حفظ بياناتي ؟

1/01/2023

22/05/2024_hema

22/05/2024_hema

END_shaher_01/12/2024

Ahmed_k_nayel_01_12_2024

END_02/12/2024

END 30/12/2024

END 06/12/2024

END 28/12/2024

END 30/12/2024_waiting

END 30/02/2025_Belal

END 06/01/2025

END 12/01/2025

END _14/01/2025_Karuoke

END _14/01/2025_Karuoke

END 18/01/2025

END 18/01/2025

END 20/01/2025_coinY

25/01/2022

QueenSro_01_10_2024

Ahmed_k_nayel_01_12_2024

ibrahim_END 07/1212024

END 30/12/2024

END 12/01/2025

END _14/01/2025_Karuoke

END 18/01/2025

END 18/01/2025

END 20/01/2025_coinY

 الـجـروب الـرسـمى لـلـمـنـتـدى FaceBook | Official Group 



بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود [ هذا القسم مخصص لمختلف المواضيع البعيدة كليا عن مجال الألعاب ]

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-03-2011, 02:55 PM   #1

Ahmed Abd AlaZiz
عضو سوبر



الصورة الرمزية Ahmed Abd AlaZiz


• الانـتـسـاب » Dec 2008
• رقـم العـضـويـة » 46660
• المشـــاركـات » 2,000
• الـدولـة » °o.ŜĭŁҚŘŏằđ 4 Ăřẵβ.o°
• الـهـوايـة » Sports
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
Ahmed Abd AlaZiz صـاعـد

Ahmed Abd AlaZiz غير متواجد حالياً


إرسال رسالة عبر Yahoo إلى Ahmed Abd AlaZiz

افتراضي ؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤أشهر المحاكمات عبر التاريخ ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛





هي شخصيات سجلت محاكماتها منعطفات انسانية خاصة فبين قاتل يذبح ضحاياه بدم بارد الى فيلسوف يتجرع كأس السم بكل شجاعة
اختلفت التسميات بين مجاهد وخارج على ارادة القانون ,,,
فقط يجمع شخصياتنا الشهيرة المحاكمات التي انهت حياة الكثير منهم
فكانت فعلا أشهر المحاكمات عبر التاريخ
رحلة ممتعة اتمناها لكم



المحاكمة الأولى



عمر المختار أو أسد الصحراء





نسبه:


هو عمر المختار محمد فرحات ابريدان امحمد مومن بوهديمه عبد الله – علم مناف بن محسن بن حسن بن عكرمه بن الوتاج بن سفيان بن خالد بن الجوشافي بن طاهر بن الأرقع بن سعيد بن عويده بن الجارح بن خافي (الموصوف بالعروه) بن هشام بن مناف الكبير، من كبار قبائل قريش.(1)

من بيت فرحات من قبيلة بريدان وهي بطن من قبيلة المنفة او المنيف و التي ترجع إلى قبائل بني مناف بن هلال بن عامر اولى القبائل الهلالية التي دخلت برقة . امه عائشة بنت محارب.




مولده ونشأته:


ولد عمر المختار سنة 1858 م في قرية جنزور الشرقية منطقة بئر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية.

تربى يتيما، حيث وافت المنية والده المختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة وكانت بصحبته زوجته عائشة.

تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور, ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.

ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه " لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم". و لثقة السنوسيين به ولوه شيخا على زاوية القصور بالجبل الاخضر .

فقد وهبه الله تعالى ملكات منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم.

و قد اختاره السيد المهدي السنوسي رفيقا له إلى (( السودان الاوسط تشاد )) عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية اليها فسافر سنة1317 ه . و قد شارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي، تشاد) وحول واداي. وقد استقر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلاً, ثم عين شيخاً لزاوية (عين كلكه) ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية.

و بقي هناك إلى ان عاد إلى برقة سنة 1321 هـ و اسندت اليه مشيخة زاوية القصور للمرة الثانية .




معلم يتحول إلى مجاهد:


عاش عمر المختار حرب التحرير و الجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م, وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي, درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس, كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل السيد أحمد الشريف, وعندما علم بالغزو الإيطالي فيما عرف بالحرب العثمانية الإيطالية سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة. وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي, منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913م حيث قتل فيها للأيطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم,

ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913, وعشرات المعارك الأخرى.

وحينما عين أميليو حاكماً عسكريا لبرقة, رأى أن يعمل على ثلاث محاور:

الأول : قطع الإمدادات القادمة من مصر والتصدي للمجاهدين في منطقة مرمريكا.
الثاني : قتال المجاهدين في العرقوب وسلنطه والمخيلي.
الثالث :قتال المجاهدين في مسوس واجدابيا.
لكن القائد الإيطالي وجد نار المجاهدين في انتظاره في معارك أم شخنب وشليظيمة والزويتينة في فبراير 1914م, ولتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.


الفاشيست والمجاهدون:


بعد الانقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر 1922, وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.

بعد أن تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام 1923م للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد, وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين, فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات والفضيل بوعمر على دور الحاسة,والمجاهد المخضرم الذى لم يذكر قط صالح الطلحى(قبيله الوطن الشرقى الاصليين) وتولى هو القيادة العامة.


بعد الغزو الإيطالي على مدينة اجدابيا مقر القيادة الليبية, أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية, وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر, وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والإنضواء تحت قيادة عمر المختار, كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح, وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين, أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال الجغبوب ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م, وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار, ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال.

ولاحظ الإيطاليون أن الموقف يملي عليهم الاستيلاء على منطقة فزان لقطع الإمدادات على المجاهدين, فخرجت حملة في يناير 1928م, ولم تحقق غرضها في احتلال فزان بعد أن دفعت الثمن غاليا. ورخم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم, إلا أن الأحداث لم تنل منهم وتثبط من عزمهم, والدليل على ذلك معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين, انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتادا كثيرا.




مفاوضات السلام في سيدي ارحومة:





وتوالت الانتصارات, الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة,

فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية, حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م, ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الطليان والمجاهدين.

تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده,وطلب مفاوضة عمر المختار, تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م,

واستجاب الشيخ لنداء السلام وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار. فذهب كبيرهم للقاء عمر المختار ورفاقه القادة في 19 يونيو 1929م في سيدي ارحومه. ورأس الوفد الإيطالي بادوليو نفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسليني، ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هوالتفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت لتلتقط قواتهم أنفاسها، وقصد الغزاة الغدر به والدس عليه وتأليب أنصاره والأهالي وفتنة الملتفين حوله.

وعندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه اما مغادرة البلاد إلى الحجاز او مصر أو البقاء في برقة و انهاء الجهاد والإستسلام مقابل الأموال والإغراءات, رفض كل تلك العروض, وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

تبين للمختار غدر الإيطاليين وخداعهم, ففي 20 أكتوبر 1929م وجه نداء إلى أبناء وطنه طالبهم فيه بالحرص واليقظة أمام ألاعيب الغزاة.

وصحت توقعات عمر المختار, ففي 16 يناير 1930م ألقت الطائرات بقذائفها على المجاهدين.


غرتسياني:


دفعت مواقف المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين غرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية. ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد تمثلت في عدة إجراءات ذكرها غرسياني في كتابه "برقة المهدأة":

- قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر.
- إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930م.
- فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية ونصب المشانق في كل جهة.
- تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الإعتقال والنفي والتشريد.
- العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.
إنتهت عمليات الإيطاليين في فزان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م ثم عمدوا إلى الإشباك مع المجاهدين في معارك فاصلة, وفي 26 أغسطس 1930م ألقت الطائرات الإيطالية حوالي نصف طن من القنابل على الجوف والتاج, وفي نوفمبر اتفق بادوليو وغرسياني على خط الحملة من اجدابيا إلى جالو إلى بئر زيغن إلى الجوف, وفي 28 يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة, وكان لسقوط الكفرة آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة.



المختار في الأسر:



في معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، فرائها غراتسياني فقال: "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما".

وفي 11 سبتمبر من عام 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدوفأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً. فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه، فسرعان ماحاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته، فنقل على الفور إلي مرسى سوسه ومن ثم وضع على طراد الذي نقله رأسا إلي بنغازي حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي اخريبيش. ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.

كان لاعتقاله في صفوف العدو، صدىً كبيراً، حتى أن غراسياني لم يصدّق ذلك في بادىء الأمر،وكان غراتسياني في روما حينها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع. وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من نغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان. فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر. فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار ؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد." ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه.


وصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر ، وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار, يذكر غرسياني في كتابه (برقة المهدأة):

"وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه ( بالَجَرِدْ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر, وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح."

غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غراتسياني:ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟
فأجاب الشيخ: لا شئ إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.
فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شئ … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح…
ويستطرد غرسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للإنصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء. ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد, فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء, وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد."




المحاكمة:


عقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م،

وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت،

وعندما ترجم له الحكم، قال الشيخ "إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف ... إنا لله وإنا أليه لراجعون".

- وهنا نقلا حرفيا لمحضر المحاكمة كما ورد في الوثائق الإيطالية :

إنه في سنة ألف وتسعمائة وواحدة وثلاثين ؛ السنة التاسعة ، وفي اليوم الخامس عشر من شهر سبتمبر ، ببنغازي ، وفي تمام الساعة 17 بقصر "الليتوريو" بعد إعداده كقاعة لجلسات المحكمة الخاصة بالدفاع عن أمن الدولة ، والمؤلفة من السادة :

- المقدم الكواليير اوبيرتو فانتيري مارينوني ، رئيسا بالوكالة ، نيابة عن الرئيس الأصيل الغائب لعذر مشروع .

