بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود [ هذا القسم مخصص لمختلف المواضيع البعيدة كليا عن مجال الألعاب ] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
26-12-2011, 01:52 PM | #1 | ||||||||||
|
[YOUTUBE]OIoTHmzN_Yg[/YOUTUBE] حقا الابداع موهبه البهائم الصامته مولده ونشأته ولد عام 1938م في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذوناً شرعياً، وانتقل إلى مدينه قنا حيث استمع إلى اغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها. الشاعر عبد الرحمن الأبنودي متزوج من المذيعة المصرية نهال كمال وله منها ابنتان آية ونور. كتبه من أشهر أعماله السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها. ومن أشهر كتبه كتاب (أيامي الحلوة) والذي نشره في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، وفيه يحكي الأبنودي قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر. من أشهر دواوينه الشعرية: 1 - الأرض والعيال (1964 - 1975 - 1985). 2 - الزحمة (1967 - 1976 - 1985). 3 - عماليات (1968). 4 - جوابات حراجى القط (1969 - 1977 - 1985). 5 - الفصول (1970 - 1985). 6 - أحمد سماعين (1972 - 1985). 7 - انا والناس (1973). 8 - بعد التحية والسلام (1975). 9 - وجوه على الشط (1975 - 1978) قصيدة طويلة. 10 - صمت الجرس (1975 - 1985). 11 - المشروع والممنوع (1979 - 1985). 12 - المد والجزر (1981) قصيدة طويلة. 13 - السيرة الهلالية (1978) دراسة مترجمة. 14 - الموت على الأسفلت (1988 - 1995) قصيدة طويلة. 15 - سيرة بنى هلال الجزء الأول (1988). 16 - سيرة بنى هلال الجزء الثاني (1988). 17 - سيرة بنى هلال الجزء الثالث (1988). 18 - سيرة بنى هلال الجزء الرابع (1991). 19 - سيرة بنى هلال الجزء الخامس (1991). 20 - الاستعمار العربى (1991 - 1992) قصيدة طويلة. 21 - المختارات الجزء الأول (1994 - 1995). أعماله المغناة وكتاباته للسينما كتب الأبنودي العديد من الأغاني، من أشهرها: عبد الحليم حافظ :عدى النهار، أحلف بسماها وبترابها، إبنك يقول لك يا بطل، أنا كل ما أقول التوبة، الهوى هوايا، أحضان الحبايب، وغيرها. محمد رشدي: تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، وسع للنور، عرباوى فايزة أحمد: يمّا يا هوايا يمّا، مال علي مال. نجاة الصغيرة: عيون القلب. قصص الحب الجميله شادية: آه يا اسمراني اللون. قالى الوداع. أغانى فيلم شيء من الخوف صباح: ساعات ساعات. وردة الجزائرية: طبعًا أحباب، قبل النهاردة. ماجدة الرومي: جايي من بيروت، بهواكي يا مصر محمد منير: شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرني، من حبك مش بريء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس وعزيزة. كما كتب أغاني العديد من المسلسلات مثل "النديم"، و(ذئاب الجبل)وغيرهاوكتب حوار وأغاني فيلم شيء من الخوف، وحوار فيلم الطوق والإسورة وكتب أغاني فيلم البريء وقد قام بدوره في مسلسل العندليب حكاية شعب الفنان محمود البزاوى. شارك الدكتور يحيى عزمي في كتابة السناريو والحوار لفيلم الطوق والاسورة عن قصة قصيرة للكاتب يحيى الطاهر عبد الله. حصوله على جائزة الدولة التقديرية حصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية. |
||||||||||
|
26-12-2011, 01:54 PM | #2 | ||||||||||
|
الابنودى يتكلم ( 1 ) الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية الأبنودي يتذكر ويروي حكايات البدايات تأثّرت بنحو مئة شاعر من الحفاة لابسي الجلابيب هم أصحاب المعاني الرائعة التي لم تكتب ولم تغنّ عبر الأثير جمعها: محمد القدوسي هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول «الأبنودي» المزدحم بين سفر وسفر من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية. في البداية لم يبد «الأبنودي» متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات كأنك تولد كل يوم مرة أخرى أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق أول ديوان، أول جائزة، أول سفر أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها. وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب» أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال كالنيل الذي كان يفيض هناك في «أبنود» قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة». مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها. بالنسبة إلى الأبنودي فإن أبنود بلا أدنى شك هي بداية البدايات. ما بينه وبينها ليس مجرد «حبل سرّة» يربط الجنين بأمه ولا «عهد صوفي» يربط المريد بشيخه وليس ـ بالتأكيد ـ مجرد صلة (سطحية أو عميقة) بين قروي وقريته، خاصة أن عبد الرحمن الأبنودي لم يعد قرويا، أو لم يعد «مجرد قروي». لكن ما بينهما (الأبنودي وأبنود) هو تلك الصلة بين الشخص وظله، أو بين «المرء» وصورته في «المرآة». الأبنودي هو الحالة الإنسانية من أبنود، هو المكان بعدما تفلّت من قبضة الجغرافيا واستحال بشرا. وأبنود هي الأبنودي على الخريطة، هي الإنسان وقد سرت روحه في المكان ليصبح قرية بدروبها وشوارعها، نهرها وجبلها، حقولها وناسها، فهل يدهشكم بعد هذا أن يحمل الأبنودي أبنود دائما؟ أن تكون بالنسبة إليه أقرب من التذكر وأعمق من المشاعر وأن ينبع اسمها ـ باستمرار ـ من بين شفتيه ويبرق في كلماته؟ يقول الأبنودي: أذكر أن صديقي الأديب الطيب صالح قال لي إنني سأدخل النار بسبب أبنود. وأقسم قائلا: يا رجل «مصمصت عظمي». الواحد يقول لك «صباح الخير» تقول له «أبنود»، يكلمك في السياسة تقول له «أبنود»، في الأدب «أبنود»، حرام عليك! ويفسر الأبنودي طرفا من هذه العلاقة قائلا: هي أبنود وأنا الأبنودي، أحمل اسمها، ما يجعلني محملا بأمانة ومسؤولية أن أكون على مستوى التجربة الشريفة لهذه القرية التي أدين لها بأني أصبحت عبد الرحمن الأبنودي. وما لم يقله الأبنودي ـ وهو الأكثر إثارة للدهشة ـ أنه هو وقريته الواقعة على نيل محافظة قنا ويمر فيها القطار مرتبطان برباط الزمان ـ لا المكان فقط.