حفظ بياناتي ؟

1/01/2023

22/05/2024_hema

22/05/2024_hema

END_shaher_08/02/2024

ID:100_01_09_2024

END_02/12/2024

END 23/08/2024

END 13/09/2024

END 17/09/2024

END 22/09/2024

END 24/09/2024

25/01/2022

QueenSro

ID:100_01_09_2024

ibrahim_END 07/08/2024

END 23/08/2024

END 13/09/2024

END 24/09/2024

 الـجـروب الـرسـمى لـلـمـنـتـدى FaceBook | Official Group 


شـريـط الاهـداءات



القـسـم الإسـلامـى الـعـام [ قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم يهتم بثقافتنا الإسلامية فقط ] [ نرجوا عدم التطرق للأمور التي تضر الدين وعدم الافتاء بشي غير موثوق وعدم المساس بأى دين أخر ]

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-2013, 10:09 PM   #1

ST0P_IM_T0P
عضو سوبر



الصورة الرمزية ST0P_IM_T0P


• الانـتـسـاب » Jun 2012
• رقـم العـضـويـة » 101343
• المشـــاركـات » 2,258
• الـدولـة » اطفيح _ الجيزة
• الـهـوايـة » حاليا مفيش
• اسـم الـسـيـرفـر » No Server
• الـجـنـس » Male
• نقـاط التقييم » 1125
ST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـعST0P_IM_T0P عطـاء غيـر منقطـع

ST0P_IM_T0P غير متواجد حالياً

3896  



(21) موسوعة كاملة لجميع صحابة الرسول (ص) (خاص بالمسابقة)









اعــضــاء مــنــتــدى الابـداع والـتـمـيــز



أحـبـائـى
اعـضـاء ومـشـرفـيـن ومـراقـبـيـن
قـسـم


◊¯Ξ¦¦. ¤™القسم™¤ .¦¦¯◊

‗=¨¯ الدينى ¯¨=‗

باقدملكوا
موسوعة كاملة لجميع صحابة الرسول (ص)(خاص بالمسابقة)








فهرس الموضوع
  • الأحمري
  • الأحوص بن عبد بن أمية
  • الأحوص بن مسعود بن كعب
  • الأخرم الهجيمي
  • الأخضر بن أبي الأخضر الأنصاري
  • الأخنس السلمي
  • الأخنس بن شريق بن عمرو
  • الأدرع السلمي
  • الأرقم الجني
  • الأرقم بن أبي الأرقم
  • الأزرق بن عقبة
  • الأسفع البكري
  • الأسفع الجرمي
  • الأسقع والد واثلة بن الأسقع
  • الأسلع الأعرجي
  • الأسود بن البختري بن خويلد
  • الأسود بن أبي الأسود النهدي
  • الأسود بن أصرم المحاربي
  • الأسود بن ثعلبة اليربوعي
  • البراء بن عازب
  • البراء بن معرور
  • الحارث بن الحارث
  • الحارث بن ربعي
  • الحسن بن علي
  • الحسين بن علي
  • الزبير بن العوام
  • العاص بن هاشم بن الحارث
  • العباس بن عبد المطلب
  • العلاء بن الحضرمي
  • القاسم بن محمد
  • القعقاع بن عمرو
  • الفضل بن العباس
  • المغيرة بن شعبة
  • المقداد بن عمرو
  • المقدام بن معدي كرب
  • النابغة الجعدي
  • النعمان بن بشير
  • الوازع أبو ذريح
  • الوازع بن الزارع
  • الوازم بن زر
  • الوليد بن القاسم
  • الوليد بن الوليد بن المغيرة
  • الوليد بن جابر
  • الوليد بن زفر
  • الوليد بن عبادة
  • الوليد بن عبد شمس
  • الوليد بن عقبة
  • الوليد بن عمارة
  • الوليد بن قيس
  • اليمان بن جابر
  • أبان بن سعيد بن العاص
  • أبرهة بن الصباح الحبشي
  • أبرهة بن شرحبيل
  • أبو الدرداء الأنصاري
  • أبو العاص بن الربيع
  • أبو أمامة الباهلي
  • أبو أيوب الأنصاري
  • أبو بكر الصديق
  • أبو ذر الغفاري
  • أبو زمعة البلوي
  • أبو سعيد الخدري
  • أبو سفيان بن الحارث
  • أبو سفيان بن حرب
  • أبو طلحة
  • أبو عبيدة عامر بن الجراح
  • أبو موسى الأشعري
  • أبو هريرة
  • أبي بن أمية بن حرثان
  • أبي بن القشب الأزدي
  • أبي بن ثابت الأنصاري
  • أبي بن شريق
  • أبي بن عجلان الباهلي
  • أبي بن عمار
  • أبي بن كعب بن عبد ثور المزني
  • أبي بن كعب بن قيس
  • أبي بن مالك القشيري
  • أبي بن معاذ بن أنس
  • أبي حميد الساعدي
  • أبيض الجني
  • أبيض بن أسود
  • أبيض بن حمّال
  • أبيض بن عبد الرحمن بن النعمان
  • أبيض بن هنى بن معاوية
  • أثال بن النعمان الحنفي
  • أثبج العبدي
  • أثيلة الخزاعي
  • أحمر بن سواء بن عدي
  • أحمر بن قطن الهمداني
  • أحمر بن مازن بن أوس
  • أحمر بن معاوية بن سليم
  • أحمر مولى أم سلمة
  • أحيحة بن أمية بن خلف
  • أدهم بن حظرة اللخمي الراشدي
  • أذينة بن سلمة بن الحارث
  • أربد بن جبير
  • أرطاة بن كعب بن شراحيل
  • أرقم بن أبي الأرقم
  • أزهر بن خميصة
  • أزهر بن عبد عوف
  • أزهر بن منقر
  • أسامة الحنفي
  • أسامة بن أخدري التميمي
  • أسامة بن خريم
  • أسامة بن زيد بن حارثة
  • أسامة بن شريك الثعلبي
  • أسامة بن عمير بن عامر
  • أسد بن حارثة ال***ي
  • أسد بن خزيمة
  • أسد بن خويلد
  • أسد بن سعية القرظي
  • أسد بن عبد الله
  • أسد بن كرز بن عامر البجلي
  • أسد بن كعب القرظي
  • أسد مولى رسول الله
  • أسعد بن حرام الخزرجي
  • أسعد بن زرارة
  • أسعد بن سلامة الأشهلي
  • أسعد بن عبد الله بن مالك
  • أسعد بن عطية بن عبيد
  • أسعد بن يربوع الأنصاري
  • أسعد بن يزيد بن الفاكه
  • أسلم الراعي الأسود
  • أسلم الطائي
  • أسلم بن الحارث بن عبد المطلب
  • أسلم بن بجرة
  • أسلم بن جبيرة بن حصين
  • أسلم بن عميرة
  • أسماء بن حارثة بن سعيد
  • أسماء بن خالد بن عوف البارقي
  • أسماء بن ربان بن معاوية
  • أسماء بن مالك الكعبي
  • أسيد بن حضير
  • أنس بن النضر
  • أنس بن مالك
  • أوس بن ثابت
  • إبراهيم الطائفي
  • إبراهيم بن جابر
  • إبراهيم بن عباد بن أساف
  • إبراهيم بن قيس بن حجر
  • إبراهيم بن محمد
  • إساف بن أنمار السلمي
  • إسحاق الغنوي
  • إسماعيل بن سعيد بن عبيد
  • إسماعيل بن عبد الله الغفاري
  • ازداد بن فساءة الفارسي
  • ازيهر مولى سهيل بن عمرو
  • أسماء بنت أبي بكر
  • براء بن مالك
  • برح بن عسكر
  • بلال بن رباح
  • ثابت بن الدحداح
  • ثابت بن زيد بن وديعة
  • ثعلبة بن عبد الرحمن
  • ثابت بن عامر هو ثابت بن عامر بن زيد الأنصاري‏.‏ شهد بدراً‏.‏
  • جابر بن عبد الله
  • جابر بن عياش: صحابي قال عنه أبو نعيم‏:‏ لا يعرف له حديث‏.‏ أخرجه أبو نعيم كذا مختصراً‏.‏
  • جبير بن مطعم
  • جرير بن عبد الله بن جابر البجلي
  • جعفر بن أبي سفيان
  • جعفر بن أبي طالب
  • جندب بن زهير
  • جندب بن كعب
  • جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي
  • حاطب بن أبي بلتعة
  • الغساني.
  • حدرجان بن مالك
  • حذيفة الأزدي البارقي
  • حذيفة بن اليمان
  • حذيفة بن محصن البارقي
  • حسان بن ثابت
  • حمزة بن عبد المطلب
  • حميضة بن النعمان البارقي
  • حنظلة بن أبي عامر
  • حبيب العنزي
  • خالد بن الوليد
  • خالد بن العنبس ذكره أبو عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي، في الصحابة الذين دخلوا مصر.
  • خالد بن سعيد بن العاص
  • خباب بن الأرت
  • خباب والد عطاء
  • خبيب بن عدي
  • خطيم، ذكره عبدان، وقال: لا أدري له صحبة أم لا? ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بشر المشائين". أخرجه أبو موسى.
  • دحية بن خليفة ال***ي
  • رافع بن خَديج
  • زهير بن سليم
  • زيد الخير
  • زيد بن ثابت
  • زيد بن حارثة
  • زيد بن خالد الجهني
  • زيد بن سهل الأنصاري
  • زيد بن الخطاب
  • سالم مولى أبي حذيفة
  • سارية بن زنيم
  • سعد بن أبي وقاص
  • سعد بن عبادة
  • سعد بن معاذ
  • سعيد بن زيد
  • سفيان بن عوف
  • سلمان الفارسي
  • سهل بن سعد
  • سهيل بن عمرو
  • شرحبيل بن حسنة
  • صخر بن وادعة
  • صفوان بن أمية
  • صيفي بن الأسلت
ضرار بن الأزور
  • طارق بن شهاب البجلي
  • طلحة بن عبيد الله
  • طفيل بن عمرو الدوسى
  • عائشة بنت أبى بكر الصديقة بنت الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبته وأم المؤمنين
  • عامر بن واثلة
  • عباد بن بشر
  • عبادة بن الصامت
  • عبد الرحمن بن عوف
  • عبد الرحمن بن سمرة
  • عبد الله بن الزبير
  • عبد الله بن أبي السرح
  • عبد الله بن أم مكتوم
  • عبد الله بن حوالة الأزدي
  • عبد الله بن بحينة
  • عبد الله بن رواحة
  • عبد الله بن سلام
  • عبد الله بن عباس
  • عبد الله بن عمر بن الخطاب
  • عبد الله بن عمرو بن العاص
  • عبد الله بن عمرو بن حرام
  • عبد الله بن مسعود
  • عثمان بن طلحة
  • عثمان بن عفان
  • عثمان بن مظعون
  • عقيل بن أبي طالب
  • عكاشة بن مِحصن الأسدي
  • علي بن أبي طالب
  • عمار بن ياسر
  • عمر بن الخطاب
  • عمران بن حصين
  • عمرو بن الجموح
  • عمرو بن الحمق
  • عمرو بن العاص
  • عروة بن عياض البارقي
  • عمرو بن معد يكرب
  • عكرمة بن أبي جهل
  • فاتك بن زيد
  • فاتك بن عمرو
  • الفاكه بن بشر
  • فرات بن حيان
  • فراس بن حابس
  • كعب بن عجرة
  • كعب بن مالك
  • لبيد بن ربيعة العامري
  • مخنف بن سليم
  • مدرك بن الحارث
  • مثنى بن حارثة
  • مسلمة بن مخلد الأنصاري
  • مصعب بن عمير
  • معاذ بن جبل
  • معاوية بن أبي سفيان
  • معاوية بن خديج
  • محمد بن مسلمة
  • محمود بن مسلمة
  • هاشم بن عتبة
  • وائل القيل
  • وائل بن أبي القعيس
  • وائل بن حجر
  • وابصة بن معبد
  • واثلة بن الأسقع
  • واثلة بن الخطاب
  • واسع بن حبان
  • واصلة بن حباب
  • واقد أبو مرواح
  • واقد بن الحارث
  • واقد بن عبد الله
  • واقد مولى رسول الإسلام
  • وبر بن مشهر
  • وبر بن يحنس
  • وجز بن غالب
  • وحشي بن حرب
  • وحوج بن الأسلت
  • وداعة بن أبي زيد
  • وداعة بن أبي وداعة
  • وداعة بن خذام
  • ودان بن زر
  • ودفة بن إياس
  • وديعة بن خذام
  • وديعة بن عمرو
  • ورد بن خالد السلمي
  • وردان الجني
  • وردان بن إسماعيل
  • وردان بن مخرم
  • وردان جد الفرات
  • وردان مولى رسول الإسلام
  • ورقة بن حابس
  • ورقة بن نوفل
  • وزر بن سدوس
  • وعلة بن يزيد
  • وفرة بن نافر البعاثي
  • وقاص بن قمامة
  • وقاص بن مجزر
  • وهب الجيشاني
  • وهب بن الأسود
  • وهب بن السماع
  • وهب بن أبي سرح
  • وهب بن أمية
  • وهب بن حذيفة
  • وهب بن حمزة
  • وهب بن خنبش
  • وهب بن خويلد
  • وهب بن زمعة
  • وهب بن سعد
  • وهب بن عبد الله بن قارب
  • وهب بن عبد الله بن محصن
  • وهب بن عبد الله بن مسلم
  • وهب بن عمرو الأسدي
  • وهب بن عمير
  • وهب بن قابوس
  • وهب بن قيس
  • وهب بن كلدة
  • وهب بن معقل
  • وهب والد عثمان
  • وهبان بن صيفي
  • ياسر بن عامر
  • يامين بن يامين
  • يثربي بن عوف
  • يحنس بن وبرة
  • يحيى بن الحنظلية
  • يحيى بن أسعد بن زرارة
  • يحيى بن أسيد
  • يحيى بن حكيم
  • يحيى بن خلاد
  • يحيى بن سعيد
  • يحيى بن صيفي
  • يحيى بن عبد الرحمن
  • يحيى بن عمير
  • يحيى بن نفير
  • يحيى بن هانىء
  • يحيى بن هند
  • يربوع أبو الجعد
  • يزداد الفارسي
  • يزيد العقيلي
  • يزيد أبو السائب الأزدي
  • يزيد أبو السائب الكندي
  • يزيد أبو عبد الرحمن
  • يزيد أبو عمر
  • يزيد أبو معن
  • يزيد أبو هانئ
  • يزيد بن الأخنس
  • يزيد بن الأسود العامري
  • يزيد بن الأصم
  • يزيد بن الجراح
  • يزيد بن الحارث
  • يزيد بن السكن الأنصاري
  • يزيد بن السكن بن رافع
  • يزيد بن المحجل
  • يزيد بن المزين
  • يزيد بن المنذر
  • يزيد بن النعمان
  • يزيد بن أبي زياد
  • يزيد بن أبي منصور
  • يزيد بن أسد بن كرز البجلي
  • يزيد بن أسيد
  • يزيد بن أسير
  • يزيد بن أمية
  • يزيد بن أنيس
  • يزيد بن أوس
  • يزيد بن برذع
  • يزيد بن بهرام
  • يزيد بن تميم
  • يزيد بن ثابت
  • يزيد بن ثعلبة
  • يزيد بن جارية
  • يزيد بن حاطب
  • يزيد بن حذيفة
  • يزيد بن حرام
  • يزيد بن حصين
  • يزيد بن حمزة
  • يزيد بن حوثرة
  • يزيد بن خالد العصري
  • يزيد بن خدارة
  • يزيد بن رقيش
  • يزيد بن ركانة
  • يزيد بن زمعة
  • يزيد بن زيد
  • يزيد بن سلمة الجعفي
  • يزيد بن سلمة الضمري
  • يزيد بن سنان
  • يزيد بن سيف
  • يزيد بن شجرة
  • يزيد بن شراحيل
  • يزيد بن شريح
  • يزيد بن شريك
  • يزيد بن شيبان الأزدي
  • يزيد بن صحار
  • يزيد بن ضمرة
  • يزيد بن طعمة
  • يزيد بن طلحة
  • يزيد بن طلق
  • يزيد بن ظبيان
  • يزيد بن عامر الأنصاري
  • يزيد بن عامر السوائي
  • يزيد بن عبابة
  • يزيد بن عبد
  • يزيد بن عبد الله
  • يزيد بن عبد الله البجلي
  • يزيد بن عبد الله الكندي
  • يزيد بن عبد الله بن الجراح
  • يزيد بن عبد الله بن الشخير
  • يزيد بن عبد المدان
  • يزيد بن عتر
  • يزيد بن عمرو
  • يزيد بن عمرو التميمي
  • يزيد بن عمرو أبو قطبة الأنصاري
  • يزيد بن عمير
  • يزيد بن قتادة
  • يزيد بن قنافة
  • يزيد بن قيس
  • يزيد بن قيس الظفري
  • يزيد بن قيس الكندي
  • يزيد بن قيس أخو سعيد
  • يزيد بن قيس بن خارجة
  • يزيد بن كعب
  • يزيد بن مالك الجعفي
  • يزيد بن مالك أبو سبرة: هو صحابي ، هو والد سبرة بن أبي سبرة، وعبد الرحمن بن أبي سبرة‏.‏
  • يزيد بن مربع
  • يزيد بن معبد
  • يزيد بن مهار خسرو
  • يزيد بن نعامة
  • يزيد بن نعيم
  • يزيد بن نويرة
  • يزيد بن وقش
  • يزيد بن يحنس
  • يزيد والد الحجاج
  • يزيد، والد حكيم
  • يزيد والد عبد الله بن يزيد الخطمي
  • يسار الحبشي
  • يسار الخفاف
  • يسار الراعي
  • يسار أبو فكيهة
  • يسار أبو هند الحجام
  • يسار بن الأطول
  • يسار بن أزيهر
  • يسار بن بلال
  • يسار بن سبع
  • يسار بن سويد
  • يسار بن عبد
  • يسار، جد محمد بن إسحاق
  • يسار مولى المغيرة بن شعبة
  • يسار مولى أبي الهيثم
  • يسار مولى عمرو
  • يسار، مولى فضالة بن هلال
  • يسر بن الحارث
  • يسير بن العنبس
  • يسير بن عمرو
  • يسير بن عمرو الكندي
  • يعقوب القبطي
  • يعقوب بن الحصين
  • يعقوب بن أوس
  • يعقوب بن زمعة
  • يعلى
  • يعلى العامري
  • يعلى بن أمية
  • يعلى بن حارثة
  • يعلى بن حمزة
  • يعلى بن مرة
  • يعمر السعدي
  • يعيش الجهني
  • يعيش بن طخفة
  • يعيش غلام بني المغيرة
  • يفوذان بن يفديدويه
  • يناق جد الحسن بن مسلم
  • يوسف الفهري
  • يوسف بن عبد اله بن سلام
  • يونس أبو محمد الظفري
  • سلمه بن سعد العنزي
الصحابيات

  • أثيلة بنت راشد الهذلية
  • أروى بنت عبد المطلب
  • أروى بنت كريز
  • أسماء بنت أبي بكر
  • أسماء بنت يزيد
  • أم حبيبة
  • ليلى بنت ابي حثمه
  • أم سلمة
  • أم سليم بنت ملحان
  • أم عمارة
  • أم قيس بنت مِحصن الأسدية
  • أم كلثوم بنت عقبة
  • أم كلثوم بنت محمد
  • أم هانىء بنت أبي طالب
  • أمامة بنت أبي العاص بن الربيع
  • بركة أم أيمن
  • جويرية بنت الحارث
  • حفصة بنت عمر بن الخطاب
  • حليمة السعدية
  • حواء الأنصارية
  • خديجة بنت خويلد
  • خولة بنت عامر
  • خولة بنت حكيم
  • خيرة بنت أبي حدر الأسلمي
  • رقية بنت محمد
  • زينب بنت جحش
  • زينب بنت خزيمة
  • زينب بنت محمد
  • سمية بنت خياط
  • سودة بنت زمعة
  • سيرين بنت شمعون
  • صفية بنت حيي بن أخطب
  • صفية بنت عبد المطلب
  • عائشة بنت أبي بكر
  • فاطمة الزهراء
  • كبشة بنت رافع الانصارية
  • لميس بنت عمرو
  • مارية القبطية
  • مليكة بنت ملحان
  • ميمونة بنت الحارث
  • نسيبة بنت الحارث
  • نسيبة بنت كعب
  • هند بنت عتبة
  • هند بنت عمرو بن حرام






مؤكد سوف نبدأ
بــــــ
العشرة المبشرون بالجنة




أبو بكر الصديق




أبو بكر الصّدّيق

عبد الله بن أبي قحافة





أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان التيمي القرشي (50 ق.هـ - 13هـ / 573م - 634م) أول الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو وزير نبي الإسلام محمد وصاحبه، ورفيقه عند هجرته إلى المدينة المنورة، ويعتبره أهل السنة والجماعة خيرَ الناس بعد الأنبياء والرسل، وأكثرَ الصحابة إيماناً وزهداً، وأحبَّ الناس إلى النبي محمد بعد زوجته عائشة. وعادة ما يُلحَق اسمه بلقب الصّدّيق، وهو لقب لقبه إياه النبي محمد لكثرة تصديقه إياه.
ولد أبو بكر في مكة سنة 573م، وكان من أغنياء قريش في الجاهلية، ولما دعاه النبي محمد إلى الإسلام أسلم دون تردد، فكان أول من أسلم من الرجال الأحرار. ثم هاجر أبو بكر مرافقاً للنبي محمد من مكة إلى المدينة، وشهد غزوة بدر والمشاهد كلها مع النبي محمد، ولما مرض النبي مرضه الذي مات فيه أمر أبا بكر أن يؤم الناس في الصلاة. توفي النبي محمد يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وبويع أبو بكر بالخلافة في اليوم نفسه، فبدأ بإدارة شؤون الدولة الإسلامية من تعيين الولاة والقضاء وتسيير الجيوش، وارتدت كثير من القبائل العربية عن الإسلام، فأخذ يقاتلها ويرسل الجيوش لمحاربتها حتى أخضع الجزيرة العربية بأكملها تحت الحكم الإسلامي، ولما انتهت حروب الردة، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش الإسلامية لفتح العراق وبلاد الشام، ففتح معظم العراق وجزءاً كبيراً من أرض الشام. توفي أبو بكر يوم الاثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، فخلفه من بعده عمر بن الخطاب.













حياته قبل الإسلام


تخطيط لاسم أبي بكر الصديق ملحوق بدعاء الرضا عنه





نسبه

  • هو: «عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان التيمي القرشي»، يلتقي مع النبي محمد في الجد السادس مرة بن كعب.
  • أبوه: أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي القرشي، أم أبي قحافة: قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب. ، أسلم يوم فتح مكة، وعاش بعد ابنه أبي بكر وورثه، وهو أول من ورث خليفة في الإسلام، إلا أنه رد نصيبه من الميراث على ولد أبي بكر، وتوفي سنة 14هـ، وله سبعه وتسعون سنة.
  • أمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمية القرشية. أسلمت في مكة قبل الهجرة مع ابنها أبي بكر، وتوفيت قبل أبي قحافة.



مولده ونشأته


منظر عام لمكة، حيث ولد أبو بكر وترعرع.


ولد أبو بكر في مكة سنة 573م بعد عام الفيل الذي وُلد فيه النبي محمد، فكان أصغر عُمراً منه، ولم يختلف العلماء في أن أبا بكر وُلد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم قال بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر.
وقد نشأ أبو بكر وترعرع في مكة، وكان من رؤساء قريش وأشرافها في الجاهلية، محبباً فيهم، مألفاً لهم، وكان إليه الأشناق في الجاهلية، والأشناق هي الديات، وكان إذا حمل شيئاً صدَّقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيرُه خذلوه ولم يصدقوه. ويُقال أن الشرف في قريش في الجاهلية كان قد انتهى إلى عشرة رهط من عشرة أبطن، منهم العباس بن عبد المطلب من بني هاشم، وأبو سفيان بن حرب من بني أمية، وعثمان بن طلحة بن زمعة بن الأسود من بني أسد، وأبو بكر من بني تيم، وخالد بن الوليد من بني مخزوم، وعمر بن الخطاب من بني عدي، وصفوان بن أمية من بني جمح، وغيرهم.
وقد اشتهر أبو بكر في الجاهلية بصفات عدة، منها العلم بالأنساب، فقد كان عالماً من علماء الأنساب وأخبار العرب، وله في ذلك باعٌ طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبي طالب وجبير بن مطعم وغيرهما، وكانت له صفة حببته إلى قلوب العرب، وهي أنه لم يكن يعيب الأنساب، ولا يذكر المثالب بخلاف غيره، وقد كان أبو بكر أنسبَ قريش لقريش وأعلمَ قريش بها وبما فيها من خير وشر، وقد رُوي أن النبي محمداً قال: «إن أبا بكر أعلمُ قريش بأنسابها»».

دير الراهب بحيرى في بصرى في الشام.


وقد كان أبو بكر تاجراً، قال ابن كثير: «وكان رجلاً تاجراً ذا خُلُق ومعروف، وكان رجالُ قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته». وقد ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية. ويروى أن أبا بكر قد رأى رؤيا عندما كان في الشام، فقصها على بحيرى الراهب، فقال له: «من أين أنت؟» قال: «من مكة»، قال: «من أيها؟» قال: «من قريش»، قال: «فأي شيء أنت؟» قال: «تاجر»، قال: «إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته»، فأَسرَّ أبو بكر ذلك في نفسه.
ويقال أن أبا بكر لم يكن يشرب الخمر في الجاهلية، فقد حرمها على نفسه قبل الإسلام، وكان من أعف الناس في الجاهلية، قالت السيدة عائشة: «حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع، وهو يجد ريحها فحماها». وقد سأل أحدُ الناس أبا بكر: «هل شربت الخمر في الجاهلية؟»، فقال: «أعوذ بالله»، فقيل: «ولمَ؟» قال: «كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً لعرضه ومروءته».
كما رُوي أن أبا بكر لم يسجد لصنم قط، فقد قال أبو بكر في مجمع من الصحابة: «ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي، فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: «هذه آلهتُك الشمُّ العوالي»، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: «إني جائع فأطعمني» فلم يجبني، فقلت: «إني عار فاكسني» فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه»
.



حياته بعد الإسلام في مكة

إسلامه

كان إسلام أبي بكر وليد رحلة طويلة في البحث عن الدين الذي يراه الحق، والذي ينسجم برأيه مع الفطرة السليمة ويلبي رغباتها، فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قطع الفيافي والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية، وتنقل من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وقد حدث أبو بكر عن ذلك فقال: كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعداً، فمر أمية بن أبي الصلت، فقال: «كيف أصبحت يا باغي الخير؟»، قال: «بخير»، قال: «وهل وجدت؟»، قال: «لا»، فقال:


كل دين يوم القيامة إلا
ما مضى في الحنيفية بورُ أما إن هذا النبي الذي يُنتظر منا أو منكم، يقول أبو بكر: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، فخرجت أريد ورقة بن نوفل، وكان كثير النظر إلى السماء كثير همهمة الصدر، فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: «نعم يا ابن أخي، إنا أهلُ الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسباً»، قلت: «يا عم، وما يقول النبي؟»، قال: «يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظلم ولا يظالم»، فلما بُعث رسول الله آمنت به وصدقته.
وقد كان أبو بكر يَعرف النبي محمداً معرفة عميقة في الجاهلية، وكانت الصلة بينهما قوية، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أنه كان صاحب النبي محمد قبل البعثة، وكان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الناس.قال ابن إسحاق: «ثم إن أبا بكر الصدِّيق لقي رسول الله فقال: «أحق ما تقول قريش يا محمد؟ مِن تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آبائنا؟»، فقال رسول الله : «بلى، إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته»، وقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق». وقد روي عن النبي محمد أنه قال: «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه حين ذكرته، ولا تردد فيه». كما روي عن النبي أنه قال: «إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» مرتين.
فكان أبو بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار، وبذلك قال إبراهيم النخعي وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر ومحمد بن سيرين، وهو المشهور عن جمهور أهل السنة. وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود أنه قال: «أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس». وقد جمع الإمام أبو حنيفة بين الأقوال المختلفة في ذِكر أول من أسلم بأن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة بنت خويلد، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الغلمان علي بن أبي طالب. ويُقال أن أبا بكر أول من صلى مع النبي محمد، فعن زيد بن أرقم أنه قال: «أول من صلى مع النبي أبو بكر الصديق».
وعندما أسلم أبو بكر سُرَّ النبيُّ محمدٌ سروراً كبيراً، فعن السيدة عائشة أنها قالت: «خرج أبو بكر يريد رسول الله ، وكان له صديقاً في الجاهلية، فلقيه فقال: «يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها»، فقال رسول الله : «إني رسول الله أدعوك إلى الله»، فلما فرغ كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله وما بين الأخشبين أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر».




الدعوة إلى الإسلام

بعد إسلام أبي بكر، بدأ يدعو إلى الإسلام مَن وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فانطلقوا إلى النبي محمد ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا ثم جاء بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا، كما دعا أبو بكر أسرته وعائلته، فأسلمت بناته أسماء وعائشة، وابنه عبد الله، وزوجته أم رومان، وخادمه عامر بن فهيرة.

باب مسجد أبي بكر الصديق في المدينة المنورة.