- المحامي د. فرانشيسكو رومانو (قاضي مقرر) .

- الرائد الكاواليير قوناريو ديليتلو (مستشار ، أصيل ) .

- رائد "الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير جوفاني منزوني ، مستشار أصيل) .

- رائد "الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير ميكيلي مندوليا ، مستشار أصيل) ، والرئيس بالنيابة عن الرئيس الأصيل ، الغائب بعذر مشروع .

- بمساعدة الملازم بسلاح المشاة ، ايدواردو ديه كريستوفانو (كاتب الجلسة العسكري بالنيابة) .

للنظر في القضية المرفوعة ضد : عمر المختار ، بن عائشة بنت محارب ، البالغ من العمر 73 سنة ، والمولود بدفنة ، قبيلة منفة ، عائلة بريدان ، بيت فرحات ؛ حالته الاجتماعية : متزوج وله أولاد ، يعرف القراءة والكتابة ، وليست له سوابق جنائية ، في حالة اعتقال منذ 12 سبتمبر 1931.

المتهم بالجرائم المنصوص عليها وعلى عقوباتها في المواد 284-285-286-575-576 (3) ، والمادة 26 ، البنود : 2 - 4 - 6 - 10 ، وذلك أنه قام ، منذ عام 1911م وحتى القبض عليه في جنوب سلنطة في 11سبتمبر 1931، بإثارة العصيان وقيادته ضد سلطات الدولة الإيطالية ، داخل أراضي المستعمرة ، وباشتراكه في نصب الكمائن للوحدات المعزولة من قواتنا المسلحة وفي معارك عديدة وأعمال الإغارة للسلب والنهب واللصوصية مع ارتكاب جرائم قتل بدافع نزعته إلى القسوة والتوحش ، وأعمال البطش والتنكيل ، بقصد إحداث الدمار وسفك الدماء لفصل المستعمرة عن الوطن الأم .

بعد ذلك سمح للجمهور بدخول قاعة الجلسات ، بينما جلس المتهم في المكان المخصص للمتهمين ، تحت حراسة عسكرية ، وهو طليق اليدين وغير مكبل بأغلال من أي نوع .

كما حضر وكيل النيابة العامة السينور "كواليير" أوفيتشالي جوسيبي بيديندو ، كمدعي عسكري ، والمكلف بالدفاع عن المتهم ، المحامي ، النقيب في سلاح المدفعية ، روبيرتو لونتانو .

يعلن الرئيس افتتاح الجلسة . فيحضر أيضا المترجم السيد نصري هرمس الذي يطلب إليه الرئيس الادلاء ببيانات هويته فيجيب :

- نصري هرمس ، ابن المتوفى ميشيل ، وعمري 53 سنة ، ولدت في ديار بكر ببلاد ما بين النهرين (العراق) رئيس مكتب الترجمة لدى حكومة برقة .

يكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة ، بعد تحذيره حسبما هو مقرر ، فيؤديها بصوت عال وبالصيغة التالية : (( أقسم بأنني سأنقل الأسئلة إلى الشخص المقرر استجوابه بواسطتي بأمانة وصدق ، وبأن أنقل الردود بأمانة )) .

فيوجه الرئيس ، عن طريق الترجمان ، أسئلة للمتهم حول هويته ، فيدلي بها بما يتفق مع ما تقدم ، ومن ثم ينبه عليه بالانصات إلى ما سيسمع . وعند هذه النقطة ، يثبت في المحضر طلب وكيل النيابة بإعفاء المترجم نصري من المهمة بسبب وعكة ألمت به والاستعاضة عنه بالكواليير لومبروزو ابن آرونه وماريا قاندوس ، المولود بتونس في 27 - 2 - 1891م ، ومهنته صناعي .

فيكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة ، بعد تحذيره نظاميا ؛

يتلو كاتب الجلسة صحيفة الاتهام ، فيتولى الترجمان ترجمتها للمتهم ، ويسرد بعدها قائمة المستندات والوثائق المتصلة بالدعوى ،

وبعد سردها يكلف الرئيس الترجمان بترجمتها ، حيث إن المتهم غير ملم باللغة الإيطالية ، ومن ثم يبدأ استجوابه حول الأفعال المنسوبة إليه ؛ فيرد عليها ، ويتولى الترجمان ترجمة ردود المتهم عليها .

ويثبت بالمحضر أن المتهم يرد بانتظام عن كل اتهام حسب ما جاء في محضر استجوابه المكتوب ، معترفا بأنه زعيم المقاومة في برقة وبهذه الصفة فهو الفاعل والمحرض لجميع الجرائم التي اقترفت في أراضي المستعمرة خلال العقد الأخير من الزمن ، أي الفترة التي ظل خلالها الرئيس الفعلي للمقاومة .

وردا عن سؤال ، يجيب :

منذ عشر سنوات ، تقريبا ، وأنا رئيس المحافظية . ويثبت هنا أن المتهم ظل يرد عن كل سؤال محدد حول تهمة بعينها ، بقوله : (( لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة ، وما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين ، منذ عشر سنوات وحتى الآن ، كان بإرادتي وإذني ، عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك الأفعال ذاتها )) .

وردا عن سؤال ، يجيب : (( كانت الغارات تنفذ أيضا بأمري وبعضها قمت بها أنا نفسي )) .

يعطي الرئيس الكلمة لوكيل النيابة : بعد أن تناول الكلمة ، أوجز مطلبه في أن تتكرم المحكمة ، بعد تأكيد إدانة المتهم بالجرائم المنسوبة إليه ، بإصدار حكم الإعدام عليه وما يترتب عليه من عواقب .

وينهي الدفاع ، بدوره مرافعته بطلب الرأفة بالمتهم . وبعدما أعطى المتهم الكلمة كآخر المتحدثين ، يعلن الرئيس قفل باب المناقشة ، وتنسحب هيئة المحكمة إلى حجرة المداولة لتحديد الحكم .

عادت المحكمة بعد قليل إلى قاعة الجلسات ؛ لينطق الرئيس بصوت عال بالحكم بالإدانة ، بحضور جميع الأطراف المعنية . فيقوم الترجمان بترجمة منطوق الحكم .

أثبت تحريريا كل ما تقدم بهذا المحضر الذي وقع عليه : كاتب المحكمة العسكري .

الإمضاء : ادواردو ديه كريستوفانو ، الرئيس (المقدم الكاواليير أوميركو مانزولي) .

كاتب المحكمة العسكرية ، الإمضاء : ادواردوديه كريستوفاني (Edoardo De Cristofano) .

الرئيس : (المقدم الكاواليير أوميركو مانزوني)

الإمضاء : أومبيرتو مانزوني (Umberto Marinoni) .

- صورة طبق الأصل -

كاتب المحكمة العسكرية بالنيابة




الإعدام:



في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931( الأول من شهر جمادىالأول من عام 1350 (، اتخذت جميع التدابيراللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران،

واحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.

واحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر،

وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم،

وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلي الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يأذن في صوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال انه تتمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية. وبعد دقائق صعدت روحه الطاهرة النقية إلي ربها تشكو إليه عنت الظالمين وجور المستعمرين.

وسبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أويظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضرباً مبرحاً بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن عندما على الشيخ شامخاً مشنوقاً، ووصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".


المحاكمة الثانية



محاكمة سقراط






خمسمائة قاض وقاض جلسوا ، الواحد بجانب الاخر ، على المدرج ذي المقاعد الخشبية المغطاه بالحصر ، وفي مواجهتهم ، رئيس المحكمة محاطاً بكاتبه والحرس . وفي اسفل المدرج وضع الصندوق الذي سيضع فيه القضاه احكامهم بعد انتهاء المحاكمة . الجلسة علنيه . ولا يسمح فيها لغير الرجال بالحضور . اما الطقس ، فقد كان جميلاً ، مما ادخل الارتياح الى نفوس الجميع وجعلهم يأملون بجلسة كاملة لا يربك مجراها مطر يهطل على الرؤوس او برد يعطل تواصل الافكار . واذا بدا لنا ان انعقاد محكمة في الهواء الطلق امر مستغرب بل وطريف ، اليوم ، فلنتذكر اننا في اثينا ، في صباح من اصبحة ربيع عام 399 قبل الميلاد .

اثينا هذه التي قدمت الديمقراطية للعالم ، تعيش فترة عصيبة ، لقد هزمتها سبارطة في حرب دامت بينهما سبعاً وعشرين سنة ، وفرضت عليها شروطاً قاسية . منها نظام "الثلاثين مستبداً " بقيادة احد ابنائها ، كرينياس ، الذي تخلص منه الاثنيون منذ وقت ليس ببعيد . في هذا الجو من القنوط الوطني . كثرت الاحقاد وتعددت حوادث تصفية الحسابات لكن العدالة ظلت تعمل والقضاة في اثينا ، وعددهم ستة الاف ، مواطنون متطوعون يجري اخبارهم سنوياً بشكل عشوائي . وهم يوزعون ، بعد الاختيار، في اثنتي عشرة محكمة في كل واحدة منها خمسمائة قاض وقاض .