مرتبطان ارتباط المواسم بمحاصيلها وهو رباط يعرف الفلاحون أنه الأوثق والأمتن، لذا فإنهم ينسبون كل محصول إلى موسمه. ينسبونه إلى الشهر القبطي الذي ينضج فيه كأنهم ينسبون ابنا إلى أبيه. يقولون: خروب برمهات، ورد برمودة، نبق بشنس، تين بؤونة، عسل أبيب، عنب مسرى، رطب توت، رمان بابة، موز هاتور، سمك كيهك. والشهور القبطية هي التي ابتكرها قدامى المصريين لسنتهم وعرفوا بها مواقيت زرعهم وحصادهم وهي الشهور الباقية في ذاكرة القرية المصرية، خاصة في الصعيد وعلى الأخص في «قنا» التي شهدت أرضها نصر «أحمس» على «الهكسوس» وما زالت ذاكرتها تخفق بالفخر. و«بابة» هو الشهر الثاني في السنة القبطية. يقابله في التقويم الغريغوري ـ السنة الميلادية ـ الفترة بين 11 من أكتوبر/تشرين الأول إلى 10 من نوفمبر/تشرين الثاني. وقد سمي الشهر نسبة إلى إله الزرع ( بى نت رت ) لان الخضرة فيه تكسو الأرض وإليه نسبت «أبنود» وكان له معبد يقع قريبا منها. وعن «بابة» الشهر الذي يمثل المعادل الزمني لأبنود يقول «الأبنودي»: نفسي أكتب كتابة تجيب «طوبة» في «بابة» تمسح ريش البلابل وتنعنش الغلابة تحاور البحورة وتنطق السحابة إنه حلم الخصب طوال العام فإسما «بابة» و«أبنود» مستمدان من المصدر نفسه، من إله الزرع الذي أصبح مرة شهرا «بابة»، كما أصبح قرية «أبنود» في مرة أخرى. والفلاحون يقولون «رمان بابة» في ربط هو عروة لا تقبل الانفصام بين الشهر ومحصوله «الرمان» الذي يستوي على سوقه في بابة بحبوبه التي تحمل لون الياقوت وحلاوة غناء الأرض. هذا ما ينضجه «بابة»، الشهر الذي يمثل ـ كما قلنا ـ المعادل الزمني لـ«أبنود» المكان التي استوى فيها «رمان» آخر هو عبد الرحمن الأبنودي إذ اعتبرته القرية رمانها في واقعة شديدة الطرافة! حكاية «رمان» بتلقائيته وبوحه العارم الذي لا يبقى شيء ـ ولا أحد ـ معه قادراً على الاختباء، يحكي عبد الرحمن الأبنودي واقعة سرقة كان بطلها «الشعر أنقذني من السجن المدني، إذ لولاه لصرت ـ ربما ـ لصاً خفيف اليد، لكن الشعر قبض الثمن إذ أدخلني السجن السياسي». ويقول: خلف بيتنا في أبنود كانت هناك «جنينة» ـ أي حديقة ـ واسعة نسميها باسم صاحبها، هي «جنينة علي غزالي». كانت بالغة الاتساع مزروعة بشجيرات الرمان فحسب وكان رمانها وفيرا يذهب إلى الكثير من الأسواق. ولنعرف مدى إغراء هذه «الجنينة» لخيال «الطفل» عبد الرحمن الأبنودي وشهيته، نذكركم بأنها مزروعة في أبنود حيث الطعام هو الخبز القاسي، و«الحلوى» هي «الشاي» الصعيدي الأسود بمرارته التاريخية والفاكهة الوحيدة هي «البلح». وسط هذا «الجفاف» يعثر الطفل على بستان مليء بشجيرات الرمان التي يصفها الأبنودي بأنها «فاجرة الجمال»، بدءا من أوراقها وأغصانها الشديدة الخضرة إلى زهورها النارية التي تندلع باعثة الحياة، ثم ثمارها التي يعلن لون النار عن نضجها ويؤذن بعسلها. ولم يعثر على البستان فحسب لكنه «خلف بيته» أي أنه يلوح له في يقظته ويراوده في أحلامه. والصبر على اقتحام مثل هذه «الجنينة» أو «الجنة» يحتاج إلى «زهد» حقيقي ليس لنا أن نتوقعه لدى ذلك الطفل «العفريت» الذي كانه عبد الرحمن الأبنودي ولا لنا أن نطالبه به. ويكمل الأبنودي حكايته: كنت أقف على السقف المصنوع من «البوص» لمخزن «التبن»، والرمان على بعد متر واحد، لا يفصلني عنه إلا سور مرتفع من الطين مغروس في أعلاه مجموعة من جريد النخل المشقوق نصفين. واضح أن من بنى هذا السور افترض قدرة «أشواك الجريد» على صد غارات اللصوص صغارا وكبارا والأوضح أنه كان واهما! يتذكر الأبنودي: كانت ثمار الرمان قد نضجت إلى حد أن قشرتها راحت تنفرج في بعض المواضع كاشفة عن حباتها المرصوصة كالياقوت وأراها وأنا «أتقلى». ولم يطل انتظاري قبل أن أبادر إلى الشروع في تنفيذ خطة محكمة ولأيام رحت ـ مستخدما المنجل ـ أقطع مجموعة متجاورة من أنصاف الجريد لأفتح في قمة السور الشائكة ثغرة تسمح بمروري. وحين اطمأننت إلى أن الفتحة تناسب جسدي النحيل وتفي بالغرض انتهزت فرصة القيلولة ذات ظهيرة قائظة ـ وآه من قيظ الصعيد ـ لأتسلق السور الطيني صعودا وأجتاز أشواكه عبر الثغرة التي سبق أن أحدثتها، ثم أتسلق جانبه الداخلي هبوطا ـ وكانت الأرض من داخل السور أبعد منها من خارجه ـ لأصبح بين أشجار الرمان لا يفصلني عنها شيء. ويا لها لحظة أذهلتني عن العالم، حتى أنني لم ألاحظ تلك الجروح التي أصبت بها عبر رحلة التسلق صعودا والانزلاق هبوطا، ثم القفز الذي أصاب ركبتي بتسلخات إذ سقطت عليهم، لكن «ولا أنا هنا»، إذ استولى الرمان على حواسي كلها وبدأت أمد يدي إلى ثماره عبر فروعه الشوكية. وإذ عجزت عن انتزاعها انتزاعا رحت ألفها مستعينا بحجم الثمرة وثقلها على العود (الرفيع القوي) الذي يربطها إلى الشجرة والذي انقطع بعد أن أدرت الثمرة عدة مرات. يوضح «الأبنودي»: لم يكن ممكنا ـ طبعا ـ أن أكتفي برمانة واحدة ولا بالثانية ولا بالثالثة، لأجد أمامي كوما من الرمان يحتاج إلى حيلة لحمله، ولم أفكر طويلا، إذ قمت ـ مستعينا بخبرتي السابقة في جني القطن ـ بربط وسطي بحبل متهالك عثرت عليه بين الأشجار ورحت أملأ طوق جلبابي ـ وهو للمناسبة الجلباب الوحيد الذي كنت أمتلكه ـ بكومة الرمان ليتضاعف حجمي ووزني وأصبح مستعدا لرحلة العودة التي كانت لتصبح ـ لو تمت ـ أصعب بلا شك، نظرا إلى «الحمولة الزائدة» التي سرت تحت وطأتها بخطوات متثاقلة. وفجأة، كأنما أنبتته الأرض، وجدته أمامي. إنه منسي ابن عم علي غزالي صاحب الجنينة، يرحمهما الله. ويضحك «الأبنودي» قائلاً: كان منسي الأكثر بدانة بين أبناء أبنود، وأنا عصفور نحيل خفيف الحركة، لكنني لم أحسب حساب «الرمان» الذي أحمله والذي يفوقني وزنا، ما جعل منسي رشيقا بالنسبة إلي. وحين حاولت الإفلات هاربا لم أستطع الابتعاد كثيرا وأمسكني منسي البدين بكل سهولة لأسقط على الأرض التي ثبتني فوقها. لم يكن أمامي إلا الاستنجاد بأمي. صحت: يا أما. وبسرعة جاءت أمي فاطمة قنديل على الصوت. أطلت من فتحة السور فرأتني والرمان ومنسي. فهمت ـ طبعا ـ ما جرى فجاءت من باب الجنينة لاصطحابي، متخلياً عن الرمان ومحملاً بخجل ثقيل. وفي مساء اليوم نفسه جاء الرجل الطيب عم علي غزالي بالرمان الذي جمعته إلى بيتنا، مقسما أنه وبخ ابنه. كان يقدر دوافعي الطفولية و«يشتري الجيرة»، لم يكن يعرف اسمي وحين سأل جدتي «ست أبوها» عنه، أجابت أمي بدلا منها قائلة: «رمان»! ولاحظ أن «رمان» اسم تدليل شائع للأطفال الذين يحملون اسم عبد الرحمن، لكن لاحظ أيضا أن أبنود لم تكن تدلل أبناءها! ملاك الحب متواجد حالياً رد مع اقتباس |