ولما اجتمع أصحاب النبي محمد، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألحَّ أبو بكر على النبي في الظهور، فقال: «يا أبا بكر إنا قليل»، فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر الرسول، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً والرسول جالس، فكان أولَ خطيب دعا إلى الإسلام، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووُطئ أبو بكر وضُرب ضرباً شديداً، ودنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يُعرف وجهُه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون، فأجْلَت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشُكُّون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة (والد أبي بكر) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: «ما فعل رسول الله ؟»، فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: «انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه»، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: «ما فعل رسول الله ؟»، فقالت: «والله ما لي علم بصاحبك»، فقال: «اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه»، فخرجت حتى جاءت أم جميل (وكانت تخفي إٍسلامها)، فقالت: «إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله»، فقالت: «ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟»، قالت: «نعم»، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح وقالت: «والله إن قوماً نالوا منك لأهلُ فسق وكفر، إنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم»، قال: «فما فعل رسول الله ؟» قالت: «هذه أمك تسمع»، قال: «فلا شيء عليك منها»، قالت: «سالمٌ صالحٌ»، قال: «أين هو؟»، قالت: «في دار الأرقم»، قال: «فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله »، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على الرسول محمد، فأكب عليه الرسولُ فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له الرسولُ محمدٌ رقةً شديدةً، فقال أبو بكر: «بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار»، فدعا لها النبي محمد ودعاها إلى الله فأسلمت.



مساعدة المسلمين المستضعفين

تضاعف أذى المشركين للرسول محمد وأصحابه مع انتشار الدعوة الإسلامية في مكة، وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، وقد تعرض بلال بن رباح لعذاب عظيم، ولم يكن له ظهرٌ يسنده، ولا عشيرةٌ تحميه، ولا سيوفٌ تذود عنه، فعندما علم سيده أمية بن خلف بأنه أسلم، راح يهدده تارة ويغريه أطواراً، فأبى بلال أن يترك الإسلام، فحنق عليه أمية وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً، فأخرجه إلى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة، ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له: «لا تزال هكذا حتى تموتَ أو تكفرَ بمحمد وتعبدَ اللات والعزى»، وأجاب بلال: «أحدٌ أحدٌ»، وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة، فقصد أبو بكر موقع التعذيب، وفاوض أمية بن خلف وقال له: «ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟» قال: «أنت أفسدته فأنقذه مما ترى»، فقال أبو بكر: «أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك، أعطيكه به»، قال: «قد قبلت»، فقال: «هو لك»، فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذه فأعتقه. وفي رواية أخرى: اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً.
واستمر أبو بكر في شراء العبيد والإماء والمملوكين من المسلمين والمسلمات وعتقهم، ومنهم: عامر بن فهيرة، وأم عبيس (أو أم عميس)، وزنيرة، وقد أصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش: «ما أذهب بصرَها إلا اللات والعزى»، فقالت: «كذبوا، وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان»، فرد الله بصرها، كما أعتق النهدية وبنتها، وابتاع جارية بني مؤمل وكانت مسلمة فأعتقها.



هجرته وحياته في المدينة

هجرته


منظر عام للمدينة المنورة قديماً، مهجر النبي محمد وأبي بكر، والعاصمة الأولى للدولة الإسلامية.


لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن الرسولُ محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويُخفون ذلك، فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم، وأقام النبي محمد بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة إلا من حُبس أو فُتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن النبي محمداً في الهجرة فيقول النبي له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً»، فيطمع أبو بكر أن يكونه. ولما رأت قريش أن النبي محمداً قد صار له أصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً وأصابوا منهم مَنعة، فحذِروا خروج النبي محمد إليهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أمره، فاتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً ليعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه، فيتفرَّق دمُه في القبائل جميعها، ولكن النبي محمداً علم بأمرهم وتمكن من الخروج من بيته سالماً.
كانت هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته، وكان أبو بكر حين استأذن النبي في الهجرة فقال له: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً»، قد طمع بأن يكون النبيُّ إنما يعني نفسه، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في دار يعلفهما إعداداً لذلك، قالت السيدة عائشة:
«كان لا يخطئ رسولُ الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: «ما جاء رسولُ الله في هذه الساعة إلا لأمر حدث»، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله وليس عند رسول الله أحد إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله : «أخرج عني مَن عندك»، قال: «يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك فداك أبي وأمي؟»، قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة»، فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله؟»، قال: «الصحبة»، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي.»

غار ثور الذي مكث به النبي محمد وأبو بكر ثلاث ليال أثناء هجرتهما إلى المدينة.


ثم قال أبو بكر: «يا نبي الله، إن هاتين راحلتين كنت أعددتهما لهذا»، فاستأجرا عبد الله بن أريقط الكناني، رجلاً من بني الدئل بن بكر من كنانة، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، ولم يعلم بخروج النبي أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وآل أبي بكر، فلما أجمع النبي الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور، وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن النبي محمد وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه.
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: ولما خرج رسول الله وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا. وقالت أسماء بنت أبي بكر: «لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قلت: «كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً»، قالت: وأخذتُ أحجاراً فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: «يا أبت ضع يدك على هذا المال»، قالت: فوضع يده عليه فقال: «لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم»، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك».
وبدأ المشركون باقتفاء أثر النبي، فلما بلغوا جبل ثور اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: «لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه»، وعن أنس بن مالك أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي ونحن في الغار: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟»، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».
قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
التوبة: 40
ومكث النبي وأبو بكر في الغار ثلاث ليال، ثم خرجا حتى وصلا المدينة المنورة، قال الإمام البخاري بسنده إلى ابن شهاب:
«فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسول الله ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناسُ رسولَ الله عند ذلك، فلبث رسول الله في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله ، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم عاد رسول الله الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، فطفق رسول الله ينقل معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول حين ينقل اللبن: هذا الحمال لا حمال خيبر
هذا أبر ربنا وأطهر ويقول:
لا هم إن الأجر أجر الآخرة
فارحم الأنصار والمهاجره فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي.»

ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف الخزرجي بالسنح، وقيل على خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.



جهاده


رسم فارسي يصوّر غزوة بدر التي شهدها أبو بكر.



شهد أبو بكر مع النبي محمد غزوة بدر والمشاهد كلها، ولم يَفُتْه منها مشهد، فقد شارك أبو بكر في غزوة بدر سنة 2هـ، وكانت له فيها مواقف مشهورة، فلما بلغ النبيَّ محمداً نجاةُ القافلة وإصرارُ زعماء مكة على قتال النبي، استشار أصحابه في الأمر، فقام أبو بكر أولاً فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن. وقد ظهرت من أبي بكر شجاعة وبسالة، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: «لقد أهدفت لي (أي ظهرت أمامي) يوم بدر، فملت عنك ولم أقتلك»، فقال له أبو بكر: «لو أهدفت لي لم أمل عنك».

رسم من القرن الرابع عشر يُظهر استسلام بني النضير للمسلمين.



وشهد أبو بكر غزوة أحد سنة 3هـ، ولما تفرق المسلمون من حول النبي محمد، وتبعثر الصحابة في أرجاء الميدان، وشاع أن الرسولَ محمداً قد قُتل، شقَّ أبو بكر الصفوف، وكان أولَ من وصل إلى الرسول محمد، وقد اجتمع إلى الرسول محمد آنذاك كلُّ من: أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب، والحارث بن الصمة، وأبو دجانة، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
وشهد أبو بكر غزوة بني النضير سنة 4هـ، وغزوة بني المصطلق سنة 5هـ، وكانت معه فيها راية المهاجرين، وشهد غزوة الخندق سنة 5هـ، وغزوة بني قريظة سنة 5هـ، وكان فيهما مرافقاً للنبي محمد، كما شهد صلح الحديبية سنة 6هـ، وشهد غزوة خيبر سنة 7هـ، وكان أولَ قائد يرسله النبي محمد، كما شهد سرية نجد، وكان الأمير على المسلمين فيها، وكان الأمير على المسلمين في غزوة بني فزارة أيضاً، وكان أبو بكر من المسلمين الذين ذهبوا مع الرسول محمد ليعتمروا عمرة القضاء سنة 7هـ، كما شهد سرية ذات السلاسل سنة 8هـ.





ولما نقضت قريش صلح الحديبية، وتجهز النبي محمدٌ مع صحابته للخروج إلى مكة، خرج أبو سفيان بن حرب من مكة إلى الرسول محمد فقال: «يا محمد، اشدد العقد، وزدنا في المدة»، فقال النبي محمد: «ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم؟»، فقال: «معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الدية لا نغيّر ولا نبدّل»، فخرج من عند النبي محمد يقصد مقابلة الصحابة، فطلب من أبي بكر أن يجدد العقد ويزيدهم في المدة، فقال أبو بكر: «جواري في جوار رسول الله ، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم». ولما دخل النبيُّ محمدٌ مكة في عام الفتح سنة 8هـ، كان أبو بكر بجانبه، وقد تمت النعمة على أبي بكر في ذلك الوقت بإسلام أبيه أبي قحافة. وشهد أبو بكر غزوة حنين سنة 8هـ، وكانت قد صبرت مع النبي فئةٌ من الصحابة يتقدمهم أبو بكر، ثم انتصروا بعد ذلك.
كما شهد أبو بكر غزوة تبوك، ولما اختار الرسولُ الأمراء والقادة وعقد الألوية والرايات لهم، أعطى لواءه الأعظم لأبي بكر، وحث الرسولُ محمدٌ الصحابة في غزوة تبوك على الإنفاق، فأنفق كل حسب مقدرته، وكان عثمان بن عفان أكثر من أنفق في هذه الغزوة وقد قال عمر بن الخطاب في ذلك: أمرَنا رسول الله يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: «اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً»، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله : «ما أبقيت لأهلك؟»، قلت: «مثله»، وأتى أبو بكر رضيَ الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله : «ما أبقيت لأهلك؟»، قال: «أبقيت لهم الله ورسوله»، قلت: «لا أسابقك إلى شيء أبداً». وفي سنة 9هـ، أرسل النبي محمد أبا بكر أميراً على الحج، فخرج أبو بكر أميراً بركب الحجيج، كما شهد أبو بكر حجة الوداع سنة 10هـ.



مرض النبي محمد ووفاته


تخطيط لاسم أبي بكر الصديق.



ابتدأ مرض النبي محمد الذي تُوفي فيه في أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، لمحاربة الروم،[ فاستبطأ الناسُ في الخروج لوجع النبي محمد، وكان من شدّة وجعه أن كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة. وفي أحد الأيام، خطب النبي محمد الناس وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله»، فبكى أبو بكر، قال أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسولُ الله عن عبد خُيِّر، فكان رسولُ الله هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلمَنا، فقال رسول الله : «إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر»، وقالت السيدة عائشة: قال لي رسول الله في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».ولما ثقُل على النبي محمد المرض، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت السيدة عائشة: لما مرض النبي مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فقيل له: «إن أبا بكر رجل أسيف (أي رقيق القلب)، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس»، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة، فقال: «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فخرج أبو بكر، فوجد النبيُ في نفسه خفة، فخرج يهادى بين رَجُلَين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.
ولما كان يوم الاثنين الذي توفي فيه، بعد ثلاثة عشر يوماً على مرضه، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له ثلاث وستون سنة. فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله ، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»، وجاء أبو بكر مسرعاً فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حياً وميتاً»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلاً:

ألا من كان يعبد محمدًا ، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، وقرأ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ
قالت السيدة عائشة: «فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضيَ الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها». ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز النبي محمد، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقرآن مولى محمد، بتغسيله وعليه ثيابه.




مبايعته بالخلافة

سقيفة بني ساعدة والبيعة الخاصة


لما علم الصحابة بوفاة الرسول محمد، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه، وهو يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده والتف الأنصار حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة، ولما بلغ خبرُ اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين، وهم مجتمعون مع أبي بكر لترشيح من يتولى الخلافة، قال المهاجرون لبعضهم: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً.
قال عمر بن الخطاب: فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلين صالحين، فذكر ما تمالأ عليه القوم، فقالا: «أين تريدون يا معشر المهاجرين؟» قلنا: «نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار»، فقالا: «لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم»، فقلت: «والله لنأتينهم»، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: «من هذا؟»، فقالوا: «هذا سعد بن عبادة»، فقلت: «ما له؟»، قالوا: «يوعك»، فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشرَ المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم (أي عدد قليل)، فإذاً هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر (أي يخرجونا من أمر الخلافة)»، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: «على رسلك»، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت، فقال: «ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم»، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، والله أن أقدَّم فتُضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: «أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش»، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت (لأبي بكر): «ابسط يدك»، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار. وفي رواية أخرى قال عمر: «يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضيَ الله عنه؟» فقالت الأنصار: «نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر».
وفي رواية أخرى: فتكلم أبو بكر رضيَ الله عنه، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا وذكره، وقال: «ولقد علمتم أن رسول الله قال: «لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار»، ولقد علمت يا سعد (يعني سعد بن عبادة الخزرجي) أن رسول الله قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم»»، فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء.



وخطب أبو بكر معتذراً من قبول الخلافة فقال: «والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلةً قط، ولا كنت فيها راغباً، ولا سألتها الله عز وجل في سر وعلانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمراً عظيماً ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني». وقد ثبت أنه قال: «وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر، فكان أميرَ المؤمنين وكنت وزيراً»، كما قال: «أيها الناس، هذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم على ذلك، وأكون كأحدكم»، فأجابه الناس: رضينا بك قسماً وحظاً، وأنت ثاني اثنين مع رسول الله . وقد قام باستبراء نفوس المسلمين من أي معارضة لخلافته، واستحلفهم على ذلك فقال: «أيها الناس، أذكركم الله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه»، فقام علي بن أبي طالب ومعه السيف، فدنا منه حتى وضع رجلاً على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك؟».



البيعة العامة وخلافته

بعد أن تمت بيعة أبي بكر البيعة الخاصة في سقيفة بني ساعدة، اجتمع المسلمون في اليوم التالي للبيعة العامة، قال أنس بن مالك: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إلي رسول الله ، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا، وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم: صاحب رسول الله ، وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه»، فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة.



ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال:

أما بعد أيها الناس، فإني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

المسجد النبوي
، حيث تقع قبورُ كل من النبي محمد وأبي بكر وعمر بن الخطاب في المبنى ذي القبة الخضراء.



"خوخة أبي بكر" في المسجد النبوي.



وقال عمر لأبي بكر يومئذ: «اصعد المنبر»، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة. وقد سأل عمرو بن حريث سعيد بن زيد فقال له: «أشهدت وفاة رسول الله ؟»، قال: «نعم»، قال له: «متى بويع أبو بكر؟»، قال سعيد: «يوم مات رسول الله ، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة»، قال: «هل خالف أحد أبا بكر؟» قال سعيد: «لا، لم يخالفه إلا مرتد أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه»، قال: «هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟»، قال سعيد: «لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته».
وقد وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر، وكذا تأخر الزبير بن العوام، قال ابن عباس: إن علياً والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله ، فقد انشغلت جماعة من المهاجرين وعلى رأسهم علي بن أبي طالب بأمر جهاز الرسول من تغسيل وتكفين، وقد روى الصحابي سالة بن عبيد أن أبا بكر قال لأهل بيت النبي وعلى رأسهم علي: «عندكم صاحبكم»، فأمرهم يغسلونه.
وقد بايع الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب أبا بكر في اليوم التالي لوفاة الرسول محمد، وهو يوم الثلاثاء، قال أبو سعيد الخدري: لما صعد أبو بكر المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام فدعا بالزبير فجاء، فقال له أبو بكر: «يا ابن عمة رسول الله وحواريه، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟»، فقال الزبير: «لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله »، فقام الزبير فبايع أبا بكر، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير علياً بن أبي طالب، فدعا بعلي فجاء، فقال له أبو بكر: «يا ابن عم رسول الله وختنه على ابنته، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟»، فقال علي: «لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله »، فقام علي فبايع أبا بكر. وفي رواية حبيب بن أبي ثابت قال: كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: «قد جلس أبو بكر للبيعة»، فخرج علي إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء وهو متعجل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر ثم جلس، وبعث في ردائه، فجاؤوه به فلبسه فوق قميصه.



إدارة شؤون الدولة

بدأ أبو بكر إدارة شؤون الدولة بعد مبايعته بالخلافة، واتخذ من الصحابة أعواناً يساعدونه على ذلك، فأسند إلى أبي عبيدة بن الجراح شؤونَ بيت المال، وتولى عمر بن الخطاب القضاء، وباشر أبو بكر القضاءَ بنفسه أيضاً، وتولى زيد بن ثابت الكتابة (البريد)، وأحياناً يكتب له من يكون حاضراً من الصحابة كعلي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان.



الولاية والولايات

استعمل أبو بكر الولاة في البلدان المختلفة، وكان ينظر إلى حسن اختيار النبي محمد للأمراء والولاة على البلدان فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا فقد أقر جميع عمال الرسول الذين توفي الرسول وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحداً منهم إلا ليعينه في مكان آخر أكثر أهمية من موقعه الأول ويرضاه، كما حدث لعمرو بن العاص. وكانت مسؤوليات الولاة في عهد أبي بكر بالدرجة الأولى امتداداً لصلاحياتهم في عهد النبي محمد، أما أهم مسؤولياتهم في عهد أبي بكر فهي: إقامة الصلاة وإمامة الناس، والجهاد، وإدارة شئون البلاد المفتوحة، وتعيين القضاة والعمال عليها، وأخذ البيعة للخليفة، وبعض الأمور المالية كالزكاة والجزية، وإقامة الحدود، وتأمين البلاد، وكان لهم دور في تعليم الناس أمور دينهم، وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولَّون عليها، وكان الكثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد يعلمون الناس القرآن والأحكام.

الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد أبي بكر.



صورة أخرى للدولة الإسلامية في عهد أبي بكر.



وقد قُسمت الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر إلى عدة ولايات، وهذه أسماء الولايات والولاة:
  1. المدينة المنورة: عاصمة الدولة الإسلامية، وبها الخليفة أبو بكر.
  2. مكة المكرمة: وأميرها عتاب بن أسيد الأموي القرشي، ولاه الرسول محمد، واستمر مدة حكم أبي بكر.
  3. الطائف: وأميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولاه الرسول محمد، وأقره أبو بكر عليها.
  4. صنعاء: وأميرها المهاجر بن أبي أمية المخزومي القرشي، وهو الذي فتحها ووليها بعد انتهاء أمر الردة.
  5. حضرموت: وأميرها زياد بن لبيد الخزرجي.
  6. زبيد ورقع: وأميرها أبو موسى الأشعري.
  7. خولان: وأميرها يعلى بن أبي أمية.
  8. الجند: وأميرها معاذ بن جبل الخزرجي.
  9. نجران: وأميرها جرير بن عبد الله البجلي.
  10. جرش: وأميرها عبد الله بن ثور الغوثي.
  11. البحرين: وأميرها العلاء بن الحضرمي.
  12. العراق والشام: كان أمراء الجند هم ولاة الأمر فيها.
  13. عُمان: وأميرها حذيفة بن محصن القلعاني.
  14. اليمامة: وأميرها سليط بن قيس الخزرجي.

القضاء

يعد عهدُ أبي بكر بدايةَ العهد الراشدي القريب من العهد النبوي، فكان العهدُ الراشدي عامة والجانبُ القضائي خاصة امتداداً للقضاء في العهد النبوي، مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي، وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه. وقد كان أبو بكر يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء، ولم تُفصَل ولاية القضاء عن الولاية العامة في عهده، ولم يكن للقضاء ولايةٌ خاصة مستقلة، كما كان الأمر في عهد الرسول محمد، ففي المدينة عهِدَ أبو بكر إلى عمر بن الخطاب بالقضاء ليستعين به في بعض الأقضية، ولكن هذا لم يُعطِ لعمر صفة الاستقلال بالقضاء. وأقر أبو بكر معظم القضاة والولاة الذين عينهم الرسول محمد، واستمروا على ممارسة القضاء والولاية أو أحدهما في عهده.
وأصبحت الأحكام القضائية في عهد أبي بكر موئلاً للباحثين، ومحطاً لأنظار الفقهاء، وصارت الأحكام القضائية لتلك الفترة مصدراً للأحكام الشرعية والاجتهادات القضائية والآراء الفقهية في مختلف العصور. وقد ساهمت فترة خلافة أبي بكر في ظهور مصادر جديدةٍ للقضاء في العهد الراشدي، فقد صارت مصادرُ الأحكام القضائية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والسوابق القضائية أو التقليد، والرأي الاجتهادي مع الشورى.



حروب الردة وجيش أسامة بن زيد

إرسال جيش أسامة بن زيد إلى الشام

ندب النبي محمد المسلمين لغزو الروم بالبلقاء وفلسطين سنة 11هـ، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، ولكن النبي مرض بعد البدء بتجهيز هذا الجيش بيومين، فلم يخرج الجيش وظل معسكراً بالجُرْف، وهي موضع على بعد ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام، ورجع إلى المدينة بعد وفاة النبي. ولما تولى أبو بكر الخلافة أمر أن يُبعث أسامة بن زيد ال***ي، وألا يبقى بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجرف، واقترح بعض الصحابة على أبي بكر بأن يبقي الجيش فقالوا: «إن هؤلاء جلُّ المسلمين، والعربُ على ما ترى قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين»، فقال أبو بكر: «والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته». ثم خرج أبو بكر حتى أتى الجيش فقال:

يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منه شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً، اندفعوا باسم الله.
وأوصى أبو بكر أسامة فقال: «اصنع ما أمرك به نبي الله ؛ ابدأ ببلاد قضاعة ثم إيت آبل (منطقة جنوب الأردن)، ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله ، ولا تعجلن لما خلفت عن عهده».ومضى أسامة بجيشه، فبثّ الخيول في قبائلِ قضاعة وأغار على آبل، فسلِم وغنِم، وكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً، فزادت هيبة المسلمين في نفوس أعدائهم وقالوا: «لو لم يكن لهم قوةٌ لما أرسلوا هذا الجيش»، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه،وأصاب القبائلَ العربيةَ في الشمال الرعبُ والفزعُ من سطوة الدولة الإسلامية.



حروب الردة

بعد وفاة النبي محمد ارتدت بعض القبائل العربية عن الإسلام، وكان المرتدون على ثلاثة أقسام: صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا الذين ادعوا النبوة كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وصنف ثالث استمروا على الإسلام ولكنهم جحدوا الزكاة، وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي محمد. فلما تولى أبو بكر الخلافة قام في الناس خطيباً فقال: «والله لا أدعُ أن أقاتلَ على أمر الله حتى ينجزَ الله وعده ويوفيَ لنا عهده، ويُقتل من قُتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منها خليفته وذريته في أرضه، قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له، وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض»»، وقال أيضاً: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (الأنثى من ولد المعز) كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها»، وفي رواية: «والله لو منعوني عقالاً (الحبل الذي يعقل به البعير) كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه»، قال عمر: «فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق».
محاولة المرتدين غزو المدينة

حاول المرتدون الهجوم على المدينة للقضاء على الدولة الإسلامية، ولكن أبا بكر استعد لحماية المدينة، فألزم أهل المدينة بالمبيت في المسجد حتى يكونوا على أكمل استعداد للدفاع، ونظم الحرس على أنقاب المدينة لدفع أي غارة قادمة، وعين على الحرس أمراءهم: علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وبعث إلى القبائل القريبة التي ثبتت على الإسلام من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد أهل الردة، فاستجابوا له حتى امتلأت المدينة بهم. ولما اقترب المرتدون وهم بعض قبائل أسد وغطفان وعبس وذبيان وبني بكر بن عبد مناة من المدينة ليلاً، خرج أبو بكر في أهل المسجد إليهم فانهزموا، فأتبعهم المسلمون على إبلهم، ولكن المرتدين تمكنوا من صد إبل المسلمين فعادت بهم إلى المدينة، ولم يُصرع مسلم ولم يُصَب، ثم تهيأ أبو بكر وجهز الناس ثم خرج، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين همساً ولا حساً حتى وضعوا فيهم السيوف فاقتتلوا أعجاز ليلتهم، فما ذرَّ قرنُ الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلب المسلمون المرتدين ورجعوا إلى المدينة وخلال ذلك عاد أسامة بن زيد بجيشه ظافراً، فاستخلفه أبو بكر على المدينة وقال له ولجنده: «أريحوا وأريحوا ظهركم»، ثم خرج أبو بكر بنفسه حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق، فهزم قبيلتي عبس وبني بكر بن عبد مناة، وأقام على الأبرق أياماً.
إرسال الجيوش الإسلامية إلى المرتدين

خرج أبو بكر بالصحابة لقتال المرتدين، فعرض عليه الصحابة أن يبعث غيره على القيادة وأن يرجع إلى المدينة ليتولى إدارة أمور الأمة، وجاء علي بن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته، فقال: «إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد (يقصد قول الرسول لأبي بكر): شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك، فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً»، فرجع. وقد قسم أبو بكر الجيش الإسلامي إلى أحد عشر لواءً، وجعل على كل لواء أميراً، وأمر كل أمير باستنفار من مر به من المسلمين، وهذه الجيوش هي:
  1. جيش خالد بن الوليد (وهو القائد العام للجيوش) إلى بني أسد، ثم إلى تميم، ثم إلى اليمامة.
  2. جيش عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة الكذاب في بني حنيفة، ثم إلى عُمان والمهرة، فحضرموت فاليمن.
  3. جيش شرحبيل بن حسنة إلى اليمامة في إثر عكرمة، ثم حضرموت.
  4. جيش طريفة بن حاجر إلى بني سليم و هوازن.
  5. جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
  6. جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
  7. جيش العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
  8. جيش حذيفة بن محصن الغلفائي إلى عُمان.
  9. جيش عرفجة بن هرثمة إلى المهرة.
  10. جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، صنعاء ثم حضرموت.
  11. جيش سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن.
وكتب أبو بكر كتاباً عاماً لنشره في أوساط من ثبتوا على الإسلام ومن ارتدوا عنه جميعاً قبل تسيير جيوشه لمحاربة الردة، وبعث رجالاً إلى القبائل وأمرهم بقراءة كتابه في كل مجتمع، وناشد من يصله مضمون الكتاب بتبليغه لمن لم يصل إليه، وجاء في الكتاب:

وقد بلغني رجوعُ من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ، وقال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ . وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتلَ أحداً ولا يقتلَه حتى يدعُوَه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحاً قَبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك ثم لا يُبقي على أحد منهم قَدِر عليه، وأن يحرقَهم بالنار ويقتلَهم كل قتلة، وأن يسبيَ النساء والذراري ولا يقبلَ من أحد إلا الإسلام، فمن تبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يُعجزَ الله.




محاربة الردة في اليمن

في عهد النبي محمد ظهر رجل في اليمن يُسمى الأسود العنسي ادعى النبوة، وتبعه أبناء قبيلته وهم عنس، وتبعته قبيلة مذحج وبنو الحارث بن كعب وغيرهم، فاحتل منطقة نجران ثم صنعاء، وقتل واليها شهر بن باذان الفارسي، ولكن المسلمين تمكنوا من قتله، فخاف أصحابه وفروا هاربين، ووصل الخبر إلى النبي محمد.ولما تولى أبو بكر الخلافة، عين فيروز الديلمي والياً على صنعاء، وقيس بن مكشوح المرادي مساعداً لفيروز، ولكن قيس بن مكشوح انقلب على فيروز الديلمي، فهرب فيروز، وكاتب قيس بن مكشوح فلول الأسود العنسي، وطلب منهم الالتقاء ليتوحدوا، فتمكنوا من محاصرة صنعاء، فكتب أبو بكر إلى زعماء القبائل القريبة من صنعاء وأمرهم أن يقاتلوا المرتدين، وجعل فيروز الديلمي أميراً عليهم، فتوجهوا نحو صنعاء، وقاتلوا قيس بن مكشوح حتى اضطر إلى ترك صنعاء، وعاد إلى التذبذب بين نجران وصنعاء ولحج، إلا أنه انضم إلى عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وبهذا عادت صنعاء للمرة الثانية إلى الهدوء والاستقرار.
وتوجه جيش عكرمة بن أبي جهل نحو المهرة، وكان معه سبعمئة فارس، فوق ما جمع حوله من قبائل عُمان، وحينما دخل منطقة المهرة وجدها مقسمة بين زعيمين متناحرين: "شخريت" و"المصبح"، فدعاهما عكرمة إلى الإسلام فاستجاب شخريت وأبى المصبح، فصادمه عكرمة ومعه شخريت، فلحقته الهزيمة وقُتل ومعه الكثير من أصحابه، ثم أقام عكرمة فيهم يجمعهم حتى بايعوا على الإسلام وآمنوا واستقروا، وكان قد تلقى كتاباً من أبي بكر يأمره بالاجتماع مع المهاجر بن أبي أمية القادم من صنعاء ليتوجها معاً إلى قبيلة كندة، فخرج من المهرة حتى نزل أبين وبقي هناك ينتظر المهاجر، وعمل وهو هناك على جمع قبائل النخع وحمير وتثبيتهم على الإسلام. وأما جيش المهاجر بن أبي أمية فقد كان آخرَ من خرج من المدينة من الجيوش الأحد عشر، ولما وصل نجران قسم جيشه إلى فرقتين: فرقة تولت القضاء على فلول الأسود العنسي المتناثرة بين نجران وصنعاء، وكان المهاجر نفسه على هذه الفرقة، وفرقة عليها أخوه عبد الله مهمتها القضاء على بقية المرتدين في تهامة اليمن. واستقر المهاجر في صنعاء حتى تلقى الأمر بالتوجه لملاقاة عكرمة، وأن يسيرا معاً إلى حضرموت لمعاونة زياد بن لبيد الأنصاري (والي كندة بحضرموت)، فقد كان الأشعث بن قيس قد هاجم زياداً، فأرسل زيادٌ إلى المهاجر وعكرمة يستعجلهما النجدة، فما كان من المهاجر إلا أن ترك عكرمة إلى الجيش وأخذ أسرعَ الناس ليكونا بجانب زياد، فاستطاع أن يفك الحصار عنه، وهربت قبائل كندة إلى حصن من حصونها يسمى النجير، فنزل زياد والمهاجر عليه، ثم قدم عكرمة فنزل عليه فحاصروهم من جميع الجهات، ثم بعث المهاجر الطلائع إلى قبائل كندة والمتفرقين يدعوهم إلى الإسلام ومن أبى قاتلوه، فلم يبقَ منهم إلا مَن في الحصن المحاصر، وعمل جيشا زياد والمهاجر على التضييق على من في الحصن، فاتفق زعماؤهم على أن يقوم الأشعث بن قيس بطلب الأمان والنزول على حكم المسلمين، ولكن الأشعث غدر بهم ولم يطلب الأمان لجميع من في الحصن، فكان من جراء ذلك أن قُتل من قبائل كندة في الحصن سبعمائة قتيل.



