بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود [ هذا القسم مخصص لمختلف المواضيع البعيدة كليا عن مجال الألعاب ] |
مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل فكرة الموضوع جيدة | |||
نعم | 11 | 91.67% | |
لا | 1 | 8.33% | |
المصوتون: 12. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
25-08-2008, 09:30 AM | #1 | ||||||||||
|
الموضوع دة هيتم في شهر رمضان ان شاء الله كل يوم في الشهر سيتم وضع شخصية من صناع التاريخ شخصية لكل يوم و انشاء الله الموضوع يحوذ على اعجابكم و ارجو من جميع الاعضاء المشاركة في الاستفتاء من مواضيع مجموعة رمضان كريم |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 03-09-2008 الساعة 05:09 PM
|
25-08-2008, 09:32 AM | #2 | ||||||||||
|
جــيفــارا .. شهيد الثورة وسام الدويك "الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن.. إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني".. ليس شعرا ولا كلمات لأديب من أدباء نوبل، وليست عبقريتها في صياغتها بقدر ما أنها في صدقها، وأيا ما كانت أفكارك وعقائدك فإنك لن تستطيع إلا أن تحترم رجلا كانت هذه إحدى أفكاره التي ظل طيلة حياته يناضل من أجلها. لقد ولد صاحب هذه المقولة -وهو الملقب بالـ"تشي" التي تعني الرفيق واسمه الحقيقي "أرنستو جيفارا دي لاسيرنا"- في الرابع عشر من أغسطس عام 1928، في حي "روساريو" الكائن بمدينة "بوينس أيريس" عاصمة الأرجنتين في عائلة برجوازية عريقة. روح لا يصيبها الربو صورة الأب غير طاغية على المشهد فهو مهندس معماري، ميسور الحال، دائم التنقل قضى آخر أيامه في كوبا، لكن الأم عُرفت بأنها مثقفة ونشطة وهي التي نفخت في الفتى من روحها الشغوفة بتاريخ الأرجنتين، بل وأمريكا اللاتينية كلها.. وربته على سِيَر المحررين العظام أو "آباء الوطن"، وعلى قصائد الشعر لا سيما الشعر الأسباني والأدب الفرنسي. كان الفتى النحيل الذي لا يتعدى طوله 173 سم يمارس الرياضة بانتظام لمواجهة نوبات الربو المزمن التي كانت تنتابه منذ صغره. أما روحه فكانت لاذعة ساخرة من كل شيء حتى من نفسه، وقد أجمعت آراء من اقتربوا منه أنه كان يحمل داخله تناقصا عجيبا بين الجرأة والخجل، وكان دافئ الصوت عميقه، كما كان جذابا وعبثي المظهر كذلك. اضطرت العائلة إلى ترك العاصمة والانتقال إلى مكان أكثر جفافا؛ لأجل صحة الفتى العليل، وفي أثناء ذلك كان اللقاء الأول بين أرنستو والفقر المدقع والوضع الاجتماعي المتدني في أمريكا اللاتينية. الطبيب في رحلة على الدراجة في مارس 1947 عادت الأسرة إلى العاصمة ليلتحق الفتى بكلية الطب، وعند نهاية المرحلة الأولى لدراسته حين كان في الحادية والعشرين من عمره قام بجولة طويلة استمرت حوالي 8 أشهر على الدراجة البخارية نحو شمال القارة مع صديق طبيب كان أكبر منه سنا وأقرب إلى السياسة. ومن هنا بدأ استكشاف الواقع الاجتماعي للقارة، وبدأ وعيه يتفتح ويعرف أن في الحياة هموما أكثر من مرضه الذي كان الهاجس الأول لأسرته؛ فرأى حياة الجماعات الهندية، وعاين بنفسه النقص في الغذاء والقمع.. ومارس الطب مع عمال أحد المناجم وهو ما حدا بالبعض أن يصفه بأنه من الأطباء الحمر الأوروبيين في القرن 19 الذين انحازوا إلى المذاهب الاجتماعية الثورية بفعل خبرتهم في الأمراض التي تنهش الفقراء. صائد الفراشات في جواتيمالا وفي عام 1953 بعد حصوله على إجازته الطبية قام برحلته الثانية وكانت إلى جواتيمالا، حيث ساند رئيسها الشاب الذي كان يقوم بمحاولات إصلاح أفشلتها تدخلات المخابرات الأمريكية، وقامت ثورة شعبية تندد بهذه التدخلات؛ ما أدى لمقتل 9 آلاف شخص، فآمن الطبيب المتطوع الذي يمارس هواياته الصغيرة: التصوير وصيد الفراشات، أن الشعوب المسلحة فقط هي القادرة على صنع مقدراتها واستحقاق الحياة الفضلى. وفي عام 1955 يقابل "هيلدا" المناضلة اليسارية من "بيرون" في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، والعجيب أن هيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين وتروتسكي وماو مع كاسترو في المكسيك غادر "جيفارا" جواتيمالا إثر سقوط النظام الشعبي بها بفعل الضربات الاستعمارية التي دعمتها الولايات المتحدة، مصطحبا زوجته إلى المكسيك التي كانت آنذاك ملجأ جميع الثوار في أمريكا اللاتينية. كان قيام الانقلاب العسكري في كوبا في 10 مارس 1952 سبب تعارف جيفارا بفيدل كاسترو الذي يذكره في يومياته قائلا: "جاء فيدل كاسترو إلى المكسيك باحثا عن أرض حيادية من أجل تهيئة رجاله للعمل الحاسم".. وهكذا التقى الاثنان، وعلى حين كان كاسترو يؤمن أنه من المحررين، فإن جيفارا كان دوما يردد مقولته: "المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها". واتفق الاثنان على مبدأ "الكف عن التباكي، وبدء المقاومة المسلحة". حبنا الوحشي للوطن اتجها إلى كوبا، وبدأ الهجوم الأول الذي قاما به، ولم يكن معهم سوى ثمانين رجلا لم يبق منهم سوى 10 رجال فقط، بينهم كاسترو وأخوه "راءول" وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية. وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين حتى دخلت العاصمة هافانا في يناير 1959 منتصرين بعد أن أطاحوا بحكم الديكتاتور "باتيستا"، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب "تشي" يعني رفيق السلاح، وتزوج من زوجته الثانية "إليدا مارش"، وأنجب منها أربعة أبناء بعد أن طلّق زوجته الأولى. وقتها كان الـ"تشي جيفارا" قد وصل إلى أعلى رتبة عسكرية (قائد)، ثم تولى بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة –وعلى رأسها فيدل كاسترو- على التوالي، وأحيانا في نفس الوقت مناصب: - سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى. - منظم الميليشيا. - رئيس البنك المركزي. - مسئول التخطيط. - وزير الصناعة. ومن مواقعه تلك قام الـ"تشي" بالتصدي بكل قوة لتدخلات الولايات المتحدة ؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو؛ فشددت الولايات المتحدة الحصار، وهو ما جعل كوبا تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أعلن عن مساندته حركات التحرير في كل من: تشيلي، وفيتنام، والجزائر. تشي يتتبع رائحة الثورة وعلى الرغم من العلاقة العميقة القوية بين جيفارا وكاسترو، فإن اختلافا في وجهتي نظريهما حدث بعد فترة؛ فقد كان كاسترو منحازا بشدة إلى الاتحاد السوفيتي، وكان يهاجم باقي الدول الاشتراكية. كما اصطدم جيفارا بالممارسات الوحشية والفاسدة التي كان يقوم بها قادة حكومة الثورة وقتها، والتي كانت على عكس ما يرى في الماركسية من إنسانية.. فقرر الـ"تشي" مغادرة كوبا متجها إلى الكونغو الديمقراطية (زائير)، وأرسل برسالة إلى كاسترو في أكتوبر 1965 تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبر عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك. وذهب "تشي" لأفريقيا مساندا للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بالـ"تشي" في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره كاسترو بنفسه ليرجوه العودة خزانات المسدس والأقلام.. كلها رصاص بعد إقامة قصيرة في كوبا إثر العودة من زائير اتجه جيفارا إلى بوليفيا التي اختارها، ربما لأن بها أعلى نسبة من السكان الهنود في القارة. لم يكن مشروع "تشي" خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة. وقد قام "تشي" بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين 7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1976 بكتابه يوميات المعركة. وعن هذه اليوميات يروي فيدل كاسترو: "كانت كتابة اليوميات عادة عند تشي لازمته منذ أيام ثورة كوبا التي كنا فيها معا، كان يقف وسط الغابات وفي وقت الراحة ويمسك بالقلم يسجل به ما يرى أنه جدير بالتسجيل، هذه اليوميات لم تُكتب بقصد النشر، وإنما كُتبت في اللحظات القليلة النادرة التي كان يستريح فيها وسط كفاح بطولي يفوق طاقة البشر". اللحظات الأخيرة حيث لا يستسلم أحد في يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فردا، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل. وقد استمر "تشي" في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (م-2) وضاع مخزن مسدسه وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حيا. نُقل "تشي" إلى قرية "لاهيجيراس"، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه. وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف "ماريو تيران" تعليمات ضابطيه: "ميجيل أيوروا" و"أندريس سيلنيش" بإطلاق النار على "تشي". دخل ماريو عليه مترددا فقال له "تشي": أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل، ولكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته. وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزارا للثوار من كل أنحاء العالم. كيف رأوه؟ لقد اعتبر "جان بول سارتر" و"سيمون دي بيفوار" جيفارا التجسيد الحي لعالمهم المثالي الذي لم يكن له وجود سوى في أفكارهم الفلسفية فقط. ويراه اليساريون صفحة ناصعة في تاريخهم المليء بالانكسارات والأخطاء، وأسطورة لا يمكن تكرارها على مستوى العمل السياسي العسكري، وهذا ما تؤيده مقولته الرائعة لكل مناضل ومؤمن بمبدأ على اختلاف اتجاهه"لا يستطيع المرء أن يكون متأكدا من أن هنالك شيئا يعيش من أجله إلا إذا كان مستعدا للموت في سبيله". وفي عام 1998 وبعد مرور 30 عاما على رحيله انتشرت في العالم كله حمّى جيفارا؛ حيث البحث الدءوب عن مقبرته، وطباعة صوره على الملابس والأدوات ودراسة سيرته وصدور الكتب عنه علامات استفهام مات جيفارا الطبيب والشاعر، عازف الجيتار والثائر والمصور الفوتوغرافي، وصائد الفراشات.. وترك خلفه أسئلة عديدة، يرى الكثيرون أنها لن يجاب عنها بسهولة قريبا، فلم يحسم حتى الآن أمر الوشاية بـ"تشي"، فهل كان الرسام المتهم منذ أكثر من 30 سنة "بوستوس" الذي عاش منفيا في السويد، أم "دوبري" المفكر اليساري.. لا أحد يعرف. كما أنه لا أحد يعرف أين قبر "تشي" الحقيقي حتى وإن زعم البعض اكتشافه.. ولكن الحقيقة التي تظل ماثلة هي أن الجسد الذي لم ينهكه الربو اغتالته الديكتاتورية، ولكن بلا شك فشل الجميع في هزيمة روحه عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 01-09-2008 الساعة 09:34 AM
|
25-08-2008, 09:32 AM | #3 | ||||||||||
|
أسد بن الفرات بقلم سيد ناجي -------------------------------------------------------------------------------- بطل من أبطال الإسلام، وعلم من أعلام الفقه ورائد من رواد القضاء.. كان في القضاء عادلاً، وفي الفقه معلماً ، وفي الحرب قائداً. لم يمنعه تقدم السن وأعباء الحياة من أن يترك حلقات العلم والحكم، وأن يودع القلم والمحبرة ليتفرغ لقيادة المجاهدين، وتأديب الغادرين، ورفع راية الإسلام. هو أسد بن الفرات بن سنان من حرّان بديار بكر. كان يعتز باسمه واسم أبيه وجده فيقول: أنا أسد وهو خير الوحوش، وأبي الفرات وهو خير المياه، وجدي سنان وهو خير السلاح.. ولد أسد بن الفرات عام 145هـ. تفتح عقله على العلم، وحلّق فكره في الفقه، فكان في صدر شبابه لا يعرف إلا العلم والدرس والتحصيل. انتقل إلى تونس فنشأ بها وترعرع بين ربوعها، فكان لنشأته الفقهية أكبر الأثر في تكوينه.. التقى بالعالم المالكي الفقيه علي بن زياد ودرس عليه المذهب المالكي فنبغ فيه، ودرس الحديث والأثر. ظهر عليه النبوغ والذكاء، فقد كان يتفجر علماً وتقى. جلس يعلم الناس فالتف الناس حوله وأقبل العلماء عليه فلكل سؤال جوابه، ولكل معضلة حلّ. لم يكتف بذلك بل أراد أن يأخذ العلم من منبعه، وأن يحصل عليه من قائله، فعمل على لقاء الإمام مالك فتم له ما أراد. تتلمذ على يديه وسمع منه الموطأ، وتبحر في هذا المذهب وألف الأسدية في فقه الإمام مالك، ثم رجع ليفقه الناس في تونس والقيروان. عرف الناس علمه وفضله، فقد كان أكثر الناس علماً أذكاهم فهماً، وأفصحهم لساناً. ثم تاقت نفسه إلى الاستزادة من العلم والمعرفة فيمم وجهه شطر العراق حيث فقيه الرأي والقياس وأقطاب العلم وجهابذة النظر، فنشأ عن هذا اللقاء فيض القريحة وقوة الحجة. التقى هناك بالقاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن وهما من أجل أصحاب أبي حنيفة، فنقل عنهما أصول المذهب الحنفي. عارض وناقش ودرس الأصول والقواعد. رأى فيه أهل العراق رجاجة عقله وثاقب نظره وفكره المستقل وحسه المرهف، فلقي منهم كل احترام وتقدير، وكما نقل عنهم مذهب الإمام أبي حنيفة نقلوا عنه مذهب الإمام مالك. لا عجب أن يشد أسد بن الفرات رحاله إلى بغداد لينهل من علمها، ويتفقه على أيدي علمائها، فقد كان العراق يومئذ مركز الإشعاع العقلي، جمع بين العلم والفن والتفسير والحديث والفقه واللغة والأدب والنحو والصرف. قال صاحب »ضحى الإسلام« نقلاً عن المقدسي يصف بغداد: »هذا إقليم الظرفاء، ومنبع العلماء، لطيف الماء، عجيب الهواء، ومختار الخلفاء. أخرج أبا حنيفة فقيه الفقهاء، وسفيان سيد القراء، ومنه كان أبو عبيد، والفراء وحمزة والكسائي وكل فقيه ومقرئ وأديب وسري وحكيم، وزاهد ونجيب، وظريف ولبيب.« وقال عنه ابن كثير في (البداية والنهاية 1/102): »قال ابن علي: ما رأيت أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد ولا أحسن منهم.« عاد القاضي الفقيه أسد بن الفرات إلى القيروان وازداد علماً وفقهاً ومعرفة فأخذ يفيض على الناس مما آتاه الله والناس مقبلون عليه يرجون فضله وينالون من علمه. المجاهد الشهيد.. بينما الناس مقبلون علىالدرس والتحصيل، والشيخ يعلو صيته وترتفع شهرته، ويتبوأ مكانته الاجتماعية في المجتمع الذي يعيش فيه، حتى أطلقوا عليه فاضي القضاة أو شيخ الفتيا. وبينما الشيخ يعقد حلقات العلم والناس يتدافعون نحوه إذا بداعي الجهاد يدعو الناس للجهاد في سبيل الله. ففي عهد الخليفة المنصور ينادي زياد الله بن الأغلب في الناس هلموا إلى الجهاد في سبيل الله ويستحث الناس لفتح جزيرة صقلية. فيتدافع المسلمون ملبين داعي الجهاد في سبيل الله، وكان القاضي أسد بن الفرات برغم كبر سنه يتقد حمية على الإسلام. فهو يرى في الجهاد قرّة عينه، وراحة نفسه، فما أن أعلن الجهاد واستعد الناس لأداء الواجب، واجب التضحية والفداء، حتى هبّ القاضي الفاضل والمعلم الورع وصاحب الكتب والمحبرة وابن السبعين من عمره أو أكبر.. إذا بهذا الشيخ بعد أن بلغ هذه السن التي تفتر فيها القوى، وتذبل فيها القرائح، ويخلد الإنسان عادة إلى الدعة والسكينة والهدوء، إذا بهذا القاضي ينقلب شاباً يافعاً ومجاهداً صادقاً، فيعلن استعداده للتطوع ليعمل جندياً في سبيل الله ومجاهداً في ميدان الحق، ولكن زياد الله بن الأغلب رجل يعرف أقدار الرجال، فهو يعرف للقاضي حقه وفضله ومكانته في المجتمع وسنه وورعه فيسند إليه القيادة، قيادة المعركة البحرية العظيمة. * * * لم يكن غزو المسلمين في البحر غريباً عنهم فهم رجال سادوا البحر كما سادوا البر، وكان المسلمون يفرحون للغزو في البحر طمعاً في ثواب الله لمن خاض البحر مجاهداً في سبيل الله.. بل كان المسلمون يطلبون من غزاة البحر الدعاء لهم باعتبارهم مجاهدين لهم من الأجر والثواب أكثر من غيرهم. وقد ثبتت أحاديث شريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغب المسلمين في الغزو في البحر وتبين لهم فضله. من ذلك ما رواه البخاري (1/ص416) من فتح الباري لابن حجر: عن أم حرام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ –من القيلولة- يوماً في بيتها فاستيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال صلى الله عليه وسلم: »عجبتُ من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة.« فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: »أنتِ منهم.« ثم نام صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وهو يضحك، فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله أن أكون منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: »أنتِ من الأولين.« فتزوج بها عبادةُ بن الصامت، فخرج بها إلى الغزو، فلما رجعت قرّبت دابتها لتركبها فوقعت فاندق عنقها.« وفي رواية مسلم بشرح النووي (3/ص575) أن أمّ ملحان قالت لما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: »ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة..« إلى آخر الحديث. لذلك لم يكن ركوب البحر غريباً على المسلمين، فقد غزا معاوية بن أبي سفيان جزيرة قبرص، كما قاد عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرح أكبر معركة بحرية عام 34هـ وهي معركة ذات الصواري، وكانت معركة رهيبة غيّرت تاريخ البحر الأبيض المتوسط. قال الطبري في تاريخه (4/ص289) عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كنت معهم فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا فأرسينا ساعة، فأرسوا قريباً منها، وسكنت الريح عنا فقلنا: الأمن بيننا وبينكم. قالوا: ذلك لكم ولنا منكم مثل ذلك. ثم قلنا: إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم البحر. قال: فنخروا نخرة واحدة وقالوا: الماء. فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض حتى كنا يضرب بعضناً بعضاً على سفننا وسفنهم. فقاتلنا أشد القتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن ويتواجؤون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاماً وقال ممن حضر ذلك اليوم: رأيتُ الساحل حيث تضرب الريح الموج وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال، وإن الدم غالب على الماء، ولقد قتل من المسلمين يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى. وصبروا يومئذ صبراً لم يصبروا في موطن قد مثله. ثم أنزل الله نصره علىأهل الإسلام، وانهزم القسطنطين مدبراً فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجرح، ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حيناً جريحاً. * * * إن أسد بن الفرات الذي جمعت له قيادة الأسطول البحري ومنصب قاضي القضاة مع منصب شيخ الفتيا كان جديراً بهذه المناصب كلها. خرج القاضي أسد بن الفرات ليتولى قيادة الأسطول البحري، وتجمع الناس حوله ما بين مودع وداع، بل كان الناس يسرعون الخطى لينالوا شرف الجهاد في سبيل الله. ووصل الركب إلى بسوسة وكان يوماً من الأيام المشهورة في تاريخ الإسلام. تجمع المجاهدون يرتقبون الساعة الفاصلة التي تنطلق فيها السفن للقاء أعداء دين الله. وأخذ الجند مكانهم، وارتفعت الأعلام، ودقت الطبول، ووقف القائد القاضي أسد بن الفرات مكانه بينهم. كان على القائد في ذلك الوقت أن ينزع الخوف من قلوب جنده، وعليهم أن يطرحوا التردد جانباً، وأن يقبلوا على المعركة مستبسلين لا يخافون ولا يرهبون الردى. وقف القائد يخطب في جنده، فقد كان القائد القاضي صاحب رأي مسموع وبيان مبدع. أخذ يحض المجاهدين ويبين لهم درجة الاستشهاد. وكأنما أراد بذلك أن يقول لهم بفعله لا بقوله. فالجهاد لا يعرف السن. فكم من رجال في تاريخ الإسلام وخط الشيب رؤوسهم، وقوصت الأيام ظهورهم، ورغم هذا لم يقعدهم السن عن ا لجهاد ولا المرض عن أداء الواجب. وقف القائد يحض المجاهدين على القتال فهو يرى في النصر شفاء لصدور المؤمنين.. وقف القائد فقال: »أيها الناس، واللهِ ما وُلي لي أب ولا جد ولاية قط، وما أرى من سلفي ما رأيت ولا بلغ ما بلغت، وكل الذي أعدني وهيأني قلمي وعلمي، فاجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب الحق وفي تدوين العلم، وكابدوا وصابروا على كل الشدائد، فإنكم بذلك تنالون فخر الدنيا وسعادة الآخرة.