||||||||||
|
26-12-2011, 01:55 PM | #3 | ||||||||||
|
أبنود الأبنودي لهذا يرى الأبنودي العالم كله من موقعه في أبنود التي خرج منها ولم يغادرها بل بقيت في روحه. ولهذا لا يرى القاهرة ـ بجلالة قدرها ـ إلا من خلال أبنود، وجميلها عليه أنها جعلته يقرأ أبنود بشكل مختلف. يقول: أنا مدين للقاهرة بأنها جعلتني أطل من جديد على أبنود وأن أعيد فهمي لأوضاعها. وأقول له: هناك بلدة جنوب إيران اسمها أبنود. فيقول: وبين أحياء أبنودنا هناك حي «الفارسي». فهل ذهب بعض عرب أبنود الأبنودي باسمها إلى بلاد فارس أم أن للاسم بالفارسية معنى آخر؟ في أي حال تحتاج المسألة إلى بحث. والمثير أن أبنود قنا المصرية وأبنود التي تقع جنوب إيران تعمرهما قبائل عربية. يتابع الأبنودي: مثلما أدين للقرية بالجانب العلمي أدين لها بالجانب الروحاني التأملي، إذ بالإضافة إلى الشعر والغناء الذي يمارسه الجميع أثناء العمل أنت في هذه القرية مثل الإسفنج تمتص كل هذا الشعر والغناء والفن الجميل. ولذلك عندما يسألني أحد بمن تأثرت أقول تأثرت بنحو مائة شاعر كلهم حفاة يرتدون جلابيب. ولو ذكرت أسماءهم لن يعرف الناس واحدا منها. تأثرت بهم، هم أصحاب المعاني الرائعة التي لم تكتب في الشعر الشعبي ولم تغنّ عبر الأثير! في أبنود تعلم الأبنودي كل شيء، تعامل مع البشر كما تعامل مع السهل والجبل والنهر، مع الحيوانات والطيور داجنة وبرية، مع الأسماك حتى «حفظ» أنواعها وسلوكها وفي نهرها تعلم العوم، كما عرف أنه أصبح «رجلا» للمرة الأولى وهي قصة عجيبة. يقول الأبنودي: كان الفيضان يأتي بالطمي كأنه طينة الحياة الأولى وكنا ننزل في «أحواض الطمي» التي تترسب إلى جوار النيل لنتغطى بطبقة منه قبل أن نغطس في الماء. ذات يوم وفيما أتقلب في هذا الطمي راودني ـ للمرة الأولى ـ ذلك الإحساس الساحر وتلك القشعريرة الغامضة. كان الطين كأنه «يتقلب معي» وشعرت بمتعة لم أعهدها من قبل. وعرفت ـ في ما بعد ـ أن ما شعرت به وما فعلته مع «طين الأرض» ليمنحني المتعة ويخلف الألم هو أمارة أنني بلغت مبلغ الرجال! فهل تستكثرون بعد هذا إذا قلت إن الأبنودي عشق أبنود؟ وإذا أكدت أنها «بابة» وأنه «رمانها». وفي أمثالنا الشعبية يقولون «إن صح زرع بابة، غلب القوم النهابة» أي أن الزرع حين يصح في شهر بابة يصبح كثيراً وفيراً أكبر من قدرة اللصوص على نهبه فهم يسرقون وهو يفيض ويعطي. والأبنودي هو زرع «بابة» ـ التي هي أبنود كما اتفقنا ـ وقد صح فغلب به القوم الذين زرعوه ورعوه النهابة. يقولون في الأمثال أيضا معبرين عن البرد الذي تبدأ هباته الأولى في بابة، ما يجعل الاحتماء بالدار وإغلاق البوابة احتياطاً واجباً من لسعاته وأمراضه: «إن جا (جاء) بابة، ادخل واقفل البوابة». وها نحن «نقفل البوابة» ونختم الكلام على أمل أن نفتحها مرة أخرى في الحلقة المقبلة. ساعة ما الشمس كانت خارجة من بوابة «أبنود» الغربية والضيّ الأصفر أشبه بغبار فايتاه أقدام عسكر قطعوا الدنيا.. ونازلين ورا جبل أبنود كانوا الناس راجعين وهنا.. للمغرب.. ريحة.. وصوت كله بيتتاوى ولاد بيسوقوا رجال ماليين باطهم برسيم وبنات بيلموا الوز من الترعة للدار والأكل بيجهز ع الكوانين والدخانة النافرة من كل سقوف الدور.. البوص وريحة التقلية.. وأدان «الشيخ سعفان» كله مروح الزارع رامي فاسه ف غيطه والتاجر قفل الدكان الشمس بتتدحرج ع البلد اللي فيها ليل نسمة بتخلي النخل يميل إبتدت النجمة الأولانية تبان ابتدا صوت الضفدع.. ورنين الطواحين وكلاب بتهوهو لكلاب وابتدا يتطرز ليل أبنود بالنبح وصوت الضفدع.. ورنين الطواحين أبنود.. بجميع سواقيها وناسها ونجومها ونسايمها بتكوع في ساحات الليل الأبنودي ـ أحمد سماعين «قولوا ورايا يا ولاد الرفضي.. يا رمان أحمر وجديد» وترد الوِلد: «بكرة الوقفة وبعده العيد» والوِلد وراه.. والناس تضحك ـ «مين عنده سمين؟» ـ «حنفي الجزار..» ـ «تشتروا من فين؟» ـ «حنفي الجزار..» ـ «إبن الملاعين..» ـ «حنفي الجزار..» الأبنودي ـ أحمد سماعين وآدي «أبنود» وآدي انتو من زينة الجدعان العقل الموزون والعين اللي تعد الرمل وروني واحد حب الناس زي ما حبيت وروني واحد حب الخير للناس زي ما حبيت حبيت الخير والناس وديت من قلبي من أصغر بيت لاكبر بيت الأبنودي ـ أحمد سماعين الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية مع بليغ حمدي ومحمد رشدي الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية مع نجيب محفوظ الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية استقبال الابنودي في قريته ملاك الحب متواجد حالياً رد مع اقتباس قديم 09-15-2010, 06:35 PM مشاركة رقم 4 ملاك الحب الصورة الرمزية ملاك الحب تاريخ التسجيل: May 2010 العمر: 27 المشاركات: 34,468 تعبانة معدل تقييم المستوى: 10 ملاك الحب is on a distinguished road اوسمتي التميز الوسام الفضي عضو ذهبي الحضور المميز وسام التميز عدد الاوسمة: 8 Icon54 رد: عبد الرحمن الابنودى ... أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية في مصر الابنودى يتكلم ( 2 ) الأبنودي يتذكّر ويروي حكايات البدايات : في مراعي الأطفال كان الخبز قنبلة يدوية والإدام تافه الطعم لا يبقى منه إلّا الإحباط جمعها : محمد القدوسي هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول «الأبنودي» المزدحم بين سفر وسفر، من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية. في البداية لم يبد «الأبنودي» متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات، كأنك تولد كل يوم مرة أخرى، أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب، أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق، أول ديوان، أول جائزة، أول سفر، أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها. وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»، أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال، كالنيل الذي كان يفيض هناك في «أبنود» قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة». مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها. يا