محاربة طليحة الأسدي

ادعى طليحة بن خويلد الأسدي النبوة في آخر عهد النبي محمد، وعسكر في منطقة تسمى سميراء واتبعه العوام وقويت شوكته، فبعث النبي محمد ضرار بن الأزور الأسدي لمقاتلته، وتوفي النبي محمد ولم يُحسم أمر طليحة،فلما تولى أبو بكر الخلافة وجه إليه جيشاً بقيادة خالد بن الوليد، وكان طليحة الأسدي في قومه بني أسد وفي غطفان، وانضم إليهم بنو عبس وذبيان، وبعث إلى بني جديلة والغوث من طيء يستدعيهم إليه، فبعثوا أقواماً منهم ليلحقوهم على أثرهم سريعاً، وجاء خالد في الجنود، وعلى مقدمة الأنصار الذين معه ثابت بن قيس بن شماس، والتقى خالد مع طليحة الأسدي بمكان يقال له بزاخة، فكانت معركة بزاخة، وجاء طليحة فيمن معه، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه بني فزارة، واصطف الناس، وجعل عيينة يقاتل حتى انهزم وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام وتفرق جمعه. وبعد ذلك أسلم عيينة بن حصن وطليحة الأسدي وحسن إسلامهما، وندم طليحة على ما فعل.



محاربة سجاح التغلبية

ادعت امرأة تسمى سجاح بنت الحارث النبوة، وهي من نصارى العرب، وكان معها جنودٌ من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو الخليفة أبي بكر، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي، وتخلف آخرون منهم عنها، ثم أقنعها بنو تميم بقصد اليمامة لتأخذها من مسيلمة الكذاب، فلما سمع مسيلمة بمسيرها إليه خافها على بلاده، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، فقبلت ذلك، ثم قال لها: «هل لك أن أتزوجَك وآكلَ بقومي وقومِك العربَ؟»، قالت: «نعم»، وأقامت عنده ثلاثة أيام ثم رجعت إلى قومها، ثم انثنت راجعة إلى بلادها، فرجعت إلى الجزيرة بعدما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه، فأقامت في قومها بني تغلب إلى زمان معاوية بن أبي سفيان، فأجلاهم منها عام الجماعة.
محاربة الردة في عمان والبحرين

كان أهل عُمان قد استجابوا لدعوة الإسلام، ولكن بعد وفاة النبي محمد ادعى منهم رجل يقال له "ذو التاج" لقيط بن مالك الأزدي النبوة، وتابعه بعض أهل عمان فتغلَّب عليها، وكان عليها جيفر وعباد ابنا الجلندي، فألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث أبو بكر إلى جيفر أميرين هما: حذيفة بن محصن الغلفاني وعرفجة بن هرثمة البارقي، وأرسل عكرمة بن أبي جهل القرشي مدداً لهم، وبلغ لقيطَ بن مالك مجيءُ الجيش، فخرج في جموعه فعسكر بمكان يقال له دبار، وهي مصر تلك البلاد وسوقها العظمى، واجتمع جيفر وعباد ابنا الجلندي بمكان يقال له صحار، فعسكروا فيه وبعثا إلى أمراء أبي بكر فقدموا، فتقابل الجيشان هناك وتقاتلوا قتالاً شديداً، وابتلي المسلمون وكادوا أن يُولوا، فبُعث إليهم مددٌ من بني ناجية وعبد القيس في جماعة من الأمراء، فلما وصلوا إليهم كان النصر للمسلمين، فولى المشركون مدبرين، ولحقهم المسلمون فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل، وسبوا الذراري وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها.
وأما أهل البحرين فقد أسلموا بعدما أرسل النبيُّ محمدٌ العلاء بن الحضرمي إلى ملكها وحاكمها المنذر بن ساوي العبدي، وقد أسلم هو وقومه وأقام فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي النبي محمد وتوفي المنذر بعده بمدة قصيرة، ارتد أهل البحرين وملَّكوا عليهم المنذر بن النعمان الغرور، وبقيت بلدة جواثا على الإسلام، وكانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة، فحاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم ومنعوا عنهم الأقوات وجاعوا جوعاً شديداً حتى فُرِّج عنهم، وبعث أبو بكر بجيش إلى البحرين بقيادة العلاء بن الحضرمي، فلما دنا من البحرين انضم إليه كثير من المسلمين، فاجتمع إليه جيش كبير قاتل به المرتدين، وتم النصر للمسلمين.
مسيلمة الكذاب ومعركة اليمامة


«يَا مُحمّدَاه» شعار المسلمين في معركة اليمامة بقيادة خالد بن الوليد.



ادعى مسيلمة بن حبيب الحنفي النبوة في عهد النبي محمد، وكان قومه بنو حنيفة في اليمامة قرب العيينة بوادي حنيفة في نجد، فلما تولى أبو بكر الخلافة أمر خالد بن الوليد إذا فرغ من بني أسد وغطفان أن يقصد اليمامة، فسار خالد إلى اليمامة وجهَّز معه المسلمين، وكان على الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل به، وسيَّر أبو بكر جيشاً كثيفاً ليحمي ظهر خالد، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقرباء في طرف اليمامة، وجعل على مجنبتي جيشه: المحكم بن الطفيل، والرجال بن عنفوة. والتقى خالد بعكرمة وشرحبيل، فتقدم وقد جعل على مقدمة الجيش شرحبيل بن حسنة وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة. ومرت مقدمة جيش خالد بنحو من أربعين أو ستين فارساً عليهم مجاعة بين مرارة الحنفي، وكان في طريق عودته إلى قومه، فأسرهم المسلمون، فلما جيء بهم إلى خالد قال لهم: «ماذا تقولون يا بني حنيفة؟»، قالوا: «نقول منا نبي ومنكم نبي»، فقتلهم، ويقال أنه استبقى مجاعة بن مرارة وقتل الآخرين. وتقدم خالد بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يشرف على اليمامة فضرب به عسكره، واصطدم المسلمون والمرتدون فكانت جولة، وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يُعهد مثله، وحمل خالد حتى جاوزهم وسار لقتال مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع ووقف بين الصفين ودعا البراز وقال: «أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد»، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ: «يا محمداه»، وجعل لا يبرز له أحد إلا قتله، وصبر الصحابة في هذه المواطن صبراً لم يُعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى انتصروا، وولى المرتدون الأدبار، واتبعهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى "حديقة الموت"، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخولها، فدخلوها وفيها مسيلمة الكذاب، وأدرك عبدُ الرحمن بن أبي بكر محكمَ بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم وأحاط بهم الصحابة، فقال البراء بن مالك: «يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم في الحديقة»، فاحتملوه فوق الجحف (أي التروس) ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء وفتحوا الأبواب الأخرى وحوصر المرتدون، وخلص المسلمون إلى مسيلمة الكذاب، فتقدم إليه وحشي بن حرب فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط، فنادت امرأة من القصر: «وا أمير الوضاءة قتله العبد الأسود»، فكانت جملةُ من قُتلوا في الحديقة وفي المعركة قريباً من عشرة آلاف مقاتل وقيل إحدى وعشرون ألفاً، وقُتل من المسلمين ستمائة وقيل خمسمائة، ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي.

فتوحات العراق في عهد أبي بكر

لما انتهت حروب الردة واستقرت الأمور في الجزيرة العربية، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش لفتح البلاد، فجيَّش لفتح العراق جيشين:
  • الجيش الأول بقيادة خالد بن الوليد، وكان يومئذ باليمامة، فكتب إليه يأمره بأن يغزو العراق من جنوبه الغربي، وقال له: «سر إلى العراق حتى تدخلها وابدأ بفرج الهند (يقصد مدينة الأبلة)»، وأمره بأن يأتي العراق من أعاليها، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية، فإن امتنعوا عن ذلك قاتلهم، وأمره أن لا يُكره أحداً على المسير معه، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام وإن كان عاد إليه، وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين، وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش إمداداً لخالد. كان تاريخ بعث خالد إلى العراق في شهر رجب وقيل في المحرم سنة 12هـ.
  • الجيش الثاني بقيادة عياض بن غنم، وكان بين النباج (قرية في منتصف الطريق بين مكة والبصرة) والحجاز، فكتب إليه بأن يغزو العراق من شماله الشرقي بادئاً بالمصيخ، وهي موضع على حدود الشام مما يلي العراق، وقال له: «سر حتى المصيخ وابدأ بها، ثم ادخل العراق من أعلاها حتى تلقى خالداً».

وكتب أبو بكر إلى خالد وعياض: «ثم يستبقان إلى الحيرة، فأيهما سبق إلى الحيرة أمير على صاحبه»، وقال: «إذا اجتمعتما إلى الحيرة وقد فضضتما مسالح فارس وأمنتما أن يؤتى المسلمون من خلفهم، فليكن أحدكما ردءاً للمسلمين ولصاحبه بالحيرة، وليقتحم الآخرُ على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارَهم ومستقرَّ عزهم: المدائن». كان هدفُ الخليفة أبي بكر السيطرةَ على الحيرة لأهميتها العسكرية، فقد كانت قلب العراق وأقرب منطقة مهمة إلى المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية، كما كانت مهمة للقوات الإسلامية في قتالها الروم في بلاد الشام.



كان المثنى بن حارثة قد قدم على أبي بكر وحثه على محاربة الفرس وقال له: «ابعثني على قومي»، ففعل أبو بكر ذلك، فشرع المثنى في الجهاد بالعراق، ثم بعث إلى أبي بكر يستمده فكتب إليه أبو بكر: «أما بعد، فإني قد بعثت إليك خالد بن الوليد إلى أرض العراق، فاستقبله بمن معك من قومك، ثم ساعده ووازره وكانفه، ولا تعصين له أمراً ولا تخالفن له رأياً، فإنه من الذين وصف الله تبارك وتعالى في كتابه: «محمدٌ رسولُ الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم تراهم ركعاً سجداً»، فما أقام معك فهو الأمير، فإن شخص عنك فأنت على ما كنت عليه». لم يلبث خالد أن قدم العراق ومعه ألفا رجل ممن قاتل المرتدين، وحشد ثمانية آلاف رجل من قبائل ربيعة، وكتب إلى ثلاثة من الأمراء في العراق قد اجتمعت لهم جيوش لغرض الجهاد فاستجابوا وضموا جيوشهم التي بلغ تعدادها مع جيش المثنى ثمانية آلاف، فأصبح جيش المسلمين ثمانية عشر ألفاً. وقد اتفقوا على أن يكون مكان تجمع الجيوش الأبلة، وقبل أن يسير خالد إلى العراق كتب إلى هرمز صاحب ثغر الأبلة كتابَ إنذار يقول فيه: «أما بعد، فأسلم تسلم أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة». وحين قارب خالد العدو جعل الجيش ثلاث فرق، وأمر أن تسلكَ كلُّ فرقة طريقاً، فجعل المثنى على فرقة المقدمة، ثم تلتها فرقة عليها عدي بن حاتم الطائي، وخرج خالد بعدهما وواعدهما الحضير، ليجتمعوا به ويصمدوا لعدوهم.



معركة ذات السلاسل

سمع هرمز بمسير خالد بن الوليد، وعلم أن المسلمين تواعدوا الحضير، فسبقهم إليه وجعل على مقدمته القائدين "قباذ" و"أنو شجان"، فلما بلغ خالداً أنهم يمموا الحضير عدل عنها إلى كاظمة، فسبقه هرمز إليها ونزل على الماء، وجاء خالد فنزل على غير ماء، فقال لأصحابه: «حطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين». وحط المسلمون أثقالهم والخيل وقوف، وتقدم الراجلون وزحفوا إلى الفرس، وجاءت سحابة فأمطرت وراء صفوف المسلمين فنهلوا من غدرانها وتقوَّوا، وواجه المسلمون هرمز، فاتفق هرمز مع حاميته على أن يبارز خالداً ثم يغدروا به ويهجموا عليه، فبرز بين الصفين ودعا خالداً إلى البراز فبرز إليه، والتقيا فاختلفا ضربتين، واحتضنه خالد فحملت حامية هرمز على خالد وأحدقوا به، فما شغله ذلك عن قتل هرمز، وما أن لمح ذلك القعقاع بن عمرو حتى حمل بجماعة من الفرسان على حامية هرمز، وكان خالد يجالدهم فأناموهم، وحمل المسلمون من وراء القعقاع حتى هزموا الفرس وقد كان الفرس قد ربطوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا، فلم تغن عنهم شيئاً أمام المسلمين، وسميت هذه المعركة بذات السلاسل. وغنم المسلمون من الفرس حمل ألف بعير، وبعث خالد سرايا تفتح ما حول الحيرة من حصون فغنموا أموالاً كثيرة، ولم يعرض خالد لمن لم يقاتلوه من الفلاحين بل أحسن معاملتهم كما أوصاه أبو بكر، وأبقاهم في الأرض التي يفلحونها.

معركة الثني ومعركة الولجة


خريطة تبين معارك خالد بن الوليد في فتح العراق.



كان هرمز قد كتب إلى كسرى بأمر خالد، فأمده كسرى بجيش بقيادة "قارن"، ولكن هرمز استخف بجيش المسلمين فسارع إليهم قبل وصول قارن، فنُكب ونُكب جيشه، وهرب فلول المنهزمين فالتقوا بجيش قارن، وعسكروا بمكان يسمى المذار، وكان خالد قد بعث المثنى بن حارثة وأخاه المعني في آثار الفرس ففتحا بعض الحصون، وعلما بمجيء جيش الفرس فأبلغا خالداً الخبر، فسار خالد حتى التقى بهم في المذار فاقتتلوا، وخرج قائدهم قارن ودعا إلى البراز، فبرز إليه خالد ولكن سبقه إليه معقل بن الأعمش بن النباش فقَتل قارن، وكان قارن وضع على ميمنته "قباذ" وعلى ميسرته "أنوشجان" وهما من القواد الذين حضروا اللقاء الأول وفرُّوا من المعركة، فأما قباذ فقتله عدي بن حاتم الطائي، وأما أنوشجان فقتله عاصم بن عمرو التميمي، واشتد القتال بين الفريقين، ولكن الفرس انهزموا بعد مقتل قادتهم، وقُتل منهم ثلاثون ألفاً، ولجأ بقيتهم إلى السفن فهربوا عليها، وأقام خالد بالمذار. وصل نبأ نكبة الفرس في المذار إلى كسرى، فبعث "الأندرزغر" على رأس جيش عظيم، وأردفه بجيش آخر عليه "بهمن جاذويه"، وتحرك "الأندرزغر" حتى انتهى إلى الولجة، وخرج "بهمن جاذويه" يريد أن يحشر جيش المسلمين بينه وبين "الأندرزغر"، وتجمعت القوة الفارسية في الولجة، ولما بلغ خالداً وهو بالثني قرب البصرة تجمعُ الفرس ونزولُهم الولجة، رأى أن من الأفضل للمسلمين أن يهاجموا هذه الحشود الكبيرة من ثلاث جهات حتى يفرقوا جموعهم ويفاجئوهم، ولكي يؤمِّن خطوطه الخلفية أمر سويد بن مقرن بلزوم الحفير، وتحرك بجيشه حتى وصل الولجة، فبعث بفرقتين لمهاجمة حشود الفرس من الخلف والجانبين، وبدأت المعركة واشتد القتال بين الفريقين، وشدد خالد بهجومه من المقدمة، وفي الوقت المناسب انقض الكمينان على مؤخرة جيش العدو فحلت به الهزيمة المنكرة، وفر "الأندرزغر" مع عدد من رجاله ولكنهم ماتوا عطشاً.



فتح أليس وأمغيشيا والحيرة

انضم بعض نصارى العرب وعليهم عبد الأسود العجلي إلى الفرس وعليهم "جابان"، فلما بلغ خالداً تجمعُ نصارى العرب وعرب الضاحية من أهل الحيرة سار إليهم، ولا علم له بانضمام الفرس لجموع العرب، فلما أقبلت جنود المسلمين طلب جابان من جنده مهاجمتهم، فأظهروا عدم الاكتراث بخالد والتهاون بأمره وتداعوا إلى الطعام، إلا أن خالداً قاتلهم أشد القتال، وقد زاد في شدة الفرس ومن معهم ما يتوقعون من لحاق "بهمن جاذويه" بهم في مدد كبير، وصبر المسلمون على هذا القتال العنيف، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين. وبعد أن فرغ خالد من أليس نهض حتى أتى منطقة تسمى أمغيشيا، وقد جلا عنها أهلُها وتفرقوا في السواد، فأمر بهدمها، وأصاب المسلمون بها ما لم يصيبوا مثله، فقد بلغ سهم الفارس ألفاً وخمسمائة درهم سوى أنفال أهل البلاء، ولما وصلت أخماس الغنائم وأخبار النصر إلى أبي بكر وما صنعه خالد والمسلمون قال: «يا معشر قريش، عدا أسدُكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد؟».
وعلم مرزبان الحيرة بما صنع خالد بأمغيشيا فأيقن أنه آتيه، فاستعد لذلك وأرسل جيشاً بقيادة ابنه ثم خرج في إثره، وأمر ابنه بسد الفرات ليعطل سفن المسلمين، وفوجئ المسلمون بذلك واغتموا له، ونهض خالد في خيل يقصد ابن المرزبان، فلقي خيلاً من خيله ففاجأهم فأنامهم بالمقر، ثم نهض قبل أن تصل أخباره إلى المرزبان حتى لقي جنداً لابنه على فم الفرات فقاتلهم وهزمهم، وسد الأنهار وسلك الماءُ سبيله، ثم طلب خالد عسكره واتجه إلى الحيرة، وعلم المرزبان بموت ابنه فهاله الأمر فعبر الفرات هارباً من غير قتال، فعسكر خالد مكانه وأهل الحيرة متحصنون، وأدخل خالد الخيل من عسكره، وخطط لمحاصرة قصور الحيرة، فأرسل ضرار بن الأزور الأسدي لمحاصرة القصر الأبيض، وأرسل ضرار بن الخطاب لمحاصرة قصر العدسيين، وأرسل المثنى بن حارثة الشيباني لمحاصرة قصر ابن بقيلة، وعهد خالد إلى أمرائه أن يدعوا القوم إلى الإسلام، فإن أجابوا قبلوا منهم وإن أبوا أجلوهم يوماً، وأمرهم أن لا يمكنوا عدواً منهم بل عليهم أن يناجزوهم ولا يمنعوا المسلمين من قتال عدوهم ففعلوا، واختار القوم المنابذة، وعمدوا لرمي المسلمين بالحصى عن جانب والضرب عن جانب، فرشقهم المسلمون بالنبل، وشنوا غاراتهم، وفتحوا الدور والديارات، فنادى أهل القصور: «يا معشر العرب قبلنا واحدة من ثلاث فكفوا عنا»، وخرج رؤساء القصور فقابلهم خالد، كل أهل قصر على حدة، وتصالحوا مع خالد على الجزية، وصالحوه على مائة وتسعين ألفاً، وبعث خالد بالفتح والهدايا إلى أبي بكر، فقبل الهدايا وعدها لأهل الحيرة من الجزية تعففاً عما لم يأذن به الشرع.



فتح الأنبار وعين التمر

استخلف خالد على الحيرة القعقاع بن عمرو التميمي، واتجه بتعبئة لإغاثة القائد عياض بن غنم، فوصل خالد إلى الأنبار، فوجد القوم قد تحصنوا وخندقوا على أنفسهم وأشرفوا على أعلى الحصون، فضرب المسلمون عليهم الحصار، وأمر خالد جنوده أن يصوبوا إلى عيون أهل الأنبار، فلما نشب القتال أصابوا في أول رمية ألف عين من عيونهم، ولذلك سميت هذه الوقعة "ذات العيون". واخترق خالد الخندق الذي حول الأنبار بفطنة وذكاء، حيث عمد إلى الضعاف من الإبل بجيشه فنحرها، وملأ الخندق في أضيق نقطة فيها بجثث الإبل، واقتحم المسلمون الخندق وجسرُهم جثث الإبل، وصاروا مع عدوهم داخل الخندق، فالتجأ العدو إلى الحصن، واضطر "شيراز" قائد جند الفرس إلى قبول الصلح بشروط خالد، على أن يخرج من الأنبار في عدد من الفرسان يحرسونه، فقبل خالد منه ذلك بشرط ألا يأخذ معه من المتاع أو من الأموال شيئاً.
واستخلف خالد الزبرقان بن بدر على الأنبار وسار إلى عين التمر، فوجد عقة بن أبي عقة في جمع عظيم من قبائل النمر وتغلب وإياد ومن حالفهم، ومعهم من الفرس "مهران" بقواته، وطلب عقة من مهران أن يتركه لقتال خالد فقال مهران له: «دونكم وإياهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم». وسار خالد فتلقاه عقة، فلما تواجهوا قال خالد لمجنبته: «احفظوا مكانكم فإني حامل»، وأمر حماته أن يكونوا من ورائه، وحمل على عقة وهو يسوّي الصفوف فاحتضنه وأسره، وانهزم جيش عقة من غير قتال، فأكثروا فيهم الأسر. وقصد خالد حصن عين التمر، فلما بلغ "مهران" هزيمةُ عقة وجيشه نزل من الحصن وهرب وتركه، ورجعت فلول نصارى الأعراب إلى الحصن فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم أشد الحصار، فاضطر أهل الحصن أن ينزلوا على حكم خالد، فأمر بضرب عنق عقة ومن كان أُسر معه والذين نزلوا على حكمه أجمعين. ثم أرسل أبو بكر الوليد بن عقبة إلى عياض مدداً له وهو يحاصر دومة الجندل، فلما قدم عليه وجده في ناحية من العراق يحاصر قوماً، وهم قد أخذوا عليه الطرق فهو محصور أيضاً، فقال عياض للوليد: «إن بعض الرأي خير من جيش كثيف، ماذا ترى فيما نحن فيه؟»، فقال له الوليد: «اكتب إلى خالد يمدك بجيش من عنده»، فكتب إليه يستمده، فقدم كتابه على خالد عقب وقعة عين التمر وهو يستغيث به، فكتب خالد إليه: «من خالد إلى عياض، إياك أريد، البث قليلاً تأتك الحلائب، يحملن آساداً عليها القشائب، كتائب تتبعها كتائب».



فتح دومة الجندل

رحل خالد بجنده من عين التمر بعد أن خلف عليها عويم بن الكاهل الأسلمي، ووصلت أنباؤه إلى أهل دومة الجندل، فاستنجدوا بحلفائهم من قبائل بهراء و*** وغسان وتنوخ، وكان أمر أهل دومة الجندل إلى زعيمين هما: أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة، فاختلفا، وخرج أكيدر مفارقاً قومه، وبلغ خالداً خبرُه فأرسل إليه عاصم بن عمرو معارضاً له فأخذه، فأمر خالد بقتله. ونزل خالد على دومة الجندل، وجعل أهلَها وحلفاءَهم بين فكي كماشة ذراعُها الأولى عسكرُه والثانيةُ عسكرُ عياض بن غنم، وتقدم الجودي بن ربيعة بجنوده نحو خالد، وتقدم ابن الحدرجان وابن الأيهم بجنودهما ناحية عياض، ودارت المعركة، وأنزل خالد الهزيمة بالجودي وأتباعه، وانتزع عياض النصر من ابن الحدرجان ومن معه بصعوبة، وحاولت فلول المنهزمين الاحتماء بالحصن، ولكنه كان قد عج بمن فيه فأغلقوه عليهم وتركوا أصحابهم حوله في العراء، ولم يلبث خالد أن هاجم من بداخل الحصن بعد أن اقتلع بابه فقتل منهم جموعاً كثيرة.
ثم أمر خالد الأقرع بن حابس بالرجوع إلى الأنبار وأقام بدومة الجندل، فظن الفرس وعرب المنطقة ذلك فرصة لهم، فخرج "زرمهر" من بغداد ومعه "روزبة" يريدان الأنبار، وتواعدا في الحصيد والخنافس، فوصل خبرهم الزبرقان بن بدر التميمي وهو على الأنبار، فاستمد القعقاع بن عمرو خليفة خالد على الحيرة، فأمده بأعبد بن فدكي السعدي وأمره بالحصيد، وبعروة بن الجعد البارقي وأمره بالخنافس. وعندما علم خالد بتحرك بعض القبائل ورغبتهم بالانضمام إلى "روزبة" في الحصيد، جعل القعقاعَ أميراً على المسلمين في الحصيد بعد أن ترك مكانَه عياض بن غنم على الحيرة، فلما علم "روزبة" بتوجه القعقاع إليه استمد "زرمهر" فانضم إليه، والتقى المسلمون بجموع الفرس، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة من بينهم "زرمهر" و"روزبة"، وغنموا غنائم كثيرة. وبعد أن وصلت أخبار المسلمين في الحصيد إلى خالد، واعد قادة جيوشه في ليلة وساعة يجتمعون فيها عند المصيخ قرب حوران، فلما توافوا في موعدهم بيتوا بعض القبائل ومن آوى إليهم من ثلاثة أوجه، فأوقع بهم خسائر كبيرة، ثم علم خالد بتحشد بعض القبائل في "الثني" قرب ديار بكر استعداداً لقتال المسلمين، فباغتهم في "الثني" من عدة اتجاهات فشتت جموعهم، وكذلك هاجم المتحشدين في "الزميل" فأوقع بهم خسائر هائلة.



معركة الفراض

بعد أن بسط خالد راية الإسلام على العراق واستسلمت له قبائل العرب، قصد منطقة الفراض، وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة، حتى يحفظ ظهره ويأمن من أن تكون وراءه عورة عند اجتيازه أرض السواد إلى بلاد فارس، فلما اجتمع المسلمون بالفراض غضب الروم وهاجوا واستعانوا بمن يليهم من مسالح الفرس، فلبس الفرس سراعاً لأنهم كانوا حانقين على المسلمين، كما استمدوا العرب من تغلب وإياد والنمر بن قاسط فأمدوهم، فاجتمعت جيوش الفرس والروم والعرب على المسلمين في تلك الموقعة، فلما بلغوا الفرات قالوا للمسلمين: «إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم»، فقال خالد: «بل اعبروا إلينا»، قالوا: «فتنحوا حتى نعبر»، فقال خالد: «لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا»، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة 12هـ، فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: «احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل على دين وله عقل وعلم، والله لينصرن ولنخذلن»، ثم لم ينتفعوا بذلك، فعبروا أسفل من خالد، فلما تتاموا اقتتلوا قتالاً شديداً طويلاً، ثم انتصر المسلمون، وقال خالد للمسلمين: «ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم»، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه، فإذا جمعوهم قتلوه، وقُتل من أعداء المسلمين عشرات الألوف، وأقام خالد في الفراض عشرة أيام، ثم أمر بالرجوع إلى الحيرة.
وتعد هذه المعركة خاتمة المعارك التي خاضها خالد بن الوليد في العراق، وانكسرت شوكة الفرس بعد هذه المعركة، ولم تقم لهم قوة حربية يخشاها الإسلام بعد هذه الموقعة.

فتوحات الشام في عهد أبي بكر

كان اهتمام المسلمين بالشام منذ عهد النبي محمد، فقد كتب إلى هرقل عظيم الروم وغيره من أمراء الشام كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام، كما أرسل جيشاً إلى مؤتة في الشام فكانت معركة مؤتة، ثم قاد غزوة تبوك بنفسه. ولما تولى أبو بكر الخلافة، استمر على المنهج الذي وضعه النبي محمد، فأصر بعد وفاة النبي على إنفاذ جيش أسامة بن زيد، ثم أرسل خالد بن سعيد بن العاص بجيش لفتح الشام.