« كان هذه خطبة القائد العظيم، وعلى أثرها انطلقت الجواري المنشآت في البحر كالأعلام. انطلقت السفن تمخر عباب الماء وعلى ظهورها رهبان الليل وفرسان النهار.. انطلقت السفن الماخرة. يا سبحان الله، ما هذه الجيوش المتكاثرة؟ ما هذه القلوب العامرة؟ من هؤلاء المنطلقون كالأسد الكاسرة؟ إنهم المؤمنون الصادقون الخاشعون الراكعون الساجدون العابدون. سار الأسطول الإسلامي يقوده الشيخ الكريم والقائد العظيم والقاضي البر الرحيم أسد بن الفرات. قاد الشيخ المعركة والجند حوله كلهم أذن صاغية وقلوب واعية، فإشارته أمر وأمره مطاع. سار الأسطول الإسلامي حتى بلغ شواطئ صقلية، فأصدر القائد أمره ببدء المعركة، وبدأت رهيبة قاسية أصلى فيها المسلمون أعداءهم ناراً حامية، دكوا الحصون ودمروا القلاع، وأثخنوا في الأعداء قتلاً. ثم بدأ الجيش الإسلامي العظيم ينتقل من نصر إلى نصر حتى بلغ سرقوسة وحاصرها المسلمون وشددوا قبضتهم عليها وعلى حصارها استشهد القائد العظيم أسد بن الفرات. صعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانها بين الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. استشهد أسد بن الفرات تاركاً لخلفه إتمام ما بدأ به. * * * إن معركة صقلية بجنودها وقيادتها بكل الذين اشتركوا فيها تستحق الدراسة والتأمل. يا سبحان الله، من كان يظن أن هؤلاء الأعراب، رعاة الإبل وسكان الخيام، الذين تربوا في الصحراء، أصبحوا بين عشية وضحاها سادة الدنيا وأساتذة العالم، ومهد الحضارة والحرية، وأهل الفكر والسياسة. عجباً لهؤلاء الأبطال الذين بذلوا أرواحهم لله وجادوا بكل ما يملكون لله! عجباً لهؤلاء الذين أرغموا أنف الحوادث وغيروا مجرى التاريخ! ما قرأ إنسان منصف تاريخهم إلا فاضت عيناه، وما عاش إنسان معهم بأحاسيسه ومشاعره إلا كان الموت أحب إليه من الحياة. لقد كان هؤلاء في الذروة العليا من قوة الروح، إيمان عميق، إيمان بأن النفس لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها. * * * هذا مثل نقدمه للقاضي المسلم التقي الذي تربى على مائدة القرآن الكريم وتخرج من مدرسة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وقدم نفسه للتضحية والفداء. نقدم هذا المثل ليعلم الخلف عن السلف كيف تُضرَب الأمثال في الفداء والتضحية والاستشهاد في سبيل الله. في تاريخ هذا الرجل المجاهد الشهيد والقاضي المؤمن، والشجاع الأبيّ أسد بن الفرات ندرك سر خلود أبطالنا المؤمنين المجاهدين الصادقين. في تاريخ هذا القاضي القائد عظمة المجاهدين وعبقرية الفاتحين. تاريخ هذا البطل الشيهد يجب أن يلقنه الأجداد للأحفاد ويرويه الآباء للأبناء. اللهم اجعلنا نسير على هديهم ونقتفي أثرهم ونحشر يوم القيامة معهم. * * * مجلة الأمة – العدد 27، ربيع الأول 1403هـ |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 02-09-2008 الساعة 05:29 AM
|
25-08-2008, 09:32 AM | #4 | ||||||||||
|
الفاروق عمر بن الخطاب هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط القرشي العدوي. كنيته أبو حفص، ولقبه الفاروق. ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان من أشراف قريش في الجاهلية والمتحدث الرسمي باسمهم مع القبائل الأخرى. لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كان عمر شديداً عليه وعلى المسلمين، ثم كتب الله له الهداية فأسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، في ذي الحجة سنة ست من البعثة، بعد إسلام حمزة رضي الله عنه بثلاثة أيام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ـ يعني أبا جهل». وخلاصة الروايات مع الجمع بينها ـ في إسلامه رضي الله عنه أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وقد استفتح سورة (الحاقة) فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال: فقلت ـ أي في نفسي ـ هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40-41] قال: قلت: كاهن. قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: 42] إلى آخر السورة: قال فوقع الإسلام في قلبي، كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، والعصبية التقليدية والتعاظم بدين الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهامس بها قلبه، فبقي مجداً في عمله ضد الإسلام، غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة. وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً متوشحاً سيفه، يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه نعيم بن عبدالله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم، فقال أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمداً. قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وختنك قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه. فمشى عمر دامراً حتى أتاهما وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها سورة طه يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة، وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما: قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأً شديداً. فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت ـ وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فلما يئس عمر، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحى. وقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال: أسماء طيبة طاهرة. ثم قرأ: (طه) حتى انتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد. فلما سمع خباب قولة عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإنى أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام» ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا. فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستجمع القوم. فقال لهم حمزة: مالكم؟ قالوا: عمر! فقال: وعمر ، افتحوا له الباب ، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذه بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة. فقال: « أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم! هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب» فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وأسلم فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزةً وشرفاً وسروراً. روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال: "لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة، قال: قلت: أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إلي، وقال أهلاً وسهلاً، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به. قال فضرب الباب في وجهي، وقال قبحك الله، وقبح ما جئت به. وبعد أن أسلم عمر استشار النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخرج المسلمون ويعلنوا إسلامهم في المسجد الحرام فأذن له، وخرج المسلمون ـ وهم يومئذ أربعون رجلاً ـ في صفين، يتقدم أحدهما حمزة بن عبد المطلب ويتقدم الثاني عمر بن الخطاب، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالفاروق. عن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحق والباطل ». وبإسلامه رضي الله عنه قويت شوكة المسلمين وأعلنوا إيمانهم، عن عبد الله بن مسعود قال: "كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا" وعندما جاء الأمر بالهجرة إلى المدينة هاجر عمر، وتعمد أن يهاجر في العلن ليغيظ الكفار، فطاف بالبيت سبعاً، ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف في كامل سلاحه وقال للمشركين: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ـ أي الأنوف ـ من أراد أن تثكله أمه، ويؤتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي. فما تبعه أحد. شهد عمر بن الخطاب جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أقرب الناس إلى قلبه. وعمر هو أحد المبشرين بالجنة، وهو أبو حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها. وكثيراً ما نزل القرآن الكريم موافقاً لآراء عمر، عن عبد الله بن عمر قال: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر ـ أو قال ابن الخطاب ـ إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر". اشتهر رضي الله عنه بالزهد، وسعة العلم، والجرأة في الحق، وبعدما تولى الخلافة صار مضرب المثل في العدل في زمانه وإلى يوم الناس هذا. عن ابن عباس قال: أكثروا ذكر عمر، فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى. تولى عمر خلافة المسلمين بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك في السنة الثالثة عشر من الهجرة، ودامت خلافته عشر سنوات وستة أشهر وخمس ليال. وفي عهده أصبحت دولة الإسلام الدولة العظمى الأولى في العالم، حيث تمت الفتوحات التي بدأت في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وكسرت شوكة الروم، وزالت دولة الفرس نهائياً من الوجود؛ ففتح العراق، والشام، ومصر، والجزيرة، وديار بكر، وأرمينية، وأرانيه، وبلاد الجبال، وبلاد فارس، وخوزستان، وغيرها. وأدر عمر العطاء على الناس، وجعل نفسه بمنزلة الأجير وكآحاد المسلمين في بيت المال. وكان عمر بن الخطاب أعسر يسر: يعمل بيديه، وكان أصلع طويلاً، أبيض البشرة، إلا أن لون بشرته تغير عام الرمادة ـ عام الشدة والقحط ـ لأنه أكثر من أكل الزيت، وحرم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس وتنصلح أحوالهم؛ فتغير لونه لذلك، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين، وأول من اتخذ التاريخ الهجري، وأول من جمع الناس على قيام رمضان، وأول من دون الدواوين في الدولة الإسلامية. استشهد رضي الله عنه بعد أن طعن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس، وقال عمر حين عرف شخصية قاتله: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام! ومكث ثلاثاً، ثم دفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، بجوار قبري النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 03-09-2008 الساعة 06:21 AM
|
25-08-2008, 09:33 AM | #5 | ||||||||||
|
ابا بكر الصديق اسمه – على الصحيح - : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي . كنيته : أبو بكر لقبه : عتيق ، والصدِّيق . قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه : = كان جميلاً = لعتاقة وجهه = قديم في الخير = وقيل : كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي . وقيل غير ذلك ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق ! وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه . ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال . وسماه النبي صلى الله عليه وسلم " الصدّيق " روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان . وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى " الأوّاه " لرأفته مولده : ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر صفته : كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم . وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً . فضائله : ما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضي الله عنه • فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري . وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر . وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر - ثلاثا - ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين - فما أوذي بعدها . فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة . • وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) قال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه . وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما . ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء . ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله . ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، قم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة . • ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله . • وهو أول الخلفاء الراشدين وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه . واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " • وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجل رقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى . ولذا قال عمر رضي الله عنه : أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ؟! وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر . وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم . • وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح . • وكان أبو بكر ممن يُـفتي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولذا بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على الحج في الحجّة التي قبل حجة الوداع روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك . • وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على النفقة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي . • ومن فضائله أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم . • ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه أخـاً له . روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر . • ومن فضائله رضي الله عنه أن الله زكّـاه قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه . وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) • وقد زكّـاه النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه . • ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم . • ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يوم واحد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة . • ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم . لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري . • وكان عليّ رضي الله عنه يعرف لأبي بكر فضله قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري . وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية . رواه أحمد وأبو داود . • ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه قال الإمام جعفر لصادق : أولدني أبو بكر مرتين . وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر . فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟ قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما . وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي . ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتـركوا في عثمان ابتـراكا ، فشتمهم . وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً . وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانة صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنزلتهما منه الساعة . قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وَقَـرَ في قلبه . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي = رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسأَلُ اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه = لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ = وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ = لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل • وجمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثير الذي لم يجمعه بيت في الإسلام فقد كان بيت أبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة ، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي بكر رضي الله عنه وعنها قال ابن الجوزي رحمه الله : أربعة تناسلوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو قحافة وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن وابنه محمد أعماله : من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم . ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس . ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . لقد سُجِّل هذا الموقف الصلب القوي لأبي بكر رضي الله عنه حتى قيل : نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة . فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه . ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه نحو الشام . وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره . وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة ، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد : شِـمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك . وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش . وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب . زهـده : مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال : يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبح فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين ، فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك . ورعـه : كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة قالت عائشة رضي الله عنها : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه . رواه البخاري . وفاته : توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وه ابن ثلاث وستين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في دار كرامته أعلم بأنني لم أوفِّ أبا بكر حقّـه فقد أتعب من بعده حتى من ترجموا له ، فكيف بمن يقتطف مقتطفات من سيرته ؟ |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 04-09-2008 الساعة 07:51 AM