متهم اليوم شيخ ذو لحية بيضاء وثياب رثة . انه ابن النحات سوفرونيسك والقابلة فيلا ريت وهو الملقب بسقراط . لكن ما هي التهمة التي سيحاكم اليوم على اساسها؟ لقد اتهمه احد المواطنين ، ويدعى مليتوس ، بالكفر بالالهه وبادخال شياطين جديدة الى المدينة وافساد الشبيبة . وهي تهمة تستحق عقوبة الموت . ومن هو سقراط هذا ؟ انه رجل بلغ السبعين من عمره ، قبيح المنظر بعينية الجاحظين وانفه الافطس ووجهة الممتلئ ناهيك عن ثيابه المهملة والمكونة من معطف صوفي لا ازرار له ولا حزام . وفوق كل ذلك ، فأنه لا يمشي الا حافي القدمين ، في الصيف كما في الشتاء . ولد سقراط في اثينا عام 469 ق .م في عائلة تعمل في النحت وعبثاً حاول ابواه تعليمه المهنة . كان لا يميل الا للحوار ومناقشة الاخرين حول مختلف المواضيع داعياً اياهم الى التفكير معه والتأمل . كان يجوب المدينة يتحدث الى المارة ويستوقف الشباب يفقههم في امور الوجود وجوانب الحياة . واثينا في ذلك العصر من الديمقراطية ، كانت تعج بالفلاسفة ورجال السياسة والاخلاق يسعى الناس اليهم عنهم اصول الفكر وكان هؤلاء يتقاضون عن تعليمهم اتعاباً باهظة في معظم الاحيان . اما سقراط فكان يرفض بيع فكره كان يعتبر ان الفلسفة ممارسة عضوية ويومية ، وانها وبالتالي ، نمط حياة . وغنى عن القول ان سقراط لم يكن مواطناً اثينيا كالاخرين . فهو لم يأبه لماديات الدنيا على الرغم من زواجة وانجابه ثلاثه اولاد بل كان دائم الزهد في ما يشغل الناس . وهذا ما جعله غامضاً ، بل وموضع سخرية في الكثير من الاحيان . غير ان سقراط لم يعدم وسيلة لتوضيح حقيقة أمره كان يرد على مسامع محاوريه ان حقيقة الهية تدفعه للتصرف وان هذه الحقيقة يمكن ان لا تكون سوى ضميره القابع في اعماق نفسه . تلك المشاعر وهذه الافكار هي التي لم ترق للبعض ، وهي التي اوصلته لان يمثل اليوم امام المحكمة ، باعتبار انه " يفسد الشبيبة ولا يؤمن بالهة المدينة " .




في بدء الجلسة ، ولم يكن في نظام المحاكمات انذاك ما يسمى اليوم بالادعاء العام ، وقف المدعي الاول مليتوس يتكلم عن مفاسد سقراط في المجتمع . واعقبه مدعيان اخران ليكون وانيتوس وكلهم طلبوا الحكم بالاعدام على " العجوز الشرير " . ولانيتوس هذا مبرر اخر للادعاء على سقراط فقد كان ابنه تلميذا من تلاميذ الفيلسوف و " مضللاً به " وهذا ما يفسر انشغاله عن صنعه ابيه وهي الاتجار بالجلود . يضاف الى ذلك ان سقراط تهكم عليه مرة امام الناس خلال مناقشة ظهر فيها الجاهل وحديث النعمة على قدر كبير من السخف . ومن سوء طالع العجوز ايضاً ، ان كريتياس ، المستبد الدموي والعميل لسبارطة ، كان من بين تلاميذه ، في فترة من فترات حياته . اتخاذه كريتياس واخرين غيره ممقوتين في مجتمعهم تلامذه له هو من قبيل انفتاحة على الجميع ودون النظر الى ارائهم السياسية والفلسفة او الى نمط الحياة التي يعيشون . واذا توخينا الاختصار ، قلنا ان سقراط ، بأفكاره ومناقشاته ، بدأ يصبح شخصاً مزعجاً ، ليس للسلطات فقط ، بل للاباء الذين راى بعضهم ابناءه يخرجون عن طاعته ويلحقون بالمعلم.

بعد انتهاء المدعين الثلاثة من كلامهم ، جاء دور المتهم . ومن اجراءات المحاكمة الاثينية في ذلك العصر ان يتولى المتهم شخصياً الدفاع عن نفسه . واذا كان غير قادر ، فان محترفاً يقوم بتلقينه الدفاع وتحفيظه اياه عن ظهر قلب . يجب ان يستغرق الوقت الذي استغرقه الادعاء لا اكثر . بدأ سقراط دفاعه برد التهم ومن ثم ، بالانتقال الى الهجوم ، قال ان من يدعي العلم ، من بين كل من ناقشت وحاورت ، وانما هم جهلة ولا يفقهون من العلم شيئاً والحقيقة هي اني أعلم الناس . ذلك لان الناس يعتقدون انهم يعرفون شيئاً وهم ، في الواقع ، لايعرفون اي شئ . اما انافأني اعرف اني لا اعرف . وانتهى سقراط بتحذير القضاة من الحكم عليه بالموت . وأن فعلوا فانهم لن يجدوا مثله وسيغرقهم الاله والاثنيين في سبات ابدي . أما اذا لم يفعلوا فسيعود الى نشر افكاره كما فعل دائماً وكما اوحى له ضميره . لم يستدر سقراط عطف القضاه كما يفعل عادة المتهمون الماثلون امام مثل هذه المحكمة . لقد قال ما قاله وجلس دون اي انفعال . اما القضاة ، فقد بدأوا ينزلون المدرج ليضع كل واحد منهم حكمة في الصندوق . هذا الاقتراع هو أولي . انه ينحصر في تقرير تجريم او عدم تجريم المتهم .




قضت نتيجة التصويت بتجريم سقراط بفارق بسيط في الاصوات : 281 صوتاً ضد 220 . ويقتضى القانون الاثيني ، في هذه الحال ، ان يعين المتهم نفسه العقوبة التي يراها ، هو مناسبة . وقف سقراط وأعلن انه يسره ان تتعهده البريتانية ! وتعالى الصخب وصياح الاستنكار من الحضور الذين رأوا في كلامه تهكماً ***رية من هيئة المحكمة ومن كل الموجودين . ذلك لان البريتانية مؤسسة اثينية تتعهد عظام الرجال وتتولى تأمين معيشتهم بشكل لائق وكريم .

ما أن سمع القضاة كلام سقراط ، حتى قرروا ان يصوتوا بأنفسهم على نوع العقوبة ومستواها . نزلوا ثانية الى حيث الصندوق وصوتوا على ان يكون الحكم بالاعدام هو الجزاء الذي يجب ان يناله سقراط وذلك بأغلبية كبيرة . لقد اوقع الرجل نفسه في التهلكة بعد ان كان يمكنه ان ينقذها بتصرف اخر اكد للجميع انه يسعى للموت بكل رغبة وحماس .




مضى شهر على صدور الحكم . اما طريقة للتنفيذ فهي الاسهل من بين لائحة لا يخلو بعض بنودها من العنف : تجرع كمية من سم يحضر خصيصاً للمناسبة . خلال هذا الشهر . جاءه كريتون ، احد تلامذته المخلصين ، عرض عليه ان يقبل الهرب من السجن ، بعد ان يتدبر كريتون امر رشوة الحراس ، فرفض سقراط قائلاً بوجوب احترام العدالة وقوانينها ، حتى ولو كانت هذه القوانين جائرة .

هذا الشهر الذي فصل بين صدور الحكم وتنفيذه ، امضاه سقراط بهدوء أدهش المتصلين به من حراس ونزلاء . اما لماذا ابقي شهراً كاملاً ينتظر مصيره ، فهذا يعود الى ان تنفيذ احكام الاعدام لم يكن مسموحاً به في الشرائع الدينية انذاك الا بعد عودة الكهنة من جزيرة ديلوس .
وفي اليوم التالي لهذه العودة ، تجمهر تلامذته في السجن ووصلت زوجته . وما ان رأته والحراس يفكون اصفاده تمهيداً للاعدام ، حتى اجهشت بالبكاء ونتفت شعرها ومزقت ثيابها:

- اه يا زوجي ! هذه اخر مرة تتكلم واخر مرة ترى فيها اصدقاءك ! .. تأثر سقراط وطلب اليها ان تذهب . ثم التفت نحو اصدقائه وبدأ يحدثهم ويتناقش واياهم في مواضيع مختلفة في الفن والموت والروح .... وبينما هو كذلك ، اذ بالجلاد يقاطعه :
- لا تتحرك كثيراً يا سقراط ، والا يفقد السم مفعوله وللمرة الاولى ينفعل سقراط ويقول للجلاد:
- لماذا لا تضع كمية مضاعفة ؟ هذه مهنتك .
وعاد الى التحدث مع تلامذته الذين لم يتمكنوا من اخفاء اعجابهم ودهشتهم . لقد استطاع هذا الانسان ان ينتصر على غرائزه وعلى مخاوفه . وعندما اقترب الوقت المخصص لتجرع السم ، دخل سقراط غرفة مجاورة ليستحم وهو يقول :
- اريد ان اوفر على النساء تنظيف جثة ميت . طال الاستحمام والجلاد ينتظر على الباب . ولما خرج سقراط ، اقترب منه الجلاد وفي يده كأس السم . قدمه اليه وقال له :
- سقراط اعرف انك لن تشتمني كما يفعل الاخرون . انت عاقل وتستطيع ان تتحمل قدرك .
- مرحى لك ! هيا . ماذا علي ان افعل ؟
- لا شئ سوى خطوات قليلة بعد التجرع . وعندما تشعر بثقل في ساقيك ، عليك ان تستلقي والباقي يتولاه السم نفسه .
وتناول سقراط الكأس وتجرعه دفعة واحدة بكل هدوء . لم يتمالك تلامذته مشاعرهم فانفجروا يجهشون بالبكاء مثيرين غضب المعلم :
- ماذا تفعلون ؟ لقد أمرت زوجتي بالرحيل حتى لا أرى ما يشبه مظاهر الضعف هذه أريد ان أموت بصمت الخشوع . فتمالكوا مشاعركم .
وصمت الجميع فوراً . بعدها استلقى سقراط كما اشار جلاده . وجاء الجلاد يقيد رجليه ويقول له :
- هل تشعر بشيء؟
- كلا
وطفق الجلاد يشرح للحاضرين ان الموت يصل الى القلب بعد تبلغ البرودة الرجلين والبطن.
وعندما شعر سقراط بهده البرودة تصل الى بطنه ، اشار الى تلميذه المخلص كريتون بالاقتراب ليقول له بصوت ضعيف :
- كريتون ، في ذمتنا ديك لا يسكولاب . ادفع له ثمنه دون نقاش .
- حاضر يا سيدي . هل تريد شيئاً اخر ؟
لم يجب سقراط . لقد اغمضت عيناه ...




