واقعتان في لندن

[Ahmed shafiq]

كتب علاء الأسواني
مقاله علاء الاسوانى الإسبوعيه فى جريدة الدستور 10 سبتمبر2008


فى الإسبوع الماضى سافرت إلى لندن بدعوى من ناشرى البريطانى بمناسبة صدور طبعة إنجليزية جديدة من روايتى شيكاجو .
وما إن وصلت إلى هناك حتى حدثت واقعتان مدهشتان .
الواقعة الأولى لها علاقة بموجة الكراهية العنصرية التى تجتاح الغرب الأن ضد العرب والمسلمين ...
فما إن وصلت إلى مطار هيثرو فى لندن حتى وقفت أمام ضابطة بريطانية من أصل هندى من أجل إنهاء إجراءات الجوازات ., ومنذ اللحظة الأولى أحسست بأنها تعاملنى بجفاء وإستعلاء ..
سألتنى بطريقة مستفزة : ماذا جئت تفعل فى إنجلترا ؟
فكظمت غيظى وأجبتها ,,
ثم قضت وقتا طويلا فى فحص الجواز وقالت :أنا لا أجد تأشيرة د***ك إلى بريطانيا ..
ولما كنت أسافر كثيرا وجوازى مزدحم بتأشيرات عديدة فقد عرضت عليها أن أطلعها بنفسى على التأشيرة ..
فإذا بها تقول فى وقاحة : أنا لا أحتاج إلى مساعدتك .. ولو إحتجت إلى مساعدة فسأطلبها من زميلى وليس منك نحن هنا فى بريطانيا نحترم المرأة ونعتبرها مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات ... أما أنتم (( تقصد العرب والمسلمين )) فتعتبرونها مخلوقا ناقصا يحتاج إلى مساعدة الرجال ..
إستبد بى الغضب وإندفعت قائلا : من فضلك أنا لا أريد أن استمر فى الحديث معك .. كما أن طريقتك فى الكلام معى لا تعجبنى ,, لقد تجاوزت حدود سلطتك وكلامك يتضمن إساءة لا أقبلها ..
والآن أمامك إختياران .. إما أن تعملى فى صمت وتنهى إجراءات د***ى , وإلا فأنا أطلب مقابلة رئيسك فورا حتى أتقدم بشكوى رسمية ضدك ...
ظلت الضابطة ترمقنى بنظراتها الكارهة وكأنها تفكر فيما سوف تفعله .. وفجأة .. إنحنت على الجواز وطبعت عليه ختم الوصول , ثم إغتصبت إبتسامة صفراء وقالت : أتمنى لك إقامة سعيدة فى بريطانيا ..
خرجت من المطار وأنا أتساءل لو إننى تحدثت مع ضابط شرطة فى مصر بهذه الطريقة كيف كان الأمر سينتهى بى ..؟؟
ولم تمضى ساعات قليلة حتى عرفت بأمر الواقعة الثانية : وبطلها الدكتور سعيد عبد المسيح شحاته وهو مصرى مقيم فى بريطانيا يعتبر بحق نموذجا مشرفا لكل المصريين , فهو حاصل على الدكتوراة من بريطانيا ويعمل أستاذا للعلوم السياسية فى جامعة لندن متروبوليتان المعروفة . وبالإضافة إلى عمله الأكاديمى المرموق يعتبر من أهم المعدين فى هيئة الإذاعة البريطانية .
وقد إتفق الدكتور سعيد على تسجيل بعض البرامج فى مصر ..
وقبل أن يسافر بيومين إكتشف مشكلة فى تأشيرة واحدة من مساعديه فى الإذاعة البريطانية .
وكان لابد لهذه الشكلة من حل سريع وإلا فإنه قد يضطر إلى إلغاء الرحلة كلها ..
تصرف الدكتور سعيد كما يقتضى المنطق فذهب إلى مقابلة القنصل المصرى العام فى لندن وإسمه عمرو الحناوى .
طلب الدكتور سعيد من السكرتير مقابلة القنصل فتركوه فترة طويلة ثم خرجت له سيدة تدعى مروة قالت : إنها موفدة من القنصل ... فشرح لها الدكتور سعيد مشكلته لكنه لم يجد عندها أى حل فما كان منه إلا أن كرر بأدب طلبه فى مقابلة القنصل العام .