|
25-08-2008, 09:33 AM | #6 | ||||||||||
|
صدام حسين صدام قبل الحكم ارتقى صدام حسين إلى السلطة من طفل فقير ليصبح حاكماً مطلقاً. وقد تحوّل صدام عبر تاريخه الحافل بالأحداث من حليف للغرب إلى عدو يخشاه الغرب ويحتقره. ومع تزايد احتمالات الحرب على العراق، تتبع بي بي سي أونلاين تاريخ صعود صدام إلى السلطة، وفترات حكمه وحروبه مع جيرانه. صدام حسين الناشط الشاب 1957-1979 بدأ صدام حياته السياسية كناشط شاب، لكنه ارتقى ليكون نائبا لرئيس الجمهورية وممسكا بزمام الأمور. في عام 1957 انتمى صدام حسين، القادم من قرية قرب تكريت شمالي العراق، إلى حزب البعث الذي كان يعمل سرا في تلك الفترة في العراق والذي كان يبشر بفكرة الاشتراكية العربية. وكانت بريطانيا تدير العراق في الفترة بين عام 1920 و عام 1932 بحكم نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم، إلا أنها مارست دورا سياسيا كبيرا لفترة طويلة بعد تلك الفترة. إلا أن المشاعر المعادية للغرب كانت قوية. وفي عام 1959 شارك صدام حسين الشاب قد اشترك في محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، وهو الضابط الذي أطاح بالملكية في العراق وأقام النظام الجمهوري عام 1958. فر صدام حسين إلى مصر بعد فشل محاولة الاغتيال التي استهدفت حياة الزعيم عبد الكريم قاسم لكنه عاد إلى العراق بعد أن تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب عسكري عام 1963، إلا أنه وضع في السجن بعد تسعة أشهر عندما انقلب العقيد عبد السلام عارف على حزب البعث وأبعده عن السلطة صدام في الحكم أصبح اللواء أحمد حسن البكر، وهو من تكريت أيضا ومن أقارب صدام حسين، رئيسا للجمهورية. وكان عمر صدام آنذاك 31 عاما. عمل البكر وصدام معا وأصبحا القوة المهيمنة على حزب البعث، إلا أن زعامة صدام أخذت في التفوق على زعامة الرئيس البكر. - نائب صارم للرئيس 1968-1979 أجرى صدام حسين، بصفته نائبا للرئيس أحمد حسن البكر، إصلاحات واسعة النطاق وأقام أجهزة أمنية صارمة. وقد أثارت سياسات كل من صدام والبكر قلقا في الغرب. ففي عام 1972، وفي أوج ذروة الحرب الباردة، عقد العراق معاهدة تعاون وصداقة أمدها 15 عاما مع الاتحاد السوفيتي. كما أمم شركة النفط الوطنية، التي تأسست في ظل الإدارة البريطانية، والتي كانت تصدر النفط الرخيص إلى الغرب. وقد استثمرت بعض أموال النفط عقب الفورة النفطية التي أعقبت أزمة عام 1973، في الصناعة والتعليم والعناية الصحية، مما رفع المستوى المعيشي في العراق إلى أعلى مستوى في العالم العربي. وفي عام 1974، ثار الأكراد في الشمال بدعم من شاه إيران الذي تؤيده الإدارة الأمريكية. وقد دفع الصراع الحكومة العراقية إلى طاولة المفاوضات مع إيران، إذ وافقت على تقاسم السيطرة على شط العرب ـ الممر المائي الواقع جنوبي العراق وجنوب غربي إيران. مقابل ذلك أوقف شاه إيران تقديم الدعم المادي للأكراد في شمال العراق مما مكّن النظام العراقي من إخماد الانتفاضة الكردية. وقد تمكن صدام حسين من إحكام قبضته على السلطة من خلال تعيين أقاربه وحلفائه في المناصب الحكومية المهمة، بالإضافة إلى مراكز التجارة والأعمال. وفي عام 1978، أصبح الانتماء إلى أي من أحزاب المعارضة جريمة يعاقب عليها القانون العراقي بالإعدام. وفي العام التالي أجبر صدام حسين المهيب أحمد حسن البكر على الاستقالة-السبب الرسمي للاستقالة هو لأسباب صحية- وتولى رئاسة البلاد. وقد أقدم صدام على إعدام العشرات من منافسيه في قيادة الحزب والدولة خلال أيام من وصوله إلى الرئاسة الحياة السرية لصدام عاش صدام حسين طفولة بؤس وشقاء وحرمان، ومسقط رأس الرجل الذي سيصبح واحدا من أقوى الزعماء العرب في العصر الحديث هو قرية العوجة الفقيرة الواقعة على ضفاف نهر دجلة والقريبة من مدينة تكريت, ينتمي لأسرة فقيرة، وقد تيتم في سن مبكرة وارسل ليعيش مع اقاربه الذين تكفلوا بتنشئته وتعليمه, وليس من المطلوب ان يكون المرء على معرفة متعمقة بعلم الفلسفة حتى يقدر تأثير هذه الظروف على تطور الطفل, ومثل هتلر وستالين، هذين المستبدين الطاغيين، فان صدام تغلب على مآسي طفولته ليصبح زعيم العراق الذي لا ينازع, كان الخجل من اصوله المتواضعة هو القوة الدافعة لطموحه، كما ان احساسه بعدم الامان الذي تولد لديه نتيجة طفولته غير المستقرة جعلته في وقت لاحق من حياته لا يثق باحد، حتى أقرب الناس اليه, واذا ما اخذنا بالاعتبار هذه الظروف البائسة، فان صدام يستحق الثناء لتغلبه على هذه العوامل والعوائق الاجتماعية القاهرة الى ان وصل الى قمة الهرم السياسي في العراق. وفي هذا الكتاب «صدام - الحياة السرية» الصادر عن دار «ماكميلان للنشر» يكشف المؤلف كون كوكلان الحياة السرية لهذا الديكتاتور الذي شغل العالم في العقود الثلاثة الماضية * دس أفعى بملابس أستاذه وهدد بقتل الناظر عندما قرر طرده من المدرسة كانت العوجة التي تبعد ثمانية كيلومترات جنوب تكريت في شمال وسط العراق عبارة عن بيوت واكواخ من الطمي يسكنها اناس يعيشون في فقر مدقع, المياه الجارية، الكهرباء والطرق الممهدة لم تكن معروفة، ورغم انه كان هناك عدد من ملاك الاراضي في المنطقة، فان القرية نفسها كانت جرداء, ونسبة الوفيات بين الاطفال كانت مرتفعة، والبقاء على قيد الحياة كان الشغل الشاغل للكثيرين, وكان ملاك الاراضي في الهلال الخصيب التي تنتج الرز، القمح، الخضراوات، التمور والعنب، يعيشون في تكريت المجاورة او في بغداد، وكانوا يحظون بمكانة مميزة في المجتمع العراقي, وكان سكان العوجة الفقراء يعملون في فلاحة هذه الاراضي او كخدم في تكريت, ولما لم تكن هناك مدارس في العوجة، فان الآباء القادرين كانوا يرسلون ابناءهم للدراسة في تكريت. سكان العوجة ورغم ان معظم السكان كانوا يعملون في الاراضي، فان البعض كان يمارس انشطة محظورة مثل السرقة، القرصنة والتهريب، وكانت العوجة تشتهر بانها ملاذ لقطاع الطرق واللصوص الذين كانوا يكسبون رزقهم بالسطو على «الدوبا» القوارب الصغيرة التي كانت تنقل البضائع بين الموصل وبغداد. رسميا ولد صدام يوم 28 ابريل سنة 1937، وحتى يضفي على هذا التاريخ مصداقية، فقد جعله سنة 1980 عطلة رسمية، وهناك من يقول انه ولد قبل ذلك بسنتين، بينما يدعي آخرون بانه من مواليد سنة 1939، وهذا يوضح ان عملية تسجيل المواليد والزواج والوفيات كانت بدائية جدا, وفي الواقع فان صدام حصل على تاريخ رسمي لمولده من صديقه وشريكه فيما بعد عبدالكريم الشيخلي الذي ينتمي الى عائلة ميسورة من بغداد، ولهذا السبب كانت لديه شهادة ميلاد رسمية، وكان صدام يغار من عبدالكريم لانه كان يعرف يوم ميلاده, ومن المقبول عموما ان صدام غير سنة مولده حتى يصور نفسه بانه أكبر من عمره اثناء صعوده في حزب البعث، وهذا يتضح من زواجه بزوجته الأولى ساجدة، وهي من مواليد عام 1937. ورغم ان تاريخ ميلاده محل خلاف، فان المكان ثابت ومؤكد, ولد صدام في بيت يملكه خاله خير الله طلفاح، الذي كان نازي الهوى وسجن لمدة خمس سنوات بسبب تأييده للثورة ضد البريطانيين اثناء الحرب العالمية الثانية, وينتمي الى عشيرة بيجات السنية احد فخوذ قبيلة ابو النصر التي كانت مهيمنة في منطقة تكريت، وقد لعبت الولاءات القبلية دورا مهما في صعود صدام للسلطة, وبحلول الثمانينات كان هناك ستة اعضاء على الأقل في القبيلة، بمن فيهم الرئيس صدام، الذين شغلوا مناصب حكومية مهمة، وفي الثلاثينات فان القبيلة كانت معروفة بفقرها وبميلها الى العنف، وكان زعماؤها يفاخرون بتصفية اعدائهم لأتفه الاسباب, ورغم ان صدام اقام نصبا لوالدته صبحة التي توفيت عام 1982، فانه لم يفعل ذلك بالنسبة لوالده، كما انه ليس هناك اي سجل لوفاته ولا المكان الذي دفن فيه, ونتيجة لذلك فان كل الروايات تجمع على ان والده حسين المجيد، اما انه قد ترك منزل الأسرة قبل ولادة الطفل أو بعد ذلك بقليل. من هي سهام؟ ورغم ان حياة وممات والده يكتنفها الغموض، فان له شقيقة تدعى سهام التي تكبره بسنة أو سنتين والتي كانت تبتعد عن الاضواء رغم مكانة اخيها, تزوجت من احد القضاة ورزقت بطفلين، والمرة الوحيدة التي برز اسم عائلتها الى العلن في العراق، كان ابان الحرب العراقية ــ الايرانية، عندما رفض زوجها دعوة صدام للعراقيين بالتطوع في الخدمة العسكرية، وضعت الأسرة قيد الاقامة الجبرية وتم عزل زوج سهام، لكن بعد اشهر عفا صدام عنهم واعاد زوجها الى عمله، وحقيقة ان سهام شقيقة صدام، وعلى عكس كل اقاربه المقربين، لم تحظ ابدا بمكانة مرموقة في العراق، فان ذلك يثير اسئلة حول ما اذا كانت سهام تمت بصلة مباشرة الى صدام. أما بالنسبة لمصير والده، فان أكثر ما يمكن ان يقال، اما انه قد توفي بعد فترة قصيرة من ولادة سهام، أو انه ترك منزل العائلة, ويقول بعض من عاصروا صدام في تكريت بان حسين المجيد هجر صبحة الى امرأة اخرى، وعاش معها لسنوات عدة بعد ولادة صدام، رغم ان العلاقة بين الجانبين من العائلة كانت مسمومة. والدته مستبصرة ورغم انه من الصعب تقديم سيرة دقيقة لطفولة صدام المبكرة، فانه يمكن تجميع بعض الخيوط بعد هجر حسين المجيد لمنزل الاسرة, كانت صبحة والدة صدام تعاني من العدم, كان عملها الوحيد قراءة الطالع »مستبصرة«, وقال سكان في تكريت، انهم يتذكرونها بملابس سوداء على الدوام وجيوبها مليئة بالاصداف التي كانت تستخدمها في مهنتها, وتحدثت بعض الروايات عن انها كانت تتلقى بعض الدعم المادي من شقيقها خير الله الذي كان يسكن في تكريت، بينما تكفل الاخير بتنشئة صدام, وتعود شهرة تكريت تاريخيا الى انها كانت مسقط رأس صلاح الدين القائد الاسلامي الشهير الذي هزم الصليبيين الغزاة في فلسطين, في سنة 1394 زارها تيمورلنك سليل جنكيزخان، والذي توقف فيها لبناء هرم من جماجم ضحاياه المهزومين. وخير الله طلفاح الذي كان يعمل ضابطا في الجيش في تكريت من القوميين العرب المتحمسين، وسيصبح له نفوذ كبير على تشكل صدام الصغير، وفي الادلة على الرابطة القوية التي تطورت بين الخال وابن اخته هي انه بعد ان اصبح رئيسا، كافأ صدام خاله بتعيينه رئيس بلدية صدام، وعندما ادى حماس خيرالله للنازيين الى طرده من الجيش عام 1941، افتقده صدام كثيرا، قال صدام لفؤاد مطر احد كتاب سير حياته الرسميين، «كان خالي قوميا، ضابطا في الجيش العراقي، امضى خمس سنوات في السجن, وكان دائما يبث فينا الروح الوطنية والقومية، وعندما كنت اسأل عنه، كانت أمي تقول انه في السجن», وقد زرع خير الله في الصبي الكراهية للعائلة الملكية التي كانت تحكم العراق في ذلك الحين، ومن يدعمهم من الاجانب، والبريطانيين قبلهم على سبيل المثال، وقد كان هذا الشعور عميقا لدى صدام الذي كتب قائلا بعد ان اصبح رئيسا «يجب تعليم اطفالنا الحذر من كل ما هو اجنبي، وعدم البوح بأي سر من اسرار الدولة والحزب للأجانب لان الاجانب هم عيون بلادهم». كان سجن خير الله يعني عودة صدام للعيش مع والدته التي كانت قد تزوجت لدى عودة ابنها الى العوجة من قريب لها يدعى حسن الابراهيم، الذي كان فقيرا ويعمل بوابا بمدرسة في تكريت , وكان يعتدي بالضرب على صدام، حيث انه كان يجبره على الرقص في الوحل للنجاة من الضرب بالعصا, كان البيت المبني من الطين صغيرا، وحتى صدام نفسه يعترف بحياة الحرمان والشقاء اثناء طفولته، فقد اسر لأمير اسكندر احد كتاب سير حياته، انه لم يعش حياة الصغر، وكان طفلا حزينا يتجنب صحبة الآخرين, وهناك فقرة تثير الشفقة في قوله ان مولده لم يكن مناسبة سعيدة، ولم تكن هناك زهور الى جانب مهده. حسن الكذاب والى جانب هذه الظروف القاسية، فقد كان على صدام ان يتحمل الحياة الكئيبة مع زوج امه الفاسد الذي كان يعرف في القرية بـ «حسن الكذاب»، لانه ادعى بانه قد ادى مناسك الحج، مع انه في الحقيقة لم يقترب من حدود السعودية قط، وقد حرم صدام من الذهاب الى المدرسة، وكان يكلف بالقيام بالاعمال المنزلية الوضيعة، كما كان يجبر على سرقة البيض والدجاج من منازل الجيران، وقد يكون قد أمضى مدة من الزمن في سجن للأحداث نتيجة لافعاله تلك, ويقول وزير عراقي سابق ان والدته صبحة كان لها دور أيضا بتشجيعه على القيام بتلك السرقات، وكان يتم توزيع الغنائم في الليلة نفسها. وان كانت الحياة صعبة في المنزل، فانها لم تكن أحسن حالا عندما كان يتمكن صدام من الافلات من زوج امه ويخرج الى الشارع, وكان شائعا في القرية أن الصبي قتيم، الأمر الذي لم يفعل حسين شيئا لدحضه, ونتيجة لذلك فان الصبية كانوا يضايقون صدام ويتحرشون به أحيانا، حتى انه كان يضطر للتسلح بقضيب من الحديد عندما يخرج الى الشارع للدفاع عن نفسه ان دعت الضرورة, وتحدثت روايات عن أن صدام كان يضع القضيب في النار ويبقر بطون الحيوانات به من أجل التسلية ليس الا، وكان صدام يعاني من الوحدة، وكان المخلوق الوحيد الذي يهتم به هو حصانه الذي حزن كثيرا على وفاته، حتى أنه قال ان يده شلت طيلة أسبوع بسبب ذلك. ومن الممكن سبر وفهم وجهة نظر صدام عند طفولته من خلال سير حياته الرسمية, لم يذكر زوج والدته الا لماما وبسوء، كان يوقظه في الفجر ويشتمه من أجل رعي الغنم, وهو يعترف بأنه عاش في منزل متواضع, وفي السبعينات وعندما كان صدام يسعى لبناء قاعدة نفوذ له في العراق، كان يؤكد على أصوله المتواضعة، والتي كان يأمل من ورائها التقرب وكسب تعاطف المواطنين العاديين, في يونيو من عام 1990 وعشية حرب الخليج, كان صريحا اثناء مقابلة مع ديانا سوبر من شبكة «اي بي سي» التلفزيونية عندما قال: ان الحياة كانت صعبة للغاية في العراق، قلة قليلة كانت ترتدي احذية وفي كثير من الحالات، فانهم كانوا يرتدونها في المناسبات الخاصة، وبعض الفلاحين لم يكونوا يلبسون أحذيتهم الا عند ـصولهم اـى مقصدهم حتى تبقى نظيفة. هو وأمه واخوته ومثل معظم الأبناء فان صدام كان يعبد أمه وهو ما تمثل في البناء الذي اقامه لها في تكريت وان كان ذلك بأموال الدولة, وقد احتفظ صدام بعلاقات جيدة مع اخوته من أمه، وان كانت العلاقات بينهم صعبة أثناء الطفولة, وقد اسند صدام لكل من برزان، وسبعاوي ووطبان مناصب رسمية مهمة بعد أن أصبح رئيسا للعراق، حتى أن برزان اعتبر نفسه لسنوات عدة ولي عهد صدام الذي علمته تنشئته بأن لا يثق بأحد، وأهمية الاعتماد على النفس، وقيمة وأهمية استخدام القوة لاطاحة كل من يقف في وجهه او طريقه, وتعلم انه أيا كانت عدم كفاءة اسرته الوظيفية فان هؤلاء هم الأشخاص الوحيدون الذين يمكن ان يثق بهم ويعتمد عليهم. واذا كانت تجربة صدام مع زوج أمه قد ساعدته في تشكيل شخصيته، فان الفترة التي أمضاها مع خاله في تكريت وبغداد قد اسهمت دون أدنى شك بوجهات نظره السياسية, وبينما كان خير الله لاعبا صغيرا في النضال الأوسع من قبل الشعب العراقي للحصول على حق تقرير المصير، فان مشاركته الفعالة في التيارات القومية في ذلك الوقت تركت بصمة لا تمحى لدى صدام الصغير، خصوصا ان انشطة خاله قد حرمته من صحبة خير الله خلال خمس سنوات حاسمة من طفولته. كان ابن الأخت والخال قد تغيرا بقدر كبير بحلول الوقت الذي التأم فيه شمل صدام وخير الله من جديد في تكريت, كان خير الله يشعر بالمرارة والميل الى الانتقام نتيجة للمعاملة التي لقيها على يد البريطانيين, والى جانب حبسه، فانه قد خسر مكانته الاجتماعية بعد طرده كضابط من القوات المسلحة العراقية, بعد اطلاق سراحه عمل ناظرا لمدرسة خاصة، حيث اخذ يثبت وجهات نظره القومية وافكاره المعادية للبريطانيين بين طلاب المدرسة, يقول طالب سابق في المدرسة «كان خير الله رجلا في منتهى القسوة نازيا وفاشيا، كل الطلبة كانوا يخافونه سواء بالنسبة لسجله في محاربة البريطانيين او آرائه السياسية». اثناء غياب خاله القسري كان صدام قد تخرج بجدارة كفتى قوي وصلب من الشوارع، وبسبب والد زوجته كان اميا، وبالنسبة لمعظم الفتية الذين هم في مكانة صدام الاجتماعية فان التعليم لم يكن يشكل اولوية بالنسبة لهم، ولو تكن هناك رغبة لدى صدام في محاكاة خاله وتقليده، لكان قد بقي مثلهم يعتاش على السرقة والبلطجة, كان الانخراط في القوات المسلحة ربما هو الطريق الوحيد المتاح لمثل من هم في مكانة صدام لتحسين مواقعهم الاجتماعية، ليس لانهم كانوا فلاحين فقراء فحسب، بل كونهم من السنة والذين كانوا يعتبرون في العراق الجديد اقلية اذا ما قورنوا بالاكراد والشيعة, كان طموح اي شاب عراقي ميال للخدمة العسكرية الالتحاق باكاديمية بغداد العسكرية التي اسسها البريطانيون لتخريج ضباط جيدي التدريب وموالين. مولود مخلص ويعود انضمام شبان تكريت للقوات المسلحة الى مولود مخلص الذي ولد في تكريت وبنى سمعة اثناء الثورة العربية ضد العثمانيين في الحرب العالمية الاولى, وبعد تأسيس