" ديك لايسكولاب " انها لا شك عبارة اراد بها سقراط التهكم على اله الطب . لم يوفر سخرياته على الالهة ، حتى وهو على وشك ان يموت ! وما الموت بالنسبة له ؟ اليس هو التحرر ؟ اليس الشفاء من مرض هو الحياة ، كما كان يردد دائماً ؟

هذه الجمله التي قالها سقراط قبل موته ، والتي تمثل التشاؤم الهادئ والساخر بأبرز معانيه ، كانت عبارة رسالة من اول رجل أعدم في التاريخ بسبب افكاره .


المحاكمة الثالثة

جميلة بو حيرد ( مثال التضحية من اجل الاستقلال )






كانت جميلة بو حيرد واحدة من الآلاف المؤلفة من المناضلين الذين كتب لهم سوء الحظ أن يسقطوا في قبضة العدو. فقد ألقي القبض عليها أثناء غارة شنتها القوات الفرنسية الخاصة،قدمت للمحاكمة في يوليو 1957، فحكم عليها بالإعدام...
كان دور جميلة النضالي يتمثل في كونها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة (ياسيف السعدي) الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن مائة الف فرنك ثمنا لرأسه.

وفي أحد الايام كانت جميلة متوجهة (لياسيف السعدي) برسالة جديدة، لكنها احست ان ثمة من يراقبها؟ فحاولت الهروب، غير ان جنود الاحتلال طاردوها وأطلقوا عليها الرصاصات التي استقرت احداها في كتفها الايسروحاولت المناضلة الاستمرار في الانفلات ,,,غير ان ابنة الثانية والعشرين سقطت بجسدها النحيل الجريح،
وافاقت في المستشفى العسكري حيث كانت محاولة الاستجواب الاولي لإجبارها على الإفصاح عن مكان (ياسيف السعدي) ، غير انها تمسكت بموقفها، فادخلها جنود الاحتلال في نوبة تعذيب استمرت سبعة عشر يوما متواصلة، وصلت الى حد ان اوصل جنود الاحتلال التيار الكهربائي بجميع انحاء جسدها ,,,حيث لم يحتمل الجسد النحيل المزيد واصيب بنزيف استمر خمسة عشر يوما، لكن لسان جميلة بوحريد وجسدها كان اقوى من كل محاولات معذبيها .
بعدها انتقلت (جميلة) لسجن (بار بدوس) اشهر مؤسسات التعذيب في العصر الحديث،حيث بدأت نوبات اخرى من التعذيب استمرت احدى جلساتها الى ثماني عشرة متواصلة حتى اغشي عليها واصيبت بالهذيان.
و من المعروف أنه عندما قرأت المحكمة المتواطئة الحكم بالاعدام على (جميلة بو حريد) ,,,انطلقت فجأة (جميلة) في الضحك في قوة وعصبية ,,,
جعلت القاضي يصرخ بها (لا تضحكي في موقف الجد) ، وكأن الموقف بالفعل كان جاديا.غير انها قالت في قوة وثبات :
(ايها السادة، انني أعلم انكم ستحكمون على بالاعدام ، لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، ولقد استندتم في محاولتكم إدانتي الى اقوال فتاة مريضة رفضتم عرضها على طبيب الامراض العقلية بسبب مفهوم، والى محضر تحقيق وضعه البوليس ورجال المظلات وأخفيتم اصله الحقيقي الى اليوم، والحقيقة انني احب بلدي واريد له الحرية، ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطني، انكم ستحكمون علي بالاعدام لهذا السبب وحده بعد ان عذبتموني ولهذا السبب قتلتم اخوتي (بن مهيري) و(بو منجل) و(زضور) ولكنكم اذا تقتلونا لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية الفرنسية ولا تنسوا انكم بهذا تلطخون شرف بلادكم وتعرضون مستقبلها للخطر، ولا تنسوا انكم لن تنجحوا ابدا في منع الجزائر من الحصول على استقلالها.)



وقد خرجت صرخة جميلة من قاعة المحكمة الى ارجاء العالم، فقد ثار العالم من اجمل جميلة، ولم تكن الدول العربية وحدها هي التي شاركت في ابعاد هذا المصير المؤلم عن جميلة، فقد انهالت على (داج همرشولد) السكرتير العام للامم المتحدة وقتها البطاقات من كل مكان في العالم، تقول: (انقذ جميلة)
وكان من نتائج الضغط الكبير الذي مارسه الرأي العام العالمي تأييداً للبطلة جميلة بو حيرد أثر حاسم في إجبار الفرنسيين على تأجيل تنفيذ الحكم بإعدامها. وفي عام 1958، نقلت إلى سجن ريمس..



وتمر ايام قليلة ويتقهقر الاستعمار الفرنسي، ويعلن السفاح (لاكوست) انه طلب من رئيس جمهورية فرنسا وقتئذ العفو عن جميلة، ثم يتبجح ويقول (ما من امرأة اعدمت على أرض فرنسية منذ خمسين عاما)
وكانت (جميلة) رغم ذلك على بضع خطوات من حتفها ,,,وقد تعمدوا اخفاء موعد اعدامها عن الاعلام، وتواطأت معهم وكالات الابناء الاستعمارية ، لكن ارادة الشعوب بعد إرادة الله طبعاً كانت هي الاقوى والابقى فوق ارادة الظلم الاستعمار ، ولم يتم اعدام جميلة بو حريد كما حكمت المحكمة الظالمة.
بعد الاستقلال، تولت جميلة رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، لكنها اضطرت للنضال في سبيل كل قرار وإجراء تتخذه بسبب خلافها مع الرئيس آنذاك، أحمد بن بلة. وقبل مرور عامين، قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية.




جميلة بوحيرد هي مناضلة جزائرية تعد الأولى عربياً،إبّان الثورة الجزائرية على الإستعمار الفرنسي لها، في منتصف القرن الماضي. ولدت في حي القصبة بالجزائر العاصمة عام 1935 كانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد انجبت والدتها 7 شبان، واصلت تعليمها المدرسي ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى تصميم الازياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية.
انضمت إلى جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي، ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1. تم القبض عليها عام 1957 عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف والقي القبض عليها وبدأت رحلتها القاسية من التعذيب من صعق كهربائي لمدة ثلاثة أيام بأسلاك كهربائية ربطت على حلمتي الثديين وعلى الانف والاذنين. تحملت التعذيب ولم تعترف على زملائها ثم تقرر محاكمتها صورياً وصدر ضدها حكم بالاعدام وجملتها الشهيرة التي قالتها آنذاك" أعرف إنكم سوف تحكمون علي بالاعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة". بعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها مع بقية الزملاء سنة 1962 بعد وقف إطلاق النار أي بعد الاستقلال.



كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أمناً لكنها كانت تصرخ وتقول: الجزائر أمناً، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية.

انضمت بعد ذلك الي جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الإستعمار الفرنسي ونتيجة لبطولاتها أصبحت الأولى على قائمة المطاردين حتى أصيبت برصاصة عام 1957 وألقي القبض عليها.

من داخل المستشفى بدأ الفرنسيون بتعذيب المناضلة، وتعرضت للصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام كي تعترف على زملائها، لكنها تحملت هذا التعذيب، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفوق لتقول الجزائر أمناً.

وحين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكم بالاعدام عام 1957م، وتحدد يوم 7 مارس 1958م لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الإستنكار من كل أنحاء العالم.

تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي بعد أن أشهر إسلامه في ذاك الوقت.

المحاكمة الرابعة

محاكمة خالد الإسلامبولي ورفاقه



كثيرة جدا... هي المحاكمات التي شغلت الرأي العام - محليا وعالميا - واهتمت وسائل الإعلام بجميع أطيافها بنقل تفاصيلها ووقائعها لحظة بلحظة، ولا تزال باقية في الذاكرة حتى الآن... بسبب ملابساتها المعقدة، أو أسماء المتهمين المتورطين في ارتكابها، أو نتائجها الصعبة والمؤثرة.
وهذه النوعية من المحاكمات تتعلق بقضايا ساخنة وغير مألوفة، وتتشابك فيها التفاصيل، وتتوه معها الحقائق، وتضل العدالة أحيانا طريقها في البداية، ولكن بعد قيام الأجهزة المعنية بأدوارها... تظهر الحقيقة في النهاية، وينال المجرم جزاءه ويجني ثمار ما اقترفت يداه .


