعلى وقدوتِهم، وهو النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -. وقد ساعدَ على تقبل آرائِهم أنَّ المغلوبَ ينظرُ إلى الغالبِ على أنَّهُ فوقَهُ في كلِّ شيءٍ، وإذا لم تستدرك الأمة المغلوبة أمرها، وتتخلص بجهودها الذاتية من وطأة التقليد الأعمى، فإنه - ولا بد - أن ينتهي بها الأمر إلى الاضمحلال والاستعباد، قال ابن خلدون: "والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تُغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبعي؛ إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل لها حصل اعتقاد، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء. ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالبِ في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله2. فمِن ثَمَّ نظر بعض المتعلمين، - ولا سيما الذين لم يحظَوا من الثقافةِ الإسلاميةِ وعلومِ الإسلامِ الأصيلةِ بحظٍّ يُؤهِّلهم للتمييزِ بين الحقِّ والباطلِ، والخطأِ والصَّوابِ - نظروا إلى المستشرقين على أنَّهم قِممٌ في التفكيرِ، وفي البحثِ، فلا يُراجعون ما يقولُون! ولا يُنقض ما إليه ينتهون، بل بلغَ ببعضِ الذين تثقَّفوا ثقافةً إسلاميةً أنْ انزلقُوا فيما انزلقَ إليه غيرُهم، ومنهم مَن قام بترجمةِ بعضِ هذه الكتبِ من غيرِ أنْ يُعلِّقَ على ما فيها من خطأٍ بيِّنٍ، وباطلٍ صُراحٍ، وليتَهُ اكتفى بهذا، ولكنَّهُ شاركَ في الإثمِ، فكالَ له3ولهم المديحَ والثَّناءَ !! ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ4. والدافع الذي دفع هؤلاء المستشرقين لدراسة الإسلام هو في الحقيقة العداء السافر لهذا الدين وللرسول - صلى الله عليه وسلم- ، هذا العداء الذي بدأ منذ فجر الإسلام، فالمستشرقون ليسوا سوى امتدادا لليهود والنصارى الذين بذلوا كل ما في وسعهم لطمس دين الإسلام، وإزالة معالمه من الوجود، ولم تخفف من هذا العداء القرون المتطاولة، بل ظل يأخذ صوراً شتى وأشكالاً متنوعة، تُعلَن تارة وتُخفى أخرى، وتُظهر في ثوب الود والولاء تارة، وتُكشِّر عن أنياب العداء أحياناً، واشتدت هذه العداوة بعد الحروب الصليبية (1097-1295م ) التي كانت نقطة تحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي وبين الشرق الإسلامي، فقد عاش المستشرقون في هذه البيئة المفعمة ببغض الإسلام وارتضعوا من لبانها، ولذا جاء منهجهم يحوي بين طياته كل دسيسة وشبهة تطعن في هذا الدين. وأبرز سمات هذا المنهج الذي درسوا الإسلام على أساسه: 1. تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوربية، فهم حكموا على الإسلام معتمدين على القيم والمقاييس الغربية المستمدة من الفهم القاصر والمغلوط الذي يجهل حقيقة الإسلام. 2. تبييت فكرة مسبقة ثم اللجوء إلى النصوص واصطيادها لإثبات تلك الفكرة واستبعاد ما يخالفها. 3. اعتمادهم على الضعيف والشاذ من الأخبار وغض الطرف عما هو صحيح وثابت. 4. تحريف النصوص ونقلها نقلاً مشوهاً وعرضها عرضاً مبتوراً وإساءة فهم ما لا يجدون سبيلاً لتحريفه. 5. غربتهم عن العربية والإسلام منحتهم عدم الدقة والفكر المستوعب في البحث الموضوعي. 6. تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ، كل ذلك انسياقاً مع الهوى وانحرافاً عن الحق. 7. إبراز الجوانب الضعيفة والمعقدة والمتضاربة، كالخلاف بين الفرق، وإحياء الشبه وكل ما يثير الفرقة، وإخفاء الجوانب المشرقة والإيجابية وتجاهلها. 8. الاستنتاجات الخاطئة والوهمية وجعلها أحكاماً ثابتة يؤكدها أحدهم المرة تلو الأخرى، ويجتمعون عليها حتى تكاد تكون يقيناً عندهم. 9. النظرة العقلية المادية البحتة التي تعجز عن التعامل مع الحقائق الروحية5. 10.