العراق اصبح مخلص احد المقربين الموثوقين من الملك فيصل الاول ونائب رئيس مجلس الشيوخ في ظل الملكية، واستخدم نفوذه في تعيين الشبان من تكريت بمراكز رفيعة في القوات المسلحة والشرطة، وهو ما دأب عليه اعوانه فيما بعد, وبذلك وفي اواخر الخمسينات تكونت عصبة قوية في قلب الجيش العراقي والمؤسسة الامنية، وقد تطلع صدام الذي كان يمتلك بنية قوية تؤهله لخوض الحرب للانضمام للاكاديمية، لكن لسوء حظه فانه لم يكن يمتلك اي مؤهلات علمية وشهادته الوحيدة انه خريج العوجة. وتقترن عودة الشاب الطموح للعيش مع خاله في تكريت بحكايات مفادها ان خير الله الذي كان بمثابة والد صدام بالتبني، قد عرض مساعدة صدام للحصول على تعليم مناسب. ووفقا لفؤاد مطر كاتب سيرة حياة صدام فان عائلة صدام كانت تريد منه ان يصبح مزارعا، على اساس انه لا فائدة من التعليم، لكن صدام اصبح مهتما بفكرة التحصيل العلمي والذهاب الى المدرسة بعد ان التقى بابن خاله عدنان خير الله، الذي ابلغه كيف انه يتعلم القراءة والكتابة والحساب, وعدنان هو ابن خير الله من زواجه الاول الذي اثمر ايضا عن انجاب ساجدة التي ستصبح الزوجة الاولى لصدام, بعد اطلاق سراحه تزوج خير الله من امرأة اخرى وانتقل عدنان وساجدة اللذان كانا يعيشان مع امهما في منزل والدها في بغداد اثناء سجن والدهما للسكن في تكريت, وقد اصبح عدنان اعز اصدقاء الطفولة لصدام، وتبوأ فيما بعد منصب وزير الدفاع وهو منصب احتفظ به حتى وفاته في ظروف غامضة بتحطم هليوكبتر, عام 1947 تأثر صدام بما سمعه من ابن خاله حتى انه قرر السفر معه الى تكريت للالتحاق بالمدرسة, ووفقا لسيرة حياته الرسمية: فقد كانت تلك «أول خطوة تمرد» يتخذها صدام، حيث كانت أسرته مازالت مقتنعة بأن التعليم ما هو الا مضيعة للوقت بالنسبة لابنهما. الهدية مسدس وكان صدام والناس نيام يغادر المنزل ويشق الظلام في طريقه، حيث يعمل بعض من أقاربه الذين كانوا يفاجأون بظهوره المفاجئ، لكنهم كانوا يتفهمون عندما بدأ يشرح لهم أسبابه وانه يريد الذهاب الى المدرسة ضد رغبة أسرته, وكان صدام يلقى التشجيع من هؤلاء الأقارب, قدموا له مسدسا وأركبوه سيارة الى تكريت حيث تم الترحيب به من قبل أقاربه وهنأوه على قراره, بعد ان أكمل السنة الأولى في المدرسة انتقل الى بغداد مع خاله خير الله طلفاح, أكمل دراسته الابتدائية في بغداد والتحق بعد ذلك بالمرحلة الثانوية. وحتى في الريف العراقي في الاربعينيات حيث الناس يعيشون بعيدا عن حكم القانون، فان اعطاء مسدس لصبي في العاشرة من العمر حتى يعتمد على نفسه يبدو بعيد الاحتمال, وفي الريف العراقي فان الناس يكتسبون اسم العائلة عموما من مكان الولادة، ولهذا السبب فان اسم صدام يتوجب ان يكون صدام حسين العوجة، وليس كما يصر حتى يومنا هذا صدام حسين التكريتي. ولم تكن تجربة صدام التعليمية ممتعة، فقد كان يزامل أطفالا في الخامسة من أعمارهم مما كان يسبب له حرجا وكلمات تنم عن السخرية, فكان يدخل في مشاجرات مع البعض منهم لهذه الأسباب, وقد تركت تهكمات أولئك الطلبة جروحا عميقة في نفسه, ويقال انه عندما شب عن الطوق عاد الى تكريت للانتقام ممن كانوا يسخرون منه وتصوره بعض الروايات بأنه كان صبيا يتصف بالشجاعة والجرأة، وكان يداعب أساتذته ببعض الممارسات الطريفة، مثلما فعل مع مدرس الدين الذي كان عندما يهم بمعانقته، يضع أفعى في ملابسه, ويقول أحد الذين عاصروه أيام الدراسة، ان الناظر قرر طرد صدام من المدرسة، وعندما علم صدام بذلك توجه الى مكتب ناظر المدرسة وهدده بالقتل فعدل الناظر عن قراره. صبي عبوس كان صدام يتلقى التشجيع بصفة خاصة من خاله وابن خاله عدنان الذي كان يكبره بثلاث سنوات للاستمرار في التحصيل العلمي, كانت الصور التي التقطت له في تلك الفترة تظهر صبيا عبوسا، حاد النظرات مظهره يدل على انه قادر على العناية بنفسه, وكان على صدام ان يتغلب على الكثير من العقبات للالتحاق بالمدرسة, لم يكن من الطلبة المتفوقين، رغم انه يتمتع بذاكرة ممتازة وقدرة تصويرية على تذكر التفاصيل, ويقول سعيد أبو الريش أحد المدافعين عنه ان صدام كان طفلا نجيبا وذكيا وأظهر قدرة على التعلم بسرعة، لكن هذا التقييم يتعاكس مع عدم استطاعة صدام النجاح في اختبار القبول الخاص بأكاديمية بغداد العسكرية التي كان تواقا الى الالتحاق بها, وقد شعر بالاهانة لرفض طلبه, وبعد ان تعزز موقفه في الحكومة عين نفسه برتبة لواء فخري, وبعد ان أصبح رئيسا منح نفسه رتبة مشير، وأعدم باطلاق الرصاص ابن مولود مخلص الضابط التكريتي الذي يرجع اليه الفضل في تعيين أبناء بلدته وأقاربه بمراكز مهمة في القوات المسلحة العراقية. اكمل صدام دراسة الابتدائية سنة 1955 في تكريت، وانتقل مع عدنان خير الله الى بغداد حيث التحق الصبيان بمدرسة الكرخ الثانوية، وكان لانتقاله من تكريت الى بغداد تأثير مهم مثلما كان من العوجة الى تكريت, كانت بغداد في الخمسينات تعيش جوا من النشاط والتنافس السياسي، كان الشعور القومي في اوجه وقد توج ذلك بالانسحاب البريطاني في عقب الحرب العالمية الثانية, كانت حركة الاستقلال تموج في القاهرة بزعامة جمال عبد الناصر وتصميمه على تحرير القاهرة من محور النفوذ البريطاني، والذي أدى بالتالي الى ازمة السويس سنة 1956، والتي اثبتت انها المسمار الاخير في نعش الطموح الامبريالي البريطاني, وكان للنجاح الديبلوماسي الذي حققه عبد الناصر في السويس صداه في انحاء الشرق الاوسط كما شجع جماعات قومية اخرى وبخاصة في العراق، حيث كانت الملكية التي اقامتها بريطانية سنة 1922 ما تزال في الحكم ولا تحظى بالشعبية, وغازي الملك العراقي الوحيد الذي حظي بدعم شعب حقيقي، والذي اغضب البريطانيين نتيجة لذلك، وقتل في حادث تحطم سيارة غامض سنة 1939، وقد اتهم البريطانيون وحلفاؤهم في الحكومة البريطانية بأنهم وراء اغتياله, كان خليفته فيصل الثاني يبلغ الرابعة من عمره، وكانت البلاد تحكم فعليا من قبل عبد الاله والسياسي العراقي المحنك نوري السعيد، واللذين كانا من الموالين للبريطانيين وبعد نجاحات عبد الناصر ظهرت تناقضات بين اولئك الموالين للبريطانيين من امثال نوري وعبد الاله، والاحزاب القومية التي اخذت تعمل على قلب النظام الملكي. البعد الجيوبوليتكي والبعد الجيوبوليتكي الديناميكي الآخر والحاسم والذي كان له تأثيراته على السياسة في بغداد في الخمسينات تمثل بظهور الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى, لم يكن السوفيات حريصين على تصدير ايديولوجيتهم الى الشرق الاوسط فحسب، ولكنهم كانوا يتطلعون الى كسر احتكار سيطرة الغرب على ثروة المنطقة النفطية الهائلة، واعتبر التهديد الشيوعي تهديدا خطيرا وحقيقيا سواء في واشنطن، التي زادت بعد تدخل دوايت ايزنهاور بعد ازمة السويس من تدخلها في الشرق الأوسط وفي لندن، التي كانت تحاول الحفاظ على بعض نفوذها في المنطقة سنة 1955. كانت الحكومة العراقية فعالة في اقامة حلف بغداد، وهو منظمة اقليمية دفاعية تتكون من بريطانيا، تركيا، ايران وباكستان، وكان الهدف من تشكيله مواجهة التهديد السوفياتي، مع ان نوري السعيد كان يأمل ان يشكل بديلا في نظر الرأي العام العربي للناصرية, وقد رد عبد الناصر بتوقيع صفقة سلاح ضخمة مع السوفيات، وأمم قناة السويس في السنة التالية, والى جانب ان هذا كله جعل من عبر الناصر زعيما وبطلا لا ينازع للقومية العربية، فانه جعل الحكومة العراقية تظهر بأنها اداة جاسوسية للمصالح الغربية. وباعتباره احد المعنيين، وفي عيني صدام احد الابطال لانتفاضة 1941، كان خير الله نشطا في التيارات السياسية في تلك الفترة، انتقل خير الله للسكن في حي الكرخ الذي كان يقطنه مزيج من السنة والشيعة، والذي كان يشهد اعمالا قتالية بين الطائفتين, اثناء عمله بالتدريس كان خير الله يمارس النشاط السياسي. الفرس واليهود والذباب وكانت ارتباطاته واتصالاته السياسية محصورة مع ابناء بلدته وجماعته، وكان بين هؤلاء في ذلك الوقت احمد حسن البكر، ضابط الجيش التكريتي الذي أصبح رئيسا للعراق، الذي سيلعب دورا محوريا في صعود وارتقاء صدام للسلطة, كان البكر احد القياديين في حزب البعث الذي أسس حديثا، وهو حركة قومية عربية شكلت في سورية في أواخر الاربعينات, وكان البعثيون أعداء للشيوعيين الذين كانوا ينظرون اليهم بانهم يريدون ان يحلوا محل الاستعمار القديم، والفرق الوحيد ان الأول منبعه لندن والثاني جذوره في موسكو. ولا تمثل روايات صدام عن هذه السنوات التشكيلية رؤية سياسية متعمقة, قال لأحد كتاب سير حياته ان الدافع الرئيسي لخاله تمثل في المقاومة والنضال ضد النخبة الحاكمة المحيطة بالملكية وداعميهم البريطانيين، بينما قال لآخر ان خاله كان يتحدث انطلاقا من رؤية قومية وليست شيوعية، ولعل نظرة على منشور كتبه خاله تلقي الضوء بصورة أكبر على تطور منظور خير الله السياسي الذي قال تحت عنوانه «ثلاثة لم يكن الله ليخلقهم، الفرس، اليهود والذباب»، وقد كتب ذلك عام 1981 بعد ان أصبح صدام رئيسا، وهو يمثل الى حد بعيد افقا نازيا يقول: «الفرس حيوانات خلقها الله على هيئة بشر بينما اليهود مزيج من القذارة ومخلفات اشكال شتى من البشر, اما الذباب وعلى النقيض، فانها مخلوقات ضعيفة، والتي لا نفهم هدف الله من خلقها», وكرئيس للعراق، فان سياسته الخارجية كانت تمليها كراهيته للفرس، او الايرانيين كما يعرفون حاليا والاسرائيليين, عام 1980 بدأ حرب السنوات الثماني مع ايران والتي نجمت عن مقتل مليون عراقي وايراني, بينما اطلق اثناء حرب الخليج عام 1991 دفعات من صواريخ سكود على اسرائيل, وقد كافأ صدام خير الله مقابل تعليمه له، بان عينه رئيس بلدية بغداد، وهو منصب استغله اسوأ استغلال وممارسة الفساد الزائد، حتى ان صدام اضطر لعزله واغلاق 17 من شركاته واعتقال مديريها. وليس هناك شك بأن تأثير ونفوذ خير الله على صدام كان ضارا ومؤذيا مثلما كان زوج امه, ولم يمض وقت طويل حتى بدأ صدام بتهديد الخصوم السياسيين او كل من يسيء اليه, ومع انتهاء سنوات المراهقة أصبح صدام صاحب بنية قوية مفتول العضلات وطويل القامة (6 أقدام وانشان), يتحدث بلهجة فلاحية وخطبه تمتزج بعامية تكريتية, ولم يتخل عن لهجته التكريتية حتى بعد ان أصبح رئيسا، خطبه العلنية لا تتقيد بالقواعد اللغوية، وكذلك احاديثه الخاصة، وهو ما كان يربك المترجمين الرسميين ويسبب لهم المشاكل. عضو الفتوة في بغداد وفي اواخر الخمسينات، فان صدام ربما كان عضوا في الفتوة، وهي منظمة شبيبة شبه عسكرية على غرار شبيبة هتلر، والتي شكلت اثناء حكم الملك غازي في الثلاثينات, كانت أهداف الفتوة تدعو الى ان يعمل العراق على توحيد العرب بالكيفية نفسها التي وحد بها سكان بروسيا الألمان، وبتشجيع من خير الله فان صدام كان يشاهد في مقدمة أي تظاهرة او اعمال عنف ضد الحكومة، وفي مثل هذه الأجواءمن العنف والفوضى، فان القضية كانت مسألة وقت فقط قبل ان يعمد صدام الى قتل احد الاشخاص. وكما هي الحال بالنسبة لسنوات صدام الأولى، فان هناك درجة من عدم اليقين في ما يتعلق بالهوية الحقيقية لأولى ضحاياه، ورغم انه يقيم رسميا في بغداد، فقد كان يسافر باستمرار الى تكريت، وكان ينظم اعمال العنف والتظاهر وهناك مثل يقول عندما يأتي اهالي العوجة فمن الأفضل اغلاق ابوابكم، تقول احدى الروايات ان اولى ضحايا صدام هو ابن عم له اساء الى زوج امه حسن الابراهيم، ورغم عدم وجود دليل يدعم هذا الزعم، فان أعمال القتل هذه كانت مألوفة، وليس من الغريب ان يكون حسن قد ارسل وراء ابن زوجته لحل نزاع في البلدة. لكن ليس هناك أي شك بعلاقة صدام في مقتل سعدون التكريتي، وهو عضو في الحزب الشيوعي كان يعمل كمسؤول محلي للحزب وقتل في اكتوبر 1958، كان البعثيون اعداء مريدين للشيوعيين، وبالتأكيد فان خير الله احد ممثلي البعث الرئيسيين في تكريت، لم يكن يشعر بالارتياح ازاء تمتع شيوعي بسلطة في المدينة، لكن الدافع الحقيقي وراء الجريمة، كان معرفة سعدون بسجل وخلفية خير الله البغيضة، وعندما عين خير الله مديرا للتعليم في بغداد سنة 1958، وعلم سعدون التكريتي بالأمر وتوجه الى بغداد وابلغ السلطات بماضي خير الله والذي عزل من وظيفته الجديدة ولما لم يمض سوى بضعة اشهر على تعيينه, ورد خير الله بالطريقة الوحيدة التي يعرفها، وامر ابن اخته بالانتقام له، ونفذ صدام أوامر خاله دونما أي تردد. تمت الجريمة في تكريت، وبينما كان سعدون عائدا الى منزله ليلا من احد المقاهي انقض عليه صدام قرب باب منزله مستغلا العتمة واطلق عليه رصاصة واحدة من المسدس الذي اعطاه اياه خير الله فاراده قتيلا. بعد هذا الحادث اعتقل خير الله وصدام واودعا السجن لمدة ستة شهور، قبل ان يطلق سراحهما بسبب عدم توافر الأدلة، عاد صدام الى بغداد واستأنف ممارسة نشاطه السياسي وكسب قوته بالعمل كمحصل في احد الباصات. ونتيجة لانشطته في تكريت، فان صدام اكتسب شهرة، ليس كتلك التي كان يأمل بها كضابط يتدرب في اكاديمية بغداد العسكرية، ولكن كمحرض سياسي لا ينفر من ارتكاب جريمة قتل لتحقيق هدفه, ربما يكون حزب البعث صغيرا ثلاثمئة عضو فقط عام 1958، لكن كانت لديه طموحات، وقادته لم يكونوا يتلكأون في الاعتراف بمواهب اعضائه من الشبان, وان كان لحزب البعث ان يحقق هدفه في الاستيلاء على السلطة، فقد كان عليه اولا الخلاص من الحكومة, وهكذا فان المهمة الرسمية التالية التي اوكلت اليه تتمثل في اغتيال الرئيس العراقي الجديد. * صدام حسين بدأ حياته السياسية عميلاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كان اسقاط الملكية العراقية ابان ثورة 1958 واحدا من اكثر الاحداث دموية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط, ففي وقت مبكر من صباح يوم 14 يوليو، اقتحمت وحدات من الجيش تطلق على نفسها اسم »الضباط الاحرار« القصر الملكي في قصر الرحاب, دمرت المدفعية الجزء الأعلى من المبنى، واجبروا الملك فيصل الثاني والوصي، واسرهم على الهرب من المبنى الى ساحة القصر، حيث احاط بهم الضباط, ودونما اي اعتبار للنساء والاطفال تم قتلهم جميعا, كانت الناجية الوحيدة من حمام الدم، زوجة الوصي، لانها اعتبرت ميتة وسط كومة الجثث الملكية, وكان قادة الانقلاب مصممين على الا يتركوا اي اثر للعائلة العراقية الملكية، حتى لا يكون لهم اي نواة في المستقبل, وكانت لفتة الاحترام الوحيدة التي ابداها قادة الانقلاب، قد تمثلت في اخذ جثة الملك الصغير لدفنها في مكان سري. اما جثة عم الملك والوصي السابق عبدالاله فقد اعطيت للعامة, وقد اتهم عبدالاله ورئيس الوزراء نوري السعيد بالمسؤولية عن السياسة الموالية للبريطانيين واشتبه بمسؤوليتهما عن مقتل الملك غازي، الوحيد الذي كان يحظى بالولاء من قبل الشعب العراقي اثناء فترة حكمه القصيرة في الثلاثينات, تم سحل جثة عبدالاله في الشوارع حيث تم ربطها إلى سيارة قبل تقطيعها بطريقة بشعة، وتم عرض الأشلاء والاجزاء المتبقية في وزارة الدفاع، وفي المكان نفسه الذي تم فيه شنق اربعة من الضباط الكبار على يد البريطانيين لدورهم في ثورة 1941. تمكن نوري السعيد من النجاة طيلة يومين قبل ان يقبض عليه متخفيا بملابس امرأة اثناء محاولته الهرب, حاول نوري السعيد المقاومة بمسدسه، لكنه سرعان ما تمت السيطرة عليه وقتله, ولم يكتف الضباط بذلك، بل انهم داسوه بسيارتهم مرات عدة قبل ان يتم دفن ما تبقى من الجثة, لكن مجموعة من الغوغاء نبشوا جثته ومثلوا بها، وطافوا ببعض الاجزاء في الشوارع. أين صدام؟ اما مكان وجود صدام اثناء ايام ثورة 1958، فلم يكن معروفا, لكن يمكن القول ان البعثي الشاب وخاله كان لهما دور اثناء العنف الذي انفجر بعد الاطاحة بالملكية, وقتل مئات، وربما الالاف من العراقيين في حمام الدم، وقد ايد البعثيون بكل ما يملكون الانقلاب العسكري وكانوا مصممين على انجاحه. وقد اعلنت الاجندة السياسية لقادة الانقلاب في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 يوليو في بيان خاص عبر الاذاعة وتلا البيان عبدالسلام عارف احد قادة الانقلاب، فقال: «ان الجيش قد حرر الوطن العزيز من النظام الفاسد الذي اقامته ونصبته الامبريالية», وتمثل القرار الاول للحكومة الجديدة بالغاء المؤسسات الرئيسية للنظام السابق بما في ذلك الملكية واعتقال اولئك الذين ساعدوا ذلك النظام. تزايدت الضغوط للتغيير خصوصاً في صيف 1958، كنتيجة لدعم العراق لحلف بغداد من جهة ونجاح عبدالناصر في تحدي بريطانيا وفرنسا حول قناة السويس عام 1956. وفي الواقع فانه بحلول عام 1958، ومزهوا بانتصاره الديبلوماسي، فان عبدالناصر كان يحاول تبني قضية البعثيين بنفسه عندما اقترح نموذجا اوليا لدول عربية متحدة في فبراير من عام 1958. اقيم اتحاد سياسي يضم سورية ومصر فانضمت اليمن في وقت لاحق، واطلق على الكونفديرالية الجديدة الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبدالناصر والقاهرة عاصمتها، وايد معظم الضباط الاحرار الذين نفذوا انقلاب 14 يوليو في العراق مبدأ الانضمام للاتحاد، وبخاصة اولئك الذين كانوا اعضاء في حزب البعث، والذين كانوا يعتقدون بانه السبيل الافضل لتحقيق هدفهم بانشاء دولة عربية واحدة. ونتيجة لذلك، فقد القى البعثيون بثقلهم ودعمهم الكامل للحكومة الجديدة التي شكلت في بغداد بصيف 1958 برئاسة عبدالكريم قاسم زعيم الضباط الاحرار, اوكل قاسم للبعثيين 12 حقيبة وزارية من بين الحقائب الست عشرة في حكومته الجديدة، وكان بعض الضباط الاحرار قد وعدوا عبدالناصر بأنهم سينضمون الى الجمهورية العربية المتحدة مقابل دعمه ومساعدتهم في قلب الملكية، لكن عندما تسلم السلطة انتهج عبدالكريم قاسم منهجا يتسم بالحذر, وفي هذا المجال فان قاسم كان يتصرف بكيفية سينسخها عدد من الزعماء العراقيين في سنوات الاضطراب والعنف التالية, وعندما يكونون في المعارضة، فإن من المألوف ان يعمد سياسيون عراقيون كثيرون الى دعم فكرة تشكيل تحالفات مع جيرانهم العرب، لكنهم عندما يتسلمون السلطة، فإنهم سرعان ما يتبنون قضية العراق اولا وهي سياسة تضع المصالح العراقية في المقام الاول, وبعد ان ثبت قاسم حكمه تبنى العراق اولا، وكانت لديه تحفظات ازاء وضع استقلال العراق تحت قبضة عبدالناصر. وكانت تساوره الشكوك ازاء دوافع بعض