ما نفسي أعيش العمر معاكم تحت الشمس نشرب من ريق النيل راحتين أتعشى معاكم تحت النجم ببتاوتين واسمع موال يهمس من جرحي همس تسحبني يا ليل وتجيبني يا عين ياما نفسي أعيش قَطْع ف توب أزرق على فلاح يا فلاحين هكذا عبر الأبنودي الشاب عن أمنياته، لنكتشف أنها -تقريبا- الأمنيات نفسها التي حملها «الأبنودي» الطفل، إذ تمنى أن يظل مع رفاق الطفولة في براح حقولهم وعذوبة نيلهم. إنها أبنود التي غادرها الأبنودي، وأصدر ديوانه الأول «الأرض والعيال» ـ والمقطع من إحدى قصائده وللديوان نفسه حكاية من «حكايات البدايات» ـ وأصبحت القاهرة بالنسبة إليه «النموذج» الذي يمكن أن يزيحه ـ أو يزحزحه ـ نموذج غيره، لكن أبنود انفردت بمكانة «المثال» الذي لا ينازعه في مكانته شيء! لعل جمهور الأبنودي يذكر معي ما يقدم به الشاعر قصيدة «الخواجة لامبو العجوز مات في أسبانيا»، إذ يقول ـ بين التوضيح والتحذير ـ إنه سيلقي قصيدته بـ«اللهجة الأجنبية» وهو بالطبع لا يعني أنه سيلقي قصيدته بالأسبانية! لكن باللهجة القاهرية التي يسميها أجنبية ـ مع أنه قاهري الإقامة منذ الستينات ـ لأنه كان وما زال مواطنا أبنوديا مائة في المائة. أبنود هي الطفولة، طفولة العالم والقلب، العين واليد، هي اللعب الذي يصقل المهارة ويصوغ الحكمة والبراح الذي يفرد ملاءة التأمل وقبل هذا وذاك هي «الناس» والأبنودي هو «شاعر الناس» الذي يتحدث باستمرار عن «ناس أبنود»، هكذا يسميهم. لا يقول «أهل أبنود» ولا «سكان أبنود». مع «ناس أبنود» الأطفال عاش الطفل عبد الرحمن ابن الشيخ محمود أحمد عبد الوهاب المشهور بالأبنودي ومازال يحلم بأن يعيش معهم! كانت أبنود تعامل أطفالها باعتبارهم «كبارا صغار السن» بمعنى أن ليس لهم ـ كالأطفال ـ أن يعتمدوا في كل شؤونهم على الكبار، بل عليهم أن يعيلوا أنفسهم بدرجة أو بأخرى. وبالنسبة إلى الأبنودي كان عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه وأمه وجدته منذ سن باكرة جدا، حتى عرف «العمل» وحمل تبعاته قبل أن يقطع خطوة واحدة على طريق التعليم. عمل الأبنودي مع رفاق صباه في جني القطن وجلب السماد من «جبل الوطواط» المجاور لأبنود والبعيد عن كتلتها السكنية. كما عمل في رعي الغنم وكان عليه - كأقرانه - أن يتدبر أمر نفسه. وأول ما يجب على الراعي ـ البعيد عن بيته ـ أن يؤمنه هو الطعام الذي سيقيم أوده مذ يخرج في الصباح حتى يعود في المساء. ولنستمع إلى الأبنودي وهو يصف «وليمة» الرعاة الصغار. يصف «الشلولو»! يقول: الشلولو لا اجتهاد فيه ولا يختلف «شلولو» عن «شلولو» آخر مهما علا ذوقك ومهما اجتهدت في إعداده. لكن ما هو «الشلولو»؟ إنه أوراق الملوخية المجففة بعد أن تمزج بالماء البارد ويضاف إليها الملح والثوم والليمون. هذا كل شيء! يقول الأبنودي: «كنا نتفق قبل إعداد وليمة «الشلولو» بيوم. يحضر كل منا شيئا من مستلزماته. هذا يحضر الطبق وذاك يأتي بالملوخية وثالث يجلب «فص ملح»، إذ كان الملح فصوصا علينا أن نحتال على سحقها بوضعها بين طيات ملابسنا وطحنها بأضراسنا حتى تتفتت! وحين ترتفع شمس الظهيرة ويصبح من حقنا أن نرتاح من الرعي واللعب أيضا نضع الملوخية في الطبق ونضيف إليها الماء مع تقليبها بعود من البوص وإضافة عصير الليمون حتى تصبح سائلا متجانسا، ثم نهرس الثوم ونسحق الملح ونضيفه إلى ما في الطبق ونقلب ليصبح «الشلولو» جاهزا. إنه الإدام، أما الخبز فهو «البتاو» المصنوع من الذرة النيلية، نحضره في جيوبنا من بيوتنا وهو خبز يشبه «القنبلة اليدوية» في شكله والطوب في صلابته وهذه هي الوجبة كلها: شلولو وبتاو». يقول الأبنودي: «بقدر ما كانت الحماسة تملأنا ونحن نعد وليمة الشلولو، بقدر ما كنا نصاب بالإحباط بعد تناوله فطعمه التافه لا شخصية له ولا يبقى منه - لا في الذاكرة ولا في الفم - ما يستحق الذكر». قلاب العصافير لكن عطايا أبنود وحقولها لم تكن «الشلولو» وحده ففي هذه القرية التي يقول الأبنودي عنها إنها كانت تنضج أبناءها بسرعة، كان الأطفال يصنعون عالمهم من ألفه إلى يائه - بأيديهم الصغيرة - وكانوا ينسجون أحلامهم ورغباتهم البسيطة، يحققونها فيشعرون بنشوة الظفر والتحقق ويطاردونها فيشعرون بقيمة أن يكون لهم هدف في الحياة. وبين أكثر الرغبات بساطة ومشروعية كانت هناك الرغبة في تناول «مزعة» لحم أو قطعة سمك فالحياة - كما تعلمون - لا يمكن أن تكون «شلولو كلها»! يقول الأبنودي: «كانت العصافير المصدر الأساسي الذي نحصل منه على «اللحم» ونحن في مراعينا وحقولنا البعيدة وكنا نحتال على صيدها بالفخ الذي نسميه «القلاب» ربما لأن طرفيه كانا ينقلبان لينطبقا على العصفور ويقبضا عليه. كان فخا بسيطا مصنوعا من السلك، نفتحه ونضع فيه «الطعم» وهو حبة قمح أو ذرة في وسطه فإذا نزل العصفور ليلتقطها أطبق عليه الفخ - المعد للإطباق عند أول اهتزازة - ومرة أخرى نعاود نصب الفخ ليمسك بعصفور وثان، حتى إذا أصبح لدى الواحد منا خمسة عصافير اكتفى وأدرك أنه حصل على ما يشبعه. وبعد اصطياد العصافير كنا نذبحها لا بواسطة السكاكين إذ لم تكن حقولنا ومراعينا مجهزة بأدوات المطبخ، لكن بواسطة قشور عيدان الذرة الصلية ذات الحافة الحادة. يكفي أن تمر حافتها على رقبة العصفور لينبثق منها الدم. وكنا مدربين جيدا على نزع الريش وتنظيف الأحشاء والجوف وغسيل «صيدنا» مرة ومرات في ماء النيل الجاري حتى يصبح نظيفا تماما، ثم ننضجه بنيران نشعلها في فروع الشجر الجافة وما خلفته دواب الحصادين من عيدان النباتات. بعد ذلك نجلس لنستمتع بالوجبة التي صنعناها لأنفسنا بأنفسنا والتي أخذنا كل موادها وأدواتها من أبنود، من طبيعتها التي لم نكن إلا جزءا منها». ويتذكر الأبنودي: «حين انتقلت مع أسرتي طفلاً من أبنود للإقامة في قنا، المدينة الكبيرة والمحافظة العريقة، ظللت - كأنني أبحث عن أبنود في قنا - أمارس كل ألعابي الأبنودية وما أستطيع من تفاصيل حياتي هناك ومنها «صيد العصافير» الذي رحت أمارسه - بالجملة - في الحجرة التي خصصتها أمي لتربية الدواجن والتي اكتشفت أن العصافير تدخل من نافذتها بالعشرات فابتكرت طريقة أغلق بها النافذة بعد تجمع عدد معقول من العصافير، ثم أدخل الحجرة لأنهكها من الطيران العبثي بدفعها إلى محاولة الفرار، حتى إذا استبد بها التعب واليأس رحت أمسكها وأكرر الأمر ليصبح معي عشرات العصافير التي تصبح بعد هذا وجبة شهية». النيل وأسماكه يضيف الأبنودي: «في كثير من الأيام كنا نذهب إلى الحقول بلا زاد إلا «البتاو»، ذلك الخبز الصعيدي الجاف القاسي فهل نأكل البتاوة ونكتفي بها؟ طبعا كلا، لهذا كان علينا إن لم نجد إداما مما تنبته الأرض أن نصطاده من الجو «العصافير»، أو نبحث عنه في الماء «السمك». كنا نصطاد لنشبع جوعنا. لم يكن الأمر هواية ولا مسابقة ومع هذا كان علينا أن نتعلم كل فنون الصيد وحيله لننتصر في المعركة التي تدور بيننا - نحن مخلوقات البر - وبين الأسماك، الكائنات المائية التي كان علينا أن نغريها بما يسد جوعها قبل أن ننجح في القبض عليها ونسد بها جوعنا نحن. كنا - طبعا - نصطاد بالسنارة التي كنا نصنعها ككل أدواتنا بأيدينا والمسألة بسيطة: عود من أعواد الذرة، نربط في مقدمته خيطا يتناسب طوله وعمق الماء الذي سنصطاد فيه. وفي طرف الخيط نربط السنارة الحديدية المعقوفة. بعد أن نجمع قدرا من ديدان الأرض بالحفر في أي مكان ظليل رطب كان علينا أن نختار المكان المناسب للصيد فالأماكن ليست كلها سواء من حيث وفرة السمك. يضيف: «للصيد فنونه وتقاليده وأخلاقياته، وأول من علمني قواعد الصيد هو محمد مصطفى ابن عمي الذي جسدت شخصيته بعد ذلك في الرواية الشعرية «أحمد سماعين». ومن أخلاقيات الصيد ألا تنظر إلى ما وهبه الله لجارك، أن تعلم أن المسألة كلها هي رزق يقسمه الله. وأيضا ألا تحاول أبدا الإمساك بسمكة أفلتت منك وعادت إلى النهر، إذ قد تدفع الثمن من بلل ملابسك وضياع سنارتك وضياع السمك الذي سبق أن اصطدته وربما كان الثمن حياتك نفسها إذا جرفك النهر ولم يكن إلى جوارك من ينقذك». يتابع الأبنودي: «بعد سنوات من ممارسة الصيد ـ الذي أحن إليه كلما مررت إلى جوار ترعة أو أحد تفرعات النيل ـ تكونت لديّ خبرة كافية بطبيعة كل سمكة، بطريقتها في الاقتراب من السنارة وسلوكها بعد الوقوع في أسرها وكيفية التعامل معها بعد خروجها من الماء. هناك «اللبس» وهو سمكة يختلط لحمها بشوكها كأنما عجن به وسمكة «الرعاد» التي تمثل مشكلة حين تقع في السنارة لأنها قبيحة الشكل بلا قيمة ولا تؤكل، ثم إنها تصدر شحنة كهربائية تجعل من يلمسها يرتعد، لهذا يجب إخراجها من السنارة بحذر بعد لفها بقطعة قماش وإياك أن تلمسها وإياك أيضا أن تنجح هي في لمسك. هناك أيضا أسماك «الكلاب» و«الصير» ولكل نوع مذاقه الذي يراودك وأنت جائع فتتمنى الحصول عليه. أما أكثر الأسماك غباء فهو «البلطي» الذي يبلع «الطُعم» غير منتبه إلى السنارة التي يشعر بحديدها وقد اخترق فمه فيندفع إلى الأسفل بكامل قوته وحين نرى سنارتنا تغطس بقوة وسرعة، نعرف أن سمكة «بلطي» علقت بها. أما سمكة «القرموط» فهي ماكرة تقترب من السنارة بحذر وتأكل الطعم من ناحية طرفها غير المدبب. تقضم القضمة وتهرب وتعود لتأخذ غيرها. يحتاج صيدها إلى بال طويل وتمرس. ومن الأسماك الماكرة أيضا سمكة «القرقار» التي لا تكتفي بالقضم بعيدا عن «سلاح» السنارة، لكنها ـ بهدوء ـ تمسك الطعم من طرفه وتحاول سحبه خارج السنارة وربما نجحت في الإفلات بغنيمتها مرة ومرات، تاركة للصياد الخيبة والسنارة الفارغة. لذلك نفرح جدا حين تخرج سنارتنا محملة بواحدة من أسماك القرقار التي لا تكتفي بالانتفاض محاولة إفلات السنارة بل تصدر صوتا كأنها تبكي من الألم أو تنوح على مصيرها، أو كأنها تعلن انتصار الصياد عليها مقرّة بمهارته. و«القرقار» هي السمكة الوحيدة التي يمكن أن تسمع صوتها، صوت فريد من نوعه استعان به أجدادنا الشعراء الشعبيون وهم يصوغون ملحمة العرب الخالدة «السيرة الهلالية». استعانوا به ليصفوا حذاء الأميرة جميلة جميلات بني هلال «الجازية» وكان حذاؤها يصدر صوتا موسيقيا وهي تمشي. تقول الهلالية عن الجازية: لابسة توب شمني وارخيني وحلَّق واظبط من قدام لابسة جزمة بمزيكة عما تصرخ (تصرخ باستمرار) شكل القرقار». اللعب بـ«العافية» لم يكن الأمر عناء كله، إذ كان أطفال أبنود يعرفون اللعب أيضا، بل كانوا يبتكرون ألعابهم، لكن ـ وكما يقول الأبنودي: «كان خروجنا للعمل هو القاعدة التي لا تحتاج إلى اتفاق ولا إلى موعد. ننام ونحن نعرف أننا سنصحو صباحا ونتجه إلى مراعينا أو إلى حقولنا ونعرف من سيكون معنا ومن سيغيب، أما اللعب فهو الذي كان يحتاج إلى اتفاق»! يضيف: «حين كنا نلاحظ اكتمال البدر ونحن في طريق العودة من المرعى، كنا نتفق على الخروج الليلة للعب. في الوقت نفسه كنا نعرف كم بلغ بنا الجهد وأن البعض سيفضل النوم والراحة استعدادا لرحلة الغد المجهدة، أو أن الكبار يمكن أن يمنعوا البعض الآخر من الخروج، لذا كنا نتعاهد ونقسم على الوفاء بالموعد المضروب للعب في ليل «الصعيد» المظلم إلا من ضوء القمر الذي تسعى تحت جنحه الهوام من عقارب وثعابين مختلفة الأشكال والأحجام، لذلك كان الكبار يمنعوننا من الخروج وكنا نتسلل لممارسة طفولتنا واثقين من معرفتنا بكيفية التعامل مع هذه الهوام». يمضي الأبنودي متذكراً: «يذهب من نجح في التسلل منا إلى المكان المتفق عليه وبعد أن يلتئم عقدنا نشرع في «ابتزاز» من فشل في التسلل مثلنا أو تكاسل مفضلا النوم والراحة. هكذا «نسرح» في دروب «أبنود» مرددين أغنيتنا المستفزة المخيفة: إل (الذي) ما طالع يلعب يلعب دقته (لدغته) حية وعقرب عقربين.. بلاصي واحدة تقول يا راسي ذنب الفار حدا (عند) العطار خضرا طرية يا ملوخية و«بلاصي» أي من «جبل البلاص»، ذلك الجبل ذو العقارب الرهيبة التي تعيش في أرضه المالحة والذي يأتون منه بالطين الذي تصنع منه «البلاليص» أي الجرار الفخارية. ولا تسل عن علاقة الملوخية الخضراء الطرية بالموضوع فهي سريالية الأطفال!. كنا نستدرج الطفولة في نفوس بعضنا البعض ونحثها على الخروج. كنا نفرض على رفاقنا - الذين بذهبون طوعا إلى العمل -أن يخرجوا للعب ونهددهم، هم الآمنون في دورهم وتحت أغطيتهم، بما يهددنا نحن في الواقع: الحية والعقرب! وهناك بدايات أخرى، لها حكايات، فإلى الحلقة المقبلة. أبنود كلها تحت الجامع وابتدت الأسياخ تنزل من ع الدكاكين رجَّال عرقانة.. وغرقانة سراويلها ورقابيها طين عَمَّال تتكلم بحماس وتظاظي والعياييل لسه ما نامت وولاد لسه راجعين من فوق اللي بفاس واللي بزنبيل الأبنودي ـ أحمد