جيش خالد بن سعيد بن العاص

بعث أبو بكر خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام، وأمره أن يكون ردءاً للمسلمين بتيماء، وهي بلدة في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى، وأمره ألا يفارقها إلا بأمره، ولا يقاتل إلا من قاتله، فبلغ خبرُه هرقل ملك الروم، فجهز جيشاً من العرب التابعين للروم من قبائل بهراء وسليح و*** ولخم وجذام وغسان، فسار إليهم خالد بن سعيد فلقيهم على منازلهم فافترقوا، فأمره أبو بكر بالإقدام والزحف على الروم قبل تنظيم صفوفهم، ونصحه أن يحافظ على خط رجعته وألا يتوغل كثيراً في بلاد العدو، فتقدم خالد حتى بلغ القسطل في طريق البحر الميت، فهزم جيشاً من الروم على الشاطئ الشرقي للبحر، ثم تابع مسيرته، فجمع الروم قوات تزيد على ما جمعوا في تيماء، فكتب خالد إلى الخليفة يستمده ليتابع تقدمه، فبعث إليه عكرمة بن أبي جهل بجيش البدال والوليد بن عقبة بجموع أخرى، فلما وصلت هذه القوات إلى خالد بن سعيد أمر بالهجوم على الروم، وأخذ طريقه إلى مرج الصفر (شرقي بحيرة طبرية)، وانحدر القائد الرومي ماهان بجيشه يستدرج جيوش المسلمين التي وصلت إلى مرج الصفر، فأوقعوا بالمسلمين الهزيمة، وصادف ماهان سعيد بن خالد بن سعيد في كتيبة من العسكر فقتلهم وقتل سعيداً في مقدمتهم، وبلغ خالد مقتل ابنه ورأى نفسه قد أحيط بالروم، فخرج هارباً في كتيبة من أصحابه على ظهور الخيل، ونجح عكرمة في سحب بقية الجيش إلى حدود الشام. عند ذلك، أمر أبو بكر المسلمين بالنفير إلى الجهاد، وأمر بلالاً بن رباح فنادى في الناس: «أن انفروا إلى جهاد عدوكم الروم بالشام»، وكتب إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الجهاد، فانساح أهل اليمن من جميع أرجائها بأعداد هائلة، كلهم خرجوا طواعية غير مكرهين.



إرسال الجيوش الإسلامية إلى الشام

بعد أن دعا أبو بكر الناس إلى الجهاد، عقد الألوية لأربعة جيوش أرسلها لفتح الشام، وأمر كل أمير أن يسلك طريقاً غير طريق الآخر، وهذه الجيوش هي:

خريطة توضح خط سير الجيوش الإٍسلامية الفاتحة للشام.



  • جيش يزيد بن أبي سفيان: وهو أول الجيوش التي تقدمت إلى بلاد الشام، وكانت مهمته الوصول إلى دمشق وفتحها ومساعدة الجيوش الأربعة عند الضرورة، وكان جيش يزيد أول الأمر ثلاثة آلاف، ثم عززه الخليفة بالإمدادات حتى صار معه بحدود سبعة آلاف رجل.
  • جيش شرحبيل بن حسنة: حدد أبو بكر لمسير شرحبيل بن حسنة ثلاثة أيام بعد مسير يزيد بن أبي سفيان، وكان جيش شرحبيل ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف، وأمره أن يسير إلى تبوك والبلقاء ثم بصرى، وهي آخر مرحلة، فتقدم شرحبيل نحو البلقاء حيث لم يلق مقاومة تُذكر، وكان يسير على الجناح الأيسر لجيش أبي عبيدة بن الجراح، والجناح الأيمن لجيش عمرو بن العاص في فلسطين، فأوغل في البلقاء حتى بلغ بصرى، فأخذ يحاصرها، فلم يوفق في فتحها لأنها كانت من المراكز الحصينة.
  • جيش أبي عبيدة بن الجراح: وكان يتراوح ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف مجاهد، وهدف ذلك الجيش حمص. سار أبو عبيدة من المدينة ماراً بوادي القرى إلى الجابية، وكان هذا الجيش الجناح الأيسر لجيش يزيد، والجناح الأيمن لجيش شرحبيل، وكان في صحبة أبي عبيدة فارس من فرسان العرب المشهورين هو قيس بن هبيرة بن مسعود المرادي، فأوصى به أبو بكر أبا عبيدة قبل سفره.
  • جيش عمرو بن العاص: وجهه أبو بكر إلى فلسطين، وكان تعداده يتراوح من ستة آلاف إلى سبعة آلاف مجاهد، فسلكت طريقاً لساحل البحر الأحمر حتى وادي عربة في البحر الميت، ونظم عمرو بن العاص قوة استطلاع مؤلفةً من ألف مجاهد يقودها عبد الله بن عمر بن الخطاب، ودفعها باتجاه محور تقدم الروم، فاصطدمت هذه القوة بقوة للروم، ولكنها انتصرت عليهم، وعادت ببعض الأسرى فاستنطقهم عمرو بن العاص، وعلم منهم أن جيش العدو بقيادة "رويس" يحاول مباغتة المسلمين بالقيام بالهجوم، فنظم عمرو قواته، وشن الروم هجومهم، واستطاع المسلمون صده ونجحوا في رد قوات الروم، وبعد ذلك شنوا هجومهم المضادَّ ودمروا قوة العدو وأرغموهم على الفرار وترك ميدان المعركة، وتابع الفرسان المطاردة، وانتهت بسقوط ألوف القتلى من الروم.
لاقت الجيوش الإسلامية صعوبة في مواجهة جيوش الإمبراطورية الرومانية لقوتها وكثرة عددها، وقد كان للروم في الشام جيشان كبيران: أحدهما في فلسطين والآخر في أنطاكية، وعندما شهد قائد الروم هرقل توغل الجيوش الإسلامية، أصدر أوامره لقواته بالتوجه لتدمير الجيوش الإسلامية الأربعة كل على حدة. فراسل قادةُ المسلمين أبا بكر يخبرونه بأمر الروم، فشرع بإمدادهم بالرجال والسلاح والخيول وما يحتاجونه، فأرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ومعه ألف مقاتل إلى أبي عبيدة، وأرسل سعيد بن عامر بن حذيم ومعه سبعمائة رجل إلى يزيد بن أبي سفيان.وقرر قادة المسلمين الانسحاب من جميع الأراضي التي فتحوها والتجمع في مكان واحد ليتمكنوا من إحباط خطة الروم وإجبارهم على خوض معركة فاصلة تخوضها كل الجيوش الإسلامية، فاتفقوا أن يكون التجمع باليرموك، وأن يتم الانسحاب مع تجنب الاشتباك مع العدو، فانسحب أبو عبيدة من حمص، وانسحب شرحبيل بن حسنة من الأردن، وانسحب يزيد بن أبي سفيان من دمشق، وأخذ عمرو بن العاص في الانسحاب تدريجياً من فلسطين.
وقرر أبو بكر أن ينقل خالد بن الوليد بجيشه إلى الشام وأن يتولى قيادة الجيوش بها، لأن الأمر بالشام يحتاج إلى قائد صاحب قدرة عسكرية فائقة، وصاحب تجربة طويلة في المعارك، فحشد خالد جنوده وانطلق ليعبر إلى الشام عبر صحاري رهيبة، وبعد خمسة أيام من الترحال وصل جيش خالد إلى الشام، ففتح منطقة "أدك" صلحاً، ثم نزل "تدمر" فصالح أهلها، ثم أتى "القريتين" فقاتله أهلها فظفر بهم، ثم قصد "حوارين" وصار إلى موضع يعرف بالثنية، فنشر رايته وهي راية العقاب، فسمي ذلك الموضع بثنية العقاب، ثم سار حتى وصل إلى قناة بصرى، فوجد الصحابة تحاربها فصالحه صاحبها وسلمها إليه، ثم سار خالد وأبو عبيدة ومرثد وشرحبيل إلى عمرو بن العاص وقد قصده الروم، فكانت معركة أجنادين.



معركة أجنادين

كان عمرو بن العاص ينسحب بمحاذاة ضفة نهر الأردن لكي يلتقي بجيوش المسلمين الأخرى، فقرر خالد بن الوليد أن يسرع وينضم إلى جيش عمرو بن العاص، ويخوض وإياه معركة فاصلة فيقضي على قوة الروم الكبيرة، فيتعزز الموقف العسكري للجيش الإسلامي، ويصون خط رجعته، ويحمي جناحه الأيسر، ويثبت أقدام المسلمين في فلسطين، فانحدر من اليرموك إلى سهل فلسطين بعدما أصدر أمره إلى عمرو بن العاص بأن ينسحب متدرجاً جيش الروم حتى يصل جيش خالد فيطبقان عليه، فارتد عمرو بن العاص إلى أجنادين، وعندما وصلت قوات خالد أصبح جيش المسلمين بحدود ثلاثين ألف مقاتل، وكان وصول خالد في الوقت المناسب، فما أن اصطدمت قوات عمرو بن العاص بالروم حتى انقض خالد بقواته الرئيسة، وجرت معركة عنيفة، وكان لمهارة القائدين خالد وعمرو العسكرية دور كبير في تحقيق النصر الحاسم، حيث وُجِّهت قوة اقتحامية اخترقت صفوف العدو حتى وصلت إلى قائد الروم فقتلوه، وبمقتل القائد انهارت مقاومة الروم وهربوا في اتجاهات مختلفة.



معركة اليرموك


الأرض التي دارت عليها معركة اليرموك شمال الأردن.


بعد انتصار المسلمين في أجنادين اجتمعوا في اليرموك، وتحركت جيوش الروم بقيادة "تيدور" ونزلت في منزل واسع الطعن واسع المطرد ضيق المهرب، وكان عدد المسلمين أربعين ألف مقاتل أو خمسة وأربعين ألفاً يقودهم خالد بن الوليد، وأما عدد الروم فيُقدَّر بمائتين وأربعين ألفاً بقيادة "تيدور"، وقسم خالد جيشه، فجعل على فرقة القلب أبا عبيدة بن الجراح ومعه عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو، وعلى فرقة الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى فرقة الميسرة يزيد بن أبي سفيان. ونزلت الرومُ الواقوصة قريباً من اليرموك، وصار الوادي خندقاً عليهم، وبدأ القتال وحميت الحرب، وتقدمت صفوف الروم فحملت ميسرتهم على ميمنة المسلمين فانكشف قلب الجيش الإسلامي من ناحية الميمنة، واستطاع الروم إحداث ثغرة في صفوف المسلمين والتسلل إلى مؤخرتهم، فثبت المسلمون حتى صدوا الروم، ثم ركبهم الروم فزال المسلمون من الميمنة إلى القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت سور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، ثم تنادوا فتراجعوا حتى نهنهوا مَن أمامهم من الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف من الناس. ثم حملت ميمنة الروم على ميسرة المسلمين حملة شديدة، فانكشف قلب المسلمين من ناحية الميسرة وركب الروم أكتاف من انهزم من المسلمين، وتبعوهم حتى دخلوا معسكر المسلمين، فاستقبلتهم نساء المسلمين بالحجارة وأعمدة الخيام يضربنهم على وجوههم ويقلن لهم: «أين عز الإسلام والأمهات والأزواج؟ أين تفرون وتدعوننا للعلوج؟»، فإذا زجرنهم خجل أحدهم من نفسه ورجع إلى القتال، وقتلوا من الروم خلقاً كثيراً. وحاولت ميسرة الروم مرة أخرى شن الهجوم على ميمنة المسلمين، فشدوا على عمرو بن العاص وجنده في محاولة اختراق الصفوف لكي يطوِّقوهم، وقاتل عمرو وجنده عن مواضعهم، إلا أن الروم تمكنوا من دخول معسكرهم، ونزلت المسلمات من التل وأخذن يضربن وجوه الرجال المراجعين، وبذلك ارتدت إلى المسلمين عزائمهم، ودخلوا للقتال مرة أخرى، وحمل المسلمون على الروم من جديد حتى أزاحوهم عن المواضع التي كسبوها.
وحمل خالد بمن معه من الخيالة على الميسرة التي حملت على ميمنة المسلمين فأزالوهم إلى القلب، فقُتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف، ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس معه على نحو من مائة ألف، فما وصل إليهم حتى انقض جميعهم، وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فانكشفوا، وتبعهم المسلمون لا يمتنعون منهم. وقامت ميمنة المسلمين بإغلاق المنافذ والثغرات في وجوه الروم، وحصروا بين وادي اليرموك ونهر الزرقاء، واستطاع المسلمون أن يفصلوا فرسان الروم عن مشاتهم، فحملوا على الروم وركبوا أكتافهم حتى أرهقوهم، وبذلك أراد فرسانُ الروم مخرجاً لهم للفرار منه، فأمر خالد عمرو بن العاص بفسح المجال لهم ففعل ذلك وهرب فرسان الروم، وبذلك تحرك مشاة الروم دون غطاء من خيالتهم، فجاء المشاة إلى الخنادق وهم مقيدون بالسلاسل، وجاءهم المسلمون إلى خندقهم في ظلال الليل، وأخذ معظم مشاة الروم ينهارون بالوادي، فإذا منهم شخص قُتل سقط معه جميعُ الذين كانوا مقيدين معه، وقَتل منهم المسلمون في هذه المرحلة خلقاً كثيراً قُدِّر عددهم بمائة وعشرين ألفاً، والناجون منهم قد انسحب قسم منهم إلى فحل، والقسم الآخر إلى دمشق داخل بلاد الشام. وقُتل أحد قادة الروم "تذارق"، وكان له ثلاثون سرادقاً وثلاثون رواقاً من ديباج بما فيها من الفرش والحرير، فلما كان الصباح حاز المسلمون ما كان هنالك من الغنائم، وكان عددُ قتلى المسلمين ثلاثةَ آلاف منهم: عكرمة بن أبي جهل، وابنه عمرو، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد. وكان عدد قتلى الروم مائة وعشرين ألفاً، منهم ثمانون ألفاً مقيدون بالسلاسل وأربعون ألفاً مطلقون سقطوا جميعهم في الوادي.



وفاته

في شهر جمادى الآخرة سنة 13هـ، مرض الخليفة أبو بكر واشتد به المرض، فلما ثقل واستبان له من نفسه، جمع الناس إليه فقال: «إنه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميتاً لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي»، فتشاور الصحابة، ثم رجعوا إلى أبي بكر فقالوا: «رأيُنا يا خليفة رسول الله رأيُك»، قال: «فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده»، ثم وقع اختيار أبي بكر بعد أن استشار بعض الصحابة على عمر بن الخطاب، ثم كتب عهداً مكتوباً يُقرأ على الناس، وكان نص العهد:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عَدَلَ فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بَدّلَ فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب: «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون»
وقد روت السيدة عائشة خبر وفاة أبيها أبي بكر فقالت: «أول ما بُدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يوماً بارداً، فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه»، وقالت السيدة عائشة: قال أبو بكر: «انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي»، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (البعير الذي يُستقى عليه) كان يسقي بستاناً له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى عمر، وقال: «رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً».

شباك الحجرة النبوية في المسجد النبوي حيث دُفن النبي محمد وأبو بكر وعمر.



واجهة قبور النبي محمد وأبي بكر وعمر داخل المسجد النبوي.


واستمر مرض أبي بكر مدة خمسة عشر يوماً، حتى مات يوم الاثنين ليلة الثلاثاء 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، قالت السيدة عائشة: إن أبا بكر قال لها: «في أي يوم مات رسول الله ؟»، قالت: «في يوم الاثنين»، قال: «إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، ففيم كفنتموه؟»، قالت: «في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة»، فقال أبو بكر: «انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين»، فقيل له: «قد رَزَقَ الله وأحسن، نكفنك في جديد»، قال: «إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى». وقد أوصى أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب النبي محمد، وكان آخرَ ما تكلم به أبو بكر قولَ الله تعالى: «توفني مسلماً وألحقني بالصالحين» وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، استوفى سن النبي محمد، وغسلته زوجه أسماء بنت عميس، ودفن جانب النبي محمد، وقد جعل رأسه عند كتفي النبي، وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب، ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر النبي محمد.
وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول يوماً أكثر باكياً وباكية من ذلك المساء، وأقبل علي بن أبي طالب مسرعاً باكياً مسترجعاً، ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر، فقال: «رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلفَ رسول الله وأنيسه، ومستراحه وثقته، وموضع سره ومشاورته»، إلى أن قال: «والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وحرزاً وكهفاً، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد ، ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك»، فسكت الناس حتى قضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم، وقالوا: «صدقت».



ألقابه

لُقب أبو بكر بألقاب عديدة منها:
الصّدّيق

لقَّبه به النبي محمد، وذلك أن النبي محمداً كان قد صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فرجف بهم الجبل فقال النبي محمد: «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»، وأما سبب تسميته بالصديق فهو لكثرة تصديقه للنبي محمد، قالت السيدة عائشة: لما أسري بالنبي إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر، فقالوا: «هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليلة إلى بيت المقدس»، قال: «وقد قال ذلك؟»، قالوا: «نعم»، قال: «لئن قال ذلك فقد صدق»، قالوا: «أوتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟» قال: «نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة»، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.



العتيق

لقَّبه به النبي محمد، فقد قال له: «أنت عتيق الله من النار»، فسمي عتيقاً، وقالت السيدة عائشة: «دخل أبو بكر الصديق على رسول الله ، فقال له رسول الله : «أبشر، فأنت عتيق الله من النار»»، وقد ذكر المؤرخون أسباباً كثيرةً لهذا اللقب، فقد قيل: «إنما سمي عتيقًا لجمال وجهه»، وقيل: «لأنه كان قديمًا في الخير»،وقيل: «سمي عتيقًا لعتاقة وجهه»، وقيل: إن أمَّ أبي بكر كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: «اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي».

الصاحب

لُقب به في القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود في الآية هو أبو بكر، وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في تفسير هذه الآية: «فإن المراد بصاحبه هنا أبو بكر بلا منازع».



الأتقى

لُقب به في القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . وسبب ذلك أن أبا بكر عندما كان يشتري العبيدَ المسلمين ويعتقهم، قال له أبوه أبو قحافة: «يا بني، إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذا فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون دونك؟»، فقال أبو بكر: «يا أبت، إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل»، فنزلت فيه آيات منها: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى .



الأوّاه

لُقب أبو بكر بالأواه، وهو لقب يدل على الخشية والوجل من الله تعالى، قال إبراهيم النخعي: «كان أبو بكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته».
زوجاته وذريته

زوجات أبي بكر وذريته.



زوجاته

تزوج أبو بكر من أربع نسوة، أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث، وهن على التوالي:
  1. قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وهي أم عبد الله وأسماء.
  2. أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة الكنانية، وهي أم عائشة وعبد الرحمن، توفيت في ذي الحجة سنة 4هـ أو 5هـ أو 6هـ.
  3. أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم الشهرانية الخثعمية، وهي أم محمد، كانت زوج جعفر بن أبي طالب، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب.
  4. حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجية الأنصارية، وقيل: مليكة بنت خارجة، وهي أم أم كلثوم.

ذريته

لأبي بكر ستة أولاد، ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهم:
  1. عبد الرحمن بن أبي بكر، أمه أم رومان، وهو شقيق عائشة، توفي سنة 53هـ أو 55هـ أو 56هـ.
  2. عبد الله بن أبي بكر، أمه قتيلة بنت عبد العزى، وهو شقيق أسماء، وهو الذي كان يأتي النبيَّ وأباه أبا بكر بالطعام وبأخبار قريش إذ هما في الغار كل ليلة، توفي أول خلافة أبي بكر في شوال سنة 11هـ.
  3. محمد بن أبي بكر، أمه أسماء بنت عميس، وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه، وأخو يحيى بن علي لأمه.
  4. أسماء بنت أبي بكر، أمها قتيلة بنت عبد العزى، وهي زوج الزبير بن العوام وأم عبد الله بن الزبير، لقبت بذات النطاقين.
  5. عائشة بنت أبي بكر، أمها أم رومان، وهي زوج النبي محمد وأشهر نسائه، لقبت بالصديقة بنت الصديق وأم المؤمنين، وهي أحب الناس إلى النبي محمد، توفيت سنة 57هـ أو 58هـ ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ودفنت بالبقيع.
  6. أم كلثوم بنت أبي بكر، أمها حبيبة بنت خارجة، وقد ولدت بعد وفاة النبي محمد.

الآراء والمواقف حوله

نظرة أهل السنة والجماعة


تخطيط لاسم أبي بكر الصديق على إحدى جدران مسجد آيا صوفيا.



يُعدّ أبو بكر أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، فهو عندهم خيرُ الناس بعد الأنبياء والرسل، وذلك نقلاً عن علي بن أبي طالب، فعن محمد بن الحنفية (وهو محمد بن علي بن أبي طالب) أنه قال:
«قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله ؟"، قال: "أبو بكر"، قلت: "ثم من؟"، قال: "ثم عمر"، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: "ثم أنت؟"، قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين".»
ويعتبر أهلُ السنة أبا بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار، وأول مسلم أوذي في الله بعد النبي محمد، وأول من دافع عن النبي محمد، وأول من دعا إلى الإسلام من الصحابة، وأول من بذل ماله لنصرة الإسلام، وهو عندهم أتقى الأمة بالكتاب والسنة، وأشجع الناس بعد النبي محمد، وأحب الخلق إلى النبي بعد السيدة عائشة، وأرجح الأمة إيماناً، وأكثر الصحابة زهداً، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل أبي بكر ومكانته، وتدل على أنه أحق الصحابة بالخلافة، ومنها:
  • عن عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» - حديث صحيح.
  • عن ابن عباس، عن النبي أنه قال: «لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي» - حديث صحيح.
  • عن عمرو بن العاص أن النبي محمداً بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتاه فقال: «أي الناس أحب إليك؟»، قال: «عائشة»، فقلت: «من الرجال؟»، فقال: «أبوها»، قلت: «ثم من؟»، قال: «ثم عمر بن الخطاب» فعد رجالاً - حديث صحيح.
  • عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: «أتت امرأة النبي ، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: «أرأيت إن جئت ولم أجدك؟»، كأنها تقول: الموت، قال : «إن لم تجديني فأتي أبا بكر»» - حديث صحيح.
  • عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله : «من أصبح منكم اليوم صائماً؟»، قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟»، قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟»، قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟»، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة» - حديث صحيح.
  • عن ابن عمر أنه قال: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي ، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم».
  • قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلَالٌ

نظرة الشيعة

يؤمن الشيعة الإثنا عشرية أن الخلافة أو الإمامة لا تجوز إلا لأهل البيت، وأن علي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر، ولكن أبا بكر غصبها من علي بن أبي طالب غصباً، وبالغ بعضُ متشددي الشيعة حتى زعموا أن أبا بكر لم يدخل الإسلام إلا طمعاً في الحكم والسلطة، ويرى الشيعة أن بيعة أبي بكر لم تكن بالنص من النبي محمد، وهم يتفقون في ذلك مع أهل السنة، فقد قال ابن كثير: «إن رسول الله لم ينص على الخلافة عيناً لأحد من الناس، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة». ولكن الشيعة الإثنا عشرية يختلفون مع أهل السنة في أن بيعة أبي بكر لم تكن بالشورى بين المسلمين، ولم تكن بإجماع المسلمين، وإنما كانت "فلتة" كما وصفها علماؤهم. وقد استعاروا هذا التعبير من كلمة الخليفة عمر بن الخطاب عن بيعة أبي بكر حيث قال: « فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت فلتة، ألا وإنها كانت كذلك، ألا وإن الله عز وجل وقى شرها ... »
وأما الشيعة الزيدية فهم كإمامهم وصاحب مذهبهم زيد بن علي بن الحسين يرون صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يقل أحدٌ منهم بتكفير أحد من الصحابة، ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ومعظم الزيدية المعاصرين يُقرُّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل بعض فرق الشيعة الأخرى، بل يترضون عنهما.



نظرة الغرب

يقول المؤرخ والكاتب الأمريكي واشنطن إيرفينج في كتابه "محمد وخلفاؤه" عن أبي بكر:

لقد كان رجلاً حُكمه عظيم، يقظاً حذراً، إدارياً بارعاً، أهدافه ومقاصده صادقة وغير أنانية، وموجهة نحو مصلحة القضية وليس نحو مصلحته الشخصية، وخلال فترة حكمه لم يخن شيئاً من أمور الدنيا الخسيسة، وكان لا يبالي بالثراء والبذخ والرفاهية، ولم يَقبل أي أجر مقابل خدماته، إلا مبلغاً زهيداً كافياً ليعيش حياة عربية من أبسط أنواع الحياة، حيث كانت حاشيته تتكون من جمل وعبد أسود، وأما الدخل الفائض الذي كان يدخل خزينته فقد كان يوزعه كل يوم جمعة، جزء منه يمنحه مكافأةً وتقديراً، والباقي يمنحه للفقراء، وكان دائماً على استعداد بأن يساعد المفجوعين والمكروبين من ماله الخاص.
وقد ورد في الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" ترجمة موسَّعة لأبي بكر، خلاصتها:

أبو بكر، يسمى أيضاً: "الصديق"، هو الصاحب الأقرب للنبي محمد ومستشاره، وهو الذي خلف النبي بوظائفه السياسية والإدارية، وبالتالي هو من أنشأ نظام الخلافة. يُزعم أن أبا بكر هو أول ذكر اعتنق الإسلام، ولكنَّ كثيراً من المؤرخين المسلمين يشكون في وجهة النظر هذه. برز أبو بكر في المجتمع المسلم الأول بسبب زواج محمد من ابنته عائشة، ثم بسبب اختيار محمد له ليكون رفيقه في الهجرة إلى المدينة المنورة سنة 622م. في المدينة المنورة، كان أبو بكر المستشار الرئيسي لمحمد (622م-632م)، ومن أبرز وظائفه آنذاك: إمارة الحج إلى مكة المكرمة سنة 631م، وإمامة الناس في الصلاة في المدينة المنورة أثناء مرض محمد. بعد وفاة محمد (8 يونيو 632م)، استطاع المسلمون في المدينة حل أزمة الخلافة باختيار أبي بكر خليفةً للنبي محمد. وخلال حكمه (632م-634م)، تمكن من قمع الانتفاضات القبلية السياسية والدينية المعروفة باسم "الردة"، وبالتالي إخضاع الجزيرة العربية تحت الحكم الإسلامي. وبعد ذلك، شرع بالفتوحات الإسلامية في العراق وسوريا.




تم

انا عارف ان ابو بكر الصديق لوحدة موسوعة والكلام عنة لا ينفد








عُمر بن الخطّاب










أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي
، المُلقب بالفاروق، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في 23 أغسطس سنة 634م، الموافق للثاني والعشرين من جمادى الثانية سنة 13 هـ كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.
هو مؤسس التقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.






بداية حياته

نسبه


اسم عُمر بن الخطّاب بالخط العربي الثلث‎ العثماني كما يظر في آيا صوفيا في بمدينة إسطنبول بتركيا


  • هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي.
وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم. وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب والذي كان قد سبق عمر إلى الإسلام. ويجتمع نسب عمر بن الخطاب بالرسول محمد في كعب بن لؤي.
  • أمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وهي ابنة عمّ كلٍ من أم المؤمنين أم سلمة والصحابي خالد بن الوليد وعمرو بن هشام المعروف بلقب أبي جهل.ويجتمع نسبها مع النبي محمد في كلاب بن مرة.

نشأته

ولد بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد بثلاث عشرة سنة. وكان منزل عمر في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر وبه منازل بني عدي بن كعب، نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم بتعلم القراءة. عمل راعيًا للإبل وهو صغير، وكان والده غليظًا في معاملته.وكان يرعى لوالده ولخالات له من بني مخزوم. وتعلم المصارعة وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز، فتعلم بها التجارة، التي ربح منها وأصبح من أغنياء مكة، رحل صيفًا إلى بلاد الشام وإلى اليمن في الشتاء، كان عمر من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة فهو سفير قريش، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به، بعثوه منافراً ومفاخراً. نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كغيره من أبناء قريش، وكان مغرمًا بالخمر والنساء.



في عهد النبي محمد

معاداته للمسلمين


يتفق المؤرخون وعلماء الشريعة على أن النبي محمداً بُعث سنة 610م وهو في الأربعين من عمره. وكانت الدعوة الإسلامية في بداية عهدها دعوة سريّة، وبعد مضيّ ثلاث سنين من بعثته، أُمِرَ النبي بالجهر في دعوة الناس إلى الإسلام، فعاداه القرشيون لا سيما بعد أن بدأ يُحقّر من شأن آلهتهم؛ هُبل واللات والعزى ومن شأن الأصنام جميعها. وهبّ سادة قريش إلى الدفاع عن معتقداتهم، وأخذوا يعتدون على المسلمين ويؤذونهم. وكان عمر بن الخطاب من ألد أعداء الإسلام وأكثر أهل قريش أذى للمسلمين، وكان غليظ القلب تجاههم فقد كان يعذِّب جارية له علم بإسلامها من أول النهار حتى آخره، ثم يتركها نهاية الأمر ويقول: "والله ما تركتك إلا ملالةً"، ومن شدة قسوته جنّد نفسه يتبع محمد أينما ذهب، فكلما دعا أحداً إلى الإسلام أخافه عمر وجعله يفر من تلك الدعوة.
بعد أن أمر النبي محمد المسلمين في مكة بالهجرة إلى الحبشة جعل عمر يتخوف من تشتت أبناء قريش وانهيار أسس القبيلة العريقة عندهم، فقرر الحيلولة دون ذلك بقتل النبي مقابل أن يقدم نفسه لبني هاشم ليقتلوه فتكون قريش قد تخلصت مما يهددها به هذا الدين الجديد.