زملائه الانقلابيين وبخاصة عبدالسلام عارف الذي ارتأى بان يضغط من اجل الانضمام الى الكونفديرالية مع مصر وسورية بهدف تعزيز موقعه السياسي في العراق, وكما يحدث غالبا في الثورات، فان الثوار سرعان ما وجدوا انفسهم في وسط خلافات بين كل منهم حول التوجه الذي ينبغي ان تسلكه الثورة, وبحلول اوائل الخريف رفض عبدالكريم قاسم اي كونفديرالية مع عبدالناصر، وعلاوة على ذلك, وفي محاولة لتعزيز سلطته امر باعتقال عارف وعدد من الضباط الاحرار الذين حوكموا بتهمة الخيانة, وفي هذه المحاكمة تم الكشف عن تورط صدام في اغتيال سعدون التكريتي وحكم على عارف وزملائه بالموت، لكن هذه الاحكام خفضت فيما بعد الى السجن مدى الحياة. اللحظة الحاسمة وفي خطوة اخرى لتعزيز قاعدة سلطته ونفوذه ابرم قاسم تحالفا مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان لاسبابه الايديولوجية الخاصة يعارض بشدة الانضمام الى الاتحاد, والاتحاد الوحيد الذي يدعمه الشيوعيون العراقيون كان مع موسكو او تحالف قاسم مع الشيطان، كما وصفه الكثير من القوميين, كما سببت المحاكمات الصورية للعراقيين من غير الشيوعيين تدهورا سريعا في العلاقات بين قاسم والعديد من الضباط الاحرار الذين دعموا اسقاط الملكية، ولم يكونوا مستعدين للتسامح مع استبدال ديكتاتور بآخر, وجاءت اللحظة الحاسمة في مارس في عام 1959 عندما نظم عدد من الضباط القوميين انقلابا على قاسم, وفشل الانقلاب فشلا ذريعا وحتى يلقن الانقلابيين درسا، شجع قاسم الشيوعيين على ملاحقة اعدائهم القوميين واعتقالهم، وكانت النتيجة حمام دم جديدا في التاريخ العراقي الحديث, وقتل الشيوعيون ومثلوا بالعديد من القوميين العرب الذين دعموا الضباط وتمت محاكمة الضباط الاحرار الذين ساعدوا في الاطاحة بالملكية بتهمة الخيانة, وفي الموصل شجع الشيوعيون الغوغاء على عمليات نهب وسلب واغتصاب دامت نحو اسبوع, حوكم المتهمون امام محاكم صورية ونفذ فيهم حكم الاعدام رميا بالرصاص امام اعين الجميع. وبالنسبة للبعثيين فان سلوك قاسم كان يرقى الى الخيانة, كانوا قد دعموا قادة الانقلاب في صيف 1958 لاسقاط الملكية بشرط ان ينضم العراق لاتحاد الدول العربية، لكن خلال اقل من عام وجهت لآمالهم ضربة قوية، وشعروا بانه مادام قاسم في السلطة فانه لا امل لهم بتحقيق اهدافهم، وفرصتهم الوحيدة بتحقيق تلك الاهداف تتمثل في ازاحة قاسم عن السلطة وتوصلوا الى قرار بان يتم تحقيق ذلك بواسطة الاغتيال. اما ان يطرح اسم صدام لتنفيذ تلك المهمة فانه لم يكن مفاجئا, وفي تلك المرحلة من تطوره، فان حزب البعث العراقي كان هيئة ايديولوجية اكثر من كونه آلية مقاتلة ومعظم اعضائه الثلاثمئة كانوا اما من الطلاب او من المهنيين الذين كانوا يطمحون الى انشاء مجتمع اكثر عدلا تخدم فيه الحكومة مصالح الشعب بدلا من خدمة مصالح القوى الاجنبية, دعم حزب البعث اسقاط الملكية، لكنه لم يكن احد منهم موجودا عندما ارتكبت مجزرة بحق العائلة الملكية. شجع البعثيون التمرد في الموصل، لكنهم لم يكن لهم يد فعلية والآن وبعد ان قرروا الخلاص من قاسم، فقد كانوا يملكون الارادة، غير انهم كانوا يفتقرون الى الوسائل, ومن المحتمل ان تكون فكرة اغتيال قاسم قد طرحها عبدالناصر، وربما ان بعض المشاركين في محاولة الاغتيال قد تلقوا تدريبا في دمشق على يد رجال امن عبدالناصر، لكن لم يقدم اي دليل على اتهام عبدالناصر بأنه كان له دور في هذه المؤامرة. مجرد مزاعم يزعم صدام بانه انضم الى حزب البعث منذ عام 1957، عندما كان طالبا في مدرسة الكرخ الثانوية، ولا يبدو ان هناك اي سبب لدحض ذلك, اما ما يثير الدهشة فهو ان صدام اختار الانضمام الى حزب هو بكل المقاييس كان مجهولا نسبيا، وليس هناك اي دليل على انه سيصبح احدى القوى المهيمنة في السياسات العربية المعاصرة, ووفقا لسيرة حياته الرسمية فان صدام انضم الى البعث لانه وجد بأن مبادئه تطابق توجهاته ومبادئه القومية، وقد اعتبر نفسه قوميا منذ ان حكت له والدته قصصا حول نشاط خاله خير الله طلفاح ضد البريطانيين. ورغم ان طلفاح لم يكن لديه وقت للبعث، ولم ينضم إليه ابدا فانه اقام علاقة صداقة مع احمد حسن البكر، مواطنه التكريتي الذي كان برتبة لواء في الجيش العراقي، والذي سيصبح احد الأركان المهيمنين في الحزب، وأول رئيس بعثي للعراق, وبتشجيع من خير الله اخذ صدام تحت جناحه، وهي مشاركة اثمرت عن حكم الرجلين للعراق طيلة عشر سنوات، ومن خلال البكر، تم تقديم صدام لحزب البعث وفي هذه المرحلة من حياته على كل حال، فان صدام كان مجرد نصير للحزب وليس عضوا كاملا، ذلك ان العضوية في الحزب كانت مقيدة ومحدودة لاولئك الذين يثبتون ولاءهم للحزب، والتزامهم بايديولوجيته. وقد اسهم تورط صدام في المؤامرة لاغتيال قاسم بشكل كبير في النظر إليه باعجاب، وليس هناك رواية افضل لدوره في تلك القصة التي رواها بنفسه، والتي يعيد دوره إلى الايام التي كان فيها في السجن في تكريت حيث قضى ستة اشهر في اواخر 1958 بشبهة اغتيال سعدون التكريتي، وكان هذا الاغتيال قد تم بعد فترة وجيزة من تسلم قاسم للسلطة وكنتيجة لذلك، اودع صدام السجن مع خير الله بعد ان اجتاح العنف البلاد, وادعى صدام انه استخدم حبسه لانقاذ زملائه في البعث من القتل على ايدي الشيوعيين في تكريت، |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 05-09-2008 الساعة 08:27 AM
|
25-08-2008, 09:33 AM | #7 | ||||||||||
|
خالد بن الوليد هو أبو سليمان خالد بن الوليد ابن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم ابن يقظة بن كعب سيف الله المسلول على المشركين قائد المجاهدين القرشي المخزومي المكي توفي رضي الله عنه في رمضان 21هـ له من الأولاد أربعة ذكور وهم: سليمان بن خالد بن الوليد والوليد بن خالد بن الوليد ومهاجر بن خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها هي ابنة عم خالد بن الوليد رضي الله عنه فهي هند بنت سهيل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وخالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أسلم سنة سبع للهجرة وذلك بعد فتح خيبر وقيل قبلها وبعد مبايعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم شهد غزوة مؤتة مع زيد بن حارثة فلما استشهد الأمير الثالث وهو عبد الله بن رواحة أخذ الراية من غير إمرة ففتح له وكان من كتبة رسائل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال ابن القيم : فقد ذكر أهل السيرة أسماء الصحابة الذين كانوا يكتبون الوحي أو الرسائل للرسول صلى الله عليه وسلم وهم : أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعامر بن فهيرة وعمرو بن العاص وأبي بن كعب وعبد الله بن الأرقم وثابت بن قيس بن شماس وحنظلة بن الربيع الأسيدي والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن رواحة وخالد بن الوليد وخالد بن سعيد بن العاص وقيل : إنه أول من كتب له ومعاوية ابن أبي سفيان وزيد بن ثابت - وكان ألزمهم لهذا الشأن وأخصهم به زاد المعاد 1 / 117 وأخرج الترمذي بسند رجاله ثقات كما قال الحافظ ابن حجر: عن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فجعل الناس يمرون فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا؟ فأقول: فلان حتى مر خالد فقال: من هذا؟ قلت: خالد بن الوليد فقال: نِعْمَ عبد الله هذا سيف من سيوف الله وروى الطبراني في الكبير وابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا: لا تؤذوا خالدًا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار روى ابن حجر المطالب العالية 4/277 لا تسبوا خالداً فإنه من سيوف الله – عز وجل - سله الله – تعالى –-على الكفار إسناده صحيح وروى ابن حجر المطالب العالية 4/277 قال خالد بن الوليد رضي الله عنه : لقد منعني كثيرا من القراءة الجهاد في سبيل الله – تعالى صحيح وفي صحيح البخاري عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد قال: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فأبلى فيها وشهد حنينًا والطائف وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى فهدمها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة فأُسر فأتوه به فحقن دمه وصالحه على الجزية وأرسله أبو بكر إلى قتال أهل الردة فأبلي في قتالهم بلاء عظيمًا ثم ولاَّه حرب فارس والروم فأثر فيهم تأثيرًا شديدًا وفتح دمشق روى ابن حجر في الإصابة 1/414 : عن خيثمة قال : أتى خالد بن الوليد رجل معه زِق خمرٍ فقال : اللهم اجعله عسلاً فصار عسلاً إسناده صحيح وفي كتاب الجهاد لابن المبارك عن أبي وائل قال: لما حضرت خالدًا الوفاة قال: لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي وما من عملي شيء أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني تمطر إلى صبح حتى نغير على الكفار ثم قال: إذا أنا مت فانظروا في سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله وفيه: وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله نقل ابن القيم في الجواب الكافي 130 عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلاً ينكح كما تنكح المرأة فكتب فيه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم فكان علي بن أبي طالب أشدهم قولاً فيه فقال : ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه وروى ابن حجر الإصابة 3/272 عن قيس قال : أمّنا خالد بن الوليد يوم اليرموك في ثوب واحد وخلفه الصحابة إسناده صحيح وعند ابن ماجه: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: أتأذن لي أن أسقي خالداً قال ابن عباس: ما أحب أن أوثر بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي أحداً فأخذ ابن عباس فشرب وشرب خالد حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2766 وتنازع خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في أمرٍ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" وهومن الأدلة على أن الصحابة رضوان الله عليهم مراتبهم وفضائلهم عامة وخاصة فهم أفضل من غيرهم على سبيل الإطلاق والعموم في المرتبة والفضل لايُساميهم ولايجاريهم أحد ألبتّة ويكون للواحد منهم فضيلة ومنقبة وخصلة خاصة هو أفضل من أخيه الآخر فيها وللآخر منهم فضيلة ومنقبة وخصلة خاصة هو أفضل من أخيه الآخر فيها وجاء في صحيح البخاري مايلي: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد مرتين) ويتضح من هذا الحديث أمور: 1- أن الصحابي غير معصوم 2- خالد بن الوليد قرشي وكانت قريش يقولون لكل من أسلم صبأ حتى اشتهرت هذه اللفظة وصاروا يطلقونها في مقام الذم ومن ثم لما أسلم ثمامة ابن أثال وقدم مكة معتمراً قالوا له : صبأت ؟ قال : لا بل أسلمت فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت استعملها هؤلاء 3- خالد بن الوليد حمل هذه اللفظة على ظاهرها لأن قولهم صبأنا أي خرجنا من دين إلى دين ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام 4- قال الخطابي : يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولاً قولهم 5- النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تبرأ من فعل خالد ولم يتبرأ من خالد نفسه! 6- النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم يعزل خالداً عن الإمارة بل مازال يؤمرُه ويقدمه لأن الأمير إذا جرى منه خطأ أو ذنب أمر بالرجوع عن ذلك وأُقرّ على ولايته ولم يكن خالد معانداً للنبي صلى الله عليه وسلم بل كان مطيعاً له، ولكن لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره فخفي عليه حكم هذه القضية 7- لايؤاخذ المسلم بخطئه حتى تقوم عليه الحجة وتزول عنه الشُبهة 8- براءة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يدل على خوفه من المؤاخذة وعظيم تقواه وأما أمره بقتل مالك بن نويرة في حروب المرتدين فإن مالك بن نويرة مانع للزكاة ومنكر لوجوبها فقد قال له خالد بن الوليد وهو أسير بين يديه: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك بن نويرة : إن صاحبكم كان يزعم ذلك!! فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟؟ فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه وقيل: إن خالداً لما أسره ومن كان معه في ليلة باردة فنادى مناديه أن ادفئوا أسراكم فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه وهذا كله إما بحقٍ أو بتأويل وإذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد وذنبه مغفور وأمّا أنه تزوج بامرأة مالك بن نويرة فهذا لايصح إسناده منقطع ابن حجر الإصابة 3/357 يقول الذهبي رحمه الله : ( فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم وجهاد محّاء وعبادة ممحّصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة ) سير أعلام النبلاء 10 / 93 |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 06-09-2008 الساعة 06:02 AM
|
25-08-2008, 09:34 AM | #8 | ||||||||||
|
قاتل المائة...........البراء بن مالك قاتل المائة البراء بن مالك إنه البراء بن مالك بن النضر -رضي الله عنه- أخو أنس بن مالك خادم رسول الله (، وأحد الأبطال الأقوياء، بايع تحت الشجرة، وشهد أحدًا وما بعدها من الغزوات مع رسول الله (، عاش حياته مجاهدًا في سبيل الله. وكانت كل أمانيه أن يموت شهيدًا، وقتل بمفرده مائة رجل في المعارك التي شارك فيها، فقد دخل عليه أخوه أنس مرة وهو يتغنى بالشعر، فقد منحه الله صوتًا جميلا، فقال له: يا أخي، تتغنى بالشعر، وقد أبدلك الله به ما هو خير منه القرآن؟ فقال له: أتخاف عليَّ أن أموت على فراشي، لا والله، ما كان الله ليحرمني الشهادة في سبيله، وقد قتلت مائة بمفردي سوى من شاركت في قتله. وشارك في حروب الردة، وأظهر فيها بطولة فائقة، أبهرت عقول من رآه، وها هو ذا يوم اليمامة يقف منتظرًا أن يصدر القائد خالد بن الوليد أمره بالزحف لملاقاة المرتدين، ونادى خالد: الله أكبر. فانطلقت جيوش المسلمين مكبرة، وانطلق معها عاشق الموت البراء بن مالك. وراح يقاتل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه، وهم يتساقطون أمامه قتلى؛ الواحد تلو الآخر، ولم يكن جيش مسيلمة ضعيفًا، ولا قليلا، بل كان أخطر جيوش الردة، وقد تصدوا لهجوم المسلمين بكل عنف حتى كادوا يأخذون زمام المعركة، وتحولت مقاومتهم إلى هجوم، فبدأ الخوف يتسرب إلى صفوف المسلمين، فأسرع خالد بن الوليد إلى البراء بن مالك قائلا له: تكلم يا براء، فقام البراء، وصاح في المسلمين مشجعًا، ومحفزًا لهم على القتال، فقال: يا أهل المدينة، لا مدينة لكم اليوم، إنما هو الله وحده والجنة. وركب فرسه واندفع نحو الأعداء، ومعه المسلمون يقاتلون قتالا شديدًا حتى رجحت كفة المسلمين، واندفع المرتدون إلى الوراء هاربين، واحتموا بحديقة لمسيلمة ذات أسوار عالية . ووقف المسلمون أمام الحديقة يفكرون في حيلة يقتحمون بها الحصن، فإذا بالبراء بن مالك، يقول: يا معشر المسلمين، ألقوني إليهم. فاحتمله المسلمون وألقوه في الحديقة، فقاتلهم حتى فتحها على المسلمين، ودخل المسلمون الحديقة، وأخذوا يقتلون أصحاب مسيلمة، وانتصر المسلمون إلا أن حلم البراء لم يتحقق، لقد ألقى بنفسه داخل الحديقة آملا أن يرزقه الله الشهادة، ولكن لم يشأ الله بعد. ورجع البراء بن مالك وبه بضعة وثمانون جرحًا ما بين ضربة بسيف أو رمية بسهم، وحمل إلى خيمته ليداوى، وقام خالد بن الوليد على علاجه بنفسه شهرًا كاملا. وعندما شُفي البراء من جراحات يوم اليمامة، انطلق مع جيوش المسلمين التي ذهبت لقتال الفرس، وفي إحدى حروب المسلمين مع الفرس لجأ الفرس إلى وسيلة وحشية حيث استخدموا كلاليب من حديد معلقة في أطراف سلاسل ملتهبة محماة بالنار، يلقونها من حصونهم، فترفع من تناله من المسلمين، وسقطت إحدى هذه الكلاليب على أنس بن مالك، فلم يستطع أنس أن يخلص نفسه، فرآه البراء، فأسرع نحوه، وقبض على السلسلة بيديه، وأخذ يجرها إلى أسفل حتى قطعت، ثم نظر إلى يديه فإذا عظامها قد ظهرت وذاب اللحم من عليها، وأنجى الله أنس بن مالك بذلك. وظل البراء -رضي الله عنه- يقاتل في سبيل الله معركة بعد أخرى متمنيًا أن يحقق الله له غايته، وها هى ذي موقعة تُسْتُر تأتى ليلاقي المسلمون فيها جيوش الفرس، وتتحقق فيها أمنية البراء. لقد تجمع الفرس واحتشدوا في جيش كثيف، وجاءوا من كل مكان للقاء المسلمين، وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أميريه على الكوفة والبصرة أن يرسل كل منهما جيشاً إلى الأهواز، والتقى الجيشان القادمان من الكوفة والبصرة بجيش الفرس في معركة رهيبة، وكان البراء أحد جنود المسلمين في تلك المعركة، وبدأت المعركة بالمبارزة كالعادة، فخرج البراء للمبارزة، والتحم الجيشان وتساقط القتلى من الفريقين، وكاد المسلمون أن ينهزموا. فاقترب بعض الصحابة من البراء قائلين له: يا براء، أتذكر يوم أن قال الرسول ( عنك: (كم من أشعث أغبر ذى طمرين (ثوبين قديمين)، لا يؤبه له (لا يهتم به أحد) لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك؟) [الترمذي]. ثم طلب الصحابة منه أن يدعو الله لهم، فرفع البراء يده إلى السماء داعيًا: اللهم امنحنا أكتافهم، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم، اللهم ألحقني بنبيك. ثم انطلق فركب فرسه، وهجم على الفرس، وقتل أحد كبارهم، وفتح الله على المسلمين وانتصروا على الفرس، واستشهد البراء بن مالك في هذه المعركة بعد رحلة جهاد طويلة، قدم فيها البراء كل ما يملك في سبيل دينه، وكانت وفاته في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة (20هـ) رضي الله عنه وأرضاه. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 07-09-2008 الساعة 01:00 PM
|
25-08-2008, 09:34 AM | #9 | ||||||||||
|