ومن أشهر هذه المحاكمات التي شغلت الرأي العام في مصر وأثارت جدلا ***طا وغضبا وخلافات داخلها وخارجها محاكمة قتلة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، الذي اغتاله متطرفون في صباح السادس من أكتوبر 1981، حيث بدأت محاكمة قتلة السادات، والتي ضمت 24 متهما قدموا إلى محاكمة عسكرية وتبرع بالدفاع فيها أكثر من 30 محاميا كان من بينهم أقباط ويساريون.
جاء في مذكرة إدارة المدعي العام العسكري - بحسب النصوص الرسمية-: إنه في حوالى الساعة 12.30 ظهر يوم الثلاثاء 6 أكتوبر 1981، وأثناء مرور العربات «الكراز» قاطرات المدفع 130مم وسط وأمام المقصورة الرئيسية للعرض العسكري توقفت إحدى هذه العربات لتنفيذ مخطط إالإغتيال بواسطة «4» أفراد من راكبيها، يستهدفون اغتيال الرئيس محمد أنور السادات،،
كان حادث الاغتيال مروعاً، مباغتاً، إذ تم في سرعة مذهلة، ولم يستغرق سوى 35 ثانية! وبعدها اهتز العالم كله. إن طلقة الرصاص، التي أصابت السادات، وأودت بحياته، سرعتها 735 متراً في الثانية، وأطلقت على بعد نحو 20 متراً، أي أن الطلقة أصابته، وأودت بحياته في 20/735 من الثانية!
قرّر المسؤولون عن الأمن أن هناك أكثر من 14 جهة، خارجية وداخلية، استهدفت اغتيال السادات، وتنفيذ أعمال تخريب ضخمة داخل مصر. وأنه تجمعت لدى أجهزة الأمن في مصر معلومات عن اتصالات بين رجال بعض التيارات المعارضة ومنظمات إرهابية دولية، مثل مجموعة كارلوس، وتنظيم الألوية الحمراء، وتنظيمات الإرهاب في ألمانيا الغربية. كما كان هناك اتصالات بتنظيم الجيش الأحمر الياباني.
وفي الحقيقة، تم اغتيال السادات على يد مجموعة من المنتمين إلى إحدى الجماعات الإسلامية، وهم:
- الملازم الأول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، من سلاح المدفعية.
- والملازم الأول (سابقاً) عبدالحميد عبدالسلام (سبق أن استقال من الخدمة العسكرية، وكان ضابطاً في القوات الجوية).
- والملازم الأول المهندس الاحتياطي عطا طايل حميدة رحيل، من مركز تدريب المهندسين.
- والرقيب المتطوع حسين عباس محمد، من قوة الدفاع الشعبي.




تسلسل الأحداث

كانت البداية يوم 23/9/1981، حين وقع الاختيار على الملازم الأول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، للاشتراك في طابور العرض العسكري في أكتوبر القادم، ليحل محل زميل له، شاءت الأقدار أن تمنعه من المشاركة.
وفي اليوم التالي، توجّه خالد إلى أرض العرض، وحضر "البروفات". وهناك، راودته الفكرة، وألحّت عليه. فلم يستطع مقاومتها، فاختمرت في رأسه، وعقد العزم على تنفيذها . (يجدر بنا أن نذكر أن شقيقه، محمد الإسلامبولي، كان ضمن المعتقلين في أحداث سبتمبر).
بُعيد صلاة الجمعة، 25/9/1981، أسرع خالد الخطى إلى منزل صديقه المهندس محمد عبدالسلام فرج، وهو المتهم الخامس، ببولاق الدكرور، لزيارته. وبدأ يتجاذب معه أطراف الحديث حول الأوضاع السائدة في البلاد على وجه العموم، وحول ما يتعرض له المسلمون من ظلم، يحيق بهم وبعلمائهم، وأنه لا بد من تمكين شرع الله. وهنا، انتهز خالد الفرصة، فكاشفه بأمر تعيينه في طابور العرض، وبفكرته في اغتيال رئيس الجمهورية في منصة العرض، موضحاً أنه يحتاج إلى معاونة ثلاثة أو أربعة من "الإخوة"، لمساعدته على التنفيذ، وتدبير القنابل والذخيرة. فرحّب محمد عبدالسلام بالفكرة.
وفي المساء، استقبل خالد صديقه محمد عبدالسلام وزوجته، وفي صحبتهما كل من عبدالناصر عبدالعليم درة، المتهم الثالث عشر في قضية الاغتيال، وصفوت إبراهيم الأشوح، المتهم الثالث والعشرين. وكان اللقاء في منزل خالد، الذي تسكن فيه شقيقته وزوجها. ولما علم زوج شقيقته بحضورهم، اعترض على تلك الاستضافة، خشية أن يكون بينهم أحد من المطلوب القبض عليهم. بيد أن خالداً هدّأ من روعه، وطمأنه بأنه سيدبر لهم أمر مَبيتهم في مكان آخر، صبيحة اليوم التالي.
وفي اليوم التالي، انتقلوا إلى منزل عبدالحميد عبدالسلام (صديق خالد)، وهو المتهم الثاني في القضية، حيث تم تكليف صالح أحمد صالح جاهين، المتهم الثاني عشر، بأمر تدبير الذخائر والقنابل المطلوبة.
عرض الخطة على مجموعة الصعيد
وفي يوم 28/9/1981، حضرت مجموعة من الصعيد، لمقابلة محمد عبدالسلام وخالد، اللذين عرضا خطة الاغتيال، التي نسج الأخير خيوطها. فوافقوا عليها، وانعقد عزمهم على تنفيذ الخطة، على أن تمدهم مجموعة الصعيد بالذخيرة اللازمة لتنفيذ عملية الاغتيال.
كما التقى خالد، في شقة عبدالحميد أيضاً، كلاًّ من عطا طايل حميدة، وحسين عباس محمد، وعرض عليهما خطته، فوافقا عليها، واتفقا معه على تنفيذها. ثم أرسل رسالة إلى عبود الزمر (مقدم استخبارات مفصول من القوات المسلحة) بتفاصيل الخطة. فرد عبود برسالة مفادها موافقته على الاغتيال، مُرفَقَة بتوجيهاته في كيفية دخول الأفراد إلى منطقة العرض، وتصوراته لما يمكن أن يحدث في حالة نجاح العملية.




تدبير الذخائر والأسلحة


وفي يوم 2/10/1981، قبل الحادث بأربعة أيام، تم تدبير ما يزيد على مائة طلقة 7.62 × 39مم، أخذ منها خالد إحدى وثمانين طلقة، من بينها أربع طلقات "خارق حارق"، معلّمة بعلامة حمراء على المقذوف، وأعطاها لعبدالحميد عبدالسلام، الذي خبأها فوق سطح المنزل.
وفي مساء اليوم نفسه، انتقل محمد عبدالسلام من شقة عبدالحميد إلى عيادة أسنان، بحي الزيتون، ليتخذها مقراً لاجتماعاته مع أفراد جماعته. وخلال المدة من 2 إلى 4/10/1981، اكتمل تدبير باقي الذخيرة والقنابل اليدوية اللازمة ورشاش ومسدس. تسلمها خالد إضافة إلى ثلاث خزن بنادق آلية وخزنة رشاش قصير، وثلاث إبر ضرب نار.
وأخذ خالد إبر ضرب النار وخزن البنادق الآلية، وخزنة الرشاش، والقنابل، ووضعها في حقيبته "السمسونايت"، وانصرف بعد أن اتفق مع عبدالحميد على اللقاء أمام بوابة حديقة المريلاند، في الساعة العاشرة مساء ذلك اليوم.

الأحداث على أرض العرض


وفي الموعد المحدد، ذهب خالد إلى المكان المتفق عليه، ومعه حقيبته "السمسونايت"، وبها الذخيرة والقنابل اليدوية وإبر ضرب النار وخزن البنادق الآلية وخزنة الرشاش. فوجد عبدالحميد في انتظاره داخل سيارته، من نوع "فيات"، مرتدياً الزي العسكري، فقاد خالد السيارة، وعرّجا، في طريقهما إلى أرض العرض، على مقهى بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة، حيث انضم إليهما كلٌّ من عطا طايل، وحسين عباس، وكانا يرتديان الزي العسكري أيضاً، وتوجهوا جميعاً إلى أرض العرض. وعلى مقربة من تجمع آليات وحدة خالد وأفراده، نزل عبدالحميد وعطا وحسين، ومعهم خطاب مزوّر، مفاده أنهم ملحَقون من اللواء 118 مدفعية . وكان الاتفاق، أن يدخل هؤلاء الثلاثة ويسألوا عن خالد، الذي كان قد ترك خبراً مسبقاً في وحدته، أن ثلاثة من الجنود الملحَقين، سيصلون في تلك الليلة. وعقب دخولهم، بربع ساعة تقريباً، لحق بهم خالد، فوجدهم في انتظاره، يقفون إلى جوار خيمته. فطلب منهم مخالطة الجنود بالوحدة، بعد أن مزق الخطاب المزوّر، الذي كان معهم.
وفي صبيحة يوم الإثنين، الموافق 5/10/1981، عُين خالد ورفاقه عبدالحميد وعطا وحسين "خدمة على السلاح". وفور أن تسلم خالد الأمر بنزع إبر ضرب النار، من أحد الضباط، كلّف عبدالحميد بتمييز البنادق الآلية الثلاث، التي سيستخدمونها في عملية الاغتيال. فقام الأخير بتمييزها عن سواها بقطع صغيرة من القماش، دسّها في فوهاتها. وفي الوقت نفسه، ترك خالد حقيبته "السمسونايت" تحت سريره، بعد أن أخرج منها القنابل الأربع، ووضعها داخل خوذته، وعيّن حسين عباس حارساً لخيمته.