إسلامه

كان عمر يخفي وراء تلك القسوة والشدة رقة نادرة. تحكي هذا زوجة عامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي، وذلك حينما رآها عمر وهي تعد نفسها للهجرة إلى الحبشة، فقال لها كلمة شعرت من خلالها برقة عذبة في داخله، وأحست بقلبها أنه من الممكن أن يسلم عمر، وذلك أنه قال لها: "صحبكم الله". لم تتوان زوجة عامر بن ربيعة في أن تخبر زوجها بما رأت من عمر، فرد عليها بقوله: "أطمعت في إسلامه؟" قالت: "نعم". ولأن الانطباعات الأولى ما زالت محفورة في نفسه، رد عليها زوجها بقوله: "فلا يسلم الذي رأيتِ حتى يسلم حمار الخطاب".
في هذه الفترة كان عمر بن الخطاب يعيش صراعًا نفسيًا حادًا، فقد حدثه قلبه بأن هؤلاء الناس قد يكونون على صواب، ورأى أن ثباتهم عجيب جدًّا فيما يتعرضون له، وهم يقرؤون كلامًا غريبًا لم تسمع قريش بمثله من قبل، هذا إضافةً إلى أن رئيسهم محمدًا ليس عليه من الشبهات شيء، فهو الصادق الأمين باعتراف أعدائه من القرشيين. وفي الوقت نفسه حدثه عقله بأنه سفير قريش، وقائد من قادتها، والإسلام سيضيّع كل هذا، فذلك الدين قسم مكة إلى نصفين، نصف يؤمن به ونصف يحاربه، فمنذ ست سنوات والقرشيون يعانون المتاعب والمشاكل بسببه، ويدخلون في مناظرات ومحاورات. وفي غمار هذا الصراع الداخلي ولأن من طبعه الحسم وعدم التردد، فقد قرر أن ينتهي من كل ما يؤرقه، وأراد أن يخلص نفسه ويخلص مكة كلها ممن أحدث فيها هذه البدع وتلك المشاكل، فقرر أن يقوم بما فكر فيه كثير من مشركي قريش قبل ذلك، لكنهم لم يفلحوا فيه، ألا وهو قتل محمد.
وكان قد دفعه إلى أخذ هذا القرار -أيضًا- ما حدث قبل يومين من إهانة شديدة لأبي جهل في مكة على يد عم النبي محمد حمزة بن عبد المطلب، والذي أصبح على الإسلام، وكان الدافع لذلك نابعاً من أن أبا جهل كان خال عمر بن الخطاب، فرأى عمر أنه قد أصيب في كرامته تمامًا كما أصيب أبو جهل، ورد الاعتبار في حالة كهذه عند العرب يكون عادة بالسيف. فسن سيفه وخرج من داره قاصدًا النبي محمداً، وفي الطريق لقيه نُعَيم بن عبد الله العدوي القرشي وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، فقال له: «أين تريد يا عمر؟»، فرد عليه قائلا: «أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله.»، فلمّا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له: «والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما.» فانطلق مسرعاً غاضباً إليهما، فوجد الصحابي خباب بن الأرت يجلس معهما يعلمهما القرآن، فضرب سعيدًا، ثم ضرب فاطمة ضربة قوية شقت وجهها، فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، وحين أراد عمر قراءة ما فيهاأبت أخته أن يحملها إلا أن يتوضأ، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة وإذ فيها: طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، فاهتز عمر وقال: "ما هذا بكلام البشر" وأسلم من ساعته، في ذلك اليوم من شهر ذي الحجة من السنة الخامسة من البعثة وذلك بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب بثلاثة أيام، وقد كان يبلغ من العمر ما يقارب الثلاثين سنة، أو بضعاً وعشرين سنة، على اختلاف الروايات. خرج عمر بعد ذلك إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث كان يجتمع النبي محمد بأصحابه وأعلن إسلامه هناك. وفق المصادر الإسلامية فقد استجاب الله لدعوة النبي محمد، إذ قال: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام. قال: "وكان أحبهما إليه عمر".» وكان قد سبق عمر إلى الإسلام تسعة وثلاثون صحابيًا فكان هو متممًا للأربعين، فعن ابن عباس أنه قال: «أسلم مع رسول الله تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.»
وفي رواية أخرى أن عمر أسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة -في السنة الخامسة للبعثة– أي أنه أسلم في السنة السادسة للبعثة. كما روي أن عمر قد أسلم قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بقليل في السنة الثالثة عشرة من البعثة. حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر أسلم بعد 40 أو 45 رجلاً، بينما كان كل المهاجرين من المسلمين الذين آخا النبي بينهم وبين الأنصار في المدينة المنورة لا يتجاوزون هذا العدد إلا بقليل، وعليه تُرجّح بعض الروايات أن عمر كان من أواخر من أسلموا من المهاجرين حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر دنا من محمد في مكة وهو يصلي ويجهر بالقراءة فسمعه يقرأ في صلاته الجهرية بالمسجد الحرام آيتين من سورة العنكبوت: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ، فتأثر عمر وأسلم. وقد كانت سورة العنكبوت آخر سورة نزلت في مكة قبل الهجرة إلى يثرب.
كان المسلمون قبل إسلام عمر وحمزة يخفون إيمانهم خوفًا من تعرضهم للأذى، لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم، أما بعد إسلامهما فأصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم، لا سيما أنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم، وكان عمر يجاهر بالإسلام ولا يخشى أحداً، فلم يرضَ مثلاً عن أداء المسلمين للصلاة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش، بل فضل مواجهة القوم بكل عزم، فقام وقال للنبي: "يا رسول الله ألسنا على الحق؟"، فأجابه: "نعم"، قال عمر: "أليسوا على الباطل؟"، فأجابه: "نعم"، فقال عمر بن الخطاب: "ففيمَ الخفية؟"، قال النبي: "فما ترى يا عمر؟"، قال عمر: "نخرج فنطوف بالكعبة"، فقال له النبي: "نعم يا عمر" فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين، صف على رأسه عمر بن الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد، حتى دخلوا وصلّوا عند الكعبة. ومن بعيدٍ نظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين، فَعَلتْ وجوهَهُم كآبة شديدة، يقول عمر: «فسماني رسول الله الفاروق يومئذٍ».
كان إسلام عمر حدثًا بارزًا في التاريخ الإسلامي، فقد قوّى وجوده في صف المسلمين شوكتهم، وأصبح لهم من يُدافع عنهم ويحميهم من أذى من بقي على الوثنية، ويُلاحظ فرحة المسلمين بإسلام عمر في عدّة أقوال منسوبة إلى عدد من الصحابة، منها ما قاله صهيب الرومي: «لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به‏»، وما قاله عبد الله بن مسعود: «ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر‏»، و:«ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر».



هجرته إلى المدينة وحياته فيها

أمر النبي محمد أتباعه بالهجرة إلى مدينة يثرب حوالي سنة 622م بعد أن أتاه وفد من أهلها وعاهدوه على الأمان ودعوه إلى أن يأتيهم ويسكن مدينتهم بعد أن آمن بدعوته أغلب أبنائها. فهاجر معظم المسلمين إلى يثرب سرًا خوفًا من أن يعتدي عليهم أحد من قريش، إلا عمر وفق أشهر الروايات عند أهل السنة والجماعة، حيث تنص أن عمر لبس سيفه ووضع قوسه على كتفه وحمل أسهمًا وعصاه القوية، وذهب إلى الكعبة حيث طاف سبع مرات، ثم توجه إلى مقام إبراهيم فصلى، ثم قال لحلقات المشركين المجتمعة: «شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي». فلم يتبعه أحد منهم إلا قوم مستضعفون أرشدهم وعلمهم ومضى. وصل عمر يثرب التي سُميت المدينة المنورة ومعه ما يقارب العشرين شخصًا من أهله وقومه، منهم أخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ولدا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي القرشي زوج ابنته حفصة، وابن عمه سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة ونزلوا عند وصولهم في قباء عند رفاعة بن عبد المنذر الأوسي. وكان قد سبقه مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وبلال بن رباح وسعد وعمار بن ياسر.

رسم من القرن الرابع عشر يُظهر استسلام بني النضير إلى المسلمين. كانت غزوة بني النضير إحدى أبرز الغزوات التي شارك فيها عمر بن الخطاب.


وفي المدينة المنورة آخى النبي محمد بينه وبين أبي بكر، وقيل عويم بن ساعدة الأوسي،وقيل عتبان بن مالك الخزرجي، وقيل معاذ بن عفراء الخزرجي، وقال بعض العلماء أنه لا تناقض في ذلك لاحتمال أن يكون الرسول قد آخى بينه وبينهم في أوقات متعددة. بقي المسلمون في المدينة بأمان طيلة سنة تقريبًا، إذ ما لبثت قريش أن حشدت جيشًا لقتالهم، ووقعت بينها وبين المسلمين عدّة معارك، وقد شهد عمر بن الخطاب كل الغزوات مع الرسول محمد وفقًا لابن الجوزي، ففي غزوة بدر كان عمر ثاني من تكلم ردًا على الرسول محمد عندما استشارهم قبل غزوة بدر بعد أبي بكر، فأحسن الكلام ودعا إلى قتال المشركين. وقد قتل عمر خاله العاص بن هشام في تلك الغزوة. وفي غزوة أحد رد عمر على نداء أبي سفيان حين سأل عمن قتل، وكان عمر من الأشخاص الذين اعتقدوا أن محمدًا قد قتل في تلك المعركة، ولمّا عرف أنه ما زال على قيد الحياة وقد احتمى بالجبل، أسرع إليه ووقف يدافع عن المسلمين ضد من يحاول الوصول إليهم من القرشيين. في شهر ربيع الأول سنة 4 هـ، شارك عمر في غزوة بني النضير بعد أن همّ يهود بني النضير بالغدر وقتل النبي محمد، فنقضوا بذلك الصحيفة، فأمهلهم النبي محمد 10 أيام ليغادروا المدينة،فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم، فحاصرهم النبي 15 يومًا،وقيل 6 ليال، ثم أجلاهم عن المدينة فحملوا النساء والصبيان وتحملوا على 600 بعير، فلحقوا بخيبر، وغنم المسلمون من أموالهم وما تركوه وراءهم. في عام 625 تزوجت حفصة بنت عمر بالرسول محمد، وبعد ذلك بعامين تقريبًا، شارك عمر في غزوة الخندق كما قاتل في غزوة بني قريظة، وشارك في صلح الحديبية سنة 628 بصفته شاهدًا، ويحكي عمر بن الخطاب مجيئه إلى النبي محمد غاضبًا عند كتابة ذلك الصلح حيث تضمن شروطاً مجحفة بحق المسلمين، فقال: «فأتيت نبي الله، فقلت: "ألست نبي الله حقاً؟"، قال: "بلى". قلت: "ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟" قال: "بلى"، قلت: "فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟"، قال: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري". قلت: "أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟" قال: "بلى. أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قلت : "لا". قال: "فإنك آتيه ومطوف به"». وأتى عمر أبا بكر وقال له مثل ما قال لمحمد، فقال له أبو بكر: «إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق»، وقال عمر: «ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرًا»، ولم تطب نفس عمر إلا عندما نزل القرآن مبشراً بفتح مكة. وفي نفس السنة شارك عمر في غزوة خيبر، ثم انضم هو وأبو بكر يصحبهم مائتا صحابي تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح، إلى الصحابي عمرو بن العاص الذي كان يُقاتل القبائل العربيّة الموالية للروم في شمال شبه الجزيرة العربية، وذلك بعد أن طلب المدد من الرسول، فأنزلوا هزيمة قاسية بالأعداء.
عاد عمر إلى مكة مع باقي المسلمين بعد 8 سنوات من الهجرة، فدخلوها فاتحين سنة 630، وخلال العام نفسه شارك في غزوة حنين وحصار الطائف وغزوة تبوك، ويُقال أنه منح نصف ثروته لتسليح الجيش وإعداد العدّة لتلك الغزوة الأخيرة. وفي عام 631 أدى عمر الحج مع النبي محمد،في حجة الوداع



وفاة النبي محمد

توفي النبي محمد يوم 7 يونيو سنة 632م، الموافق ليوم 12 ربيع الأول سنة 11 هـ. ولمّا شاع خبر انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، اضطرب المسلمون اضطرابًا شديدًا، وذهل بعضهم فلم يصدق الخبر وكان عمر منهم، فقام يقول: "والله ما مات رسول الله "، فقد كان يعتقد بعدم موته تمام الاعتقاد، حتى إنه قال في رواية أخرى: "والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك"، أي لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلاً، ثم قال عمر: "وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات". وفي رواية ثانية يقول: «إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله تُوُفِّي، إن رسول الله ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات». ظل المسلمون على هذه الحالة يتمنون صدق كلام عمر، حتى جاء أبو بكر من السنح على دابته ونزل بباب المسجد ودخل بيت عائشة، وكشف عن جثمان النبي محمد وجثى عليه يُقبله ويبكي، ثم خرج إلى المسجد حتى أتى المنبرفوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن النبي لم يمت، فقال: «أيها الحالف على رِسْلِك»، وفي رواية أخرى قال له: "اجلس يا عمر". فجلس عمر وجلس الناس، فتشهد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ آية من آيات سورة آل عمران: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾. وعندما تلا أبو بكر الصديق هذه الآية سمعها عمر والمسلمون كانهم لم يسمعوها من قبل، ثم تابع يقول: «ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت». وفي رواية أهل السنّة، فإن عمر لما سمع كلام أبي بكر وأيقن حق اليقين أن الرسول قد مات، هوى على ركبتيه يبكي، وفي هذه النقطة قال عمر: «والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات».



في عهد أبي بكر الصديق

كان عمر بن الخطاب المساعد الأول لأبي بكر الصدِّيق وساعده الأيمن ومستشاره الأساسي طوال خلافته، وكان مستشاره العسكري الأبرز الذي ساعده في حروبه، لا سيّما حروب الردة. وقد قال أبو بكر الصديق مرة: "ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر". وقد كان أبو بكر يستشير عمر في تعيين القادة العسكريين وعزلهم. فقد ولَّى أبو بكر مثلاً خلال فتح الشام الصحابيَّ سعيد بن العاص الأموي على الجيش الفاتح، غير أنه عزله بعدها قبل أن يبدأ السير، نظراً لاعتراض عمر الشديد عليه. كما كان عمر عوناً كبيراً له في وضع خططه العسكرية والاستراتيجية.
وعندما اجتمعَ الأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة من بعده، سمع عمر بن الخطاب بذلك، فذهبَ على الفور إلى أبي بكر الصديق وهو في منزل الرَّسول، وبلغه الخبر، وانضمَّ إليهما أبو عبيدة بن الجراح فساروا معاً إلى السقيفة. وقال أبو بكر عندما دخل: "ما هذا؟"، فأجابوه "منّا أمير ومنكم أمير"، فقال: "منّا الأمراء ومنكم الوزراء". ثم عرض عليهم أحد مرافقيه ليُصبَح الخليفة فقال: "لقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين - عُمَر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة-". غير أن أحد الأنصار قال بصوتٍ عال: "أنا جُذَيلها المحنك وعُذَيْقُها المرجَّب، منّا أمير ومنكم أمير"، فتعالت الأصوات واللغط، واختلف الناس فيمن سيكون الخليفة، حتى قام عمر وقال: "أيّكم يطيب نفساً أن يخلُف قَدَمَين قدّمهما النبي ؟"، ثمَّ قال لأبي بكر "ابسط يدك لأبايعك"، فبايعه عمر بن الخطاب،تبعه الناس فبايعوه.
لم يكن الجميع راضين عن القرار، إذ لم يرضَ بعضهم بمبايعة غير علي بن أبي طالب، فقال الزبير: "لا أغمد سيفاً حتى يُبايَع علي"، فقال عمر: "خذوا سيفه واضربوا به الحجر". وقد تمكَّن عمر من دفع الكثير من الأنصار إلى مبايعة أبي بكر. وقد خطبَ الجمعة بأهل المدينة مرة فقال: "إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعتُ فلاناً، فلا يغرَّنَّ امرأً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فتنة، فقد كان كذلك ولكنّ الله وقى شرَّها، وليس منكم من تُقطَع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا حين توفيَّ رسول الله".وقد كان لعمر بن الخطاب دورٌ كبير في معونة أبي بكر ببداية خلافته في تنظيم أمور الدولة، وأخذ البيعة، وتثبيت الحكم.
كان من أولى وأكبر التحديَّات التي واجهت أبا بكر في خلافته حروب الردة، التي بدأت بامتناع بعض قبائل العرب عن أداء الزكاة إلى الخليفة الجديد، وكانت البداية بقبائل قليلة مثل عبس وذبيان وغطفان، غير أن العدد ازداد لاحقاً، فانتشرت حركة الردة في أنحاء شبه الجزيرة العربية. كما كثر مدَّعو النبوة، فكان منهم مالك ووكيع وسجاح، أما أقواهم وأكثرهم نفوذاً فكان مسيلمة الكذاب. وقد انقسم الصحابة في الرأي حول كيفيَّة التعامل مع الوضع، فأشار عمر بن الخطاب -وطائفة كبيرة من الصحابة- على أبي بكر بعدم دخول الحرب معهم، والتنازل عن امتناعهم عن الزكاة، خصوصاً مع عدم وجود قوة عسكرية تحمي المدينة من الهجمات. غير أن أبا بكر أصرَّ على موقفه بشدة، وقال: "والله لو منعوني عقالاً (الحبل الذي يجرُّ به البعير) لجاهدتهم عليه".
انتهت حروب الردة بمعركة اليمامة، التي قتل فيها الكثير من الصحَّابة، من بينهم مئات من حفظة القرآن، وقد اختلفَ المؤرخون حول عددهم، فقال بعضهم أنه قتلَ 500 من حفظة القرآن في المعركة، وقال آخرون 700. وقد فزعَ عمر بن الخطاب عندما سمعَ بهذه الأعداد، وخشيَ أن يُقتَل المزيد منهم في المعارك والحروب، فيضيع شيء من القرآن. فأخبر أبا بكرٍ بمخاوفه، إذ جاءه وقال له: "إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن"، غير أن أبا بكر تخوَّف من الأمر وقال: "كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ؟". فردّ عمر قائلاً : "أرى والله أنه خير"، وظلّ يصرّ ويحاور أبا بكر حتى اقتنع، فاستدعى زيد بن ثابت الأنصاريّ وأمره بتولّي المهمَّة. وقد قال أبو بكر لزيد: "إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّع القرآن فاجمعه"، غير أن زيداً تخوَّف من المهمة، وقال في وصف الحادثة: "فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله؟"، فكرَّر أبو بكر: "هو والله خير"، ولم يزل فيه حتى اقتنعَ هو الآخر، فذهبَ وجمع القرآن في مصحف واحد. وقد بقيَ المصحف عند عمر بعد وفاة أبي بكر، ثم انتقلَ إلى ابنته حفصة.
وكان من بين من قتلوا في معركة اليمامة أخوه زيد بن الخطاب، وعندما جاءه ابنه عبد الله بعد المعركة - وكان يقاتل فيها مع زيد - قال له عمر زاجراً إياه: "ألا هلكتَ قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريتَ وجهك عني؟"، فأجابه: "سألَ اللهَ الشهادة فأعطُيهَا، وجَهِدتُ أن تُسَاق إليَّ فلم أعطها".
وبعد أن أصبح أبو بكر خليفة، قال مرَّة لعمر وأبي عبيدة بن الجراح: "إنه لابدَّ لي من أعوان"، فقال عمر: "أنا أكفيك القضاء"، والثاني قال: "أنا أكفيك بيت المال". وظلَّ عمر في سدة القضاء بالمدينة مدة سنة كاملة، لم يختصم إليه أحد خلالها، حتى جاء في يوم إلى أبي بكر طالباً منه إعفاءه من القضاء، فسأله أبو بكر مستغرباً: "أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟"، فأجابه عمر:
«لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟»





مبايعته بالخلافة


تخطيط لاسم عمر بن الخطاب.


عندما اشتدَّ على أبي بكر مرض موته، جمع كبار الصحابة وقال لهم: "إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتاً، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتعفَّفون، فيرى كل منهم في الآخر قدرة أكبر على تولي مسؤولية الخلافة، فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة: "أرنا يا خليفة رسول الله رأيك"، قال: "فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده".
وبعد فترة من التفكير استدعى أبو بكر الصحابي عبد الرحمن بن عوف وقال له: "أخبرني عمر؟"، فأجابه: "إنه أفضل من رأيك إلا أنّ فيه غلظة"، فقال أبو بكر: "ذلك لأنه يراني رفيقاً، ولو أفضي الأمر إليه لتركَ كثيراً ممَّا هو عليه، وقد رمَّقتُهُ فكنتُ إذا غضبتُ على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنتُ له أراني الشدّة عليه". ثم دعا عثمان بن عفّان، وقاله له كذاك: "أخبرني عن عمر"، فقال: "سريرته خير من علانيّته، وليس فينا مثله"، فقال أبو بكر للاثنين: "لا تذكرا ممَّا قلتُ لكما شيئاً، ولو تركته ما عدوتُ عثمان، والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئاً، ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً وكنتُ فيمن مضى من سلفكم".
ثم جاء طلحة بن عبيد الله إلى أبي بكر وقال له غاضباً: "استخلفتَ على النّاس عمر وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنتَ معه، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك!"، فقال أبو بكر: "أجلسوني" فأجلسوه، ثم أجابه: "أبالله تخوّفني! إذا لقيتُ ربي فسألني قلتُ: استخلفت على أهلك خير أهلك".
وبعد ذلك استدعى أبو بكر عثمان بن عفان مجدداً، فقال له: "اكتب: ، هذا ما عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد..." لكن أغميَ عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه، فكتب عثمان: "أمَّا بعد فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً". وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: "اقرأ عليّ"، فقرأ عثمان، وعندما انتهى كبَّر أبو بكر وقال: "أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن مُتُّ في غشيتي؟"، قال: "نعم"، فقال: "جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله".
وبعد أن كتبَ العهد أمر أبو بكر أن يُقرَأ على الناس، فجمعهم وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر للناس: "أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يألكم نصحاً"، فهدأ الناس وتوقَّفوا عن الكلام، ولم يعترضوا بعد سماع العهد. ثم جاءهم أبو بكر وقال: "أترضون بما استخلفتُ عليكم؟ فإني ما استخلفتُ عليكم ذا قرابة، وإنّي قد استخلفتُ عليكم عمرَ فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما آلوت من جهد الرأي"، فردَّ الناس: "سمعنا وأطعنا". ثم أحضر أبو بكر عمر وقال له: "إنّي قد استخلفتك على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم"، ثم أوصاه بتقوى الله، وخطبَ فيه خطبة قدَّمَ له فيها الكثير من الوصايا والنصائح.
توفّي أبو بكر بعد ذلك بأيام، وعندما دفن وقف عمر وخطب في الناس قائلاً: "إنَّما مَثَل العرب مثل جمل آنف اتَّبعَ قائده فلينظر حيث يقوده، وأمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق!".





فتح الشام

بدأ الفتح الإسلامي للشام في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، الذي قرَّر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش خالد بن سعيد بن العاص المُعسكر في أرض تيماء، فوزَّع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة، ووجَّه كلاً منها إلى جزء مختلف من بلاد الشام، قوام كلٍّ منها حوالي 8,000 مقاتل. فكان الجيش الأول بقيادة شرحبيل بن حسنة ووجهته وادي الأردن في جنوبيّ الشام، والجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق، والجيش الثالث بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص ووجهته فلسطين. وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقلّين إن لم تكن هناك حاجة للاجتماع، فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميراً على المناطق التي يفتحها، أما إن اقتضت الضرورة الاجتماع فإن القائد سيكون أبا عبيدة بن الجراح. لكن عندما بلغت الجيوش الإسلامية الشام وجدت جيوشاً ضخمة جداً للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها، فلمَّا سمع المسلمون بذلك قرَّروا الاتحاد، فاجتمعت جيوشهم باليرموك، وطلبوا المزيد من المدد، فأمر أبو بكر خالداً بن الوليد بالسير إليهم بنصف جنوده من العراق. فسار خالد إليهم عبر بادية الشام، وفي طريقه هزم الغساسنة في معركة مرج راهط، وفتح مدينة بصرى.وبعد أن فتح خالد بصرى، توجَّه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق، فحاصرها، لكن هنا وصلته أنباء حشد الروم في أجنادين، فانسحب وجمع جيوشه كلها هناك، فبلغ عدد المسلمين 33,000 مقاتل وبلغ عدد الروم 100,000، فدارت معركة أجنادين التي هزم فيها الروم وقتل قائدهم وردان.
توفي أبو بكر خلال هذه المرحلة، وأعقبه عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد عن قيادة الجيوش الفاتحة. فقد كان أبو بكر قد عيَّن خالداً قائداً عاماً لجيوش المسلمين في الشام، غير أن عمر لم يرضَ بذلك لئلا يفتتن به المسلمون لانتصاراته المتوالية على الأعداء، فكان من أول ما فعله عمر بعد توليه أمور الخلافة أن كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح يعلمه بوفاة أبي بكر (ولم يُعلِم خالداً بذلك)، وكان يريد عزل خالد على الفور، حتى أنه رويَ عنه أنه قال في خالد: "لا يلي لي عملاً أبداً". وبعدها أرسل عمر كتاباً آخر إلى أبي عبيدة يُعلِمه فيه بعزل خالد عن قيادة الجيوش وتعيينه مكانه، لكنَّ المؤرخين اختلفوا حول متى بالضبط وصل إلى أبي عبيدة الأمر بعزل خالد. فيقول ابن إسحاق أن ذلك كان خلال حصار دمشق في شهر رجب من سنة 14 هـ، إلا أن أبا عبيدة استحى فلم يُعلم خالداً حتى انتهى الحصار وتم الفتح، فيما يذهب سيف بن عمر إلى أن ذلك كان خلال معركة اليرموك عندما كان القتال لا يزال محتدماً بين الروم والمسلمين، بينما قال المدائني، أن أمر العزل جاء حين كان المسلمون يقاتلون الروم بالياقوصة في شهر رجب.
بعد ذلك توجَّه أبو عبيدة مع خالد لحصار دمشق، وتمكّنا من فتحها في هذه الأثناء وصلتهما أنباء تجمُّع جيش كبير من الروم في مدينة بعلبك، وأنه يسير جنوباً إلى فلسطين للقاء جيشي عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة المؤلفين من 5,300 جندي. فقرر أبو عبيدة وخالد السير إليهما بسرعة بجيشهما المؤلف من 27,000 مقاتل، وسبق خالد أبا عبيدة على رأس 1,500 فارس لضرورة السرعة اجتمعت جيوش المسلمين وجيوش الروم قرب موقع فحل جنوبي الشام، فدارت بعض المفاوضات قبل المعركة، غير أنها لم تؤدّ إلى شيء. والتقى الجيشان في 28 من ذي القعدة سنة 13 هـ (23 يناير 653 م)، حوالي 32,000 من المسلمين ضد ما بين 50,000 و80,000 من الروم، وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، وقال ابن الأثير عن المعركة "فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ، فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد". وبعد ذلك ولَّى أبو عبيدة بعض قادته على دمشق وفلسطين والأردن، وسار مع خالد نحو حمص ففتحاها، ثم إلى سهل البقاع وفتحا خلال ذلك مدينة بعلبك صلحاً.
عاد الروم إلى حشد جيش ضخم من 240,000 مقاتل، هذه المرة في منطقة اليرموك بالأردن، وكان ذلك في سنة 13 هـ، وأما المسلمون فقد كان عددهم 27,000، ومع التسعة آلاف جندي الذين جاء بهم خالد ليصبحوا 36,000 جندي. ودارت هناك معركة اليرموك الشهيرة، التي بدأت في الخامس من رجب سنة 15 هـ، واستمرَّت مدة 6 أيام كاملة انتهت أخيراً بهزيمة الروم ومقتل قائدهم باهان.وقيل أن عدد قتلى الروم في اليرموك والياقوصة بعد طلوع الشمس عقب نهاية آخر أيام المعركة كان 120,000 قتيل، وأما المسلمون فحوالي 3,000 قتيل.
بعد المعركة انقسمت جيوش المسلمين إلى أربعة ألوية مجدداً، فتولى كل لواء فتح منطقة من الشام.فخرج يزيد بن أبي سفيان من دمشق، لفتح صيدا وعرقة وجبيل وبيروت، ووخرج عمرو بن العاص من فلسطين ففتح نابلس وعمواس وبيت جبرين ورفح وعسقلان، وفتح شرحبيل ما تبقّى من الأردن. وأما أبو عبيدة وخالد فقد سارا إلى مدينة حمص، فحاصراها وفتحاها مجدداً (حيث كانا قد تركاها وأعادا لأهلها الجزية خلال انسحابهما من تقدُّم جيوش الروم قبل اليرموك)، ثم أتبعاه بفتح حماة واللاذقية.وبعدها خاضوا مع الروم معركة قنسرين، وبعد أن انتصروا بها سارا إلى حلب وفتحاها، وأخيراً فتحا أنطاكية في أقصى شمال الشام.

رسم إفرنجي يُظهر بناء مسجد عمر بالقدس بعد الفتح الإسلامي.




مسجد عمر بن الخطاب في القدس ، بُني حيث صلّى عمر أثناء مكوثه في المدينة بعد فتحها.