هارون الرشيد لم يحظَ خليفة بعد الخلفاء الراشدين بالشهرة الواسعة وذيوع الذكر، مثلما حظي الخليفة العباسي هارون الرشيد، غير أن تلك الشهرة امتزج في نسجها الحقيقة مع الخيال، واختلطت الوقائع مع الأساطير، حتى كادت تختفي صورة الرشيد، وتضيع قسماتها وملامحها، وتظهر صورة أخرى له أقرب إلى اللهو واللعب والعبث والمجون، وأصبح من الواجب نفض الروايات الموضوعة، والأخبار المدسوسة حتى نستبين شخصية الرشيد كما هي في الواقع، لا كما تصورها الأوهام والأساطير. ما قبل الخلافة نشأ الرشيد في بيت ملك، وأُعد ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه الخليفة المهدي بن جعفر المنصور إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا، وحسبك أن يكون من بين أساتذة الأمير الصغير الكسائي، والمفضل الضبي، وهما مَن هما علمًا ولغة وأدبًا، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام (165 هـ= 781م) على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملاً بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه وليًا ثانيًا للعهد بعد أخيه موسى الهادي. وكانت الفترة التي سبقت خلافته يحوطه في أثنائها عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، من أمثال يحيى بن خالد البرمكي، والربيع بن يونس، ويزيد بن مزيد الشيباني والحسن بن قحطبة الطائي، ويزيد بن أسيد السلمي، وهذه الكوكبة من الأعلام كانت أركان دولته حين آلت إليه الخلافة، ونهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من التألق والازدهار. تولّيه الخلافة تمت البيعة للرشيد بالخلافة في (14 من شهر ربيع الأول 170هـ= 14 من سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وبدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة. وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، مختلفة البيئات، متعددة العادات والتقاليد، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة، وساعده على إنجاز مهمته أنه أحاط نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة، ويزداد إعجابك بالرشيد حين تعلم أنه أمسك بزمام هذه الدولة العظيمة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها. استقرار الدولة ولم تكن الفترة التي قضاها الرشيد في خلافة الدولة العباسية هادئة ناعمة، وإنما كانت مليئة بجلائل الأعمال في داخل الدولة وخارجها، ولم يكن الرشيد بالمنصرف إلى اللهو واللعب المنشغل عن دولته العظيمة إلى المتع والملذات، وإنما كان يحج سنة ويغزو كذلك سنة. واستهل الرشيد عهده بأن قلد يحيى بن خالد البرمكي الوزارة، وكان من أكفأ الرجال وأمهرهم، وفوّض إليه أمور دولته، فنهض بأعباء الدولة، وضاعف من ماليتها، وبلغت أموال الخراج الذروة، وكان أعلى ما عرفته الدولة الإسلامية من خراج، وقدره بعض المؤرخين بنحو 400 مليون درهم، وكان يدخل خزينة الدولة بعد أن تقضي جميع الأقاليم الإسلامية حاجتها. وكانت هذه الأموال تحصل بطريقة شرعية، لا ظلم فيها ولا اعتداء على الحقوق، بعد أن وضع القاضي أبو يوسف نظامًا شاملاً للخراج باعتباره واحدًا من أهم موارد الدولة، يتفق مع مبادئ الشرع الحنيف، وذلك في كتابه الخراج. وكان الرشيد حين تولى الخلافة يرغب في تخفيف بعض الأعباء المالية عن الرعية، وإقامة العدل، ورد المظالم، فوضع له أبو يوسف هذا الكتاب استجابة لرغبته، وكان لهذا الفائض المالي أثره في انتعاش الحياة الاقتصادية، وزيادة العمران، وازدهار العلوم، والفنون، وتمتع الناس بالرخاء والرفاهية. وأُنفقت هذه الأموال في النهوض بالدولة، وتنافس كبار رجال الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار، وبناء الحياض، وتشييد المساجد، وإقامة القصور، وتعبيد الطرق، وكان لبغداد نصيب وافر من العناية والاهتمام من قبل الخليفة الرشيد وكبار رجال دولته، حتى بلغت في عهده قمة مجدها وتألقها؛ فاتسع عمرانها، وزاد عدد سكانها حتى بلغ نحو مليون نسمة، وبُنيت فيها القصور الفخمة، والأبنية الرائعة التي امتدت على جانبي دجلة، وأصبحت بغداد من اتساعها كأنها مدن متلاصقة، وصارت أكبر مركز للتجارة في الشرق، حيث كانت تأتيها البضائع من كل مكان. وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد وكبار رجال دولته يقفون وراء هذه النهضة، يصلون أهل العلم والدين بالصلات الواسعة، ويبذلون لهم الأموال تشجيعًا لهم، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم بعد الأكل. وأنشأ الرشيد بيت الحكمة وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان، وعهد إلى يوحنا بن ماسوية بالإشراف عليها، وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين. هارون الرشيد مجاهدًا كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه وجهاده مع الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريبًا، حتى إنه اتخذ قلنسوة مكتوبًا عليها: غاز وحاج. وقام الرشيد بتنظيم الثغور المطلة على بلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل، وعمرها بالجند وزاد في تحصيناتها، وعزل الجزيرة وقنسرين عن الثغور، وجعلها منطقة واحدة، وجعل عاصمتها أنطاكية، وأطلق عليها العواصم، لتكون الخط الثاني للثغور الملاصقة للروم، ولأهميتها كان لا يولي عليها إلا كبار القادة أو أقرب الأقربين إليه، مثل عبد الملك بن صالح ابن عم أبي جعفر المنصور أو ابنه المعتصم. وعمّر الرشيد بعض مدن الثغور، وأحاط كثيرًا منها بالقلاع والحصون والأسوار والأبواب الحديدية، مثل: قلطية، وسميساط، ومرعش، وكان الروم قد هدموها وأحرقوها فأعاد الرشيد بناءها، وأقام بها حامية كبيرة، وأنشأ الرشيد مدينة جديدة عرفت باسم الهارونية على الثغور. وأعاد الرشيد إلى الأسطول الإسلامي نشاطه وحيويته، ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة في البحر المتوسط، وأقام دارًا لصناعة السفن، وفكّر في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وعاد المسلمون إلى غزو سواحل بحر الشام ومصر، ففتحوا بعض الجزر واتخذوها قاعدة لهم، مثلما كان الحال من قبل، فأعادوا فتح رودس سنة (175هـ= 791م)، وأغاروا على أقريطش كريت وقبرص سنة (190هـ= 806م). واضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت إيريني ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة (181هـ= 797م)، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، الذي خلف إيريني في سنة (186هـ = 802م)، وكتب إلى هارون: من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك. فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور *** الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام. وخرج هارون بنفسه في (187 هـ= 803م)، حتى وصل هرقلة وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل إيريني من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام (188هـ= 804م) وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح نقفور نفسه، وقبل الموادعة، وفي العام التالي (189هـ=805م) حدث الفداء بين المسلمين والروم، ولم يبق مسلم في الأسر، فابتهج الناس لذلك. غير أن أهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت في سنة ( 190 هـ= 806م)، حين قاد جيشًا ضخماً عدته 135 ألف جندي ضد نقفور الذي هاجم حدود الدولة العباسية، فاستولى المسلمون على حصون كثيرة، كانت قد فقدت من أيام الدولة الأموية، مثل طوانة بثغر المصيصة، وحاصر هرقلة وضربها بالمنجنيق، حتى استسلمت، وعاد نقفور إلى طلب الهدنة، وخاطبه بأمير المؤمنين، ودفع الجزية عن نفسه وقادته وسائر أهل بلده، واتفق على ألا يعمر هرقلة مرة أخرى. بلاط الرشيد محط أنظار العالم ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطه تخطب وده، وتطلب صداقته، وكانت سفارة شارلمان ملك الفرنجة من أشهر تلك السفارات، وجاءت لتوثيق العلاقات بين الدولتين، وذلك في سنة ( 183هـ= 779م)؛ فأحسن الرشيد استقبال الوفد، وأرسل معهم عند عودتهم هدايا قيمة، كانت تتألف من حيوانات نادرة، منها فيل عظيم، اعتبر في أوروبا من الغرائب، وأقمشة فاخرة وعطور، وشمعدانات، وساعة كبيرة من البرونز المطلي بالذهب مصنوعة في بغداد، وحينما تدق ساعة الظهيرة، يخرج منها اثنا عشر فارسًا من اثنتي عشرة نافذة تغلق من خلفهم، وقد تملك العجب شارلمان وحاشيته من رؤية هذه الساعة العجيبة، وظنوها من أمور السحر. الرشيد وأعمال الحج نظم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، فبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبًا لراحة الحجاج، وعُني الرشيد ببناء السرادقات وفرشها بالأثاث وزودها بأنواع الطعام والشراب، وبارته زوجته زبيدة في إقامة الأعمال التي تيسر على الحجيج حياتهم ومعيشتهم، فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعد عن مكة بنحو ثلاثين ميلاً، وحددت معالم الطريق بالأميال، ليعرف الحجاج المسافات التي قطعوها، وحفرت على طولها الآبار والعيون. وفاة الرشيد كان الرشيد على غير ما تصوره بعض كتب الأدب، دينا محافظًا على التكاليف الشرعية، وصفه مؤرخوه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، ويتصدق من ماله الخاص، ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولاً بالغزو والجهاد، وكان إذا حج صحبه الفقهاء والمحدثون. وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام (192 هـ= 808م) فخرج إلى خرسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة طوس اشتدت به العلة، وتُوفي في (3 من جمادى الآخر 193هـ= 4 من إبريل 809م) بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، عدت العصر الذهبي للدولة العباسية. * من مراجع الدراسة: · محمد جرير الطبري ـ تاريخ الرسل والملوك ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعارف ـ القاهرة 1979. · عبد المنعم ماجد ـ العصر العباسي الأول ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة ـ 1979. · محمد الخضري ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية) ـ المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ـ 1959م. · فاروق عمر ـ الخليفة هارون الرشيد ـ وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد ـ 1989م. · حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (العصر العباسي الأول) مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ 1948م. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 09-09-2008 الساعة 02:13 AM
|
25-08-2008, 09:34 AM | #10 | ||||||||||
|
قيس بن سعد إنه قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، الذي نشأ في بيت كريم صالح من أكرم بيوت العرب وأعرقها نسبًا، فأبوه هو الصحابي الجليل سعد بن عبادة سيد الخزرج، وقد تربى قيس منذ الصغر على الشجاعة والكرم، حتى صار يضرب به المثل في جوده وكرمه. وذات مرة جاءت امرأة عجوز تشكو فقرها إلى قيس، فقال لخدمه: املئوا بيتها خبزًا وسمنًا وتمرًا. [ابن عساكر]، وكان قيس يطعم الناس في أسفاره مع النبي (، وكان إذا نفد (انتهى) ما معه يستدين وينادي في كل يوم: هلموا إلى اللحم والثريد. [ابن عساكر]. باع تجارة بتسعين ألفا، ثم أمر من ينادي بالمدينة: من أراد القرض فليأت، فجاء إليه أناس كثيرون، أقرضهم أربعين ألفًا وتصدق بالباقي، وذات يوم أصابه مرض فقل عواده وزواره، فسأل زوجته: لم قل عوادي؟ فأجابت: لأنهم يستحيون من أجل دينك فأمر مناديًا ينادي: من كان عليه دين فهو له، فأتى الناس يزورونه حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه. وكان -رضي الله عنه- يقول: اللهم ارزقني مالاً وفعالاً (كرمًا) فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال. [ابن عساكر]. وجاءه كثير بن الصلت فطلب منه ثلاثين ألفًا على سبيل القرض، فأعطاه إياها، ولما ردها إليه رفض قيس أن يقبلها، وقال: إنا لا نعود في شيء أعطيناه. واشترك قيس مع ثلاثمائة صحابي في غزوة سيف البحر بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، فأصابهم فيها جوع شديد، وفنى ما معهم من زاد، فقام قيس فذبح ثلاثة جمال له، وبعد مدة ذبح ثلاثة أخرى، ثم ذبح لهم ثلاثة أخرى، حتى نهاه أبو عبيدة عن ذلك حين رزق الله الجيش بحوت كبير ظلوا يأكلون منه ثمانية عشر يومًا، وعندما عادوا للنبي ( وذكروا له ذلك، قال عن قيس: (أما إنه في بيت جود) [ابن عساكر]. وتحدث أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- عن كرم قيس ***ائه، فقالا: لو تركنا هذا الفتى لسخائه لأهلك (قضى على) مال أبيه، فلما سمع سعد ذلك قام عند النبي ( فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة (أبي بكر) وابن الخطاب، يُبَخِّلان عليَّ ابني. وكان قيس يتمتع بالذكاء وحسن التدبير وسلامة التفكير. وكان قيس ملازمًا للنبي ( حتى قال عنه أنس: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي ( بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. [البخاري والترمذي]. وقد عرف بشجاعته وبسالته وإقدامه، فكان حاملا للواء الأنصار مع رسول الله (، وشهد مع الرسول الغزوات، وأخذ النبي ( الراية يوم فتح مكة من أبيه سعد وأعطاها لابنه قيس؛ حيث كان بطلاً قويًّا وفارسًا مقدامًا ومجاهدًا عظيمًا. وجاهد قيس مع الخلفاء الراشدين، ووقف مع الإمام علي بن أبي طالب في معركة صفين والجمل والنهروان، ورأى أن الحق في جانبه، وقد ولاه الإمام علي -رضي الله عنه- حكم مصر، ثم استدعاه منها وجعله على قيادة جيشه، ولما استشهد الإمام علي بايع ابنه الحسن -رضي الله عنه- وقاد خمسة آلاف رجل لحرب معاوية، لكن الحسن آثر أن يحقن دماء المسلمين فتفاوض مع معاوية وبايعه على الخلافة، وتنازل عنها، فرجع قيس إلى المدينة، وجمع قومه وخطب فيهم وقال: إن شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا، فاختار جنوده الأمان وقالوا: خذ لنا أمانًا. فأخذ لهم الأمان من معاوية. [ابن عساكر]. وقد كان قيس بن سعد -رضي الله عنه- معروفًا بالذكاء والدهاء، وكان يقول عن نفسه: لولا أني سمعت رسول الله ( يقول: المكر والخديعة في النار لكنت من أمر هذه الأمة. وروى قيس كثيرًا من أحاديث رسول الله ( وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين. وعاش قيس في المدينة، حتى توفي -رحمه الله- في آخر خلافة معاوية. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 09-09-2008 الساعة 09:19 PM
|
25-08-2008, 09:35 AM | #11 | ||||||||||
|
عمار بن ياسر...............الطيب المطيب إنه عمَّار بن ياسر -رضي الله عنه-، كان هو وأبوه ياسر وأمه سمية بنت خياط من أوائل الذين دخلوا في الإسلام، وكان أبوه قد قدم من اليمن، واستقر بمكة، ولما علم المشركون بإسلام هذه الأسرة أخذوهم وعذبوهم عذابًا شديدًا، فمر عليهم الرسول ( وقال لهم: (صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة) [الطبراني والحاكم]. وطعن أبو جهل السيدة سمية فماتت، لتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يلحق بها زوجها ياسر، وبقى عمار يعاني العذاب الشديد، فكانوا يضعون رأسه في الماء، ويضربونه بالسياط، ويحرقونه بالنار، فمرَّ عليه الرسول (، ووضع يده الشريفة على رأسه وقال: (يا نار كوني بردًا وسلامًا على عمار كما كنت بردًا وسلامًا على إبراهيم) [ابن سعد]. وذات يوم، لقى عمار النبي ( وهو يبكي، فجعل ( يمسح عن عينيه ويقول له: (أخذك الكفار فغطوك في النار) [ابن سعد]، واستمر المشركون في تعذيب عمار، ولم يتركوه حتى ذكر آلهتهم وأصنامهم بخير، وعندها تركوه، فذهب مسرعًا إلى النبي (، فقال له النبي (: ما وراءك؟ قال: شرٌّ يا رسول الله، والله ما تركت حتى نلت منك (أي ذكرتك بسوء) وذكرت آلهتهم بخير، فقال له النبي (: (فكيف تجدك؟)، قال: مطمئن بالإيمان، قال: (فإن عادوا فعد) [ابن سعد والحاكم]. ونزل فيه قول الله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} _[النحل: 106]. وهاجر عمار إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وشارك مع النبي ( في جميع الغزوات، حتى إنه قال ذات يوم: قاتلت مع رسول الله ( الجن والإنس فسأله الصحابة: وكيف؟ فقال: كنا مع النبي (، فنزلنا منزلاً، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال (: (أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه)، فلما كنت على رأس البئر إذا برجل أسود، فقال: والله لا تستقي اليوم منها، فأخذني وأخذته (تشاجرنا) فصرعته ثم أخذت حجرًا، فكسرت وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي وأتيت رسول الله (، فقال: (هل أتاك على الماء أحد؟) قلت: نعم، فقصصت عليه القصة فقال: (أتدرى من هو؟)، قلت: لا، قال: (ذاك الشيطان). [ابن سعد]. وذات يوم استأذن عمار -رضي الله عنه- الرسول ( ليدخل فقال (: (من هذا؟) قال: عمار، فقال (: (مرحبًا بالطيب المطيب) [الترمذي والحاكم]. وذات يوم حدث بين عمار وخالد بن الوليد كلام، فأغلظ خالد لعمار، فشكاه إلى النبي (، فقال (: (من عادى عمارًا عاداه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله) [النسائي وأحمد]، فخرج خالد من عند الرسول ( وما من شيء أحب إليه من رضا عمار، وكلمه حتى رضي عنه. وقال النبي (: (إن عمارًا مُلئ إيمانًا إلى مشاشه (أي إلى آخر جزء فيه)) [النسائي والحاكم]. وأمر النبي ( المسلمين أن يتبعوا عمارًا ويقتدوا به، فقال (: (اقتدوا باللذين من بعدى أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد (عبد الله ابن مسعود)) [أحمد]. وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إن الله قد أمننا من أن يظلمنا، ولم يؤمنا من أن يفتنا، أرأيت إن أدركت الفتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال: سمعت رسول الله ( يقول: (إذا اختلف الناس كان ابن سمية (عمار) مع الحق) [الحاكم]. وبعد وفاة النبي (، اشترك عمار مع الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- في محاربة المرتدين، وأظهر شجاعة فائقة في معركة اليمامة حتى قال ابن عمر -رضي الله عنه- في شجاعته: رأيت عمار بن ياسر -رضي الله عنه- يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟! أنا عمار بن ياسر، أمن الجنة تفرون؟! أنا عمار بن ياسر، هلمَّ إليَّ، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب (تتحرك) وهو يقاتل أشد القتال. وبعد أن تولى عمر بن الخطاب الخلافة، ولى عمارًا على الكوفة ومعه عبد الله بن مسعود وبعث بكتاب إلى أهلها يقول لهم فيه: أما بعد، فأني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا وابن مسعود معلمًا ووزيرًا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد (، من أهل بدر، فاسمعوا لهما وأطيعوا، واقتدوا بهما. وكان عمار متواضعًا زاهدًا سمحًا كريمًا فقد سبَّه رجل وعيَّره ذات مرة بأذنه التي قطعت في سبيل الله، وقال له: أيها الأجدع، فقال لها عمار: خير أذني سببت، فإنها أصيبت مع رسول الله (. وكان يقول: ثلاثة من كن فيه فقد استكمل الإيمان: الإنفاق في الإقتار، والإنصاف من النفس، وبذل السلام للعالم. وفي يوم صفين كان عمار في جيش علي، وقبل بداية المعركة شعر عمار بالعطش، فإذا بامرأة تأتيه وفي يدها إناء فيه لبن فشرب منه، وتذكر قول الرسول ( له: (آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن) [أحمد]، ثم قال في جموع المقاتلين: الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسنة، وقد فتحت أبواب الجنة، وتزينت الحور العين، اليوم ألقى الأحبة محمدًا وحزبه (أصحابه) ثم تقدم للقتال فاستشهد سنة(37هـ)، وكان عمره آنذاك (93) سنة، ودفنه الإمام عليُّ، وصلى عليه. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 10-09-2008 الساعة 05:10 AM