حادثة الاغتيال

ما قبل العملية
كان السادات يعلم يقيناً أن رأسه مطلوب، وكان يطَّلع على الإجراءات الأمنية لحماية حياته. كما كانت جهات الأمن تبلِغه بما يصل إليها من معلومات، وكان قلقاً على أفراد أسرته، وكان دائماً يحذر زوجته وأولاده، ويأمرهم بالاحتياط.
وفي يوم 28 سبتمبر، أصرّ على زيارة المنصورة، في قطار مفتوح من الجانبين، ثم في سيارة مكشوفة، ورفض اقتراحاً بالسفر إلى المنصورة في الطائرة. وقبل وصوله إلى هناك، تلقّى فوزي عبدالحافظ، سكرتير الرئيس، رسالة لاسلكية من إحدى جهات الأمن، بوجود معلومات، تفيد أن أحد أفراد الجماعات الإسلامية، تقلّه سيارة "فولكس فاجن"، ينوي اغتيال السادات في المنصورة. وتحركت الطائرات العمودية تراقب الطريق، بحثاً عن هذه السيارة، وحلّقت في سماء المنصورة. ولكن لم يُعثر على شيء.
كان هذا الشخص، الذي يجري البحث عنه، هو عبود الزمر، ضابط الاستخبارات المفصول، الذي انضم إلى تنظيم الجهاد، وكان مطلوباً بشدة من أجهزة الأمن المصرية، وقد أخطر محمد نبوي إسماعيل، وزير الداخلية، وقتذاك، الرئيس السادات بأمره. وقد وجّه السادات إنذاراً إلى الزمر، يوم 28 سبتمبر، عبْر التليفزيون، قائلاً:
"إنني أعرف أن هناك ضابطاً منهم هارب، وربما يكون سامعني الآن، لقد اعتقلنا الآخرين جميعاً في خمس دقائق، وإذا كان هو قد تمكن من الفرار، فإنني أقول له إننا وراءه هو الآخر".
ومن العجيب أن جهات الأمن، لم تكشف شيئاً عن وجود تنظيم سري مسلح لقلب نظام الحكم واغتيال السادات، إلاّ في أواخر سبتمبر 1981، وهذا ما سجلته حيثيات الحكم في القضية، التي عرفت باسم "قضية الجهاد رقم 48 لسنة 1982 أمن دولة عليا".
وفي يوم 30 سبتمبر، كان هناك مذكرة من وزارة الداخلية على مكتب الرئيس السادات. تقول المذكرة إن سائق سيارة أجرة، يُدعى صابر عبدالعظيم، تقدم إلى اللواء السماحي، مدير أمن القاهرة، وأبلَغه بأن هناك من يورطه في عملية شراء أسلحة والتدريب عليها. وكان مرفقاً بالمذكرة ثلاثة أفلام صوت وصورة: تصور ثلاثة لقاءات بين هذا السائق ونبيل المغربي، أحد أعضاء تنظيم الجهاد، منها فيلم يصور عملية تسليم مدفع. وتم القبض على نبيل المغربي، وحققت معه نيابة أمن الدولة. وكان المغربي، عند القبض عليه، يعلم بمخطط اغتيال السادات، ولكنه لم يفُه بعبارة واحدة في هذا الشأن.

ليلة العرض العسكري

حدث أن توصل رجال الأمن إلى معلومات خطيرة، ليلة العرض العسكري، حيث التقى عبود الزمر أحد عملاء المباحث المندسّـين في التنظيم، في الساعة الثامنة مساء، في ميدان باب الحديد. وكان عبود في حالة هياج، ووصفه عميل المباحث بأنه كان "سعران" (مضطرباً)، وقال له: "لا بد من عملية كبيرة، إحنا ميتين .. ميتين".
وقد اتصل نبوي إسماعيل، وزير الداخلية، بالرئيس السادات، وأبلَغه بذلك، ورجاه أن يعيد النظر في حضور العرض العسكري، ولكن السادات رفض، وهو يقول: "أنت هوّال وخوّاف، يا نبوي، العيال أصبحت خطوطهم مقطوعة، وأنا هدّدت الولد الزمر في خطابي" (يقصد خطاب 28 سبتمبر).
وكان هناك مفاجأة كبرى، ظهرت بعد العرض العسكري!
لقد اتصل أحد قادة التنظيم بعميل للمباحث العامة، مدسوس في هذا التنظيم، وقال له: "لا تخرج من منزلك اليوم.. استمع إلى الراديو أو التليفزيون. وغداً الساعة 11 صباحاً، ستصلك تعليماتي". وأدرك عميل المباحث، أن هناك عملية كبرى تتعلق بحياة السادات. وحاول الاتصال بالضابط الذي يرأسه، فلم يمكنه، وعندما استطاع الاتصال بغيره، كان السادات قد قُتل.
وفي تلك الليلة، جاءت التقارير إلى الرئيس، تُفيد أن الحرس الجمهوري تسلّم، في الصباح، منطقتين من الاستخبارات الحربية، وهما منصة العرض العسكري ومبنى وزارة الدفاع، حيث اعتاد الرئيس أن يزور القيادة العسكرية قبل العرض بنصف ساعة. وكان اجتماع قد عقد، ظهر يوم الخامس من أكتوبر، برئاسة اللواء أركان حرب محمد صبري زهدي، نائب رئيس قوات المنطقة العسكرية المركزية، وضمّ رجال رئاسة الجمهورية من جميع الأفرع، ورجال الاستخبارات الحربية والاستخبارات العامة، وقيادات المجموعة (75) استخبارات حربية، وهي على مستوى متقدم وكفاءة نادرة، وتم كتابة مذكرة "تنسيق" وقّعها الجميع.
وتأكد الرئيس بنفسه، قبل العرض بأربع وعشرين ساعة، من سيطرة أجهزة أمن رئاسة الجمهورية وقيادتها على منصة العرض العسكري، وأنه لمزيد من الحيطة، تم تركيب مائة وعشرين خطاً هاتفياً مباشراً داخل المنصة، التي لا تزيد مساحتها على تسعين متراً مربعاً. واطمأن الرئيس تمام الاطمئنان، ونام ليلته.