تحاملهم على النبي صلى الله عليه وسلم، استجابة لنداء الصليبية- كما ذكرنا- التي ورثوها من آبائهم، ورضعوها في لبان أمهاتهم، ورموه بأشنع الصفات التي يتنزه القلم عن ذكرها. وقد استندوا في طعونهم وسفاهاتهم إما على روايات باطلة اعتبروها صحيحة، وإما على روايات صحيحة حرَّفوها عن مواضعها، وإما على أوهام تخيَّلوها. ومن الأباطيل التي تمسك بها بعض الكاتبين في السيرة من الغربيين، وأبواقهم المقلِّدون لهم: قصة الغرانيق، وقولهم: أن الإسلام قام على السيف والإكراه، وطعنهم في النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب تعدد زوجاته ، وقصة زواجه بالسيدة زينب بنت جحش على ما يذكرها من لا علم عندهم، ولا تحقيق ولا تمييز بين الغث والسمين. ومن مزاعمهم إنكارهم الوحي بالمعنى الشرعي، وتفسيرهم له بالوحي النفسي، بل أسفَّ بعضهم فجعل الحالة التي كانت تعتري النبي - صلوات الله وسلامه عليه - عند الوحي نوعاً من الصَّرَع، إلى غير ذلك . ومن عجيب أمر المبشرين والمستشرقين أنهم في سبيل إرضاء أهوائهم، ونزواتهم الجامحة، وأحقادهم الموروثة يصحِّحون الروايات المكذوبة، والإسرائيليات المدسوسة، ما دامت تسعفهم وتساعدهم على باطلهم، على حين نجدهم يحكمون على روايات صحيحة، بل في أعلى درجات الصحة بالوضع والاختلاق؛ لأنها لا تؤيدهم فيما يجترحون من طعون، وتجنٍ أثيم على مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته. ومن أعمالهم السيئة بدعة الإكتفاء بالقرآن دون السنة ، ثم سرت عدوى هذه البدعة إلى كتابنا المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل في كتابه "حياة محمد"، وقلما تجد أحداً من المؤلفين المتأخرين في (السيرة النبوية) يذكر شيئاً من المعجزات الحسية. ومن هؤلاء من يتلطف فيقول: إنه مادام القرآن آية دالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم-، فنحن في غنية عن غيره من الآيات، ولا سيما والكثير منها لم يثبت إلا بالطرق الآحادية التي لا تفيد اليقين، ومنهم من يجاهر فينكر المعجزات الحسية جملة!! وأحب أن أقول لهؤلاء وأولئك: إن موقفهم من المعجزات الحسية وإنكارها، حدا ببعض المبشرين والمستشرقين إلى الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتفضيل غيره من الأنبياء عليه، بحجة أن النبي محمداً - عليه الصلاة والسلام - ليس له من المعجزات الحسية المتكاثرة ما لموسى وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - ، وهكذا نراهم قد أعطوا لأعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يقصدوا- متكأ لهمزه ولمزه. وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الكبير ابن حجر في هذا، قال: (وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدِّي به، ومنه ما وقع دالاً على صدقه من غير سبق تحدٍّ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده - صلى الله عليه وسلم- من خوارق العادات شيء كثير، كما يقطع بجود حاتم، وشجاعة علي، وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد، مع أن كثيراً من المعجزات النبوية قد اشتهر، وانتشر، ورواه العدد الكبير، والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار، والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك، بل لو ادّعى مُدَّع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعداً، وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدَّثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة، ولا من بعدهم مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك، ولا الإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق، لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل). (فتح الباري (7/392-393)6 صلتهم بالفكر الإسلامي وأثر تلك الصلة في إثارة الشبه حول السنة: سبق أن الحروب الصليبية كانت نقطة التحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وأنها الدافع الأساسي للنشاط الاستشراقي المكثف، ولكن اتصال