|
25-08-2008, 09:35 AM | #12 | ||||||||||
|
جورج واشنطن: الرئيس الأول هو أول رئيس أمريكي, كان خصماً للانفصاليين وقاد الثورة التحريرية التي انتهت بإعلان استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا في 4/7/1786. ولد جورج واشنطن عام 1732 في ولاية فرجينيا لأسرة تمتهن الزراعة كغالبية الشعب الأميركي في تلك الحقبة. وبعد انتهائه من تعليمه التحق عام 1754 بجيش القارة الذي قاد ثورة التحرير، ثم اختير عام 1775 قائداً لهذا الجيش ليخوض به حروبا عنيفة انتهت بعد ست سنوات. كما شارك فيما يعرف بالحرب الفرنسية الهندية. اعتمد واشنطن سياسة التحرش ببريطانيا وعدم خوض مواجهات كبيرة ومباشرة، كما استعان بفرنسا لطرد الإنجليز من كورنوليز في مدينة يورك. استمر واشنطن في جهوده الرامية إلى إقرار النظام الفدرالي بين الولايات الأميركية حتى تكللت في النهاية بعقد مؤتمر دستوري في فيلادلفيا عام 1787. بعد إقرار الدستور في مؤتمر فيلادلفيا انتخبت الهيئة الانتخابية بالإجماع جورج واشنطن رئيساً للولايات المتحدة، ليبدأ واشنطن حكم دولة مقدر لها أن تكون أكبر قوة في العالم. أدى واشنطن أول قسم دستوري في تاريخ الولايات المتحدة في شرفة مبنى مجلس الشيوخ يوم 30 أبريل/ نيسان 1789 ليحكم أميركا لفترتين متتاليتين من 1789 – 1797. وتميز واشنطن باحترامه العميق لقرارات الكونغرس، إذ لم يسع لتجاوز صلاحيات الكونغرس الدستورية. وعمل واشنطن على تحييد أميركا وعدم إقحامها في الصراع الدائر بين بريطانيا وفرنسا، ورفض الأخذ بآراء العديد من وزرائه في التحيز لإحدى الدولتين. وقبل أن تنتهي السنة الثالثة من خروجه من الرئاسة أصيب بمرض توفي إلى إثره في 14/9/1799. __ |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 12-09-2008 الساعة 01:54 AM
|
25-08-2008, 09:35 AM | #13 | ||||||||||
|
عقبة ابن نافع ....فاتح المغرب نشأته ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بعام واحد. وأمه من قبيلة المعز من بني ربيعة من العدنانيون. ولذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية، وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يمت بصلة قرابة لعمرو بن العاص من ناحية الأم، وقيل أنهما ابني خالة. وقد نشأ عقبه تحت شمس الصحراء المحرقه..وفى جوها اللافح قي البيئة التي يتشا فيها الرجال اقوياء. قي المجتمع الذي لا يعتز إلا بالفتوه والجرأة والإقدام. وقد ولد قي بيت والده نافع بن عبد القيس الفهرى..احد اشراف مكه، وأبطالها المعدودين نبوغه برز اسم عقبة مبكراً في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث اشترك هو وأباه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، والذي توسم فيه خيرا وشأنا في حركة الفتح، فأرسله إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، فأسند إليه مهمة قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي، وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر. ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقيا (تونس حاليا)، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، وعاد إلى مصر. تعاقب عدة ولاة على مصر بعد عمرو بن العاص، منهم عبد الله بن أبي السرح ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، أقر جميعهم عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة. لكن عمرو بن العاص اختر عقبه في الحروب ليس للقرابه لانه يعرف مهارته علي المبارزه والقتال. فتوحاته ظل عقبة في منصبه كقائد للحامية ببرقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما، ونأى عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وصب اهتمامه على الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد غزوات الروم، فلما استقرت الأمور عام 41 هـ وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين، أصبح معاوية بن حديج والياً على مصر، أرسل عقبة إلى الشمال الأفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة. كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها ودان وأفريقية وجرمة وقصور خاوار، فحارب عقبة تلك القرى وأعادها بلقوة إلى الطاعة. خلف معاوية عقبة أفريقية، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة والحضارة البربرية المتينة. حتى أتى وادياً فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة وسماها القيروان أي محط الجند، ذلك أنها تعتبر قاعدة الجيش الإسلامي المتقدمة والواغلة في المغرب الكبير. كما بنى بها جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة 55 هـ عزله معاوية وولى بدلا منه أبو المهاجر بن دينار أفريقية، فعاد للمشرق. بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62 هـ، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف وغزا حصوناً ومدناً حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل أفريقيا الشمالي وفاته عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين للهجره بعد أن غزا السوس القصوى، قتله كسيلة بن لمرم الأودي وقتل معه أبا المهاجر دينار وكان كسيلة نصرانياً. ثم قتل كسيلة في ذلك العام أو في العام الذي يليه قتله زهير بن قيس البلوي، ويقولون: إن عقبة بن نافع كان مستجاب الدعوة. في مكان يعرف حتى الآن باسم سيدي عقبة. بالجزائر في معركة مع الملكة الأمازيغية تيهيا المعروفة عند العرب بالكاهنة. ومن أحفاد عقبة المشهورين يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي أحد القادة الدهاة وعبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة مرة بن عقبة بن نافع الفهري. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 19-04-2010 الساعة 02:50 PM
|
25-08-2008, 09:35 AM | #14 | ||||||||||
|
ماو تسي تونغ نشأته ولد ماو في 26 ديسمبر 1893 في مقاطعة هيوفن من أب فلاح وعندما كان في الثامنة عشرة من عمره قامت الثورة ضد سلالة تشينغ وبعد شهور من قيامها انتهت الملكية وأعلنت جمهورية الصين، التي لم تعرف حكومة مستقرة فكانت قاعدة لحرب أهلية مسببة الفوضى وظلت الصين كذلك حتى 1949. أراد ماو ان يصبح استاذاً فدخل جامعة بكين في 1918 وهناك اعتنق الشيوعية كونه يسارياً في أفكاره وفي 1920 كان واضحاً انه ماركسي متعصب كعشرات الصينين وفي يونيو 1921 أصبح واحداً من الاثني عشر الذين أسسوا الحزب الشيوعي في شنغهاي. وترقى فيه ببطء فكان زعيمه في 1937. فلسفته في البداية اعتقد ماو أن انصار الحزب يجب أن يكونوا العمال في المدن، متفقاً مع كارل ماركس وفى 1925 تغير تفكيره بعد أن تغيرت ظروف الصين، واعتمد ماو على الفلاحين، موجهاً كل تركيزه إلى التنمية الزراعية. عمل ماو على تطوير مفهوم جديد للشيوعية سُمّي "بالماوية" وكان مزيج من شيوعية لينين وماركس. وعمل على التحالف مع الإتحاد السوفييتي ومن ثمّة الخروج إلى الجموع الصينية بالثورة الثقافية مصاعب واجهت الحزب تمزق التحالف بين الجيوش القومية، والشيوعية في عام 1927 عندما بدأ شيانج كاى شى تطهيراً عنيفاً للحمر هرب ماو وزملائه إلى الجبال على حدود هيزان كيانجسى لتنظيم أول حكومة سوفياتة صينية يرتكز على الفلاحين. في سنة 1934 أحاط القوميون بسوفيت هيوان – كيانجسى فانسحب الشيوعيون وبدؤوا في الهروب من خلال رحلة طولها 6000 ميل نحو الحدود الغربية أكثر من 100000 رجل، وامرأة، وطفل، سافروا سيراً على الاقدام لمدة عام مارين خلال 12 مقاطعة، 24 نهر، العديد من سلاسل الجبال، الغابات الكثيفة، والصحارى المهجورة ولم ينجو منهم الا 20000. السلطة وضع الحزب خطة بطيئة التقدم للاستيلاء على الحكم وبعد أن أغتيل عدة قادة شيوعيون أصبح ماو القائد الوحيد وفي عام 1947 بدأ التحرك لقلب نظام الحكم بزعامة شيانج، وفي 1949 انتصرت القوات الشيوعية، كان ماو في السادسة والخمسين، اما بلاده فكانت قد انهكتها الصراعات والحروب في حال من الفقر والتخلف والجهل، وهرب شيانج إلى تايوان. استخدم ماو اساليب وحشية ليحكم قبضته على الصين فقتل الملايين بعضهم من قادة الثورة المعادية له واخرين من الامبرياليين ومن الرجعيين السياسيين وقطاع الطرق. أهم انجازاته اخذ ماو على عاتقه تمدن الصين وتحويلها إلى أمة عصرية قوية، بدأ بالعناية بالتعليم والتصنيع والصحة حول النظام الاقتصادى من رأسمالية إلى إشتراكية، وسيطر ماو على كل أجهزة الدولة واستخدمها للدعاية، فبعد أن كانت الصين تقدس ألاباء والأجدادمنذ آلاف السنين أصبحت تقدس الوطن وبدأت تعاليم كونفوشيوس في الانقراض حتى اختفت مشروع القفزة الكبرى إلى الأمام اعتبره الغرب من أخطر المشاريع التي تبناها ماوو كان وقت ذاك في الستينات من عمره، ففى 1958 بدأ المشروع وكان يرتكز على الصناعات الصغيرة في الحقول والقرى في الريف، حيث أجبر الملايين من الفلاحين والعمال والمدنيين على العمل في هذا البرنامج الصناعي بمعدل سريع لتحقيق نتائج كبيرة، ولكن لم يستطع الشعب أن يواكب السرعة المطلوبة فانهار المشروع، مخلفاً خسائر ضخمة تخطتها الصين بعد سنتين وفي هذه الفترة العصيبة، دفع الشعب الثمن مواجهاً فقر مدقع بلا طعام وبملابس رثة، اما ماو فاضطر أن يشتري القمح من الدول الراسمالية ليطعم شعبه الثورة الثقافية في 1966 أشعل ماو الثورة الثقافية الكبرى وكان في السبعينات من عمره وقتها، لأراد منها سحق المعارضة، فقام بإطلاق ملايين الطلبة من المدارس العليا والجامعات ليخدموا كحرس حمر ولكنهم سببوا الفوضى في البلاد، دافعيين بالصين إلى حافة حرب أهلية ضارية. الناحية العسكرية في اخر1950 ارسل ماو قوة عسكرية ضخمة من المتطوعين إلى شمال كوريا لمحاربة جيشاً امريكياً تحت قيادة الجنرال دوجلاس ماك آرثر هازماً اياه، مما جعل الجيش الامريكى المهزوم أن يتقهقر إلى كوريا الجنوبية. بعد ذلك بعام غزت القوات الصينية جبال التبت، وقتلوا آلاف من المقاومة التبتية. و في 1962 ارسل ماو جيشاً عبر حدود الهيمالايا الهندية فدخلت الهند الاقل تجهيزاً الحرب، وبعد اسابيع انسحبت الصين بعد أن غزت مساحات لا تذكر على الحدود. رغم أنهم فقدوا مساعدة الروس الفنية لهم أثر الخلاف الذي دب بينهم بعد المصالحة مع الولايات المتحدة، الا انهم استطاعوا ان يختبروا قنبلتهم الذرية الأولى على أرض سنكيانج البور في 1964، ثم القنبلة الهيدروجينية بعدها بفترة وجيزة، اسرع مما اعتقد كلا من موسكو وو اشنطن علاقته بروسيا في اواخر الخمسينات سائت العلاقة بين الصين والكرملين وزادت حدتها بعد أن قررت موسكو للتعايش السلمى مع الولايات المتحدة، وهاجمهم ماو معلناً ان يخدم بإخلاص فكر لينين الماركسى الذي يدعو إلى تدمير الرأسماليين، 1893 إلى 9 سبتمبر 1976) زعيم الحزب الشيوعي الصيني منذ 1935 حتى وفاته.تراجع منسحباً أمام الجيش الوطني في "المسيرة الطويلة". ومنذ تأسيس الحزب الشيوعي حافظ الحزب على قيادة الصين نتيجة انتصار ماو تسي تونغ في الحرب الأهلية في الصين وتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 19-04-2010 الساعة 04:09 PM
|
25-08-2008, 09:36 AM | #15 | ||||||||||
|
الملك المظفر سيف الدين قطز أصله ونشأته كان سيف الدين قطز عبدًا لرجل يسمى "ابن الزعيم" بدمشق ثم بِيع من يدٍ إلى يد حتى انتهى إلى "عز الدين أيبك" من أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر. وتدرج في المناصب حتى صار قائدًا لجند أيبك، ثم قائدًا للجيوش عندما تولى "عز الدين أيبك" السلطنة مع شجرة الدر. ويروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن "سيف الدين قطز": ".. لما كان في رِقِّ موسي بن غانم المقدسي بدمشق، ضربه سيده وسبَّه بأبيه وجده، فبكى ولم يأكل شيئًا سائر يومه، فأمر ابن الزعيم الفرّاش أن يترضاه ويطعمه، فروى الفرّاش أنه جاءه بالطعام وقال له: كل هذا البكاء من لطمة؟ فقال قطز: إنما بكائي من سَبِّه لأبي وجدي وهما خير منه؛ فقلت: من أبوك؟ واحد كافر؟!.. فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكت وترضيته" كما يروي أنه أخبر في صغره أحد أقرانه أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد بشَّره بأنه سيملك مصر ويكسر التتار، وهذا يعني أن الرجل كان يعتبر نفسه صاحب مهمة، وأنه من الصلاح بحيث رأى رسول الله واصطفاه الله بذلك كما أكرمه بالشهادة على يد الغادرين المتآمرين بقيادة بيبرس، وادخر شهرته وجزاءه العظيم له قي الآخرة لذلك فهو مغمور قي الدنيا، وأن له دورًا في صناعة التاريخ، وتغيير الواقع الأسيف الذي يحيط به من كل جانب.ولا شك أن قطز ورضى عنه كان مبعوث رحمة الله ومبعوث العناية الإلهية بالأمة العربية والإسلامية وبالعالم كي يخلص العالم من شر وخطر التتار للأبد، وكان وصوله لحكم مصر من حسن حظها وحظ العالمين العربى والإسلامي. تذكر المصادر التاريخية ومنها رواية وا إسلاماه لعلي أحمد باكثير عدة روايات عن أصل قطز فمنهم من يقول إن اسمه الحقيقي هو محمود بن ممدود الخوارزمي ابن أخت السلطان جلال الدين منكبرتي آخر السلاطين الخوارزميين. واسم قطز أسماه له التتار حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم له.. ومعنى قطز بلغتهم المغولية "ال*** الشرس".وربما يكون تجار الرقيق هم الذين أعطوه هذا الاسم. قطز من بين الأطفال الذين حملهم التتار إلى دمشق وباعوهم إلى تجار الرقيق. وقد وُصف قطز بأنه كان شاباً أشقر، كث اللحية، بطلاً شجاعاً عفاً عن المحارم، مترفعاً عن الصغائر مواظباً على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار، تزوج من بني قومه ولم يخلّف ولداً ذكراً بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئاً بعده. وصايته على الحكم قام الملك عز الدين أيبك بتعيين قطز نائبا للسلطنة ،وبعد أن قتل الملك المعز عز الدين أيبك على يد زوجته شجرة الدر، وقتلت من بعده زوجته شجر الدر على يد جواري الزوجة الأولى لأيبك، تولى الحكم السلطان الطفل المنصور نور الدين علي بن عز الدين أيبك، وتولى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير الذي كان يبلغ من العمر 15سنة فقط. وأحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم اضطرابات كثيرة في مصر والعالم الإسلامي، وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قبل بعض المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر، ولم يهربوا إلى الشام مع من هرب منها أيام الملك المعز عز الدين أيبك، وتزعم أحد هؤلاء المماليك البحرية ـ واسمه "سنجر الحلبي" ـ الثورة، وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عز الدين أيبك، فاضطر قطز إلى القبض عليه وحبسه.. كذلك قبض قطز على بعض رءوس الثورات المختلفة، فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام، وذلك ليلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى هناك أيام الملك المعزّ، ولما وصل المماليك البحرية إلى الشام شجعوا الأمراء الأيوبيين على غزو مصر، واستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء، ومنهم "مغيث الدين عمر" أمير الكرك (بالأردن حالياً) الذي تقدم بجيشه لغزو مصر.. ووصل مغيث الدين بالفعل بجيشه إلى مصر، وخرج له قطز فصدّه عن دخول مصر، وذلك في ذي القعدة من سنة 655 هـ، ثم عاد مغيث الدين تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد، ولكن صدّه قطز مرة أخرى في ربيع الآخر سنة 656 هـ.. كان قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه يدير الأمور فعلياً في مصر ،ولكن الذي كان يجلس على كرسي الحكم سلطان طفل، فرأى قطز أن هذا يضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع من ثقة الناس بملكهم، ويقوي من عزيمة الأعداء إذ يرون الحاكم طفلاً.فقد كان السلطان الطفل مهتماً بمناقرة الديوك، ومناطحة الكباش، وتربية الحمام، وركوب الحمير في القلعة، ومعاشرة الأراذل والسوقة، تاركاً لأمه ومن وراءها تسيير أمور الدولة في تلك الأوقات العصيبة، وقد استمر هذا الوضع الشاذ قرابة ثلاث سنوات، على الرغم من تعاظم الأخطار وسقوط بغداد بيد المغول، وكان من أشد المتأثرين بذلك والمدركين لهذه الأخطار الأمير قطز، الذي كان يحزّ في نفسه ما كان يراه من رعونة الملك، وتحكم النسوان في مقدرات البلاد، واستبداد الأمراء، وإيثارهم مصالحهم الخاصة على مصلحة البلاد والعباد. هنا اتخذ قطز القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي, واعتلاء قطز بنفسه عرش مصر.