سماعين يا حضرات المستمعين.. من قبل ما اقص عليكم قصة هذا الأحمد سماعين أحب أنبهكوا لبعض التفاصيل فده راجل مش مشهور أحمد سماعين فلاح مصري أبا عن جد بسيط.. وأمير غني.. وفقير قلبه ف لحظة حجر.. وف نفس اللحظة حرير قضى نص حياته وسط القنايات والطين والنص التاني.. بيلعب «سيجة» أو يتفرج والا يغني في الافراح أو ينعس تحت كافورة في الضُهر الأبنودي ـ أحمد سماعين أنا طبعا مش باوعظ.. أنا باتكلم عن عصفور إنسان.. يعرف ان الجرن عرق.. فيغني للأجران.. اللي حصدها الإنسان.. تنبسط الناس.. تبتسم.. تضحك ويقول الواحد: نفسي ازرع مليون فدان ينزل في الميه الساقعة لحد الركبة تحت شادوف.. ويغني معايا واتعلم منه أغانيه عن زارع معروف بتخونه ظروف وعن الطير اللي بعد ما بيلوف.. بيلوف.. وعن الجمل الحمَّال والجمَّال العلة أتعلم منه وأغني معاه.. الأرض تفيض حب وغلة أسلِّيه واتسلى الأبنودي ـ من عصفور الريف /بعد التحية والسلام الأبنودي - أحمد سماعين الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية مع محمود درويش الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية مع محمد حسنين هيكل الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية الابنودي يغني ملاك الحب متواجد حالياً رد مع اقتباس قديم 09-15-2010, 06:47 PM مشاركة رقم 5 ملاك الحب الصورة الرمزية ملاك الحب تاريخ التسجيل: May 2010 العمر: 27 المشاركات: 34,468 تعبانة معدل تقييم المستوى: 10 ملاك الحب is on a distinguished road اوسمتي التميز الوسام الفضي عضو ذهبي الحضور المميز وسام التميز عدد الاوسمة: 8 1 (11) رد: عبد الرحمن الابنودى ... أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية في مصر الابنودى يتكلم ( 3 ) الأبنودي يتذكّر ويروي حكايات البدايات في طفولتي كانت أمي تهشّ الدجاج حتى لا ينقرني وتغطّيني أنا النحيل الضعيف بطرحتها السوداء جمعها: محمد القدوسي هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول «الأبنودي» المزدحم بين سفر وسفر، من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية. في البداية لم يبد «الأبنودي» متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات، كأنك تولد كل يوم مرة أخرى، أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب، أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق، أول ديوان، أول جائزة، أول سفر، أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها. وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»، أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال، كالنيل الذي كان يفيض هناك في «أبنود» قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة». مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها. في المغرب ( المقصود ساعة الغروب ) تفرط جتتها ف حلق الباب كل النسوان في ابنود في المغرب تقعد ع الاعتاب وكلام المغرب لون المغرب: هدد اليوم واستنظار الرجالة سيرة الميت واستفكار الأحباب ليس مهماً -جداً- أن أذكركم بأن هذه الأبيات هي مقطع شعري من الديوان/ الرواية «أحمد سماعين»ـ وهو حكاية من حكايات البدايات سنعود إليها لاحقاً، لكن مهم أن نشير إلى أن المقطع يظل إحدى الهبات الخالدة التي ألهمتها فاطمة قنديل ولدها عبد الرحمن الأبنودي، ليس فقط لأن صورة المرأة التي جلست مستترة بغبش المغرب على عتبة دارها، تريح جسدها (تفرط جتتها) من عناء اليوم، تنتظر رجلها وتتذكر الراحلين والغائبين، ليس فقط لأن هذه الصورة هي نفسها صورة «فاطمة قنديل»، لكن. وفي المقام الأول. لأن محبة الأبنودي لأمه علمته كيف يحب من أجلها كل صاحباتها ومثيلاتها، أن يصبح ابنا لكل الأمهات، يرقبهن وتنطبع صورهن في ذاكرته، من العين إلى القلب ثم إلى اللسان الذي ينقش ملامحهن شعرا. هذا هو «المهم»، أما «المهم جداً» فهو أن الأبنودي ولد على عتبة كالتي وصفها. ووصف بابها. في هذا المقطع من شعره. حين ذكرت له حرص والدة أحد الأصدقاء على متابعة شعره قال الأبنودي إنه يعيش في حراسة «الأمهات». كأنه ابنهن جميعا، أو كأنهن أم واحدة، هي فاطمة قنديل التي قال عنها: «أنا ابن أمي فاطمة قنديل وجدتي «ست أبوها» وكانتا فقيرتين إلى أبعد الحدود، غنيتين بما تحملان من أغانٍ وما تحرسان من تقاليد وطقوس هي خليط من الفرعونية والقبطية والإسلامية. أعتبر نفسي محظوظا أني عشت مع هاتين المرأتين حياتهما ولم أتفرج على القرية من شرفة عالية ولا من خلف زجاج نافذة. فاطمة قنديل في حياة الأبنودي ليست بداية فحسب، لكنها قيمة عليا، مثل أعلى و«نهاية مطاف» يستقر عندها كل ما له مستقر من الأحلام والعواطف، الأفكار والكلمات، لكن هذا -أيضاً- حديث آخر، أما الآن فدعونا نتابع ذكريات الأبنودي عن تلك اللحظة التي تشكل بداية وجوده على الأرض، لحظة الميلاد. نتابع ذكرياته التي لم يكونها ـ طبعا ـ من معايشة اللحظة، إذ أنه ككل البشر لم يشهد لحظة ميلاده وما كان له أن يشهدها، لكنها ذكريات حصل عليها ـ بلا شك ـ من فاطمة قنديل بين الكثير الكثير من منحها وعطاياها التي اختصته بها. طريق الآلام كان الشيخ الأبنودي والد عبد الرحمن عين مدرسا للغة العربية في قرية نقادة التي تقع على النيل قريبا من قوص واصطحب معه زوجته فاطمة قنديل وكان عبد الرحمن جنينا في أحشائها. وللمرة الأولى ـ والأخيرة ـ أخطأت السيدة الصعيدية الحصيفة في تقدير موعد الولادة، إذ فوجئ زوجها بآلام مخاضها فراح ـ مسرعا ـ ليقدم طلب إجازة من المدرسة ومهرولا عاد إليها يجمع الضروري من الملابس والأغراض ويصطحبها سائرا إلى جوارها من دون أن يتمكن من أن يسندها (وهل كان يمكن أن يفكر في ذلك؟) في رحلة العودة إلى أبنود، إذ لم يكن ممكنا أن تلد المرأة بعيدا عن دارها، طبقا لقاعدة لا تقبل الاستثناء، تجعل أوجب واجبات الصعيدي أن يولد بين أهله وأن يدفن في مقابرهم. هكذا كان على زوجة الشيخ الأبنودي أن تسير معه من المنزل إلى مرسى المراكب على النيل في نقادة قاصدين قوص. وفي المركب ذي المحرك البدائي كان عليها أن تكتم أنينها وتتحمل آلام مخاضها صامتة قدر الإمكان. ثم كان عليها، للنزول إلى البر، أن تسير ـ وهي على هذه الحال ـ فوق لوح الخشب الطويل المنصوب أفقيا