الغرب بالشرق في ذلك الوقت وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي كان اتصالاً عدائياً مسلحاً، متمثلاً في الحروب الطاحنة التي ظلت آثارها باقية حتى الآن. وفي نهاية القرن السادس عشر الذي يعتبر منطلق الإصلاح الديني في الغرب، كانت بداية الاتصال الاقتصادي المتمثل في اكتشاف موارد الثروة في العالم الإسلامي، واستغلالها ونقلها إلى الغرب في صورة تبادل تجاري وغير ذلك، وتبع هذا الاتصال السياسي المتمثل في سيطرة الغرب ونفوذه على العالم الإسلامي حتى بلغ أوجه خلال الفترة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين، وخلال هذه الفترة الاستعمارية عمل الغربيون على تخلف المسلمين بإبعادهم عن دينهم حتى يتمكنوا من إخضاعهم إخضاعاً تاماً للسيطرة الغربية. ففي تلك الفترة كان الاستشراق في ذروته لأنه كان مدعوماً من قبل الحكومات الغربية التي كانت توفر لهم الأسباب المعينة على دراسة العلوم الإسلامية حتى يتمكن الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية، فبحث المستشرقون في كل ما يتصل بالإسلام من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة، وصبغوا كل ذلك بصبغة علمية مما أدى بتلك البحوث والدراسات أن تكون مراجع للكثير من الباحثين في المعاهد والجامعات العالمية. وقد غزت تلك البحوث العالم الإسلامي في مؤسساته الفكرية والتربوية ومناهج التعليم، وكان العديد من قادة الفكر الإسلامي قد تتلمذوا على أيدي أولئك المستشرقين عن طريق إيفادهم إلى الخارج، أو استقدام المستشرقين إلى البلاد الإسلامية للعمل في المؤسسات الفكرية ومناهج التعليم، وهكذا ظلت العلاقة قائمة، والصلة وثيقة بين العالم الغربي والفكر الإسلامي، ولكنها علاقة تستهدف الإسلام بدرجة أولى. والمستشرقون الذين بحثوا في كل جوانب الإسلام لم يغب عنهم أهمية السنة النبوية فقد علموا أنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن، وفيها توضيحه وبيانه، ولذا تناولوها بالطعن والتشويه والشبه ليتسنى لهم بعد ذلك أن يتلاعبوا بالقرآن ويؤولوه بما يحلو لهم، فطعنهم في السنة هو في الحقيقة طعن في القرآن وهدم لصرح الإسلام.7 يقول السباعي: "ويحاولُ المستشرقون المغرضون وأتباعُهم من المسلمين الذين رقَّ دينُهم، وفُتنوا بالغرب وعلمائِهِ أنْ يُشككوا في صحةِ ما بين أيدينا من كتب السُّنَّةِ المعتمدة، لينفذُوا منها إلى هدمِ الشَّريعةِ، والتَّشكيك بوقائعِ السِّيرةِ، ولكن الله الذي تكفَّلَ بحفظِ دينِهِ قد هيَّأ لهم مَن يَردُّ سهامَ باطِلهم، وكيدِهم إلى نحورِهم8. وسيتضح لنا ذلك من خلال الفصل القادم الذي سنذكر فيه بعض شبهات المستشرقين وتفنيد العلماء تلك الشبهات التي هي أوهى من خيوط العنكبوت {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة:32 1 - أو بالأصح منصرون , ولكن ذكرناهم بما اشتُهر من تسميتهم . 2- مقدمة ابن خلدون فصل في أن المغلوب مولعٌ أبداً بالإقتداء بالغالب في شعائره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده (1/156). 3 - أي للكتب. 4 -انظر: مُقدِّمة كتاب "السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء الكتاب والسُّنَّة" للدكتور محمد بن محمد أبوشهبة (1/38-39). 5 - مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف، نقلاً عن موقع (الشبكة الإسلامية) إسلام ويب - سعادة تمتد 6 - انظر: مُقدِّمة كتاب "السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء الكتاب والسُّنَّة" للدكتور محمد بن محمد أبوشهبة (1/14-39). 7 - مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف. نقلاً عن موقع (الشبكة الإسلامية) إسلام ويب - سعادة تمتد 8 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة دروس وعبر د.