حدث هذا الأمر في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 657 هـ، أي قبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام.. ومنذ أن صعد قطز إلى كرسي الحكم وهو يعدّ العدّة للقاء التتار توليه الحكم عندما تولى قطز الحكم كان الوضع السياسي الداخلي متأزماً للغاية, فقد جلس على كرسي حكم في مصر خلال عشرة أعوام تقريبا ستة حكام وهم : الملك الصالح نجم الدين أيوب، ولده توران شاه, شجر الدر، الملك المعز عز الدين أيبك، السلطان نور الدين علي بن أيبك,و سيف الدين قطز. كما كان هناك الكثير من المماليك الطامعين في الحكم, ويقومون بالتنازع عليه كما كان هناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد من جراء الحملات الصليبية المتكررة، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، ومن جراء الفتن والصراعات على المستوى الداخلي. فعمل قطز على أصلاح الوضع في مصر خلال أعداده للقاء التتار. الإعداد للقاء التتار [عدل] استقرار الوضع الداخلي قطع قطز أطماع المماليك في الحكم عن طريق توحيدهم خلف هدف واحد، وهو وقف زحف التتار ومواجهتهم, فقام بجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وقال لهم في وضوح : "إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطة من شئتم". فهدأ معظم الحضور ورضوا بذلك. كما قام قطز بتعيين أمراء من المماليك البحرية، رغم أنه نفسه من المماليك المعزية التي كانت على خلاف مع المماليك البحرية، فقام بإقرار فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي مكانه كقائد للجيش، حيث وجد فيه كفاءة عسكرية وقدرة قيادية عالية. [عدل] التصالح مع المماليك البحرية كان هناك خلاف كبير بين المماليك البحرية وبين المماليك المعزية، عندما قتل سيف الدين قطز بالتدبير مع السلطان المعز ومن ورائه زوجته، قتل فارس الدين أقطاي اتابك الدولة (وزير الحرب) ووالي الإسكندرية ،و زعيم المماليك البحرية سنة 652 هـ،الامر الذي جعل الامير ركن الدين بيبرس البندقداري يفر الي الشام مقتنعا بانه كان الهدف التالي لمؤامرة شجر الدر مع زوجها السلطان المعز ونائبه قطز ثم بدأ الخلاف يتفاقم تدريجياً إلى أن وصل إلى الذروة بعد مقتل الملك المعزعز الدين أيبك بواسطة شجر الدر التي دفعتها الغيرة الزوجية لذلك عندما علمت بان السلطان إصطفي له جارية من الحريم ثم قتل قطز لشجر الدر في ١6 نيسان أبريل ١٢57 م، ووصل الأمر إلى أن معظم المماليك البحرية ـ وعلى رأسهم القائد ركن الدين بيبرس ـ فروا من مصر إلى مختلف إمارات الشام، ومنهم من شجع أمراء الشام على غزو مصر مثلما فعل بيبرس مع ملك دمشق الناصر يوسف وملك الكرك والشوبك المغيث عمر، فلما اعتلى قطز عرش مصر قبل الصلح مع بيبرس الذي أرسل الرسل لقطز كي يتحدا للتصدي لجيوش المغول التي كانت قد دخلت دمشق آسرة الناصر يوسف ملكها. استقبل قطز المماليك الفارين استقبالاً لائقاً, كما استقدم ركن الدين بيبرس، فلما قدم بيبرس إلى مصر، عظّم قطز من شأنه جداً، وأنزله دار الوزارة، وأقطعه "قليوب" وما حولها من القرى، وعامله كأمير من الأمراء المقدَّمين، بل وجعله على مقدمة الجيوش في معركة عين جالوت.فاتق شر من أحسنت إليه. [عدل] التوحد مع الممالك المحيطة بمصر كانت العلاقات مع إمارات الشام الأيوبية متوترة جداً، وقد فكروا أكثر من مرة في غزو مصر، ونقضوا الحلف الذي كان بين مصر والشام أيام الصالح أيوب، واستقطبوا المماليك البحرية عندهم عندما فروا من مصر، بل إن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر. سعى قطز إلى الوحدة مع الشام، أو على الأقل تحييد أمراء الشام، فيخلوا بينه وبين التتار دون أن يتعاونوا مع التتار ضده. فأرسل قطز رسالة إلى الناصر يوسف الأيوبي يعرض عليه الوحدة، على أن يكون الناصر يوسف الأيوبي هو ملك مصر والشام، فإن تشكك الملك الناصر الأيوبي في نية قطز فيستطيع قطز أن يمده بالقوات للمساعدة في قتال التتار كما ترك قطز للملك الناصر اختيار قائد الجيش المصري الذي يذهب لنجدته في الشام، ولكن الناصر الأيوبي رفض ذلك فسقطت كل من حلب ودمشق في يد التتار وفر الملك الناصر الأيوبي إلى فلسطين. بعد فرار الناصر الأيوبي انضم إلى قطز جيش الناصر، فازدادت بذلك قوة الجيش المصري. راسل قطز بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير "المنصور" صاحب حماة، وجاء من حماة ومعه بعض جيشه للالتحاق بجيش قطز في مصر. أما المغيث عمر صاحب الكرك، وبدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل الذي فقد فضلا الحلف مع المغول والخيانة. وأما الأخير وهو الملك السعيد حسن بن عبد العزيز صاحب بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل انضم بجيشه إلى قوات التتار ليساعدهم في محاربة المسلمين. [عدل] حل الأزمة الاقتصادية اقترح قطز أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، وهذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون سوى الزكاة، ولا يدفعها إلا القادر عليها، وبشروط الزكاة المعروفة، أما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في ظروف خاصة جداً، ولابدّ من وجود سند شرعي يبيح ذلك. فاستفتى قطز الشيخ العز بن عبد السلام فأفتى قائلاً : ""إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا. " قبل قطز كلام الشيخ العز بن عبد السلام، وبدأ بنفسه, فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك, فانصاع الجميع, وتم تجهيز الجيش كله. قطز في معركة عين جالوت بينما كان قطز يعد الجيش والشعب للقاء التتار وصل رسل هولاكو يحملون رسالة تهديد لقطز جاء فيها: "بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلّطنا على خلقه..الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك"..صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها..أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من حل به غيظه..فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر..فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم..قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ..فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى..فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد..فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب.. فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال. فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..فأبشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)..وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة..وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة..فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل..فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب..قبل أن تضرم الحرب نارها، وتوري شرارها.. فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً..وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية..فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم" جمع قطز القادة والمستشارين وأطلعهم على الرسالة، وكان من رأي بعض القادة الأستسلام للتتار وتجنب ويلات الحرب, فما كان من قطز إلا أن قال :" أنا ألقى التتار بنفسي.. يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين (عن القتال)"، فتحمس القواد والأمراء لرؤيتهم قائدهم يقرر الخروج لمحاربة التتار بنفسه، بدلاً من أن يرسل جيشاً ويبقى هو. ثم وقف يخاطب الأمراء وهو يبكي ويقول: "يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن" فقام الأمراء يعلنون موافقتهم على الجهاد، وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن. وقام قطز بقطع أعناق الرسل الاربع وعشرين الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وعلّق رءوسهم في الريدانية في القاهرة وابقي علي الخامس والعشرين ليحمل الاجساد لهولاكو. وأُرسل الرسل قي الديار المصرية تنادى بالجهاد قي سبيل الله ووجوبه وفضائله وكان العز بن عبد السلام ينادى قي الناس بنفسه فهب نفر كثير ليكونوا قلب وميسرة جيش المسلمين اما القوات النظامية من المماليك فكونت الميمنة وأختبأت بقيتها خلف التلال لتحسم المعركة. [عدل] في أرض المعركة كانت الحرب ضارية.. أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وظهر تفوق الميمنة التترية التي كانت تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وبدأ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي. كان قطز يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه فِرَق الجيش إلى سد الثغرات، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة, وشاهد قطز المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بآخر الفرق النظاميه من خلف التلال، ولكن الضغط التتري استمر. فما كان من قطز إلا أن نزل ساحة القتال بنفسه.. وذلك لتثبيت الجنود ورفع روحهم المعنوية, ألقى بخوذته على الأرض تعبيراً عن اشتياقه للشهادة، وعدم خوفه من الموت، وأطلق صيحته الشهيرة:"واإسلاماه" وقاتل قطز مع الجيش قتالاً شديداً، حتى صوب أحد التتر سهمه نحو قطز فأخطأه ولكنه أصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرسُ من ساعته، فترجل قطز على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له. ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له عن فرسه، إلا أن قطز امتنع، وقال: "ما كنت لأحرم المسلمين نفعك!!"وظل يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية. وقد لامه بعض الأمراء على هذا الموقف وقالوا له:" لمَ لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك." فقال قطز: "أما أنا كنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قتل فلان وفلان وفلان... حتى عد خلقاً من الملوك (مثل عمر وعثمان وعلي م) فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام " مقتله كان قطز كما قال الشافعي: أحسنتَ ظنَك بالأيام إذ حسنت ولم تخفْ غبَّ ما يأتي به القدرُ وسالمتْك الليالي فاغتررت بها وعند صفو الليالي يحدث الكدر ويروي ابن خلدون في كتاب " تاريخ ابن خلدون" قصة مقتل الملك المظفر سيف الدين قطز: "كان البحرية من حين مقتل أميرهم أقطاي الجامدار يتحينون لأخذ ثأره وكان قطز هو الذي تولى قتله فكان مستريباً بهم. ولما سار إلى التتر ذهل كل منهم عن شأنه. وجاء البحرية من القفر هاربين من المغيث صاحب الكرك فوثقوا لأنفسهم من السلطان قطز أحوج ما كان إلى أمثالهم من المدافعة عن الإسلام وأهله فأمنهم واشتمل عليهم وشهدوا معه واقعة التتر على عين جالوت وأبلغوا فيها والمقدمون فيهم يومئذ بيبرس البندقداري وأنز الأصبهاني وبلبان الرشيدي وبكتون الجوكنداري وبندوغز التركي. فلما انهزم التتر قي الشام واستولوا عليه وحسر ذلك المد وأفرج عن الخائفين الروع عاد هؤلاء البحرية إلى ديدنهم من الترصد لثأر أقطاي. فلما قفل قطز من دمشق سنة ثمان وخمسين أجمعوا أن يبرزوا به في طريقهم. فلما قارب مصر ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه وتقدم إليه أنز شفيعاً في بعض أصحابه. فشفعه فأهوى يقبل يده فأمسكها. وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعاً لليدين والفم. ورشقه الآخرون بالسهام فقتلوه وتبادروا إلى المخيم. وقام دون فارس الدين أقطاي على ابن المعز أيبك وسأل من تولى قتله منكم فقالوا بيبرس فبايع له واتبعه أهل المعسكر ولقبوه بالقاهر. وبعثوا أيدمر الحلي بالخبر إلى القلعة بمصر فأخذ له البيعة على من هناك. ووصل القاهر منتصف ذي القعدة من السنة فجلس على كرسيه ولكنه غير لقبه الي الظاهر فوفا من شوم لقب القاهر واستخلف الناس على طبقاتهم وكتب إلى الأقطار بذلك. ورتب الوظائف وولى الأمراء..." حمل قطز بعد ذلك إلى القاهرة فدفن بالقرب من زاوية الشيخ تقي الدين قبل أن تعمر ثم نقله الحاج قطز الظاهري إلى القرافة ودفن قريباً من زاوية ابن عبود[1]. وفي رواية أخرى: عندما إنتهى قطز من حرب التتار وهزيمتهم وتحرير الشام قفل راجعا إلى مصر ولما بلغ بلدة "القصير" من أرض الشرقية بمصر بقي بها مع بعض خواصه، على حين رحل بقية الجيش إلى الصالحية، وضربت للسلطان خيمته، وهناك دبرت مؤامرة لقتله نفذها شركاؤه في النصر، وكان الأمير بيبرس قد بدأ يتنكر للسلطان ويضمر له السوء، وأشعل زملاؤه نار الحقد في قلبه، فعزم على قتل السلطان، ووجد منهم عونًا ومؤازرة، فانتهزوا فرصة تعقب السلطان لأرنب يريد صيده، فابتعد عن حرسه ورجاله، فتعقبه المتآمرون حتى لم يبق معه غيرهم، وعندئذ تقدم بيبرس ليطلب من السلطان امرأة من سبى المغول فأجابه إلى ما طلب، ثم تقدم بيبرس ليقبل يد السلطان شاكرًا فضله، وكان ذلك إشارة بينه وبين الأمراء، ولم يكد السلطان قطز يمد يده حتى قبض عليها بيبرس بشدة ليحول بينه وبين الحركة، في حين هوى عليه بقية الأمراء بسيوفهم حتى أجهزوا عليه، وانتهت بذلك حياة بطل عين جالوت. و تواترت الانباء قي مصر عن مقتل قطز وأشاع المتآمرون انه قد قتل متأثرا بجراح اصيب بها أثناء المعركه...فخرج العامه ينتظرون الموكب بترقب فلما تبين لهم خلوه من قائدهم المحبوب قطز وتأكد لهم مقتله ساد الهم والكرب ووحزن الناس عليه حزنًا شديدًا وأنفض جمعهم سريعا دون احتفال. ويقول ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة : "فلما انقضت الوقعة بعين جالوت تبعهم بيبرس هذا يقتل من وجده منهم إلى حمص ثم عاد فوافى الملك المظفر قطز بدمشق وكان وعده بنيابة حلب فأعطاها قطز لصاحب الموصل فحقد عليه بيبرس في الباطن واتفق على قتله مع جماعة لما عاد الملك المظفر إلى نحو الديار المصرية. والذين اتفقوا معه: بلبان الرشيدي وبهادر المعزي وبكتوت الجوكندار المعزي وبيدغان الركني وبلبان الهاروني وأنص الأصبهاني واتفقوا الجميع مع بيبرس على قتل الملك المظفر قطز وساروا معه نحو الديار المصرية إلى أن وصل الملك المظفر قطز إلى القصير وبقي بينه وبين الصالحية مرحلة ورحل العسكر طالبًا الصالحية وضرب دهليز السلطان بها. واتفق عند القصير أن ثارت أرنب فساق المظفر قطز وساق هؤلاء المتفقون على قتله معه فلما أبعدوا ولم يبق مع المظفر غيرهم تقدم إليه ركن الدين بيبرس وشفع عنده في إنسان فأجابه المظفر فأهوى بيبرس ليقبل يده فقبض عليها وحمل أنص عليه وقد أشغل بيبرس يده وضربه أنص بالسيف وحمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنشاب إلى أن مات ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتى وصلوا إلى الدهليز السلطاني فنزلوا ودخلوه والأتابك على باب الدهليز فأخبروه بما فعلوا فقال فارس الدين الأتابك: من قتله منكم فقال بيبرس: أنا فقال: يا خوند اجلس في مرتبة السلطنة فجلس واستدعيت العساكر للحلف وكان القاضي برهان الدين قد وصل إلى العسكر متلقيا للملك المظفر قطز فاستدعي وحلف العسكر للملك الظاهر بيبرس وتم أمره في السلطنة وأطاعته العساكر ثم ركب وساق في جماعة من أصحابه حتى وصل إلى قلعة الجبل فدخلها من غير ممانع واستقر ملكه. " وذكر المؤرخون أسبابًا متعددة لإقدام الأمير بيبرس وزملائه على هذه الفعلة الشنعاء، فيقولون: إن بيبرس طلب من السلطان قطز أن يوليه نيابة حلب فلم يوافق، فأضمر ذلك في نفسه. ويذهب بعضهم إلى أن وعيد السلطان لهم وتهديدهم بعد أن حقق النصر وثبّت أقدامه في السلطة كان سببًا في إضمارهم السوء له وعزمهم على التخلص منه قبل أن يتخلص هو منهم، وأيًا ما كانت الأسباب فإن السلطان لقي حتفه بيد الغدر والاغتيال، وقُتل وهو يحمل فوق رأسه أكاليل النصر. قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي عنه في تاريخه - تعالى - بعد ما سماه ونعته قال: وكان المظفر أكبر مماليك الملك المعز أيبك التركماني وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير وله اليد البيضاء في جهاد التتار فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه. وقال قطب الدين اليونيني في تاريخه الذي ذيله على مرآة الزمان بعد ما ساق توجهه إلى دمشق وإصلاح أمرها إلى أن قال: وقتل الملك المظفر قطز مظلومًا بالقرب من القصير وهي المنزلة التي بقرب الصالحية وبقي ملقى بالعراء فدفنه بعض من كان في خدمته بالقصير وكان قبره يقصد للزيارة دائمًا.قال: واجتزت به في شهر رمضان سنة تسع وخمسين وستمائة وترحمت عليه وزرته. وكان كثير الترحم عليه والدعاء على من قتله.فلما بلغ بيبرس ذلك أمر بنبشه ونقله إلى غير ذلك المكان وعفي أثره ولم يعفى خبره - تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا - قال: ولم يخلف ولدًا ذكرًا وكان قتله يوم السبت سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة.قلت: فعلى هذا تكون مدة سلطنة الملك المظفر قطز سنة إلا يومًا واحدًا فإنه تسلطن في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة من سنة سبع وخمسين وستمائة وقتل فيما نقله الشيخ قطب الدين في يوم السبت سادس عشر في القعدة من سنة ثمان وخمسين وستمائة انتهى. ويقول ابن كثير قي "البداية والنهاية" : "لما عاد قطز إلى مصر تملأ عليه الأمراء مع بيبرس فقتلوه بين القرابي والصالحية ودفن بالقصر، وكان قبره يزار.فلما تمكن الظاهر من الملك بعث إلى قبره فغيبه عن الناس، وكان لا يعرف بعد ذلك قتل يوم السبت سادس عشر من ذي القعدة رحمه الله." وهكذا سقط الفارس صريعاً مظلوماً لا يعرف الناس من أمره إلا القليل. ويبدو للناظر في كتب التاريخ التي حفظت لنا هذه القصة أن سيف الدين قطز قد جاء لأداء مهمة تاريخية محددة، فما أن أنجزها حتى توارى عن مسرح التاريخ بعد أن جذب الانتباه والإعجاب الذي جعل دوره التاريخي على الرغم من قصر فترته الزمنية كبيراً وباقياً. إن الناس في كل زمان ومكان قادرون على صنع النصر من رماد الهزيمة، وبناء الحضارة في خرائب العدوان، وزرع حدائق العلم والنور في ظلمات الجهل، إذا وجدوا من يُحسن قيادتهم ويضرب لهم المثل والقدوة ويتميز بالتضحية والشجاعة وإنكار الذات. وكان السلطان المظفر سيف الدين قطز تجسيداً لهذا—تعالى وغفر لنا وله ولسائر المسلمين.والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة MiDoElPrO ; 19-04-2010 الساعة 02:57 PM
|
يتصفح الموضوع حالياً : 3 (0 عضو و 3 زائر) | |
|
|