اليوم الدامي والنهاية الأليمة


استيقظ السادات، كعادته، واهتزت أسلاك الهاتف، من الولايات المتحدة الأمريكية، بمكالمة من جمال السادات، ابن الرئيس، يهنىء أباه، كما تعود، في صباح السادس من أكتوبر، كل عام. ثم خابر الرئيس صهرَيه، المهندس عثمان أحمد عثمان، والمهندس سيد مرعي، ثم تحدث مع اللواء عبدالعزيز نصار، مدير المخابرات العامة، كما تلّقى مكالمة من نائبه، حسني مبارك، ثم من فؤاد محيي الدين، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ثم من نبوي إسماعيل. واعتذر السادات عن عدم تلّقي باقي المكالمات من رؤساء تحرير بعض الصحف المصرية. ثم دخل عليه الأطباء، لإجراء الفحوص اليومية المعتادة، وجاء خبير التدليك، وزاول السادات بعض التمرينات، واستحم بعدها بمياه فاترة.
كانت الصحف، في ذلك اليوم، تتحدث عن الأسلحة الغربية، التي ستظهر في العرض بنسبة كبيرة، تصل إلـى 50% من جملة الأسلحـة المشتركة، ومنها الطائرات الأمريكية من نوع "فانتوم PHANTOM"، والعمودية من نوع "شينوك CHINOOK"، والطائرات العمودية الفرنسية من نوع "جازيل GAZELLE"، والبريطانية من نوع "سي كينج SEA KING".
في العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم، كان السادات في مقر وزارة الدفاع، لالتقاط الصور التذكارية مع كبار القادة. وقد وقف إلى يمينه نائبه، حسني مبارك، وإلى يساره المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة، وزير الدفاع. وكان السادات مرتدياً بدلته الهتلرية، التي صنعت في لندن، والتي كان مغرماً بها، ووصل غرامه بالزي الألماني، أن أمر أفراد الحرس الجمهوري بارتداء الخوذات العسكرية الألمانية. ورفض السادات أن يرتدي القميص الواقي من الرصاص على الرغم من إلحاح زوجته، السيدة جيهان، ووزير الداخلية. وكان سبب ذلك، أن البدلة الجديدة كانت ضيقة، ولا تسمح بارتداء القميص الواقي تحتها، ورفض السادات أن يلبس بدلة العام الماضي، وقال: "أنا رايح لأولادي، أنت هوّال وخوّاف، يا نبوي". ثم توجّه الرئيس إلى أرض العرض، ليتبوأ مقعده من المنصة. وإلى يمينه نائبه، حسني مبارك، ثم الوزير العُماني شبيب بن تيمور، مبعوث السلطان قابوس. وإلى يساره المشير أبو غزالة، ثم سيد مرعي، ثم عبدالرحمن بيصار، شيخ الأزهر.
في ذلك الوقت، كان خالد الإسلامبولي قد توجّه إلى الخيمة، التي ينام فيها أصحابه، حسين عباس وعبدالحميد عبدالسلام وعطا طايل، وسلّمهم كيس الذخيرة، وأمرهم بالاستعداد. واستعد خالد الإسلامبولي بملابس العرض، وتناول خزنة الرشاش، بعد أن ملأها بالذخيرة، ووضعها في جَورَبه، ثم لف حولها (أستك) عريضاً حتى لا تسقط. وتحرك الجنود لتجهيز السيارات، وأمر الإسلامبولي بتسليم الأسلحة منزوعة إبر ضرب النار، إلى الجنود. وأخذ الإسلامبولي، وهو يتناول كوباً من الشاي، يتابع تسليم الأسلحة للجنود، إلى أن اطمأن إلى أن البنادق المعبأة بالذخيرة هي في حوزة عبدالحميد وعطا وحسين.
بدأ تحرك الجرارات، وخلفها المدافع، إلى ساحة العرض، كلٌّ في دوره المرسوم. وحمل الإسلامبولي الخوذة، التي سيرتديها في العرض، إلى السيارة التي سيركبها، ووضع تلك الخوذة أسفل المقعد. وأخذ يتفقد طاقم سيارته. وفي السادسة والنصف، ركبت الأطقم العربات الأربع، الخاصة بكتيبة خالد، وركب حسين وعبدالحميد وعطا العربة التي ركبها خالد، وكانت إلى اليمين من القطار الثاني لعربات اللواء المواجهة للمنصة، وجلس خالد إلى جوار السائق.
وفي حوالي الساعة الثامنة، وبينما كان الجنود منهمكين في أعمال النظافة للمدافع والعربات، أعطى خالد لعبدالحميد قنبلتَيْن يدويتَيْن دفاعيتَيْن. احتفظ عبدالحميد بواحدة، وأعطى الثانية لعطا طايل. وخبّأ خالد القنبلتين الأخريين في "تابلوه" العربة، ثم طلب من السائق عصام عبدالحميد، أن يذهب ليشتري "ساندوتشَيْن". وعند ذهاب السائق، انتهز خالد الفرصة، فغيّر خزنة الرشاش الخاص بالسائق، بخزنة أخرى مملوءة بالذخيرة، ووضع الخزنة الفارغة تحت الكرسي. ثم أعاد خالد ترتيب جلوس أفراد طاقم عربته، فأجلس عبدالحميد خَلْفه مباشرة في صندوق العربة، وظهره إلى المنصة، كما أجلس عباساً في آخر صندوق العربة، في الصف نفسه الذي يجلس فيه عبدالحميد، وظهره إلى المنصة كذلك، بينما أجلس عطا طايل في مواجهة عبدالحميد، ووَجْهه إلى المنصة.
وقبل تحرك السيارة لدخول طابور العرض، ظهر ضباط من رئاسة الجمهورية، يركبون دراجات نارية، أخذوا يفتشون السيارات واحدة بعد الأخرى. فألقى عبدالحميد نفسه فوق الرشاشات الثلاثة، ونام عليها، وجهز نفسه لتفجير واحدة من قنابل الصوت التي في حوزته، عند محاولة تفتيشه. ويقول خالد، في حديث إلى جريدة "الأنباء" الكويتية، ومجلة "الندوة" السعودية: نظرت إلى الخَلْف، فإذا هم ثلاثة ضباط كبار، منهم ضابط عمل معه عبدالحميد عبدالسلام، ويعرفونه جيداً، ويعرفون أنه فُصل من الخدمة. فأيقنت أن الأمر سينكشف، ولكن الله هيّأ من ينادي عليهم، أثناء تفتيش العربة السابقة لعربتنا، وهكذا شَق هؤلاء الضباط طريقهم بعيداً عن عربته، وقاموا بتفتيش العربة التي بعدها.
في ذلك الوقت، كان كل اهتمام الأمن منصرفاً إلى ما وراء منصة العرض، ظناً منهم أن عبود الزمر، قد يأتي من الخلف في هجمة انتحارية.
كان الحاضرون يستمتعون بمشاهدة العرض، خصوصاً طائرات "الفانتوم"، وهي تمارس ألعاباً بهلوانية في سماء العرض. ثم انطلق صوت المذيع الداخلي: "والآن تجيئ المدفعية". وتقدم قائد طابور المدفعية لتحية المنصة، وحوله عدد من راكبي الدّراجات النارية. وفجأة، توقفت إحدى الدّراجات، بعد أن أصيبت بعطل مفاجئ، ونزل الرجل من فوقها، وراح يدفعها أمامه. ومن حسن حظه، أن معدل سير باقي الدّراجات كان بطيئاً، يسمح له باللحاق بها. ولكن سرعان ما انزلقت قدَمه، ووقع على الأرض، والدّراجة فوقه، فتدخّل جندي، كان واقفاً إلى جوار المنصة، وأسعفه بقليل من الماء. كل هذا حدث أمام الرئيس والجميع. وأسهمت تشكيلات الفانتوم وألعابها في صرف نظر الحاضرين واهتمامهم. لذا، عندما توقفت سيارة الإسلامبولي، بعد ذلك، ظُنَّ أنها تعطّلت، كما تعطّلت الدّراجة النارية، خصوصاً أن أحداثاً كهذه، وقعت، قبل ذلك، في عروض كثيرة في عهدَي الرئيسين، عبدالناصر والسادات.


في تمام الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة، كانت سيارة الإسلامبولي، وهي تجرّ المدفع الكوري الصنع عيار 130مم، قد أصبحت أمام المنصة تماماً. وبينما كان المذيع الداخلي يقول عن رجال المدفعية: ]إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى[ (سورة الكهف، الآية 13)، وفي لحظات، وقف القناص حسين عباس، وأطلق دفعة من الطلقات، استقرت في عنق السادات، بينما صرخ خالد بالسائق، يأمره بالتوقف، فشد السائق كابح (فرملة) اليد، بصورة تلقائية، ونزل خالد مسرعاً من السيارة، وألقى قنبلة، ثم عاد إلى السيارة، وأخذ رشاش السائق، الذي سبق أن وضع فيه خزنة مملوءة، وطار مسرعاً إلى المنصة. كان السادات قد نهض واقفاً في اندفاع، بعد إصابته في عنقه، وهو يقول: "مش معقول"، بينما اختفى جميع الحضور على المنصة أسفل كراسيهم. وتحت ستار الدخان، وجّه الإسلامبولي دفعة الطلقات إلى صدر الرئيس، في الوقت نفسه الذي ألقى فيه كل من عطا طايل بقنبلة ثانية، لم تصل إلى المنصة، ولم تنفجر ، وعبدالحميد بقنبلة ثالثة، ونسي أن ينزع فتيلها (صمام الأمان)، فوصلت إلى الصف الأول، ولم تنفجر. ثم قفز الثلاثة، وهم يصوّبون نيرانهم نحو الرئيس. وكانوا يلتصقون بالمنصة، يمطرون الرئيس بالرصاص. وكان عبدالحميد قريباً من نائب الرئيس، حسني مبارك، وقال له: "أنا مش عايزك، إحنا عايزين فرعون". وتعطل رشاش الإسلامبولي بعد الطلقة السادسة، فألقى به أرضاً، وأخذ بندقية حسين عباس، وقال له: "بارك الله فيك، إجرِ إجرِ". وكان عطا طايل آخر من وصل إلى المنصة، لأنه وقع أرضاً، فقام وتناول بندقيته، ولم يجد أحداً جالساً فوق المنصة، فوجّه نيرانه إلى الكرسي، الذي ظـن أن السادات قريب منه. وانطلق حسين عباس هارباً، إذ بات بلا سلاح، بعد أن أخذه منه خالد.
كان السادات قد سقط مضرجاً بدمائه، منبطحاً على وجهه. بينما كان سكرتيره الخاص، فوزي عبدالحافظ ملقياً بجسده عليه، محاولاً حمايته، رافعاً كرسياً، ليقيه وابل الرصاص. كان أقرب ضباط الحرس الجمهوري إلى السادات، عميد يدعى أحمد سرحان، صاح لدى سماعه طلقات الرصاص: "إنزل على الأرض، يا سيادة الرئيس، إنزل"، ولكن بعد فوات الأوان.
صعد عبدالحميد سلم المنصة من اليسار، وتوجّه إلى حيث ارتمى السادات، ورَكَله بقدَمه، فقلَبه على ظهره، ثم طعنه بالحربة (السونكي) ، وأطلق عليه عياراً نارياً. وارتفع صوت خالد، يؤكد لوزير الدفاع أنهم لا يقصدون أحداً، إلا السادات. بينما أفرغ عبدالحميد باقي ذخيرته في سقف المنصة. وانقضى نصف دقيقة دامٍ، وانتهت معه حياة السادات.