مصطفى السباعي ص(14- 15). ____________________________________--- ____________________________________ ____________________________________ و هذا كلام الشيخ الفاضل محمد على الصلابى (من اكبر الشيوخ علما وفقها وقدرا) ____ د. علي محمد الصلابي نواصل الحديث في هذه الحلقة عن فتح إمارة الرها وتحريرها من أيدي الصليبيين، على يد القائد المجاهد عماد الدين زنكي، حيث نتطرق إلى بعض الافتراءات التي رددها بعض المستشرقين بشأن القائد زنكي، والرد عليها من خلال الحقائق التي وردت في كتب المؤرخين ممن عاصروا تلك الفترة. يعد المستشرق جون لامونت من أبرز المؤرخين الأمريكيين خلال النصف الأول من القرن الماضي، وتعددت مؤلفاته في مجال الصليبيات، ولاسيما دراسته الوافية عن الملكية الإقطاعية في مملكة بيت المقدس، غير أن له دراسة أخرى عنوانها الحرب الصليبية والجهاد ضمن كتاب "التراث الإسلامي" الذي نشره نبيه فارس. وفي هذه الدراسة؛ اتجه لامونت إلى تفنيد فكرة الجهاد عند المسلمين حينذاك، وصور تحرك قادة الجهاد الإسلامي حينذاك على أنه جاء من خلال دوافع سياسية واقتصادية، وذكر أن عماد الدين زنكي لا يعتبر بأي حال من الأحوال بطل الجهاد، وإنه وإن كان يطمع في استرجاع الرها منُذ وقت طويل كما يقول كمال الدين بن العديم، لم يقم بهذا العمل بوضوح إلا متأخراً، وبعدما حثه على ذلك أميـر حران جمـال الدين أبو المعالي فضل الله بن ماهان الذي بين له سهولة احتلال المدينة (1). ويستمر لامونت في تصوره قائلاً: الظاهر أنه هو نفسه كان يعتبر احتلال الرها خروجاً عن سياسته وعملاً قام به بناء على تحريض الآخرين (2) وذكر أيضاً: أن استيلاء زنكي على حماه، وحلب وحروبه ضد الأرتقيين أعظم أهمية عنده من حرب النصارى، وما كان ليكره التحالف مع اللاتين إذا رأى في ذلك مصلحته (3). ومن الممكن تفنيد تلك الآراء على النحو التالي: - كان اتجاه عماد الدين زنكي لمهاجمة الرها متأخراً وذلك أمر لا يقلل البتة من دوره الجهادي خاصة أنه كان يرى أن يستهلك طاقات تلك الإمارة الصليبية في صراعاته وحروبه معها ضد حصونها ومعاقلها، تم يتجه بعد ذلك إلى مهاجمة الإمارة نفسها بعد أن يتمكن من سبر غور دفاعاتها، ومعرفة نقاط الضعف فيها، وكذلك نقاط القوة. ومن ناحية أخرى من الطبيعي تصور أن نصيحة أمير حران لزنكي بإسقاط الرها لم تكن لتغير من الموقف شيئاً ما لم يكن زنكي قد خطط مسبقاً لذلك، بل أغلب الظن أن سقوط تلك الإمارة من الصعب تصور حدوثه على النحو الذي يصوره لامونت، بل أنها في الأغلب كانت من مخططات الزنكيين منُذ أمد بعيد. أما تعليل عدم تبكير زنكي، بالاستيلاء عليها، فذلك مرجعه إلى عدم رغبته في إجهاض قوته الحربية في صدام مبكر مع الصليبيين غير مضمون النتائج خلال مرحلة حكمه المبكرة، ولذا فمن الممكن اعتبار توقيت الاستيلاء على الرها - على نحو ما فصلته المصادر اللاتينية والسريانية والعربية، يعتبر بحق من أبرز دلائل حنكة زنكي السياسية، ويبدو أن إدعاء لامونت بأن إسقاط الرها كان بعيدا عن سياسة عماد الدين زنكي هو أكبر الإدعاءات التي لا تجد سنداً تاريخياً يدعمها. ومن المعروف أن زنكي كان مشتركاً في جيش مودود، وبنص عبارة ابن الأثير: شهد معه حروبه (4) ، ولا ريب في أنه أدرك أهمية إسقاط الرها، بل إن ذلك الحلم ترسب في ذهنه منُذ زمن بعيد والمتصور أنه أراد النجاح فيما أخفق فيه مودود من قبل، وقد أعتقد أن إسقاطها أمر ضروري على اعتبار أنها الهدف الصليبي الأقرب إلى الموصل، كما أن تحقيق مثل ذلك الهدف من شأنه تيسير اتصاله بشمال الشام، وخاصة من خلال رؤيته التوحيدية الثاقبة (5). - إن افتراض جون لامونت بأن زنكي كان يمكن أن يتحالف مع اللاتين من أجل مصلحته السياسية، افتراض يدعم حنكة عماد الدين زنكي السياسية، فقد لجأ إلى عقد الاتفاقيات مع الصليبيين أحياناً من أجل التقاط الأنفاس، وعدم الوقوع في آتون جبهتين: جبهة الشرق بصراعه مع قواه السياسية، وجبهة الصراع مع الصليبيين