بعد فتح رفح، توجَّه عمرو بن العاص بجيشه أخيراً إلى القدس، ومكث يحاصرها طويلاً، ثم كاد ييأس من فتحها نظراً لحصانتها الشديدة، فاستدعى أبا عبيدة، فجاءه ومعه المدد، ثم انضمَّ إليهما شرحبيل من الأردن، وأخيراً جاء خالد من قنسرين لينضمَّ إلى الحصار وطال الحصار شهوراً كثيرة دون جدوى، حتى قرَّر واليها الاستسلام أخيراً، لكنه طلب شرطاً أخيراً، وهو أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه إلى المدينة ويفتحها، فقال لأبي عبيدة: "نحن نصالِحُك... فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا العهد، وهو يسامحنا ويكتب لنا الأمان". فكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بذلك الشرط، فاستشار عمر كبار الصحابة، غير أنهم اختلفوا، وانقسموا إلى فريقين أساسيَّين، واحد على رأسه عثمان بن عفان يرى عدم الاستجابة وحصار المدينة حتى استسلامها، والثاني وعلى رأسه علي بن أبي طالب يرى أنه ما من ضير في القبول، وقد قرَّر عمر الانحياز إلى رأي عليٍّ والقبول بالعرض. وتختلف الروايات التاريخية حول الهيئة التي جاء عمر بها إلى القدس، فتقول بعضها أنه جاء على رأس جيش كبير، وتقول أخرى أنه كان يرتدي ملابس مرقعة ويركب جملاً واحداً يتناوب عليه مع غلام، فلمَّا اقترب من المدينة كان دوره في المشي على الأرض ومرَّ على مخاضة، وعندما رآه والي الروم دهش من منظره، كما تذكر روايات أخرى أنه جاء بمظهر عاديٍّ ليس متفاخراً ولا متواضعاً أكثر من اللازم. وعقبَ وصول عمر إلى المدينة تسلَّم مفاتيحها، ودخلها فاتحاً، فعقد مع أهلها الصلح وأعطاهم الأمان، وكان ذلك في سنة 15 هـ. وقد دخل عمر القدس في المساء، فلمَّا دخل المسجد الأقصى قال "لبيك اللهمَّ لبيك، بما هو أحب إليك"، ثم ذهب إلى محراب داود وصلَّى فيه، ولم يلبث أن طلع الفجر، فأمر المؤذن بإقامة الصلاة ثم تقدَّم وأمَّ بالفاتحين.





فتح كامل العراق وفارس



معارك خالد بن الوليد في فتح العراق.



مسجد عمر بن الخطاب بدومة الجندل.


مهَّدت لفتح العراق وفارس غارات صغيرة كان يشنُّها المثنى بن حارثة الشيباني عقبَ انتهاء حروب الردة على أطراف الإمبراطورية الساسانية. قرَّر أبو بكر تسيير جيوش المسلمين إلى العراق لفتحها، ووضع خطَّة مفادها أن ينطلق جيشان إسلاميَّان من جنوب وشمال العراق، فيطبقان عليها ويلتقيان بالحيرة التي كانت آنذاك تعد عاصمة البلاد. فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد في شهر محرم سنة 12 هـ وهو باليمامة بعد أن فرغ من قتال مسيلمة الكذاب أثناء حروب الردة، وأمره بالسَّير إلى العراق، وألا يُكره أحداً ممن قاتلوا معه في اليمامة على المجيء. وبعد أن وصلت إلى خالد تعزيزات كثيرة كان قد طلبها من أبي بكر، وصل إلى العراق ومعه 18,000 جنديّ. من جهة أخرى، أمر أبو بكر عياض بن غنم بالسير إلى دومة الجندل،فيأتي هو من الشمال وخالد من الجنوب، ويُطبِقان معاً على الحيرة. وبدأ خالد بدخول العراق، فخاضَ معارك كثيرة متتالية ضدَّ الفرس كان النصر حليفه فيها جميعاً، في ذات السلاسل والمذار والولجة وأُليس والمقرّ، وأخيراً، حاصر الحيرة وفتحها في شهر ربيع الأول من سنة 12 هـ نفسها. وفُتِحَت الأنبار تباعاً، ثم التقى خالد الفرس في معركة عين التمر التي ربحها خلال دقائق.وأما عياض بن غنم فقد قضى في حصار دومة الجندل نصف سنة تقريباً دون أن يتمكَّن منها، فجاءه خالد بعد فراغه من عين التمر، ودارت معركة دومة الجندل بينه وبين حامية المدينة، التي انتهت بفتحها في 24 من رجب سنة 12 هـ.[ كانت معركة الفراض آخر معركة لخالد بن الوليد في العراق، وبعدها سار إلى الشام عقب تلقّيه أمر أبي بكر بالتوجُّه إلى هناك لمساعدة المسلمين في معركة اليرموك.
ذهب خالد بنصف الجيش، وبقي النص الثاني في يد المثنى بن حارثة، الذي حلَّ مكانه في القيادة. وقد تزامن ذلك مع فتنة في البلاط الفارسيّ خلَّفها مقتل شيرويه ملك الفرس بالمدائن، وبدأ الملوك يتاولون على الدولة الفارسية فيخلعون الواحد تلو الآخر. وفي هذا الوقت، أرسل أحد ملوك الفرس جيشاً لقتال المسلمين، فالتقى المثنى بن حارثة مع الجيش الفارسي في موقعة بابل في ربيع الأول سنة 13 هـ، وانتصر على الفرس. لكن تغيَّر ميزان القوى عندما قام وال فارسيّ يُسمَّى رستم بانقلاب على أحد الأكاسرة، منهياً فترة الاضطراب ومستبداً بالحكم. فخرج المثنى في أواسط سنة 13 هـ إلى المدينة، ليقابل أبا بكر ويحكي له عن أحوال ساحة القتال، ويطلب منه المدد والعون لاستكمال الفتح. غير أن المثنى وصل المدينة وأبو بكر على فراش الموت، فلمَّا حكى له ما أراده قال أبو بكر: "عليَّ بعمر"، فجاء عمر، فأوصاه أبو بكر بأن يندب الناس (يدعوهم إلى الخروج للقتال) مع المثنى كل يوم. وتوفيَّ أبو بكر بعد تلك الحادثة بأيام.
ما إن انتهى دفن أبو بكر حتى وقف عمر ومعه المثنى يخطب في الناس ويدعوهم إلى الانضمام لجيوش المسلمين لقتال الفرس، فخطب فيهم في آخر ليلة وفاته قائلاً: "الصلاة جامعة"، فتجمَّع من حوله الناس، لكن ما إن دعاهم إلى التطوع للقتال حتى تفرَّقوا مجدداً دون أن يجيبوا دعوته. ثم حاولَ مجدداً بعد صلاة الفجر، واستمرَّ على تلك الحال ثلاثة أيام متتالية دون جدوى، حيث كان العرب يهابون الفرس بشدة ويخشونهم كثيراً. ولمَّا كان اليوم الرابع وقف المثنى في المسجد النبوي، فخطبَ فيهم، وحدَّثهم عن ما حققه المسلمون من انتصارات على الفرس في العراق ثم قام عمر وخطب بدوره، وهنا صاح رجل: "أنا لها!"، وكان أبو عبيد الثقفي، ثم بدأ الناس يتطوَّعون الواحد تلو الآخر، حتى اجتمع لدى عمر والمثنى 1,000 رجل. وتولَّى أبو عبيد قيادة الجيش، فيما سبقه المثنى وعاد مسرعًا إلى جيوشه في الحيرة. اتجه أبو عبيد إلى العراق، وانتصر على الفرس في معركة النمارق والسقاطية وباقسثيا، التي دارت كلُّها خلال تسعة أيام فقط. لكنه هزم في موقعة الجسر وقتل فيها، ولم يُنقَذ جيش المسلمين إلا وقفة المثنى على الجسر وهو يقاتل الفرس، حتى عبر كل المسلمين إلى الجانب الآخر. أبيد نصف الجيش في المعركة، ولم يبقى منه سوى 2,000 مقاتل.
أُرسل إلى عمر رسول يروي له أحداث الجبهة، وهو يخطب بالناس، فبكى وتأثر، وخطب فيهم يُحمِّسهم. ثم أعلن النفير العام في الجزيرة العربية، وأخذ يتنقَّل بين القبائل يحثها على التطوع للقتال، واجتمع له أخيراً 4,000 متطوع،فأرسلهم إلى العراق، وهناك خاض المثنى معركة البويب ضد جيش فارسي جرار قوامه 70,000 جندي، وانتصر بها. أرسل المثنى بعد ذلك يطلب المزيد من المدد لأن الفرس بدأوا يحشدون للقتال، لكنه توفيَّ بعد ذلك بفترة قصيرة، وكانت وصيته للقائد الذي يخلفه: "لا تقاتل الفرس إلا على أبواب الصحراء" وأعلنَ النفير العام مجدداً، فأرسل عمر من يدعو إلى القتال إلى كل أنحاء الجزيرة العربية، واجتمع له مجدداً 4,000 مقاتل، جمعهم في مكان قرب المدينة يسمى صرار وبعد أن اجتمع الرجال عند عمر، أخذ يفكر في من سيوليه قيادة الحملة إلى العراق، فاحتار كثيراً، حتى وصله كتاب من سعد بن أبي وقاص، حيث كان قد عُيِّن لجمع الصدقات بنجد، فقال له عبد الرحمن بن عوف "وجدتَه!"، قال عمر: "فمن؟"، قال: "الأسد عادياً!"، فكانت رسالة سعد تذكرة لعمر، بقائده سعد. مشى عمر مع الحملة وودَّع الجنود وخطب فيهم، ثم أوصى سعد بالتوقف في زرود ودعوة الناس للخروج معه. وبينما وصل سعد زرود في شتاء سنة 14 هـ، أخذ عمر يوجه كل طاقته للحشد للحرب، فأخذ يدور على قبائل العرب ويدعوها للقتال ويجمع الناس ويرسل الإمدادات تباعاً إلى سعد، وأخذ يستخدم كل الوجهاء والخطباء والشعراء لتحريض الناس على الفرس، وكان يقول خلال ذلك: "والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب". وبعد أن التقت وتجمَّعت كل الجيوش والإمدادات، بلغ قوام الجيش الإسلامي المتجه إلى فارس 32,000 مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي يدخل بلاد فارس حتى ذلك الحين.
بلغ تعداد قوات الفرس في المقابل 120,000 رجل و70 فيلاً، وكان التقاء الجيشين في أرض القادسية. سبقت المعركة بعض المقابلات والمفاوضات بين رسل من المسلمين ورستم، غير أنها لم تؤدي إلى شيء، ثم اندلعت المعركة الفاصلة في فتوحات فارس، المسمَّاة بمعركة القادسية. استمرَّ القتال أربعة أيام على أشده، فلما جاء اليوم الرابع قتل رستم وهزم الفرس وكانت تلك نهاية المعركة. وبلغ عدد قتلى الفرس بنهاية المعركة 40,000 قتيل، وأما المسلمون فحوالي 6,000 قتيل.
بعد القادسية، كانت جيوش المسلمين تقف على مسافة 30 كيلومتراً فحسب من المدائن عاصمة الفرس، وبإبادتهم الجيش الفارسيّ في المعركة لم تبقى أي جيوش تحول بينهم وبين العاصمة. ومكثوا فترة في القادسية، حتى جاءهم الأمر من عمر بالتوجه إلى المدائن. حاصر سعد المدائن مدة شهرين، حتى استسلمت فدخلها المسلمون، وهرب كسرى الفرس، ووجد المسلمون داخلها ثروات هائلة. غير أن بقايا جيوش الفرس عادت للتجمُّع في موقعين أساسيَّين، هما جلولاء وتكريت، فانقسم المسلمون ثلاثة جيوش حسب أوامر عمر، الأول بقيادة هاشم بن عتبة الذي مني بالنصر في معركة جلولاء وفتح حلوان، والثاني بقيادة عبد الله بن المعتم الذي نجح في فتح تكريت والموصل، والثالث بقيادة عتبة بن غزوان الذي نجح في فتح الأبلة وسائر الأحواز.
بعد فتح جلولاء فرَّ يزدجرد إلى مرو، وجعلها عاصمة الفرس الجديدة، وبدأ بحشد الجيوش من كل أصقاع فارس لوقف تقدم المسلمين. وسار إليهم جيش المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن، والتقيا قرب مدينة نهاوند في سنة 21 هـ، حوالي 30,000 رجل من المسلمين و150,000 من الفرس. وبعد يوم من القتال الحامي هزم الفرس وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، فأطلقوا على معركة نهاوند فتح الفتوح، حيث لم يجتمع الفرس بعدها أبداً. ووصلت عمر أخبار الفتح فسرَّ سروراً عظيماً، غير أنه بكى عندما سمع بمقتل النعمان وصحابة آخرين خلال المعركة. بعد نهاوند توالت فتوحات بلاد فارس، ففتحت همذان فأصبهان فالري فجرجان فطبرستان فأذربيجان فخراسان فكرمان فمكران فسجستان. وبذلك كانت نهاية الدولة الساسانية وزوالها، وفتح المسلمين لجميع مناطقها السابقة.









عام الرمادة وطاعون عمواس

كانت سنة 639م الموافقة لعام 18 هـ، سيئة على الدولة الإسلامية التي تعرضت لنكبتين: المجاعة في المدينة المنورة والطاعون في بلاد الشام. وقيل حدث ذلك آخر سنة 17 هـ الموافقة لذات العام الميلادي سالف الذكر. عمّ الجدب أرض الحجاز واسودت الأرض من قلّة المطر فمال لونها إلى الرمادي مدة تسعة أشهر فسميت "عام الرمادة". والتجأ المسلمون إلى المدينة المنورة، فأخذ عمر بن الخطاب يُخفف عنهم، وكتب إلى أبي موسى الأشعري بالبصرة فبعث إليه قافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات، ثم قدِم أبو عبيدة بن الجراح من الشام ومعه أربعة آلاف راحلة تحمل طعامًا فوزعها على الأحياء حول المدينة المنورة. فخفف ذلك من الضائقة بعد أن هلك كثير من المسلمين.
أما الطاعون فبدأ في عمواس، وهي قرب بيت المقدس، فسُمي "طاعون عمواس"، ثم انتشر في بلاد الشام. وكان عمر بن الخطاب يهم بدخول الشام وقتها، فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارًا منه»، فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة. حاول عمر بن الخطاب إخراج أبا عبيدة بن الجراح من الشام حتى لا يُصاب بالطاعون فطلبه إليه، لكن أبا عُبيدة أدرك مراده واعتذر عن الحضور حتى يبقى مع جنده، فبكى عمر. ويبدو أن الطاعون انتشر بصورة مريعة، عقب المعارك التي حدثت في بلاد الشام، فرغم أن المسلمين كانوا يدفنون قتلاهم، فإن عشرات آلاف القتلى من البيزنطيين بقيت جثثهم في ميادين القتال من غير أن تُدفن، حيث لم تجد جيوشهم المنهزمة دائمًا الوقت الكافي لدفن القتلى. استمر هذا الطاعون شهرًا، مما أدى إلى وفاة خمسة وعشرين ألفًا من المسلمين وقيل ثلاثين ألفًا، بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم: أبو عبيدة بن الجراح وقد دُفن في "عمتا" وهي قرية بغور بيسان، ومعاذ بن جبل ومعه ابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبو جندل بن سهيل. وقيل أن الطاعون أصاب البصرة أيضًا فمات بشر كثير.
وبعد انحسار طاعون عمواس، خرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة متجهًا نحو بلاد الشام عن طريق أيلة. فلمّا وصلها قسّم الأرزاق وسمّى الشواتي والصوائف وسدّ فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس على السواحل ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها. ثم قسم مواريث الذين ماتوا، بعد أن حار أمراء الجند فيما لديهم من المواريث بسبب كثرة الموتى. وطابت قلوب المسلمين بقدومه بعد أن كان العدو قد طمع فيهم أثناء الطاعون.





فتح مصر

كثرت الأقوال حول السنة التي فتحت فيها مصر، فوردت في كتب التاريخ سنوات 16 و 20 و 21 و 22 و 25 هـ، وقد كان ذلك عندما سمح عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص بالتوجه إلى مصر بعد انتهائه من فتح الشام، وذلك بعد إلحاح طويل من عمرو ودخل عمرو مصر على رأس 4,000 رجل، فكان أول ما فتحه هو حصن الفرما بعد حصار دام شهراً، ونفس الأمر في بلبيس، ثم سار إلى أم دنين بعد أن أمده عمر بأربعة آلاف آخرين، وانتصر قربها في معركة عين شمس. ثم سار إلى حصن بابليون، أقوى الحصون الحدودية في مصر آنذاك، وفرض عليه حصاراً دام نصف سنة كاملة. وأخيراً وبعد أن تسلق الأسوار الزبير بن العوام، وفتح الحصن من الداخل تمكن المسلمون من دخوله، وفُتِحَ حصن بابليون. وبعد فتح الحصن بنى المسلمون مدينة الفسطاط قربه. ثم سار عمرو إلى الإسكندرية، وفرض عليها حصاراً دام ثلاثة شهور حتى فٌتِحَت عنوة، وبفتح الإسكندرية كان قد تمَّ فتح مصر، ووليها عمرو ثم عبد الله بن سعد بن أبي السرح من بعده.



فتح برقة وطرابلس الغرب

بعد أن أتمَّ عمرو بن العاص فتح الإسكندرية سار إلى إقليم برقة، الواقع اليوم شرق ليبيا. وأرسل بداية عقبة بن نافع ليستطلع الأوضاع ويعطيه تقريراً عن المنطقة، ثم فتح برقة بسهولة وسرعة، وصالح أهلها على جزية يدفعونها له مقدارها 13,000 دينار، وكان ذلك في سنة 22 هـ. ثمَّ فرَّق عمرو قواته وأرسلهم إلى مختلفة أجزاء برقة ومحيطها، فأرسل عبد الله بن الزبير إلى مصراتة وعقبة بن نافع إلى زويلة (ثم عينه قائداً لحامية برقة) وبسر بن أرطاة إلى ودان، فنجحوا في فتح كل هذه المدن. وأخيراً سار عمرو إلى طرابلس الغرب وحاصرها لمدة شهر، غير أنه لم يتمكن من فتحها، حتى تمكن بعض جنوده من اقتحام المدينة، ففرَّ الروم إلى سفنهم للهرب، ودخل جيشه المدينة وفتحها. وفتحت معها المناطق المحيطة بها مثل غريان والزاوية وسائر جبل نفوسة. وبعد طرابلس سار عمرو إلى سبرة، ففتحها هي الأخرى، وتم بذلك فتح ليبيا. غير أن عمر لم يأذن له بالسير أكثر حتى إفريقية، فعاد عمرو إلى مصر.





إدارة الدولة

يُعتبر عمر بن الخطاب أحد عباقرة السياسة والإدارة في التاريخ الإسلامي خصوصًا والعالمي عمومًا. فقد اتسعت حدود الدولة الإسلامية خلال عهده اتساعًا عظيمًا جعله يُقدم على إنشاء تنظيم إداري فعّال لابقائها متماسكة وموحدة، وقد استتبع هذا الأمر تنظيم وإنشاء عدّة مرافق مهمة لم تعرفها العرب من قبل، أو عرفتها ولكن على نحو ضيّق بسبب طبيعة حياة الناس داخل شبه الجزيرة قبل الفتوح الإسلامية. ومن مآثر عمر بن الخطاب الأخرى توسيعه وترميمه للمسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج بعد أن اعتنق الكثير من رعايا الشام والعراق ومصر وغيرها الإسلام.



التنظيمات السياسية والإدارية

اتسعت أقاليم الدولة الإسلامية الأولى، نتيجة انتشار المسلمين في الأقاليم المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، لذلك عمد عمر بن الخطاب إلى تقسيم الأمصار المفتوحة إلى خمس مناطق كبيرة تنقسم بدورها إلى ولايات، وهي: العراق (الأحواز، الكوفة، البصرة)، فارس (سجستان ومكران وكرمان، طبرستان، خراسان)، الشام (قسم قاعدته حمص، وقسم قاعدته دمشق)، فلسطين (قسم قاعدته أيلة وقسم قادته الرملة)، أفريقية (صعيد مصر، مصر السفلى، غرب مصر، وصحراء ليبيا). أما في شبه الجزيرة العربية فأبقى على تقسيمها كما فعل أبو بكر الصديق، واستمرت تضم اثنتي عشر ولاية، هي: مكة المكرمة، المدينة المنورة، الطائف، صنعاء، حضرموت، خولان، زبيد، مرقع، الجند، نجران، جرش، والبحرين. كما قسّم الخليفة ولايات الشام إلى مقاطعات عدة دُعي كل منها جُندًا، وهي: جند قنسرين، جند دمشق، جند حمص، جند الأردن، وجند فلسطين. وكان عمر يختار لكلِّ إقليم واليًا، وكان يختارهم ممن يَتَوَسَّم فيهم الصلاح والمقْدرة على إدارة شؤون الولاية، والقِيام بالمهام المُلْقاة على عواتقِهم. وكان عمر يوصِي أولئك الوُلاةَ بحُسْن معامَلة الرعية، والرِّفْق بهم، وعدم تكْليفهم فوق طاقتهم، ويحملهم مسؤولية تطْبيق شرائع الإسلام وسُننه؛ فقال مُوَضِّحًا واجباتِهم: «أيُّها الناس، إنِّي والله ما أرسل إليكم عمَّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أعْشاركم؛ ولكن أرسلهم ليعلِّموكم دينكم وسُننكم، فمَن فُعل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعه إليَّ، فوالَّذي نفس عمر بيده، لأقتصّنَّ له منه». كذلك كان لعمر مُفوَّضون رسميُّون يسافِرُون إلى الأمصار، ويراجعون أعمال الوُلاة، وكان على رأس أولئك المفتِّشين محمد بن مسلمة، وهو رجلٌ حازم فائق الأمانة. وحرصًا منه على استقرار الوُلاة، وعدم انشغالهم بأمْرٍ غير الولاية؛ فقد أجْرى عليهم مرتباتٍ من شأنِها أن تعينَهم على التفرُّغ لعَمَلِهم المنوط بهم، ومثال ذلك: أنه أجْرى على عمار - والي الكوفة - ستمائة درهم، له ولكاتبه ومؤذِّنيه كلَّ شهر، وأجْرى على عثمان بن حنيف رُبع شاة وخمسة دراهم كل يوم، مع عطائه - وكان خمسةَ آلاف درهم - وأجْرى على عبد الله بن مسعود مائة درهم في كل شهر وربع شاة كل يوم.
يُشير بعض المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب اتبع نظام المركزية الإدارية في حكمه للدولة الإسلامية، أي أن حكومته المركزية القائمة في المدينة المنورة كانت تقوم وحدها بالوظيفة الإدارية، دون مشاطرة الهيئات الأخرى لها في ذلك. فقيل أن ظروف الدولة الإسلامية في عهد عمر فرضت أسلوبَ المركزية في الحكم؛ بل إن عمر قد سلك أسلوبًا مركزيًّا متطرِّفًا، يكاد لا يوجد له مثيل في التاريخ. وأن هيمنته في العاصمة لم تتوقف على الأمور العسكرية فحسب؛ بل امتدَّت إلى الشؤون المدنيَّة، ومن ذلك استئذان المسلمين الخليفةَ في طريقة بناء المساكن في المدن الجديدة، وحرص الخليفة على أن يُحاط علمًا بأقاليم الدولة التي لم يذهب إليها. وقد ردّ باحثون آخرون على هذا الرأي بقولهم أن كتب السيرة والتاريخ كما حفظت كتبًا يوجِّه بها عمر عمَّاله وقُواده، ويتابع أعمالهم - فقد حفظت كذلك آثارًا يفوِّض فيها عمرُ الرأيَ لعمَّاله وقواده؛ لكي يتصرفوا في مواجهة المواقف، بما تقتضيه هذه المواقف. ومن ذلك قوله لمحمد بن مسلمة: «إن أكمل الرجال رأيًا مَن إذا لم يكن عنده عهْد من صاحبه، عمل بالحزم، أو قال به»، وقوله لمعاوية بن أبي سفيان حين بيَّن له أسباب اتِّخاذه مظاهرَ الملك: «لا آمرك ولا أنهاك»، وردُّه على أبي عبيدة حين استشاره في دخول الدروب خلف العدو بقوله: «أنت الشاهد وأنا الغائب، وأنت بحضرة عدوِّك، وعيونُك يأتونك بالأخبار»، إلى غير ذلك من النصوص التي تدلُّ على أن عمر بن الخطاب كان ينتهج المنهج اللامركزي في الإدارة، وليس معنى ذلك أنه قد رفع يده كلية عن الولايات الأخرى؛ بل إن من حقه وواجبه الإشرافَ على هذه الولايات ومراقبتها في الحدود الشرعية.

نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا في خلافة عمر بن الخطاب. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وأضاف عمرُ نقش البسملة عليها.


نشأت الدواوين في عهد عمر بن الخطاب نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية، واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية في الأقاليم والتعرف على حضارتها، فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه ملائمًا للاقتباس، كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد. وقد اخْتُلف في تحديد نشأة الديوان؛ فيحدده الطبري بالعام الخامس عشر للهجرة، بينما يذكره الماوردي في الأحكام السلطانية في العام العشرين. ومن الدواوين التي أوجدها عمر: ديوان الإنشاء، وهو ديوان الرسائل، ليكون بذلك أوّل من وضع هذا الديوان في الإسلام ثم أنشأ ديوان العطاء وديوان الجند الذي سجَّل فيه أسماء المقاتلين، ووجهتهم، ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم، وديوان الجباية الهادف إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها، وذلك بعد أن وردت الأموال الكثيرة إلى المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية بعد فتح الشام والعراق، فأشار خالد بن الوليد وقيل الهرمزان وقيل الوليد بن هشام بن المغيرة بإنشاء مثل هذه الدواوين لإحصاء الأموال وطريقة توزيعها. وكان ذلك تمهيدًا لإنشاء "بيت المال" أو "ديوان الأموال" الذي يمكن اعتباره بمثابة أول وزارة للمال في الإسلام. وقد اهتمَّ عمر بالأموال الواردة للدولة، وكان حريصًا جدًّا على المحافظة عليها، وإعطائها لمستحقيها، وقد كان يتعامل معها كما يتعامل والي اليتيم مع ماله، فلا يأخذ منه إلا كما يأخذ أدنى رجل من المسلمين. وأبقى عمر على النقود الذهبية والفضية التي كانت متداولة وعليها نقوش مسيحية أو فارسية، لكنه أضاف إلى هذه النقود البيزنطية والفارسية كلمة "جائز" ليميزها عن النقود الزائفة. ومع ذلك يعتبر عمر أول من ضرب النقود في الإسلام سنة 639م، الموافقة لسنة 18 هـ، معتمدًا النقش الفارسي وأضاف إليها "الحمد لله" وفي بعضها "لا إله إلا الله" وعلى جزء منها اسم "عمر".


كان البريد موجودًا منذ تأسيس الدولة في المدينة المنورة، حيث كان النبي محمد يبعث الرسل إلى الملوك والأمراء ومعهم الكتب ممهورة بخاتمه. وقد رتّب عمر البريد بعد أن اتسعت هذه الدولة ليسهل عملية الاتصال بين المدينة المنورة والعمال وقادة الجيش في العراق وفارس والشام ومصر، فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام يحثه على استعمال النار في الإشارات لنقل الرسائل والأخبار وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقد لها. وقسّم الطرق إلى محطات بريدية بين الواحدة والأخرى مسافة اثني عشر ميلاً، وفي كل منها الحرس والزاد والماء.
أما الخطوة الأخيرة في تنظيمات عمر بن الخطاب الإدارية، فكانت تكريس نظام الشورى، عملاً بالأمر الديني في القرآن: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، و﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، والتي كانت دعوة صريحة لالتزام المشورة. وفي الحديث النبوي: «اسْتَشِرْ، فَإِنَّ الْمُسْتَشِيرَ مُعَانٌ، وَالْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ»، و«مَا سَعِدَ أَحَدٌ بِرَأْيِهِ وَلا شَقِيَ مَعَ مَشُورَةٍ»،و«مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم». لذلك تمسك عمر بن الخطاب بمبدأ الشورى، وفي ذلك يقول: "لا خير في أمر أُبرم من غير شورى"، واتبع القرآن والسنة النبوية في ذلك، فأبقى إلى جانبه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في كل مسألة لا يوجد فيها نص أو حديث. وعلى هذا الأساس منع هؤلاء الصحابة من مغادرة المدينة المنورة إلا بإذن وبأجل محدد، وذلك ليتمكن من استشارتهم ولمساندته في دعم نظام الحكم القائم أساسًا على الشورى. وكان عمر يستشير الرجال، وكان أيضًا يستشير النساء، حيث كان يقدم الشفاء بنت عبد الله العدوية في الرأي، ويرضى عن رأيها.