بين حافة المركب وحافة النيل. كان عليها أن تظل متزنة رغم الاهتزازات العنيفة التي يبديها هذا «الجسر البدائي» مع كل خطوة يخطوها الجسد المثقل فوقه. ومن شاطئ النيل سارت متجلدة حتى محطة قطارات قوص، عبر طريق ترابي محاط بالأشجار اجتازته فاطمة قنديل والشيخ الأبنودي في ساعة كاملة. وحين وصلا إلى المحطة لم تكن بها قدرة على الوقوف فرقدت مستترة بشجرة «لبخ» فيما ذهب الشيخ ليقطع تذكرتي السفر في انتظار القطار البدائي الذي يأتي بلا موعد ويرحل بلا موعد ويقف لكل من يشير إليه وأحيانا يقف من دون أن يشير إليه أحد، ومن غير سبب معلوم. وحين جاء القطار -أخيرا- وركبته فاطمة قنديل، لم تستطع أن تجلس على أي من كراسيه الخالية، إذ لم يكن في عربة القطار الواسعة أكثر من خمسة أو ستة أشخاص. هكذا وقفت خلف الباب، حتى إذا تحرك القطار نامت حيث تقف ـ خلف الباب والكراسي ـ ووقف الشيخ يسترها بعباءته حتى وصل القطار ـ بعد ساعة كاملة ـ إلى أبنود. وصلت «القافلة» إلى «مضارب الأهل»، الذين جاؤوا لفاطمة قنديل بحمار لتركبه، ذلك أن المسافة من محطة القطار إلى الدار في أبنود نحو ثلاثة كيلومترات. وما إن خطت الأم نصف خطوة إلى داخل الدار حتى وضعت حملها قبل أن تكمل نصف الخطوة الآخر. يقول الأبنودي ـ كأنه كان شاهدا على ما حدث ـ: هكذا جئت إلى الدنيا، على العتبة، بقدم داخل الدار مستعدة للحياة مائة سنة وأخرى على الطريق مستعدة للفرار من هذه الحياة قبل أن ينتبه أحد إلى ما تنوي عليه. كان ذلك في 18 من ابريل/نيسان 1938. الحياة من يد الموت يقول مثل شعبي مصري «اشتريه -أي إشتري الكتكوت أو فرخ الدجاج-في التوت يأكل ويموت، اشتريه في المشمش يأكل وينفش» والنصيحة واضحة بتجنب شراء الفراخ في موسم التوت حتى لا تموت، أما تلك التي يتم شراؤها -بعد فقسها مباشرة- في موسم المشمش فإنها تأكل وتنمو وتسمن (تنفش). ومع التسليم بصحة المثل الذي يلخص خبرة الأجيال الطويلة، ويعتصرها فإن الغريب هو أن الفاصل بين التوت والمشمش هو شهر واحد من شهور السنة القبطية، إذ ينضج التوت في برمودة، فيما ينضج المشمش في الشهر التالي له مباشرة بشنس، والحكاية أن الفراخ تحتاج إلى الدفء وتتضرر من البرد الذي لا يكون سحب كل ذيوله حين ينضج التوت، فبرمودة آخر شهر يمر به البرد ـ وإن لم يكن شهرا بارداًـ وبشنس أول شهور الدفء الخالص. ولأن عبد الرحمن الأبنودي «وُلِدَ في التوت» كان رأي أبيه الشيخ الأبنودي بعد أن رأى هزاله البادي وضعفه الشديد أنه لن يعيش، ونصح لزوجته ألا تتعلق به وتفترض أنها لم تنجبه. لكن فاطمة قنديل كان لها رأي آخر، وظلت تحرس حياته لتفخر -في ما بعد-بأنها حققت بإبقائه على قيد الحياة أكبر معجزة. يتذكر الأبنودي: «كنت نحيفا عليلا وكانت أمي تربط ركبتي بأشرطة من القماش خشية أن تتفككا! ويقول: ولدت في عام 1938، ومن 1938 حتى 1943 كان وباء الملاريا يجتاح القرى وبعده جاء وباء الكوليرا وكنت -بحكم بنيتي الضعيفة ودونما حاجة إلى أوبئة- في طريقي إلى الموت. وأشار الشيخ الأبنودي على أمي أن تتركني إلى جوار الجدار لأموت في هدوء وأن تنجب غيري فقد كنت نحيلا كالحبل، أصفر الوجه مضعضعا. واضح أنني غير مقبل على الحياة. ولكن فاطمة قنديل أصرت على أن أعيش وواجهت الملاريا والكوليرا كامرأة باسلة، كحدأة تختطف الحياة لصغارها. أذكر هنا بعضا من ذلك الطعام الذي كانت تمضغه وتضعه في فمي -كأنها طائر يطعم فرخه- وأنا بين الرابعة والخامسة. أذكر كيف كانت تنقلني من الظل إلى الشمس ومن الشمس إلى الظل وتبعد عني الدجاج الذي يحاول أن ينقر عيني وتغطي وجهي بطرحتها السوداء، ودائما ما كانت تذكرني بعد ذلك بأن أحداً من أبنائها لم يكلفها عصبياً وعاطفياً مثلما كلفتها». طب الأمهات لم تكن فاطمة قنديل تدافع عن ولدها في مواجهة الموت فحسب. لم تكن ترتقب ظهور الهلال الجديد بشغف ولهفة، لأن ظهوره يعني أن ولدها عاش شهرا آخر وأن نضالها لم يذهب سدى، لكنها كانت -بدفاعها هذا- تلقنه الدروس الأولى في كتاب «الخيال الشعبي» الذي أصبح الأبنودي قطعة منه وأصبحت كلماته فصلا مهما من فصوله. يقول الأبنودي: «أمضيت السنوات الأولى من طفولتي في مرض متصل تقريباً. لم يكن مرضاً واحداً لكنها «أدوار» متعددة وحالات متنوعة وأعجب من عدم قدرة هذه الأمراض على قتلي رغم كل «التسهيلات» التي حصلت عليها!» ويقول: «كانت صيدليتي هي ذلك الموروث الشعبي الذي تركه الأجداد للأحفاد، من وصفات وأدوية هي في الواقع أعشاب وأوراق أشجار وألوان من «الأحجار». أدوية تجفف وتغلى وتدق وتصحن. وكان الطبيب، أو الطبيبة في الواقع، أمي فاطمة قنديل إذ كان تطبيب الأطفال مهمة نسائية تمارسها الأمهات بعيدا عن الرجال وبعد خروجهم من البيت إلى حقولهم وأشغالهم». ويحكي الأبنودي عن المرة التي أصيب فيها طفلاً بـ«نزلة معوية»: «رأتني إحدى جارات أمي فصاحت فيها: أنت اتجننتِ يا فاطمة؟ الولد «مصرانه مقطوع» وسيموت إن تركناه. ولم تتركني أمي، لكن هذه الجارة هي التي تركتها وراحت تدعو بقية الجارات ليشاركن جميعا في طقس علاج «المصران المقطوع». لم أكن بلغت سنّ السادسة وفوجئت بحلقة النساء -لابسات السواد- التي أحاطت بي، أما هن فكن منشغلات عني وعن ذهولي بمناقشة محتدمة حول أفضل الطرائق التي يمكن اتباعها للتغلب على العين الشريرة التي رمتني بهذا المرض رغبة منها في إهلاكي. كنت أعرفهن جميعا وأطمئن لهن كما أطمئن إلى أمي، لذا استسلمت لهن وهن يمارسن طقسهن الذي كاد يخرج روحي بدلا من إخراج العين الشريرة. فرشت النساء ملاءة سوداء على الأرض، ملاءة من التي يرتدينها خارج المنزل والتي يتميز نسيجها بأنه ثقيل ضيق المسام، حتى كأنه يخلو منها، كأنه قطعة واحدة متماسكة لا ينفذ منها ضوء ولا هواء. إلى باطن الملاءة المظلم قذفن بي، أما هن فتوزعن على جوانبها يمسكن بها ورحن «يؤرجحن» الملاءة ويؤرجحنني معها، إلى أعلى وإلى أسفل، يمينا ويسارا، بهدوء في البداية، ثم ومع احتدام الطقس تحولت الأرجحة إلى «عصر» تختلف معه أضلاعي وأوقن بأنني سأموت مخنوقا في هذا الظلام الدامس حيث لا أحد يراني ولا أحد يسمعني. كن مشغولات عن سماع أي شيء بتلك «الرقية» التي رحن ينشدنها: يا شافي يا عافي شيل الأذى من بطن واد فاطنة (ابن فاطمة) من عشية (منذ الليلة) يا عالم بالقصد والنية خزق عين اللي قطعت مصرانه وغيرت لحيته وألوانه كنت أفقد الإحساس بجسدي فإذا استعدت قدرتي على النطق صرخت بكل ما في وسعي وهن مستمرات في أداء مهمتهن لوصل «مصراني المقطوع» غير مباليات بصراخي. مرات كثيرة أتقلب في ظلام الملاءة، يقذفن بي إلى أعلاها لتعود وتتلقفني. رعب حقيقي لم أصدق نفسي حين انتهين منه وقذفن بي على الأرض فاقداً الوعي تقريبا، منهكا ومرعوبا إلى أقصى درجة. أشعر -للمرة الأولى- بكراهية عميقة لهؤلاء النسوة اللاتي أدين لطقسهن هذا بحياتي إذ شفيت بعده مما كان بي! هكذا داوتني «فاطمة قنديل» وجاراتها». الطاعون هذا عن الأم، فماذا عن الأب؟ وهل كان الشيخ الأبنودي يرد بعدم تحمسه لحياة ابنه الذي «ولد في التوت» على الساعات العصيبة الرهيبة التي جعله ميلاد هذا الابن يعيشها؟ يرد الأبنودي بما ينسف فكرة عدم حماسة الأب لحياة ابنه ويؤكد أنه كان -ككل أب- محبا لأبنائه وأن نصيحته لفاطمة قنديل بترك عبد الرحمن يواجه مصيره «جوار الجدار» لم تكن تعبيراً عن فقدان الحماسة بل عن فقدان الأمل. كانت عدم تفاؤل لا عدم رغبة. يقول الأبنودي: «أما الوالد، فأذكره يحملني وأنا «مربَّط» بالشاش وأسمع أنني أصبت بالطاعون، أو أنهم لم يجدوا تسمية أخرى للورم الذي أصبت به في رقبتي وكان مفزعا. أذكره يحملني بين يديه وهو قادم بي لا أدري من أين وحين أرقدني رأيت -للمرة الأولى- دموعا تتقاطر من عينيه والشيخ الأبنودي كان لا يبكي ولا يضحك أمام أبنائه وحين كان يضحك مع أصدقائه ويرى أحد أبنائه مقبلا كان يمد كفيه على وجهه لـ «يكشط» الضحكة وكذلك كانت جلساتنا على الغداء، الوجبة الوحيدة التي نلتقي إليها، أشبه بحصة تفتيش مدرسي، ذلك أن حياته القاسية لم تترك له وقتاً ولا رفاهية للضحك والتساهل ومحاولة خلق صداقة بينه وبين أبنائه وهذه سمة عامة للرجال في الصعيد، ألا يتصرفوا على نحو يشجع أبناءهم على البحث عن شيء من التكافؤ في العلاقة معهم». ويواصل الأبنودي حكاية الورم الذي أصابه: «عرفت في ما بعد أن هذا الورم الذي أصابني كان غدة -ربما كانت غدة نكافية- ولم يكن لهذه الأشياء في ذلك العصر أسماء محددة. فقط تلك الأسماء الشعبية مثل: طاعون، ضربة. وكان العلاج نفسه مريعا ربما أكثر من المرض فقد «ذبحوني» تقريبا وعلى وجه الدقة فتحوا شقا مستعرضا موازيا لعظمة الفك السفلي من أولها لآخرها. كان شقا عميقا ظل أثره واضحا حتى سنوات قليلة مضت». ويشير الأبنودي إلى ندبة تحت ذقنه قائلا: «ما زالت هذه الندبة ـ وهي من آثاره -واضحة- عرفت لاحقاً أن الشيخ الأبنودي، أبي، يخبئ دموعا تحت عينيه، وأنه قادر على التحكم فيها. ربما لهذا كانت دمعتي قريبة وربما لهذا أيضاً أنا صديق لابنتيَّ وعلى درجة كبيرة جدا من التسامح والتعامل البسيط معهما في أكثر الأمور تعقيداً، محترما أنهما ليستا أنا، وأن لكل منهما ذاتها المستقلة». وإلى الحلقة المقبلة. ملاك الحب متواجد حالياً رد مع اقتباس قديم 09-15-2010, 06:48 PM مشاركة رقم 6 ملاك الحب الصورة الرمزية ملاك الحب تاريخ التسجيل: May 2010 العمر: 27 المشاركات: 34,468 تعبانة معدل تقييم المستوى: 10 ملاك الحب is on a distinguished road اوسمتي التميز الوسام الفضي عضو ذهبي الحضور المميز وسام التميز عدد الاوسمة: 8 Icon54 رد: عبد الرحمن الابنودى ... أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية في مصر ولما تحت العشية يجمعنا قمر العشية جنب البيبان والسبيل.. سكوت يكون الكلام نتكلموا بالأيادي بالضحكة.. وان دار منادي.. ما نقولش مات الكلام!! (الأبنودي ـ ميت/الزحمة) على شط جروحي طلع الورد ومد لحد ما طال تعريشة يومي المسقوفة بفروع الشمس على شط جروحي شب الحب عيدان العود موال تعريشة مواويلي الخضرة أنا تحتك مش باحلم ولا اطير مش واخد بالي غير من زقزقة العصافير والنيل حواليا سواقي.. ومناديل وطواقي ومواويل ونخيل وحفيف ودروب وديوك وولاد بتغني بصوت شواديف والكنكة احمر الشاي فيها.. كييف.. أنا واد كييف (الأبنودي ـ غيطان الباذنجان/الأرض والعيال) أمايَّه.. وانتِ بترحي بالرحى.. على مفارق ضحى.. ـ وحدك ـ وبتعدِّدي على كل حاجه حلوه مفقوده ماتنسينيش يا امَّه في عدودة عَدودة من أقدم خيوط سودا في توب الحزن لا تولولي فيها ولا تهللي.. وحُطي فيها اسم واحد مات كان صاحبي يا امَّه.. واسمه ناجي العلي (الأبنودي ـ الموت على الأسفلت) ـــــــــــــــــــ مقطع4 رجعت «أبنود» للدار قادت كوانينها واتعشت وملت لنضتها بالجاز طلعت «أبنود» قضت فرض المغرب الدنيا أول صيف والقمر الليلة لابس اللي ع الحبل لاهو عابر سكة.. ولا ضيف (الأبنودي ـ أحمد سماعين) الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية الابنودي مع والدته الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية مع تلميذاته |
||||||||||
|
26-12-2011, 04:26 PM | #4 | ||||||||||
|
[YOUTUBE]b9prnUyPHng[/YOUTUBE] |
||||||||||
|
26-12-2011, 09:15 PM | #5 | ||||||||||
|
حلو |
||||||||||
|
27-12-2011, 06:23 PM | #6 | ||||||||||
|
شكرااااااااا |
||||||||||
|
27-12-2011, 06:43 PM | #7 | ||||||||||
|
شكرا يابرنس |
||||||||||
|
27-12-2011, 09:07 PM | #8 | ||||||||||
|
يا جدعان انا بقولكم ايه رايكم في القصيده |
||||||||||
|
28-12-2011, 11:49 AM | #9 | ||||||||||
|
تماااااااااااااااام نسق الموضوع احسن وتثبيت علطول |
||||||||||
|
28-12-2011, 12:08 PM | #10 | ||||||||||
|
شكراا |
||||||||||
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
قصيدة الحمامة أم غصن زيتون - الابنودي روعة | Mr.LoseveR | بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود | 0 | 15-12-2013 08:29 PM |
عبد الرحمن بن عوف | ☜ ĂиTaKą ☞ | القـسـم الإسـلامـى الـعـام | 9 | 01-07-2013 12:34 AM |
بجد الابنودى أبدع | WELFA | بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود | 11 | 22-12-2011 07:08 PM |
عبدالرحمن الابنودي : على مصر الاعتذار للجزائر | وائل شكرى | بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود | 16 | 29-06-2010 05:19 AM |
***دعاء عرش الرحمن*** | SHONMICIL | القـسـم الإسـلامـى الـعـام | 17 | 26-11-2009 06:39 PM |