ثم أنه أراد أن يبعث الطمأنينة في نفوس الأخيرين من خلال مثل تلك الاتفاقات، في حين كان يبطن النية للإجهاز على الرها، ولذا جاءت عمليات الحصار من جانبه نحوها أمراً مفاجئاً لأهلها (6). - أما القول بأن زنكي لم يكن هدفه الوحيد إسقاط الرها، بل إنه كان سعى أيضاً إلى بناء دولته على حساب جيرانه سواء المسلمين أو الصليبيين فينبغي ملاحظة أن كافة القيادات الإسلامية التي ظهرت خلال عصر الحروب الصليبية على امتداد القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي/السادس والسابع الهجري، وساهمت في قضية الجهاد، كان لديها طابع ما من الطموح السياسي وكانت تسعى بالفعل إلى توطيد أركان دولها على حساب القوى السياسية المجاورة لها، غير أن العبرة هنا بأن الطموح السياسي - كما أشرت من قبل - يتم تفجيره في قضية الأمة بأسرها وهي الجهاد، لأن مثل تلك القيادات كان من الممكن أن ترضى العيش في ذلة وإنكسار مع الصليبيين ولا تتوسع على حسابهم تجنباً لإثارة المشكلات السياسية معهم ولسقوط القتلى والجرحى بل وتعرض مناطق نفوذها الأصلية لاعتداءات الغزاة غير أنها رفضت ذلك وقبلت التحدي الصليبي وأظهرت قدرتها على تغيير الجغرافية السياسية للمنطقة من خلال تبنيها لمشاريع الجهاد (7). - من المهم أن تعرف أنه لا يخفى على دراسي تاريخ العلاقات الإسلامية مع القوى المسيحية في مرحلة الحروب الصليبية، كيف أن قطاعاً من المستشرقين حرص على سلب المسلمين إنجازاتهم، وشككوا في المراحل الناصعة من تاريخهم، كما أن هناك ثأراً ملازماً ذلك القطاع منهم لاسيما مع فكرة الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، ولذلك حرصوا الحرص أجمعه على إنكارها، والتشكيك فيها، والإساءة إلى كافة التجارب الجهادية الماضية للمسلمين حتى لا يتبنوها في الحاضر والمستقبل. وهكذا من الممكن التقرير - بموضوعية ودون اعتساف في الأحكام - أن عصر الحروب الصليبية شهد نقلة نوعية في تطوير فكرة الجهاد في الإسلام، حيث أن الجهاد هذه المرة ضد عدو استقر على الأرض الإسلامية، بعد ضعف المسلمين من جراء صراعاتهم مع بعضهم البعض، فإذا ما أدركنا أن هويتهم الدينية كانت في خطر أمام مشاريع التنصير التي علقت عليها البابوية آمالاً كباراً، أدركنا كم كانت فكرة الجهاد فكرة محورية في عصر الحروب الصليبية (8). إن المراجع الغربية حاولت تشويه صورة هذا المجاهد الكبير قديماً وحديثاً ومن أشهر الكتب المعاصرة، كتاب الحرب المقدسة، الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم، حيث قالت صاحبة الكتاب كارين ارمسترونغ عن عماد الدين زنكي: لم يكن هذا بأي حال قدوة تحتذى، بل كان سكيراً عربيداً قلما يفيق من سكره، كما كان قاسياً بطاشاً مثل معظم رجال الحرب في عصره (9). وسيرة الرجل تكذب ما يقولون ووصفه مؤرخونا بالشهيد وهو وسام عالي الرتبة والمقام لا يعطي إلا لمن هو أهلاً لهذا الوصف الكبير، فقد قالوا في سيرته: من أحسن سير الملوك وأكثرها حزماً للأمور وكانت رعيته في أمن شامل يعجز القوي عن التعدي على الضعيف (10) ، وكان معظماً للشريعة ومقيماً لحدودها في دولته وقد كلف بذلك القضاة". إن من أهداف بعض المستشرقين من ذلك، هي: تشويه رموز الجهاد لكي تبقى أجيالنا بدون قدوة تقوي العزائم وتنهض بالهمم. إضعاف روح الفداء والتضحية والشهادة والجهاد في الأمة حتى يستطيعوا سوقها كالبهائم. محاولة فصل الأمة عن تاريخها بالأكاذيب والتشويه حتى لا ترجع إلى تاريخها الحافل فتستخرج منه الدروس والعبر. كانت كتابتهم تنبثق من روح صليبية حاقدة على الأبطال الذين ساهموا في إفشال المشروع الصليبي وذلك حاول المستشرقون تشويه صورة عماد الدين زنكي. إن سيرة عماد الدين ومن حوله من أعوانه المخلصين كالقاضي الشهرزوري تقطع بدون شك بكذب أولئك المستشرقين الذين حاولوا طمس الحقائق وإلصاق التهم الباطلة بذلك الرجل العظيم، فتجربته الجهادية تستحق الدراسة والتحليل العميق مع ربط ما وصلنا إليه من دروس وعبر بواقعنا المعاصر، لكي نستفيد منها في السعي الجاد لنهضة الأمة. ولد د.