فإذا بالسيدة مروة تقول له : هو أنا مش مالية عينك ولا إيه ؟؟
ورد عليها الدكتور سعيد بأدب دائما . بأنها على العين والراس لكن المشكلة حلها فى يد القنصل وهو يريد أن يقابله .
فإذا بالسيدة مروة تصيح فى وجهه : القنصل موجود لكنه يرفض مقابلتك ... إستريحت ..؟!
وهنا قال الدكتور سعيد بهدوء : أنا أستاذ فى العلوم السياسية وأدرس لطلابى قواعد العمل الدبلوماسى ..
ليس من حق القنصل أن يرفض مقابلة أى مواطن مصرى لأن وظيفته الأساسية رعاية مصالح المصريين فى البلد التى يعمل بها .
وهنا قامت السيدة مروة من مكانها وأشارت للدكتور سعيد بيدها قائلة : المقابلة إنتهت ..
وهكذا تم طرد مواطن مصرى من قنصلية بلاده ..
مواطن محترم يشرف أى بلد ينتمى إليه تم طرده وإهانته عقابا له لأنه تجرأ وأصر على مقابلة القنصل ..
وجدتنى أقارن بين الحادثتين ... فالضابطة العنصرية بدأت فى الإساءة إلىّ .. لكننى ما إن لوحت لها بالإحتكام للقانون حتى خافت وتراجعت لدرجة أنها تمنت لى إقامة سعيدة ..
أما السيد القنصل العام عمرو الحناوى فقد رفض مقابلة مواطن مصرى وقامت الأستاذة مروة مساعدته بطرده من القنصلية .. وهما بلا شك قد تعودا على التعامل مع المصريين بهذه الطريقة لأنهما يعلمان أن أحدا لن يحاسبهما ماداما يسيئان إلى مصريين عاديين ليسوا مسنودين من أصحاب النفوذ فى مصر .
ولو أن الدكتور سعيد شحاته كان قريبا أو تابعا لأحد كبار رجال الدولة لأستقبله القنصل العام عمرو الحناوى على الباب ولكان قد تفرغ لقضاء مصالحه ولربما وضع موظفى القنصلية وسيارتها تحت أمره أثناء إقامته فى لندن (( كما رأيت بنفسى مرارا فى عواصم أوروبية عديدة )) .. والسؤال :
لماذا يكتسب القانون كل هذه القوة فى بريطانيا ..؟ بينما فى مصر لايطبق القانون إلا على من لايملك تعطيله .
ويستطيع أى صاحب نفوذ أن يدهس القانون بقدميه ...؟؟
هناك تفسير شائع يردده الإعلام الحكومى يعتبر المصريين بطبيعتهم فوضويين يميلون إلى مخالفة القانون .
والحق أن هذه مغالطة كبرى ..
فالمصريون ليسوا أقل من الشعوب الغربية إحتراما للقانون .. لكن شرط إحترام القانون أن يكون عادلا وأن يتساوى امامه الجميع ..
ومصداقيه القانون ترتبط مباشرة بطبيعه النظام السياسى .
ففى النظام الديمقراطى يحصل المسؤلون على مناصبهم عن طريق إنتخابات نظيفة محترمة . وبالتالى يظل المسؤل حريصا على إرضاء الناس , لانهم يمثلون جمهور الناخبين الذين أتوا به إلى المنصب ويستطيعون أن يسحبوا منه الثقة فى أى وقت وفى بريطانيا يسمون الموظف العام (( الخادم المدنى )) servant civil
فى إشارة واضحة إلى أن أى مسؤل مهما علا منصبه يظل فى خدمة الشعب والقانون ..
أما فى مصر فلا يوجد مسؤل واحد منتخب ومن حق المصريين أن يعاملوا بإحترام , وأن تحفظ حقوقهم وكرامتهم ...

تم حذف الجزء الأخير من المقاله لأنه يتعلق بالرياسه في مصر
( أحمد شفيق )
مع الإعتذار للكاتب علاء الاسواني