تنظيم الجيش

أدرك عمر بن الخطاب أهمية الجيش في نشر الإسلام، لذلك أوجد فرقًا نظامية تُقدّر كل منها بأربعة آلاف فارس لترابط في كل مصر من الأمصار. وهذا يعني تأسيس جيش نظامي ثابت يُقدّر بإثني وثلاثين ألف فارس عدا المشاة والمتطوعين، مما يكفل حماية الدولة، ونظّم الرتب في الجيش مثل "أمير الجيش" على عشرة آلاف أو تزيد، و"أمير الكردوس" على ألف، و"القائد" على مئة. كان العرب يُشكلون قوام الجيش في بداية عهد عمر بن الخطاب، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، انضم إليهم عدد من الفرس والروم والقبط الذين اعتنقوا الإسلام، وعرف الجيش الإسلامي خلال هذا العهد استخدام أسلحة الحصار التي اقتبست عن الروم، ومنها المنجنيق وأبراج الحصار والدبابة وأكباش الدك. وأصدر عمر أيضًا أمرًا بوجوب تعلّم الجنود ركوب الخيل والرماية والمشي حفاة والسباحة، وأنشأ مراكزًا عسكرية في المدينة والكوفة والبصرة والموصل والفسطاط ودمشق والأردن وفلسطين، بُنيت فيها ثكنات مخصصة لإقامة العساكر، كما شُيدت اصطبلات كبيرة يأوي كل منها قرابة أربعة آلاف حصان مخصصة لدعم الجند عند الحاجة. بالإضافة إلى المراكز العسكرية، أنشأ الخليفة معسكرات في المدن الكبيرة والأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية. وكان عمر يكره ركوب البحر ونهى قوّاده عن القتال فيه، وقد قام بعزل العلاء بن الحضرمي والي البحرين لأنه ركب البحر في اثني عشر ألفًا غازيًا بلاد فارس. كما أنشأ عمر ديوان الجند وكفل للجنود معيشتهم ومعيشة عائلاتهم، مقابل انصرافهم إلى أعمال الجندية





الشرطة والأمن

يعتبر عمر بن الخطاب أول من أنشأ حبسًا خاصًا بالمتهمين بعد أن كان هؤلاء يُعزلون في المسجد، وعُرف هذا الحبس باسم "السجن". كما كان أول من أدخل نظام العسس للتجول والمراقبة ليلاً من أجل مساعدة القاضي في إثبات التهم وتنفيذ الأحكام ضد المذنبين، ويُعتبر هذا النظام بمثابة النواة التي قامت عليها فيما بعد "الشرطة"، ويتولاها صاحب الشرطة. وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو عبد الله بن مسعود، فهو أول عسّاس في الإسلام، و"العسس" اسم مشتق كما تورده بعض المصادر من "عسَّ يَعُسُّ عَسَساً وعَسّاً أَي طاف بالليل".





القضاء

ولم يُهمل عمر بن الخطاب القضاء، فكان يتولَّى الفصل بين الناس، وتطبيق الحدود والأحكام، ولمّا توسَّعَتِ الدولة واختلط العربُ بسكان البلاد المفتوحة، وازدادَتِ القضايا في هذه الأمصار - تعذَّر على الخليفة النظرُ فيها، وكذلك الولاة، فعمل عمر بن الخطاب على فصل القضاء عن الولاية، وشرع في تعيين القضاة في البلاد المفتوحة، فولَّى أبا الدرداء قضاءَ المدينة، وشريحًا الكندي قضاء الكوفة، وعثمانَ بن أبي العاص قضاء مصر، وأبا موسى الأشعري قضاء البصرة، وقد أجرى عمر عليهم الرواتب، فجعل للقاضي سليمان بن ربيعة خمسمائة درهم في كل شهر، وجعل لشريح مائةَ درهم ومؤْنته من الحنطة. وكان عمر يحث القضاة على إحقاق الحق، وإقامة العدل بين الناس؛ مما دفع القضاةَ إلى العمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بحذافيرها. كما سن عمر لهؤلاء القضاة دستوراً يسيرون على هديه في الأحكام، وقد لبث هذا الدستور مرجعاً للقضاء





الحسبة

يرى بعض المؤرخين أن الحِسبة نشأتْ في عهد عمر بن الخطاب، حيث وضع أُسسَها واختصاصاتِها، وكان يقوم بها بنفسه، ثم أوكلها إلى رجل، أطلق عليه لقب "المحتسب". بينما يرى آخرون أنها نشأت في عهد الرسول محمد. والحسبة هي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يُعَيِّنُ لذلك مَنْ يراه أهلاً له. وكانت مهمة المحتسب تتمثل في: مراعاة أحكام الشَّرع، وإقامة الشعائر الدينية، والمحافظة عليها، والنظر في أرباب البهائم، ومراقبة مَن يتصدَّر لتفسير القرآن الكريم، والنظر في الآداب العامة، وفي البيوع الفاسدة في السوق، والموازين والمكاييل. وبهذا فقد تعدت الحسبة معناها وهدفها الديني إلى واجبات عملية مادِّيَّة تتَّفق مع المصالح العامَّة للمسلمين.



التقويم الهجري

كان النبي محمد قد أمر بالتأريخ بعد قدومه إلى يثرب. وقد حدث هذا التأريخ منذ العام الأول للهجرة، وعلى هذا الأساس كان النبي يُرسل الكتب الممهورة بخاتمه إلى الملوك والأمراء ورؤساء القبائل المختلفة. وما فعله عمر بن الخطاب كان منع الخلاف حول التأريخ، ومما ذُكر في سبب اعتماد عمر للتاريخ أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: "أرخ بالمبعث"، وبعضهم: "أرخ بالهجرة"، فقال عمر: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل"، فأرخوا بها"، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان، فقال عمر: "بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم"، فاتفقوا عليه. وفي رواية أخرى أن أحدهم رفع صكًا لعمر محله شهر شعبان، فقال: «أي شعبان، الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول ديونهم»، فيُقال إنه أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك، ومنهم من قال: "أرخوا بتاريخ الروم من زمان الإسكندر"، فكرهوا ذلك، وقال قائلون: "أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال آخرون: "من مبعثه عليه السلام"، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث. فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة الرسول وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها.



اغتياله

كان عدد من الفرس الذين بقوا على المجوسية يضمرون الحقد والكراهية لقائد الدولة الإسلامية التي دحرت جيوشهم وقضت على إمبراطوريتهم واسعة الأطراف، ففي شهر أكتوبر من سنة 644 اتجه عمر لأداء الحج في مكة حيث يُعتقد أن مخططي الاغتيال اتبعوه حتى جبل عرفة، حيث سُمع صوت يهتف أن عمرَ لن يقف مرة أخرى على الجبل، وفي رواية أخرى شوهد رجل وهو يهتف أن هذا حج الخليفة الأخير، وفي أخرى أن إحدى الجمرات أصابت رأس ابن الخطاب خلال الرجم وسُمع صوت أحدهم يقول أنه لن يحج مجددًا. وفي جميع الأحوال، يتفق المؤرخون أنه بعد عودة عمر بن الخطاب إلى المدينة المنورة طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يُصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء 26 ذي الحجة سنة 23 هـ، الموافقة لسنة 644 م، ثم حُمل إلى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع الشمس. وحاول المسلمون القبض على القاتل فطعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك ألقى رداءًا كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه وشعر أنه مأخوذ لا محالة فطعن نفسه منتحرًا. وبذلك دفن أبو لؤلؤة فيروز الفارسي، أخبار المؤامرة والدوافع إليها، فاختلفت الروايات حسب ما يستنتجه المؤرخون.
من أبرز الروايات والاستنتاجات التي قيلت حول حادثة اغتيال عمر بن الخطاب، أن الأخير كان قد حرّم على المشركين الذين بلغوا الحلم أن يدخلوا المدينة المنورة لما انطوت عليه قلوبهم من ضغائن وأحقاد ضد الإسلام، ولكن المغيرة بن شعبة عامله على الكوفة كتب إليه يطلب منه الإذن بدخول غلام له اسمه فيروز، ويُكنى بأبا لؤلؤة، لينتفع به المسلمون لأنه كان يتقن عدة صناعات فهو حداد ونجار ونقاش فوافق عمر، وذات يوم اشتكى أبو لؤلؤة لعمر أن المغيرة يفرض عليه خراجًا كبيرًا، فلما سمع منه عمر قال له أن خراجك ليس بالكبير على ما تقوم به من أعمال، فاغتاظ أبو لؤلؤة المجوسي من ذلك، وأضمر الشر والحقد عدة أيام ثم ترجمه بطعن الخليفة. ويستند القائلون بهذه الرواية إلى القصة التي تقول أن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو رجل صالح ثقة، شهد أنه رأى الهرمزان وفيروز وجفينة النصراني ليلة الحادث يتشاورون فلما فوجئوا به اضطربوا وسقط منهم خنجرًا ذو نصلان وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر أنه نفس الخنجر الذي طعن به عمر أما الهرمزان فكان من ملوك المجوس الفرس على منطقة الأحواز، وقد أسره المسلمون وعفا عمر عنه بعد نكثه العهد مرارًا، وكان الحقد يملأ قلبه لأنه فقد ملكه، وعندما شعر بالخطر أظهر الإسلام، ولكن الناس كانوا يشكون في إسلامه. وأما جفينة النصراني فهو من مسيحيي الحيرة أرسله سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ليعلم أبناءها القراءة والكتابة. وقال بعض المؤرخين أنه كان لليهود دور في المؤامرة، واستدلوا على ذلك بأن كعب الأحبار، وكان يهوديًا من أهل اليمن أسلم في عهد عمر وأفاض على الناس من أخبار الإسرائيليات، وترجع كثير من إسرائيليات التفسير لروايته، فلما جاء كعب هذا لعمر قبل مقتله بثلاثة أيام، فقال له: «يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام»، فقال عمر: «وما يدريك؟»، قال: «أجد في كتاب الله عز وجل التوراة»، قال عمر: «الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟»، قال: «اللهم لا ولكني أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فنى أجلك». وهذه الرواية إن صحت تجعل الكثير يشكون في كون كعب هذا خلع في المؤامرة لكن هذه الرواية على الأغلب لم تصح.



الشورى وإستخلاف خليفته


منظر أمامي لحجرة عائشة حيث دفن عمر بن الخطاب بجانب الرسول محمد وأبو بكر.


مما لا شك فيه أن عمر بن الخطاب أثبت مدى حكمته وهو على فراش الموت، عندما أرسى القاعدة الأساسية في الحكم، والتي دعا الإسلام إليها على أساس مبدأ الشورى. وكان عمر يفكر في البداية في أبو عبيدة بن الجراح أو سالم مولى أبي حذيفة ولكنهما توفيا قبله وقال: «لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيًا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أنه أمين هذه الأمة"، ولو كان سالم مولى أبي حُذيفة حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أن سالمًا شديد الحب لله"»، فقال له أحد المسلمين: "استخلف ابنك عبد الله". فقال: «قاتلك الله، والله ما أردت الله بذلك، ويحك لا إرب لنا في أموركم، ما حمدتها لنفسي فأرغبها لواحد من أهل بيتي، إن كان خيرًا فقد أصبنا منه، وإن كان شرًا فحسب آل عمر أن يُحاسب منهم رجلٌ واحد ويُسأل عن أمر أمة محمد. لقد أجهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت لا عليَّ ولا لي، فإني إذا لسعيد.»
بناءً على هذا أوصى عمر أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص ورفض تسمية أحدهم بنفسه قائلًا: «واللَّه، ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلّا شدّتك وغلظتك، مع أنّك رجلُ حربٍ! وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلّا أنّك فرعون هذه الاُمّة! وما يمنعني منك يا زبير إلّا أنّك مؤمن الرضى، كافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إلّا نَخْوته وكِبْره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته! وما يمنعني منك يا عثمان إلّا عصبيّتك وحبّك قومَك وأهلَك! وما يمنعني منك يا عليّ إلّا حرصك عليها! وإنّك أحرى القوم، إن وُلِّيتها، أن تقيم على الحقّ المبين، والصراط المستقيم». ولم يذكر عمر بن الخطاب في الشورى، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رغم أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وذلك لكونه ابن عمه. كما أمر بحضور ابنه عبد الله مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيءًا، ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. مات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة، وقد استطاع في هذه الفترة القصيرة أن يُرسي قواعد الدولة الإسلامية الأولى التي أنشأها النبي محمد.



ما بعد الحادثة

اجتمع أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة، وقيل في حجرة عائشة، وقيل في بيت المال. ثم انحصر الأمر بين ثلاثة بعد أن فوّض الزبير ما يستحقه إلى علي، وفوّض سعد ما له إلى عبد الرحمن، وترك طلحة حقه إلى عثمان. ثم انخلع عبد الرحمن بن عوف ليختار بين اثنين: علي وعثمان، فأخذ يستشير المسلمين سرًا وجهرًا، فرادى ومثنى ومجتمعين، مدة ثلاثة أيام بلياليها. ثم اجتمع المسلمون في المسجد، ووقف عبد الرحمن بن عوف تحت المنبر وبايع عثمان بن عفان ثم بايعه علي بن أبي طالب والمسلمون في 3 محرم سنة 24 هـ، الموافقة لسنة 644م.





شخصية عمر بن الخطاب

هيئته الخارجية

كان عمر بن الخطاب أبيض البشرة تعلوه حمرة، وقيل أنه صار أسمر في عام الرمادة حيث أصابته مع المسلمين مجاعة شديدة. وكان حسن الخدين، أصلع الرأس. له لحية مقدمتها طويلة وتخف عند العارضيان وقد كان يخضبها بالحناء وله شارب طويل. وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء لشدة خشيته من الله، أما شاربه فقيل أنه كان طويلاً من أطرافه وقد روى الطبراني، قال: «حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا إسحق بن عيسى الطباع قال: "رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك فقال حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ"» وكان طويلاً جسيماً تصل قدماه إلى الأرض إذا ركب الفرس يظهر كأنه واقف وكان أعسرًا سريع المشي.





في السياسة


الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد عمر بن الخطاب.


يُعتبر عمر بن الخطاب أحد أبرز عباقرة السياسة عبر التاريخ، وفي إحدى الاستبيانات احتل المرتبة الثانية والخمسين ضمن قائمة أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ البشرية. كان عمر لا يتعاطى السياسة خلال عهد النبي محمد، أما بعد وفاة الأخير، أظهر عمر حنكة وبراعة في شؤون السياسة، فكان له الفضل في جعل الكثير من الصحابة يُبايعون أبا بكر بالخلافة، وكان طيلة عهده يعاونه في شؤون الحكم وإدارة الدولة المتنامية يومًا بعد يوم. وبعد وفاة أبو بكر ومبايعة عمر الخلافة، استطاع أن يكسب تأييد الكثير من القبائل البدوية بعد أن أطلق سراح جميع سجنائهم الذين اعتقلوا خلال حروب الردة. وكان لمهارته في الخطابة أثر كبير في ازدياد شعبيته بين الناس، وبالأخص الطبقات الفقيرة والمحرومة في المجتمع الإسلامي الفتيّ. أثبت عمر بن الخطاب كفائته في إدارة شؤون الدولة خلال عام القحط الذي وقعت البلاد خلاله في مجاعة عظيمة، فتمكن بفضل اتباعه لأساليب فعّآلة ديناميكية من إنقاذ ملايين الأشخاص من الموت. وأكثر ما يشهد لابن الخطاب ببراعته في حكم الدولة، إنشائه لبنيان إداري متين تمكن بواسطته من حكم دولة مترامية الأطراف ومتعددة القوميات، وإبقائها متماسكة موحدة لفترة استمرت سنين طويلة بعد وفاته، وكذلك إعجاب وتعلّق أبناء الأراضي المفتوحة حديثًا به لانتهاجه سياسة التسامح الديني التي يدعو إليها القرآن، مع أهل الكتاب خاصةً، ولفرضه ضرائب عليهم أقل مما كانوا يدفعونه للحكام الروم والفرس خلال العهد السابق للإسلام، ولإبقائه عدد من حكّام الولايات من أهل تلك البلاد في مناصبهم، ولمنعه الاقتتال بين الطوائف الدينية الكتابية. وكان عمر بن الخطاب شديدًا مع عمال الدولة الإسلامية، فكان يوصيهم بأهالي الأقاليم خيرًا، فيروي الطبري أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فقال: «اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي». وكان إذا استعمل العمال على الأقاليم خرج معهم يشيعهم ويوصيهم فيقول: «إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا أشعارهم، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا من رواية محمد وأنا شريككم».
وكان عمر بن الخطاب يُتابع أمور الدولة بنفسه على الدوام، فلم يكتفي بأن يحسن اختيار عماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره لهم: "خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار". كما استمر يطلب منهم على الدوام أن يرسلوا وفدًا من أهل البلاد ليسألهم عن بلادهم، عن الخراج المفروض عليهم ليتأكد بذلك من عدم ظلمهم، ويطلب شهادتهم. ومن شدّة حرصه على إقامة العدل في البلاد، فكّر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصيًّا لمراقبة العمال، ويتفقد أحوال الرعية، وقال: «لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يرفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين». كما كان عمر بن الخطاب يخشى انتشار كبار الصحابة في المناطق التي انتشر فيها الإسلام حيث إغراء الدنيا بامتلاك الضياع وافتتان المسلمين بهم مما يوفر لكل منهم الأرض والمال والأتباع فيكون لنفسه دولة داخل الدولة، فتضيع بذلك الخلافة وينقسم المسلمون. لذلك كان يقول لهم: "إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها". وكان هذا هو السبب وراء عزل عمر لخالد بن الوليد بعد أن فُتن الناس به وتحدثوا عن انتصاراته في الشام والعراق، فتغنّى الشعراء بفعاله، فوهبهم خالد من ماله وأغدق عليهم، ولمّا بلغه أن الخليفة عزله، اتجه للمدينة المنورة للقاء عمر، محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره، ونُقل عنه أنه قال: «إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة.»



عسكريته


السيف ذو الوشاح سيف عمر بن الخطاب.




اشتهر عمر بن الخطاب بقوته البدنية الهائلة، فكان إذا ضرب أوجع، يُصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وقد طغت عليه هذه السمعة أكثر مما طغت عليه سمعته كمبارز بالسيف، لكن أكثر ما اشتهر به في كتب التاريخ كان استراتيجياته العسكرية الباهرة، التي وضعته ضمن قائمة أبرز العسكريين في التاريخ. لعب عمر وخالد بن الوليد دور أساسي في رسم الاستراتيجية العسكرية لجيوش المسلمين خلال حروب الردة، لكن عبقرية الأول العسكرية لم تتجلى إلا عام 636م عندما تمكن من تفكيك الحلف الفارسي البيزنطي، بعد أن أبرم الإمبراطور هرقل والشاه يزدجرد الثالث اتفاقًا تعاهدا خلاله على السير معًا ومواجهة المسلمين عدوهم المشترك. وقد استغل عمر بن الخطاب عدم مقدرة الشاه الفارسي على الوصول بجيوشه في فترة متزامنة مع وصول جيش الروم، فهاجمهم ودفعهم إلى القتال وهم ما زالوا غير مستعدين. وقد فعل ذلك عبر دفعه بفرق صغيرة من الجنود إلى خطوط الجيش البيزنطي، واستمر يفعل ذلك حتى بدا للروم وكأن سيلاً متدفقًا من الإمدادات يصل تباعًا إلى المسلمين، فانقضوا عليهم على الرغم من ممناعة الإمبراطور هرقل، فوقعوا في الفخ الذي نُصب لهم، وتم الفوز للمسلمين. كذلك أقدم عمر على نقل قسم من جيش الشام إلى العراق حتى يلقى جحافل الفرس إلى جانب جيش العراق، وقد أثبتت هذه الخطة مدى كفائتها عندما أنزل جنود الشام المخضرمين هزيمة قاسية بالفرس في معركة القادسية الحاسمة.
كان لاستراتيجية عمر بن الخطاب وبعد نظره أثر كبير في فوز المسلمين خلال معركة حمص الثانية سنة 638 م، عندما قام مسيحيو الجزيرة الفراتية من العرب، بمهاجمة جناح الجيش الإسلامي بمعاونة الروم، فأخذوا المسلمين على حين غرّة ثم ضربوا الحصار على المدينة. فأمر عمر بتحريك جيش العراق وفتح بلاد نصارى العرب المُشاركين في الهجوم، أي الجزيرة، ليُشتت قواتهم ويُفرقها، فهاجم المسلمون تلك البلاد، مما جعل المُحاصرن يلتفتون ناحية وطنهم للدفاع عنه، لكن عمرَ أرسل إلى سعد بن أبي وقاص قائد جيش العراق أن يُرسل إلى حمص مددًا عسكريًا ليضغط على العدو ويُشتت قواتهم أكثر فأكثر، وقد أقدم على قيادة فرقة عسكرية بنفسه وسار بها من المدينة المنورة إلى حمص، ولمّا بلغ مسامع المحاصرين قدوم تلك الأعداد الهائلة من الجنود، انسحبوا عائدين إلى ديارهم، فتمكن المسلمون من الحفاظ على حمص وفتحوا قسمًا من بلاد مابين النهرين وأرمينية.
يُعد فتح جميع أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية أهم إنجازات عمر بن الخطاب العسكرية على الإطلاق. كان عمر بن الخطاب قد هادن الفرس بضع سنوات جعل خلالها من جبال زاغروس الحد الفاصل بين أراضي الدولة الإسلامية والإمبراطورية الفارسية، وبعد أن استراح الجيش وعاود الجنود استعدادهم، أمر الخليفة بمهاجمة الفرس مجددًا، فتمكن المسلمون من هزيمتهم الهزيمة الكبرى في معركة نهاوند، ثم انطلقوا يفتحون جميع المدن والقلاع الحصينة، وكانت استراتيجية ابن الخطاب تتمثل في مهاجمة الأهداف مرارًا وتكرارًا من عدّة جوانب حتى تسقط، وقد تمكن من فتح تخوم الإمبراطورية عبر مهاجمته مركزها أولاً، فعزل بذلك أذربيجان وفارس الشرقية، ثم أصدر اوامره بالهجوم عليها، فسقطت دون عناء كبير، ثم حوّل أنظاره إلى سیستان وكرمان وفتحها، عازلاً بذلك خراسان. وفي المرحلة الأخيرة من فتح فارس، هاجم المسلمون خراسان وهزموا الفرس آخر هزيمة على ضفاف نهر جيحون، وهرب الشاه يزدجرد الثالث إلى آسيا الوسطى.





مواقفه وآراءه

يشتهر عمر بن الخطّاب عند أهل السنة والجماعة بكونه رجل مواقف، وصاحب أقوال وآراء بارزة ومهمة، فيرون أنه كان دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته، بل إنه ليشعر بوطأة المسؤولية عليه حتى تجاه البهائم العجماء فيقول: «والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسؤولاً عنها أمام الله، وأخاف أن يسألني الله عنها: "لماذا لم تفتح لها الطريق يا عمر؟"»، ومن شدّة شعوره بالمسؤولية عن رعيته، حلف لما اشتد الجوع بالناس في عام الرمادة أن لا يأتدم بالسمن حتى يفتح على المسلمين عامه هذا، فصار إذا أكل خبز الشعير والتمر بغير أدم يقرقر بطنه في المجلس فيضع يده عليه ويقول : «إن شئت قرقر وإن شئت لا تقرقر، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على المسلمين». وكان عمر يأمر قادته في الجهاد ألا يغزوا بالمسلمين، ولا ينزلوهم منزل هلكة، وقد خطب في ولاته في إحدى المرات فقال: «اعلموا أنه لا حلم أحب إلى الله تعالى، ولا أعم من حلم إمام ورفيقه، وأنه ليس أبغض إلى الله ولا أعم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يرزق العافية فيمن هو دونه». وبلغ من درجة شعوره بالمسؤولية أنه لم يكن ينام إلا قليلاً، فكان ينعس وهو قاعد فقيل له: "يا أمير المؤمنين ألا تنام؟"، فقال: «كيف أنام؟ إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين، وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل».
يرى أهل السنة والجماعة أن عمرَ كان رجلاً إيجابيًا، والإيجابية هي التفاعل مع الأحداث، والتأثير في سيرها، وعدم السكوت عن الفعل الشاذ، ومن هذا التعريف يستدلون على إيجابيته، فكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويسعى للتغيير بكل الوسائل المتاحة، ما لم تتعارض مع دينه وعقيدته، ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة، وإن لم يكن ذلك مطلوبًا منه. وكان كذلك رجلاً متواضعًا يعيش، كما أبا بكر قبله، وعثمان وعلي بعده، حياةً بعيدة عن الأبّهة والترف، وكان يصرف على نفسه بما يربحه من التجارة، ولم يتخذ لنفسه قصرًا أو ملبسًا فاخرًا، ولم يعش حياة الملوك، ومن أبرز القصص التي يُستدل بها على ذلك، الرواية الشهيرة التي تقول أن رسولاً من الفرس اتجه إلى المدينة المنورة ليرى كيف يعيش ملكها وكيف يتعامل مع شعبه، ولمّا وصل واستدل على بيت الخليفة، وجده مبنيًا من طين وعليه شعر ماعز وضعه عمر لكي لا يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأولاده، ولمّا سأل عن الخليفة، أشار الناس إلى رجل نائم تحت ظل شجرة، وفي ثوبه عدد من الرقع، وبدون أي حراسة، فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر كسرى فارس وقصوره وحرسه وخدمه فقال قولته المشهورة: «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر». كذلك يعتبر السنّة عمر بن الخطاب أحد أكثر الرجال عدلاً في التاريخ، ويؤكدون اعتقادهم بما نُقل عن الرسول محمد من أحاديث، منها ما رواه الإمام أحمد بن حنبل بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"». وما ورد في موطأ الإمام مالك بن أنس بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ:

إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: "وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ". فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: "وَمَا يُدْرِيكَ؟" فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: "إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ"
ومن القصص الأخرى التي وردت عن عدل عمر بن الخطاب، أن رجلاً قبطيًا أتاه يومًا من مصر يشكو إليه ضرب أحد أبناء عمرو بن العاص لابنه الذي كان يعمل في خدمته، عندما كانا يتسابقان على ظهر الخيل، معتمدًا على سلطان والده عمرو والي مصر. فقرر الرجل رفع الأمر إلى خليفة المسلمين الذي سمع بعدله مع الجميع، حتى يأخذ بحق ولده، ولمّا تبين لعمر صحة كلامه، كتب إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة بصحبة ابنه، فلما حضر الجميع أمامه، ناول عمر الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له عمر: «لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه»، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟». يعدّ أهل السنّة عمر أيضًا أحد أكثر الرجال بعدًا للنظر، ومن أشهر الروايات التي يستدلون بها على ذلك، تلك التي جاء فيها تصرفه عندما كان في زيارة لكنيسة القيامة في القدس. فبعد فتح المدينة، دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القيامة، فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له "أين أصلي؟"، فقال "مكانك صلِ"، فقال: «ما كان لعمر أن يُصلّي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا». وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى. فيعتبرون أن عمر خاف من نشوب صراع بين المسلمين والمسيحيين على ملكية الكنيسة من بعده، وأن يكون لهذا الصراع نتائج لا تُحمد عُقباها، فيؤدي ذلك إلى تشويه صورة الإسلام وأهله.





اللقب والكنية

الفاروق

لقبه "الفاروق" وكنيته "أبو حفص"، أما كنيته، فقد قيل أن الرسول محمد كنّاه بذلك يوم بدر ويرجع سبب إطلاق المسلمين السنّة لقب "الفاروق" على عمر ابن الخطاب، لأنه حسب الروايات أنه أظهر الإسلام في مكة وفرّق بين الحق والباطل. وكان الناس يهابونه، فعندما آمن وجاء إلى الرسول في دار الأرقم بن ابي الارقم قال له: «ألسنا على حق؟» قال: «بلى» قال: «والذي بعثك بالحق لنخرجن». وخرج المسلمون في صفين صف يتقدمه حمزة بن عبد المطلب وصف يتقدمه عمر فيعتبرون أن فرق الله به بين الكفر والإيمان. وقيل أول من سماه بذلك النبي محمد. فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق وأبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن عباس أنه قال:
«سألت عمر رضي الله عنه "لأي شيء سميت الفاروق؟" قال: "أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام"، فقلت: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قلت: "أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قالت أختي: "هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا"، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: "مالكم؟" قالوا: "عمر"، قال: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره فما تمالك أن وقع على ركبته"، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر؟" قال: "فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". قال: "فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد"، قال: "فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟" قال: "بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، قال: "فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"، فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: "فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله يومئذ الفاروق. وفرق الله بين الحق والباطل."»
وروى الطبري في تاريخه، وابن أبي شيبة في تاريخ المدينة وابن سعد وابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة عن أبي عمرو ذكوان قال:« "قلت لعائشة: "من سمى عمر الفاروق؟" قالت: النبي صلى الله عليه وسلم".» وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق والمتقي الهندي في كنز العمال عن النزال بن سبرة قال: «وافقنا من علي يومًا أطيب نفسًا ومزاجًا فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: "ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل"» وقيل سماه به أهل الكتاب. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: « قال ابن شهاب: "بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئاً ولم يبلغنا"» وقيل سماه به جبريل عليه السلام، رواه البغوي.



أمير المؤمنين

على خلاف مع الشيعة، يرى أهل السنة أن عمر بن الخطاب أول من سُمي بأمير المؤمنين، فبعد وفاة النبي محمد خلفه أبو بكر والذي كان يُلقب بخليفة رسول الله كما يروي ذلك أهل السنة. فلما توفي أبو بكر أوصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب، فقيل لعمر "خليفة خليفة رسول الله". فاعترض عمر على ذلك قائلاً: «فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء» فقال بعض أصحاب الرسول: «نحن المؤمنون وعمر أميرنا». فدُعي عمر أمير المؤمنين..
وروى البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم: أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة : لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، من أول من كتب: أمير المؤمنين؟ فقال: «حدثتني جدتي الشفاء، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها، قالت: "كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: يا عمرو، استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وإنه الأمير، ونحن المؤمنون"». فجرى الكتاب من ذلك اليوم. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام": قال الزهري: "أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة".
في حين يرى الشيعة على أن علي بن أبي طالب هو أول من لقب بأمير المؤمنين. ويُروى كذلك أن عبد الله بن جحش الأسدي هو أول من سُمي بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه فيها النبي محمد إلى نخلة حسب الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة



زوجاته وذريته

ذرية عمر بن الخطاب وزوجاته.



تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام وله ثلاثة عشر ولدًا، أما نسائه فهن:
قبل الإسلام
  • قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية، أخت أم سلمة، بقيت قريبة على شركها، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزلت الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وذلك بعد صلح الحديبية فطلّقها ثم تزوجها معاوية بن أبي سفيان وكان مشركاً، ثم طلقها. ولم يرد أنها ولدت لعمر.
  • أم كلثوم مليكة بنت جرول الخزاعية: تزوجها في الجاهلية ولدت له زيدًا، وعبيد الله، ثم طلقها بعد صلح الحديبية بعد نزول الآية: ﴿ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة وهو من قومها وكان مثلها مشركًا.
  • زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية: أخت عثمان بن مظعون، تزوجها بالجاهلية في مكة، ثم أسلما وهاجرا معًا إلى المدينة المنورة ومعهما ابنهما عبد الله بن عمر. وولدت له حفصة وعبد الرحمن وعبد الله.
بعد الإسلام
  • جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية: وهي أخت عاصم بن ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي محمد جميلة، تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولدًا واحدًا في العهد النبوي هو عاصم ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر.
  • عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي العدوية القرشية. وأخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوجة عبد الله بن أبي بكر من قبله، ولدت له ولدًا واحدًا هو عياض بن عمر. تزوجت من الزبير بن العوام بعد وفاة عمر.
  • أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية: كانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فقتل عنها في معركة اليرموك، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر.
  • أم كثلوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية:1. تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشرة للهجرة، وبقيت عنده إلى أن قتل، وهي آخر أزواجه، ونقل الزهري وغيره: أنها ولدت لعمر زيد،ورقية.



الآراء والمواقف حول عمر

نظرة أهل السنة والجماعة


تخطيط لاسم عمر بن الخطاب على إحدى جدران آيا صوفيا.



منظر جانبيّ آخر داخل آيا صوفيا يظهر فيه تخطيط اسم النبيّ محمد وعمر بن الخطاب جنبًا إلى جنب.


يُعدّ عمر بن الخطاب أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، فيعتبرونه أحد أكثر الرجال ورعًا وتقوى، ومن أشد الصحابة حبًا للإسلام ودفاعًا عنه وعن أهله، ومن أكثرهم إخلاصًا له. وهم يقرون بصحة خلافته كما بصحة خلافة باقي الخلفاء الراشدين، ويعتبر أهل السنة أن عمرَ كان مثال القائد الصالح، فلم يتخذ عرشًا ولم يعش حياةً مختلفة عن حياة الناس العاديين ودائمًا ما فضّل مصلحة الأمة الإسلامية على مصلحته الشخصية، وإنه ثالث خير الناس للأمة بعد الرسول محمد وأبي بكر ]، وذلك نقلاً عن علي بن أبي طالب، حيث روى البخاري في صحيحه والترمذي في السنن والطبراني في المعجم الأوسط، عن محمد بن الحنفية (وهو محمد بن علي بن أبي طالب) قال:
«قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: "أبو بكر". قلت: "ثم من؟" قال: "ثم عمر". وخشيت أن يقول عثمان، قلت: "ثم أنت؟" قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين".»
وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عمر ومكانته. ومنها:
  • ما رواه البخاري ومسلم والنسائي والطبراني وأحمد وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فَجّا إلا سلك فَجّا غير فَجّك"-حديث صحيح»
  • وروى البخاري عن أبي هريرة ومسلم عن عائشة أن الرسول قال:
«إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب-حديث صحيح»
  • وروى الطبراني في الكبير (8813/9) بإسناد حسن من طريق زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال:
«إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر، إن إسلامه كان نصرًا، وإن إمارته كانت فتحًا، وأيم الله ما أعلم على الأرض شيئًا إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاه، وأيم الله إني لأحسب بين عينيه ملكًا يسدده ويرشده، وأيم الله إني لأحسب الشيطان يفرق منه أن يحدث في الإسلام حدثا فيرد عليه عمر»
  • وعن طلحة بن عبيد الله قال: «ما كان عمر بأولنا إسلامًا ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة»، خرجه الفضائلي
أحاديث مرفوعة :
  • قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلَالٌ ".





نظرة الشيعة لعنة الله عليهم


تُقسم وجهة النظر الشيعية حول عمر بن الخطاب إلى قسمين: رأي الشيعة الإثنا عشرية ورأي الشيعة الزيدية. أما الإثنا عشرية فنظرتهم إلى ابن الخطاب نظرة سلبية، وهو عندهم منقلب خائن للنبي محمد، ومغتصب لحق علي بن أبي طالب في خلافة المسلمين، وعند بعض المراجع فهو قاتل ابنة الرسول وزوجة الإمام علي، فاطمة الزهراء. وفي هذه الرواية أن عمرَ اتجه إلى دار فاطمة ليأتي بعلي والزبير بن العوام ليبايعا أبا بكر بالخلافة، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: "يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟" قال: "نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة" وقد أشار عدد من علماء الشيعة إلى أن عمر بن الخطاب أضرم النار في الدار وتعرّض لفاطمة بالضرب بعد أن قاومته، الأمر الذي جعلها تجهض حملها وتفارق الحياة بعد فترة، على أنهم اختلفوا في كيفية حصول ذلك على وجه الدقة. كذلك تعتبر الاثنا عشرية أن أوّل من لُقب بالفاروق من قبل النبي محمد هو علي بن أبي طالب. أما الزيدية فنظرتهم إلى عمر بن الخطاب أكثر اعتدلاً، فهم يقرون بصحة خلافته ولا يسبّونه، لكنهم يعتقدون على الرغم من ذلك أن الإمام عليًا أحق بالخلافة، وذلك بناءً على مبدأ خلافة المفضول مع وجود الأفضل.



نظرة المسيحية

من المعروف أن الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، لا تقدم رأيًا في الشخصيات غير الدينية، فموقفها ونظرتها محصورة في أنبياء ومؤسسي الديانات الأخرى، أما أتباعهم وصحابتهم فلا تبدي رأيها بهم غالبًا. غير أن احتكاك المسلمين بالمسيحيين في الشام والعراق ومصر خلال عهد عمر بن الخطاب، ولجوء بعض رجال الدين النصارى إليه شخصيًا ليرفع ظلم الروم عن رعاياهم، جعل بعض المؤرخين المسيحيين يذكرون عمر بن الخطاب بالخير ويحيطونه بالاحترام والتبجيل ونقل البعض أمثال ميخائيل الكبير أنّ رافضي مجمع خلقيدونية رددوا: "المجد لربّ النقمة الذي نجانا على يد الإسماعيليين من البيزنطيين"، ويرى المؤرخ اليسوعي هنري لامنس أن هذا التعاون والترحيب هو ما يفسّر السقوط السريع للشام والعراق البالغ عدد سكانها زهاء أربعة ملايين نسمة بفترة زمنية قصيرة وبعدد قليل نسبيًا من الجنود. وكان لمنح عمر سكان إيلياء "القدس" عهدًا بحماية أماكن عبادتهم وبتوفير الأمان لهم ولأموالهم وبحرية ممارسة شعائرهم الدينية، مقابل دفع الجزية سنويًا لبيت المال، أثر في حصوله على احترام وحب المسيحيين الذين عاصروه، والعديد من الذين تابعوا سيرته في الأجيال اللاحقة.



رأي الغرب

  • قال المؤرخ الأمريكي واشنطن ايرفينجفي كتابه "محمد وخلفاؤه":

إن تاريخ عمر بالكامل يظهر لنا أنه (عمر) كان ذو عقليّة فذّة، ونزاهة ثابتة صلبة، وعدالة صارمة، وكان أكثر من أي أحد آخر هو المؤسس للإمبراطورية الإسلامية، مؤكدا ومنفّذا للوحي النبوي، مساعدا ومشاورا لأبي بكر خلال فترة خلافته القصيرة، وواضعا ومؤسسا للأنظمة واللوائح التي تنظم إدارة القانون عبر حدود وأنحاء الفتوحات الإسلامية الممتدة بسرعة، وقد كانت (سياسة) اليد الصارمة التي تعامل بها مع قادة جيوشه الأكثر شعبية في خضم جيوشهم وفي أبعد مشاهد إنتصاراتهم، أعطت (هذه السياسة) دليلا بارزا على قدرته الاستثنائية على الحكم. من خلال بساطة عاداته وازدرائه لمظاهر البهاء والترف والأبهة، فقد اقتدى بمثال النبي وأبو بكر. وقد سعى بشكل مستمر ليؤثر ويحث قادة جيوشه على التحلي بهذه الصفات والسياسات، ففي رسائله لقادة الجيوش كان يقول: "حذار من الترف الفارسي، سواء في المطعم او في الملبس والزموا عادات بلادكم البسيطة، وسينصركم الله عليهم وسيفتح لكم." وقد كانت عقيدته القوية واقتناعه الراسخ بهذه السياسات هي التي جعلته يتشدد في معاقبة كُلّ أسلوب متباه وإنغماس فاخر في ضبّاطِه. وبالإضافة لذلك، فإن المراسم المتبّعة (في وقته) تشير بالثناء على قلبه بالإضافة إلى عقله، فقد نهى أن تُباع أية امرأة وقعت في الأسر وقد وُلد لها طفل على أنها رقيق، وأما عند توزيع الأعطيات للمسلمين، من الغنائم أو من بيت المال، فقد قسّمها حسب حاجات وليس مميزات الطالبين، وكان يقول: "الله أعطانا هذه الأشياء الدنيوية لسدّ احتياجاتنا، وليس لمكافأة فضائلنا، تلك المكافأة حسابها في الآخرة".

  • ويقول المستشرق الإسكتلندي وليم موير في كتابه "صعود وانحدار الخلافة":

إن حياة عمر لا تتطلب الكثير لإظهار ملامحها، البساطة والواجب كانتا مبادءه التوجيهية، النزاهة والعدل والتفاني كانت الميزات الرائدة في حكمه، وكانت تثقل كاهله مسؤولية الخلافة حتى أنه كان يقول: "يا ليت أمي لم تلدني، او أني كنت قصبا من عشب بدلا من ذلك". كان في صباه ذا مزاج ناري سريع الإتّقاد، ومن ثم عُرف بعد ذلك في الأيام القادمة خلال صحبته الأولى لمحمد كالمحامي الصارم المتأهب للثأر، ومن ذلك نصيحته بأن يقتل أسارى بدر، ولكن التقدم في العمر فضلا عن كاهل المسؤولية قد خففت من حدّته، وكان حسّه بالعدالة قويّا. وباستثناء ما وقع بينه وبين خالد بن الوليد من المشاحنات، فإنه لم يسجَّل عليه أي عمل من الطغيان أو الظلم، وحتى في مسألته مع خالد فإنما كانت معاملته له كخصم في الحق وليس لأهواء شخصية. وكان اختياره لقادة جيوشه خاليا من المحاباة والتفضيلية، وباستثناء عمّار والمغيرة فإن اختياره كان دائما محظوظا. إن القبائل والجماعات المختلفة في أنحاء الإمبراطورية، والتي تمثل المصالح الأكثر تنوعا، قد وضعت في نزاهته الثقة المطلقة، وقد أبقت قبضته القوية على إنضباط القانون والإمبراطورية... كان يجوب شوارع وأسواق المدينة وسوطه بيده، جاهزا لمعاقبة المفترين فورا، وهكذا ظهر المثل "أن درّة عمر (سوطه) مهاب أكثر من سيف غيره". ولكن مع كل هذا، فقد كان رقيق القلب، وسجّلت له أفعال من الشفقة والرحمة لا تعدّ مثل مواساة وتخفيف حاجات الأرامل واليتامى.."

  • وفي كتاب "تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية"، يقول المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون:

ومع ذلك فإن عفّة تواضع عمر لم تكن بأقل مستوى من فضائل أبي بكر، كان طعامه (عمر) يتكون من مجرد التمر أو الخبز، وكان شرابه الماء. وكان يخطب بالناس وعليه ثوب مخرّق في إثني عشر موضعا. وقد رآه المرزبان (حاكم مقاطعة فارسي) عندما أتى زائرا ليؤدي لعمر فروض الطاعة، رآه نائما مع الفقراء المعدمين في أحد طرقات المدينة. إن هذا التواضع والتسامح مقرونا بزيادة الدخل العام (للدولة) مكّن عمر من توزيع الأعطيات على المؤمنين بشكل عادل ومنتظم متجاهلا لمكافأة نفسه. فمثلا أعطى العباس عم الرسول أول وأعلى المخصصات، حوالي خمس وعشرين ألف درهم. وخصص خمسة آلاف للمجاهدين الأولين ممن شهدوا بدرا، أعطى للباقين من أصحاب محمد ثلاثة آلاف درهم لكل منهم. ... خلال خلافته ومن سبقه (أبو بكر) فقد كان فاتحوا الشرق هم عبيد الله المخلصون، كانت الثروات المجتمعة مكرّسة للنفقات، للحرب والسلام، في مزيج حكيم من الغنيمة والعدالة. حافظ هذا على اتحاد وانضباط أهل الصحراء عن طريق سعادة نادرة كوّنت توازنا بين تنفيذ الحكم المطلق والحكم الجمهوري من خلال ثوابت متساوية للكل.





هوامش

  • 1 يختلف علماء السنة والشيعة في مسألة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، إذ أن السنّة يؤكدونها بينما الشيعة ينكرونها. ووفق الرواية السنية فإن عمرَ خطب أم كلثوم وهي صغيرة، فقيل له: "ما تريد إليها؟"، قال: "إني سمعت رسول الله يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي". وروى عبد الله بن أسلم عن جده أن عمر تزوجها فأصدقها أربعين ألفًا. وبهذا فإن السنّة يعتقدون أن عمر تزوج بأم كلثوم حتى يُصبح من أنسباء النبي محمد. ويروى أن عمرَ قال لعلي: "زوجنيها أبا حسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد". قال: "فأنا أبعثها أليك، فإن رضيتها فقد زوجتها". قال: "فبعثها إليه ببرد وقال لها: "قولي له هذا البرد الذي قلت لك"، فقالت له ذلك، فقال: "قولي له قد رضيت الله عنك"، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: "أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك"، ثم مضت إلى أبيها فأخبرته، وقالت: "بعثتني إلى شيخ سوء!" قال: "يا بنية إنه زوجك". ونقل الزهري وغيره أنها ولدت لعمر زيدًا، وقيل ولدت رقية أما الشيعة فقد ذهب عدد من علمائهم إلى أن أم كلثوم زوجة عمر هي بنت جروة لأنه قد ثبت أن أم عبيد الله بن عمر بن الخطاب هي أم كلثوم بنت جروة. فقال قال ابن حبان: «عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي أمه بنت حارثة بن وهب الخزاعي قتل يوم صفين وكان مع معاوية»، وقال ابن حجر: «عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية وهو أخو حارثة بن وهب الصحابي المشهور لأمه ولد في عهد النبي». ويقول بعض علماء الشيعة أنه لو سُلّم جدلاً أن الزواج قد وقع فعمر ظاهره مسلم وعندهم يجوز تزويج المسلم، والزواج في نفسه لا يدل على شيء، وفي كثير من الأحيان الزواج لا يدل على الفضل والمحبة كما في زواج فرعون من آسية بنت مزاحم، فهي كانت مؤمنة، فإن كانت الشريعة في تلك الأزمنة تجوّز زواج الكافر من المسلمة فيمكن القول بأن عمر مسلم ويجوز أن يتزوج من أم كلثوم وهذا لا يدل على أي فضيلة، فعلى سبيل المثال، عندما رأى النبي لوط أن المصلحة المرتبطة بالشريعة تقتضي أن يطلب من قومه وهم كفار، الزواج من بناته، طلب ذلك منهم.






انا عارف ان فية ناس هتقول على المشاركة صغيرة


والله انا عن نفسى عاوز اعمل العشرة المبشرين بالجنة فى مشاركة واحدة

بس الموضوع لية عدد حروف مينفعش ازود عليها

انا مش عارف عدد الحروف دى

ومش عارف انا كتبت منهم قد اية





يتبع












على فكرة انا ممكن اكمل الموضوع دة بكرة لا نة طويل جداااااا وكدة هسهر طول الليل


توقيع ST0P_IM_T0P :


أعترفّ . :$
أن ـالمزاج‘ زفتّ ، و ـالبال تععععبان
ودي ـاششگي همي‘ ،
لگن الششگوى ، لـ غير ـاللـہ مذلــه </.




التعديل الأخير تم بواسطة ST0P_IM_T0P ; 03-09-2013 الساعة 10:24 PM

رد مع اقتباس
إعلانات google

 


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:55 AM.

أقسام المنتدى

الـمـنـتـدى الـعـام @ مـنـاقـشـات عـامـة حـول سيلك رود أون لايـن @ قـسـم الـتـرحـيـب و الـتـعـارف @ صـور سـيـلك رود @ فـيـديـو سـيـلك رود @ أخـبـار سـيـلك رود أون لايـن @ مـنـتـدى لـعـبـة SilkroadOnline @ الـقـسـم الـتـعـلـيـمـى @ قـسـم الاسـئـلـه و الاسـتـفـسـارات حـول الـلـعـبـة @ قـسـم الـبـرامـج الـمـسـاعـدة @ الـمـنـتـدى الادارى @ قـسـم خـاص بـالـمـشـرفـيـن @ قـسـم الـشـكـاوى والاسـتـفـسـارات @ قـسـم الاقـتـراحـات @ قسم البيع والشراء (Gold) @ منتدى البيع( Gold) @ منتدى الشراء (Gold) @ مـنـتـدى الـبـرامـج والـحـمـايــة @ طريق الحرير بالسيرفر الكورى ( Korean SilkRoad ) @ قـسـم الـ AgBot @ منتدى بيع الأكونتات ( Accounts ) @ منتدى بيع اللبس والأسلحة ( Item ) @ منتدى شراء اللبس والأسلحة ( Item ) @ مـنـتـدى الـسـيـرفـرات والـجـايـلـدات الـعـربـيـة @ Flora @ Minerva @ Feronia @ Bellona @ منتدى سـيـرفـرات وجـايـلـدات [ Silkroad Online ] @ قسم المواضيع المكررة و المخالفة @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول البوت @ مـنـتـدى الـبـوتـات والـبـرامـج اللازمـة لـتـشـغـيـل الـلـعـبـة @ قـسـم الـ PhBot @ -== قسم ال T-BOT ==- @ Ceres @ بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود @ سـجـل تـطـويـرات الـمـنـتـدى @ قـسـم الـسـيـرفـرات الـخـاصـة @ القـسـم الإسـلامـى الـعـام @ قـسـم الـحـمـايـة @ آرشـيـف الـمـواضـيـع الـمـمـيـزة @ قـسـم الـ StealthLite Bot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Agbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال StealthLite @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال PHBOT @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال T-BOT @ قـسـم الـ SroKing Bot @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء [ Silkroad Online ] @ Flora @ Ceres @ Bellona @ Minerva @ Feronia @ قـسـم شـهـر رمـضـان الـمـبـارك 2020 @ اخـبـار الـتـقـنـيـة و الـتـكـنـولـوجـيـا @ قســم البــرامج العامــة @ قسم الاسئلة و الاستفسارات الخاصه بالبرامج والحماية @ ECSRO @ ECSRO(Fembria) @ ECSRO(VIP) @ SJSRO (OLD) @ SJSRO (new) @ sunworld @ قـسـم الـ IBot @ قـسـم الـريـاضـة الـعـامـة @ Vsro @ Rusro @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء [ Private-SRO ] @ ZSZC & Aurora @ قـسـم الـ Sbot @ قـسـم الـ Mbot @ V.I.P Zone @ دردشة الاعضاء VIP @ قسم الدعم الفنى والاقتراحات VIP @ قـسـم تـعـديـل [ PK2 Edit ] @ Mysro @ الــمكتبة القرانية @ قسم الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ قسم المكتبة الإسلامية @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال IBOT @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Sbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Mbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Sroking @ Elite & Eroad @ DreamWorld @ قـسـم سـيـرفـرات وجـايـلـدات [ Silkroad-R ] @ Maycena @ قسم الاسئلة و الاستفسارات لعمل السيرفرات الخاصة @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء [ Silkroad-R ] @ مـنـتـدى الـسـيـرفـرات الـخـاصـة - Private SRO @ Perfection @ Ex.Silkroad R @ SroKings @ قـسـم الـتـصـامـيـم والـجـرافـيـكـس @ Other Online Games @ قـسـم S4 League @ قسم CrossFire @ قسم Conquer Online @ قـسـم بـيـع وشـراء LOL @ تـحـمـيـل ألـعـاب Pc Games @ طلبات و استفسارات و مشاكل الالعاب @ Barons Online @ (AriesOnline (Pvp @ QueenSRO Network @ مشاكل & استفسارات S4 League @ مشاكل & استفسارات CrossFire @ World's Gate @ Sun-World @ قسم Aion @ قسم Continent Of The Ninth @ قسم World Of Warcraft @ PanicSro @ الـقـسـم الاخـبـارى @ قـسـم خـاص بـمـواضـيـع الاعـتـزال والاجازات @ IceSro-R @ Kings_Silkroad @ Justice Road @ ArabianRoadOnline Network @ Devias Online @ قـسـم طـلـبـات الـفـحـص @ CrossFire Fantasy Game @ قسم هاكات CrossFire @ مشاكل & استفسارات Aion @ مشاكل & استفسارات Conquer Online @ قسم الاسئله و استفسارات للعبة League Of Legends @ legenD road @ WantedSro Online @ قسم شروحات الشخصيات والبيلدات @ قسم الشروحات و البرامج المستخدمة في عمل السيرفرات الخاصة @ Mixsro @ قـسـم الـمـسـابـقـات والألـعـاب @ قـسـم الأسـئـلـة والاسـتـفـسـارات الـمـتـعـلـقـة بـ SRO-R @ LegenD Road @ Knights War Online @ Evolution Network @ FlagSRO Network @ Perfection (PvP) Network @ قـسـم هـاكـات S4league @ منتدى المنوعات @ حــرب العصــابــات @ قــســم الادارة الــعــلــيــا @ كــأس العالــم لـلاذى @ Destructions Network @ FanTasYWorld @ مـتـجـر خـدمـات وممـيـزات الـرصـيـد الـبـنـكـي @ Smart-Sro Online @ InFusion Online @ قـسـم الأنـمـى الـعـام @ Divine Online @ قـسـم Dota @ تـقـاريـر وأخـبـار ألـعـاب الـ PC @ GameXen Network @ inferno online @ منتدى عمل السيرفرات الخاصة @ قسم الحماية والاوتوايفنت للسيرفرات الخاصه @ الأسئلة و الاستفسارات الخاصة بالـ PK2 edit @ Velestia @ Punisher Sro Online @ Atlantis Online @ ALEXNADER SRO @ Hell World Online @ ImmortalRoad @ قـسـم الـ Centerbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Centerbot @ Time.Sro-Online @ Revenge (PVE) Online @ مـنـتـدى Silkroad4arab || Games Online @ ركن الالعاب الاون لاين و المتصفح Online Games @ قسم دروس التصميم (مونتاج - فوتوشوب) @ قسم ادوات التصميم و ملحقاتها @ قسم المانجا @ قسم تقارير الانمي @ دورة الفوتوشوب للمبتدئين @ الشروحات العامة @ قسم طلبات التعريفات @ مـسـودة الأعـضـاء @ Creddy Online @ Alliance-sro @ Quick Road (PvP ) @ قسم الاسئله والاستفسارات لعمل الفيديو @ منتدى لعبة League Of Legends @ أخبار ومناقشات League Of Legends @ قسم بيع وشراء لعبة CrossFire @ القسم التعليمي للعبة League Of Legends @ منتدى سيرفرات [ LOL ] @ North America @ EU West @ EU Nordic & East @ صـور و فـيـديـو League Of Legends @ قسم طلبات واستفسارات البيلدات والشخصيات @ قسم تقارير المخالفات والإنذارات @ قـسـم كـشـف الـدمـج و الـتـلـغـيـم @ قسم Wolf team @ قسم Dota 2 @ قسم Dragon nest @ قسم DC Universe Online @ قسم انظمة تشغيل Windows @ Quenth Online @ Wolf team Arabic @ RealDreamSro ( PvP ) @ EmpireSRO @ Amazing Sro @ Speed-sro @ . Destructions Network @ SilkRoad E 80 China @ قـسم المــواضـيع الـشعـريه والادبـيـه @ قـسـم اخـبـار الانـمـى @ Greats-sro Online @ قـسـم الـكـومـيـكـس @ منتدى الفحص @ Srowing @ Dakupra-Online @ حرب العصابات @ قسم خاص بالاسئله والاستفسارات الخاصة بالجرافيكس @ منتدى لغات البرمجة و التطوير @ قسم شروحات لغات البرمجة و التطوير @ مناقشات لغات البرمجة و التطوير @ قسم الاسئلة و الاستفسارات الخاصه بلغات البرمجة @ استراحة البوتاتــ @ PantuSRO @ القسم التجارى الرسمي ( Vps Hosting , Diacated server,Silkroad edit ) @ Tyr Online @ RocSro @ Legend Of Silkroad @ Pioneer Gaming-Network @ Valentus - CAP 80 @ MirrorSro @ Eridanus Online Cap90 @ Fear-Sro @ Silkroad-Z Online PVE @ طـلبات الاعضـاء @ Massive-Network @ Kryptonite-Sro @ DeathRoad @ Mysro Servers @ Devils Team @ DooMSRO Network @ EROAD SRO @ Story-SRO @ Ventrue-Online @ Settlers-SRO @ Electus Online @ MarsRoad Online @ Arrow Online @ Selene @ Hermes @ OldSro Online (cap 80 ) @ Sunroad @ Eloys Online @ Sentiero-Road Online @ Steam-Sro @ Arcane Reborn Online @ Eryxonline @ Vengeance Online @ Mirage Online @ SyndiCateOnline @ Desert Sro @ NeSro Network @ قسـم الـ Android @ قســم تــطويـر المــواقع والمــنتديـــات @ قـسـمـ الـلـهــو الـخــفــي @ MegaWar Sro @ Mirror Sro @ AdvancedSRO @ OblivionSilkroad @ Arrivals_Sro @ Amphibius Online @ Royal online @ Forbidden-Sro @ vanish-sro @ Majesty Online @ Chaos Network @ قـسـم الـ srAssist Bot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال srAssist Bot @ Damocles Sro @ Demo Sro @ KingsRoad @ Arius 9D ch & eu @ brother sro @ DreamWorld-Online @ Poseidon-Sro @ Ph-Sro @ Jupiet-Online @ Fury Sro @ JungleSro @ Xemia Games @ invctus-sro @ Revolution Gaming Network @ DemonSro @ Aeolus @ Golden Sro @ Chaos Network @ Chaos II Online @ Fallen Soul @ Xian @ Xian @ Revira online @ قسم اللياقة البدنية @ كاس العالم للاذي 2018 @ Unix Sro @ Immortal SRO @ قـسـم الاغـانـى الـعامة [English - Arabic - Videos] @ قـسـم الـرابــ (Rap) @ أرشـيـف الـمـواضـيـع الـمـمـيـزة @ Perfection SRO @ Rev-Sro @ Egypt Sro @ قـسـم خـاص بالـ Data Base @ قـسـم PUBG Mobile @ قـسـم Fortnite @ PureSRO @ Battle-Online @ قـسـم تـحـمـيـل الأفـلام الـعـربـيـة @ قـسـم الـسـيـرفـرات الـخـاصـة الـمـجـانـى @ URBANO-SRO @ Royalty-Road Online @ Zero-Online @ Anoha 140 PVE @ Anoha 140 PVE @ Exorue 80 CH @ Pantu-SRO @ Victor SRO @ Flare Online @ Aeolian Online @ Maygen Online @ Norges Online @ Ragnis Online @ قـسـم الـ [ ST-FILTER ] @ Requer Online @ الـقـسـم الـتـجـاري لـ ISRO [خاص فقط لبيع منتجات اللعبة الاصلية] @ Dynastic online @ مـنـتـدى الـسـيـرفـيـرات الـتـركـي والـروسـي @ قـسـم سـيـرفـرات وجـايـلـدات الـسـيـرفـر الـتـركـى [TR-SRO] @ Troy @ Smyrna @ Side @ Olympos @ Teos @ Perge @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء الـسـيـرفـر الـتـركـي [ TR-SRO ] @ قـسـم سـيـرفـرات وجـايـلـدات الـسـيـرفـر الـروسـي [ RU-SRO ] @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء الـسـيـرفـر الـروسـى [ RU-SRO ] @ Miele Online @ Old Silkroad - ZSZC @ Paranormal @ Aquarius Online @ T-SRO online @ Glory @ Serv Game @ Roxy Online @ Enfexia Online @ Aege Online CAP 110 @ Florian Online @ SroPace Online @ Elessea Online @ Dream World @ Asona Online @ Victus-R Online @ Rexall Online @ Pirate Online @ Xian @ Sever Games @ ZSC ONLINE @ 4TresSro Online @ Asteria Online @ Liguard Online @ Cripple Online @ Dune Online @ Merv Online 80 @