الصلابي بمدينة بنغازي الليبية عام 1963م، وحصل على درجة الإجازة العالمية (الليسانس) من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة المدينة المنورة بالسعودية عام 1993، ثم واصل دراسته العليا في السودان؛ حيث نال درجة الماجستير من كلية أصول الدين بجامعة أم درمان الإسلامية عام 1996م، ونال الدكتوراه من نفس الجامعة عن مؤلفه "فقه التمكين في القرآن الكريم" عام 1999م. من أبرز مؤلفاته: السيرة النبوية، و"فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح"، و"الدولة العثمانية"، و"الدولة الأموية"، و"دولة السلاجقة"، و"تاريخ دولتي المرابطين والموحدين". كما أرخ الصلابي لسيرة الخلفاء الأربعة الراشدين في أربعة كتب منفصلة وهي: "الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق"، و"فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب"، "تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان"، و"أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب". وفي كتاب خامس تناول د.الصلابي سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب باعتباره خامس الخلفاء الراشدين. <A id=1 name=1>1- الحروب الصليبية، العلاقات بين الشرق والغرب ص 166. 2- المصدر نفسه ص 166. 3- المصدر نفسه ص 166. 4- الباهر ص 17 الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 167. 5- الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 167. 6- المصدر نفسه ص 167. 7- الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق الغرب ص 168. 8- المصدر نفسه ص 168. 9- الحرب المقدسة الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم ص 245. 10- كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/157). ______________________ تم بحمد الله الله ام ارحم المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الاحياء منهم و الاموات منقول من موقع اسلامي |
||||||||||
![]() |
![]() |
#2 | ||||||||||
![]() ![]()
|
ايه يا جدعان هو الموضوع ده وحش ولا ايه |
||||||||||
![]() |
![]() |
#3 | ||||||||||
![]() ![]()
|
دة موضوع جامد جدا كل مواضيعك مميزة |
||||||||||
![]() |
![]() |
#4 | ||||||||||
![]() ![]()
|
مع اطيب امنياتي لك بدوام التقدم في الدراسة والمنتدي تقبل مروري عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] |
||||||||||
![]() |
![]() |
#5 | ||||||||||
![]() ![]()
|
جميييييييييل يا باشا بامانة الله انا ما قرتشى الموضوع علشان انا مش عارف اقرا ايه ولا ايه دة ترم بحااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالة ^^ بس طالما جاى من ايدك يبقى اكيد تمام |
||||||||||
![]() |
![]() |
#6 | ||||||||||
![]() ![]()
|
روعه تسلم ايدك ^^ |
||||||||||
![]() |
![]() |
#7 | ||||||||||
![]() ![]()
|
الصراحة مواضيعك جامدة جدا بس نصيحة منى بلاش مواضيع على مصر عشان انتا بتخبط جامد:d |
||||||||||
![]() |
![]() |
#8 | ||||||||||
![]() ![]()
|
الصراحة موضوع رائع من واحد متميز |
||||||||||
![]() |
![]() |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
ماذا تعرف عن venice | dyagooh | Feronia | 4 | 23-04-2011 02:45 AM |
ماذا تعرف عن Troy | dyagooh | Flora | 7 | 25-03-2011 04:10 PM |
•ماذا تعرف عن الزلازل ؟ | _BaD_BoooY_ | بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود | 4 | 21-03-2011 09:44 PM |
ماذا تعرف عن ام الدنيا,,,مصر؟ | _DIDO_ | بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود | 1 | 15-02-2010 08:53 PM |