كان حسين عباس قد لاذ بالفرار. وها هم الثلاثة الآخرون، قد انطلقوا يركضون عشوائياً، في اتجاه حي رابعة العدوية (في مدينة نصر)، تطاردهم عناصر الأمن المختلفة، وهي تطلق النيران، فأصابتهم إصابات كثيرة.
كان الناس كلهم في ذهول، والشلل قد أصاب ألسنتهم، وسُمع صوت يصرخ معلناً أن الطيران سيضرب. وتم القبض على الجناة الثلاثة، أمّا حسين عباس، فلم يمكن القبض عليه، إلاّ في فجر يوم الجمعة، 9/10/1981.
أمّا على المنصة، فقد ارتفعت الصرخات، وصرخت السيدة جيهان السادات، تخاطب سكرتيرتها، "مدام" صادق: "دول مجانين، السادات إتقتل من الخلف"، بينما السادات مطروح أرضاً، والدماء تنزف من فمه. وإلى جوار السيدة جيهان، وقفت فايدة كامل، المطربة، والمحامية، وعضو مجلس الشعب، وزوجة وزير الداخلية، وأخذت تصرخ، وجيهان تنهرها، وتأمرها بالسكوت، من دون جدوى، إذ ظلت تصرخ: "محمد، محمد، هاتوا لي محمد، يا خرابي يا محمد"، وهي تقصد زوجها، محمد نبوي إسماعيل، وزير الداخلية.
كما سقط سبعة آخرون قتلى، هم: اللواء أركان حرب حسن علام، وخلفان ناصر محمد (عُماني الجنسية)، والمهندس سمير حلمي إبراهيم، والأنبا صموئيل، ومحمد يوسف رشوان (مصور)، وسعيد عبدالرؤوف بكر، وشانج لوي (صيني الجنسية). كما أصيب كل من: المهندس سيد مرعي، وفوزي عبدالحافظ، ومحمود حسين عبدالناصر، واللواء أركان حرب محمد نبيه السيد، واللواء المتقاعد عبدالمنعم محمد واصل، ودومينكو فاسيه، سفير كوبا لدى القاهرة، ورويل كولور، سفير بلجيكا لدى القاهرة، وكريستوفر برايان (أمريكي الجنسية)، وهاجن بردك (أمريكي الجنسية)، وبرك ماكلوسكي (أمريكي الجنسية)، وعبدالله خميس فاضل (عُماني الجنسية)، ولوجوفان وينج بينج وشين فان (صينيّي الجنسية)، وجوني دودز (أسترالي الجنسية)، والعميد وجدي محمد سعد، والعميد معاوية عثمان محمد، والعميد أحمد محمد سرحان (من الشرطة)، والعقيد نزيه محمد علي، والرائد عبدالسلام متولي السبع، وآخرون.
هبطت طائرة عمودية من نوع "جازيل"، حملت الرئيس إلى مستشفى المعادي. وتحركت سيارة جيب، تحمل الجناة الثلاثة حيث الإسلامبولي يئن من إصابته، وأسفل منه، عبدالحميد، وإلى جوارهما عطا طايل، إلى المستشفى العسكري، ثم إلى مستشفى المعادي، المستشفى نفسه الذي نُقل إليه الرئيس.


أصدر وزير الدفاع أمره بعودة كل القوات المشتركة في العرض إلى وحداتها القتالية. وفي مستشفى المعادي، كان حارس ضخم البُنية، يبدو أنه الحارس الخاص للنائب حسني مبارك، يتحدث في جهاز الإرسال: "الوزراء يتوجهون إلى مجلس الوزراء، والنواب إلى مجلس الشعب".
كان سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى القاهرة، ألفريد آثرتونAlfred Atherton، أول من اتصل بالمشير أبي غزالة، وسأله عن الرئيس، فقال له: "أصيب. ولكن بجروح طفيفة". وفي الساعة الثانية مساء، قطع راديو القاهرة إرساله، ليعلن بياناً رسمياً عن الحادث:
"في حوالي الساعة الثانية عشرة وأربعين دقيقة ظهر اليوم (الثلاثاء)، أثناء مرور طابور العرض العسكري، قامت مجموعة من الأفراد بإطلاق النار تجاه المنصة الرئيسية. وترتب على ذلك إصابة السيد رئيس الجمهورية وبعض مرافقيه. وقد تم نقل سيادته إلى حيث يُجرى علاجه الآن تحت إشراف الأطباء الإخصائيين، ويتابع السيد نائب رئيس الجمهورية شخصياً ما يتخذه الأطباء من إجراءات".
وهكذا جرى نمط حياة السادات على طريقة الصدمات الكهربائية. وكأن القدر قد شاء أن يكون موته "درامياً"، على نمط حياته. فكان اغتياله أكبر صدمة، وأغرب حادثة اغتيال في منطقتنا العربية.
إن المتفحص للتقرير الطبي الشرعي، عن اغتيال الرئيس السادات، يستطيع أن يستنتج أشياء كثيرة، أهمها كيف قُتل الرئيس، وما حجم إصاباته وأماكنها، وما هي الإصابات القاتلة، وماذا كان يرتدي الرئيس السادات، وما هي المحاولات المُضنية، التي قام بها الأطباء لإنقاذ حياته، ونقاط أخرى عديدة. ويشعر الإنسان، بعد أن يفرغ من قراءة التقرير، أن كل من عليها فانٍ، ولا يبقى إلا وجه الكريم المنان. وأنه لا عظمة، ولا خُلد إلاّ لله الواحد القهار، وأن الأجل إذا حان، لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وأن الموت يدركنا ولو كنّا في بروج مشيدة. فأي بروج أكثر منعة من وجود الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، بين قواته، وهو محاط بأكثر من أربع عشرة جهة، مكلفة بحمايته والدفاع عنه، ثم يُغتال على أيدي أناس تربوا في حجر هذه القوات. فعلى الإنسان أن يأخذ العِبرَ ويتعلم الدروس، من هذه الحادثة، وليعلم أن لا ملجأ من الله إلاً إليه، وأننا سنُعرض عليه، ]فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، ويَنقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا، وأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورًا، ويَصْلَى سَعِيرًا[ (سورة الانشقاق، الآيات: 7-12). ولنتدبر قول العزيز الحكيم: ]إنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِه مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[ (سورة يس، الآيتان: 82-83).



المحاكمة


استمرت المحاكمة حوالي ثلاثة أشهر ونصف الشهر، منها تسعمائة ساعة استغرقتها المرافعات، شارك فيها نحو ستين محامياً من أشهر محامي مصر، يمثلون مختلف التيارات والأحزاب. وتحولت المحاكمة إلى محاكمة عصر السادات بأسره. وكان نجم الدفاع هو عبدالحليم رمضان، المحامي الأشهر، الذي ظل يدافع في حماس إلى أن أصابه الإعياء، فسمحت له المحكمة بالجلوس أثناء مرافعته. وكذلك المحامي الأشهر، فريد عبدالكريم، وغيرهما. ووصلت براعة الدفاع أن أوقعت المحكمة في حيرة، حين ساقت، من واقع المستندات والأقوال والتقارير الطبية، أن الإسلامبولي ورفاقه، ليسوا هم الذين اغتالوا السادات، بل إنهم وصلوا إلى المنصة، فوجدوا السادات مقتولاً، وأنهم أطلقوا الرصاص على جثته!! فسألتهم المحكمة: "من قتله، إذاً"؟ وردت هيئة الدفاع: "إنه ليس من اختصاصنا البحث عن القتلة". ولولا إصرار الإسلامبولي ورفاقه على اعترافهم، لكان للمسألة شأن آخر.



وكان الدفاع، طوال تلك الفترة، يدين فترة حكم السادات. ويركز على اعتقالات سبتمبر، وعلى الصلح مع اليهود. ويزعم أن بعض التصريحات، التي وردت على لسان السادات، في بعض خُطبه، تعَد استفزازاً للشعب كله، على حد تعبير الدفاع، مستشهداً بقول السادات عندما سُئل إن كان لديه 35 استراحة: "لا، أنا عندي مائة استراحة"!! وإهاناته لعلماء المسلمين ورجال الكنيسة، وسلخ مصر من أشقائها العرب، ومحاولة إعادة صبغتها الفرعونية القديمة.

نص قرار الإتهام


12نوفمبر 1981 ، الموافق 15 محرم 1402):
بعد الاطلاع على محاضر التحقيق، ومحاضر الاستدلالات والمرفقات .. وبعد الاطلاع على قانون الأحكام [
SIZE="3"]العسكرية، وقانون العقوبات، والقوانين المكملة .. تتهم النيابة العسكرية الآتية أسماؤهم:
1. خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، ملازم أول بالقوات المسلحة، محبوس احتياطياً.
2. عبدالحميد عبدالسلام عبدالعال علي، صاحب مكتبة، محبوس احتياطياً.
3. عطا طايل حميدة رحيل، مهندس، محبوس احتياطياً.
4. حسين عباس محمد، رقيب متطوع بالقوات المسلحة بالدفاع الشعبي، محبوس احتياطياً.
5. محمد عبدالسلام فرج عطية، مهندس، محبوس احتياطياً.
6. كرم محمد زهدي سليمان، طالب بكلية الزراعة، جامعة أسيوط، محبوس احتياطياً.
7. فؤاد محمود أحمد أحمد حنفي، وشهرته فؤاد الدواليبي، تاجر أثاث، محبوس احتياطياً.
8. عاصم عبدالماجد محمد ماضي، طالب بكلية هندسة أسيوط، معتقل. ملحـق
نص قرار الاتهام
أعلن اللواء حامد حمودة، مدير القضاء العسكري، قرار الاتهام في قضية اغتيال الزعيم الراحل، أنور السادات. وقد حضر المؤتمر الصحفي، اللواء فؤاد خليل عبدالسلام، المدعي العام العسكري، واللواء مختار محمد حسين شعبان، نائب المدعي العسكري. وفيما يلي نص قرار الاتهام، الذي أعلنه مدير القضاء العسكري أمس
9. أسامة إبراهيم حافظ، طالب بكلية هندسة أسيوط، محبوس احتياطياً.
10. دكتور عمر أحمد علي عبدالرحمن، أستاذ بكلية أصول الدين، محبوس احتياطياً.
11. عبّود عبداللطيف حسن الزمر، مقدم بالقوات المسلحة، محبوس احتياطياً.
12. صالح أحمد صالح جاهين، مهندس، محبوس احتياطياً.
13. عبدالناصر عبدالعليم أحمد درة، طالب ثانوي، محبوس احتياطياً.
14. طارق عبدالموجود إبراهيم الزمر، طالب بكلية الزراعة، جامعة القاهرة، محبوس احتياطياً.
15. محمد طارق إبراهيم محمد، طبيب أسنان، محبوس احتياطياً.
16. أسامة السيد محمد قاسم، طالب بكلية الآداب، جامعة الزقازيق، محبوس احتياطياً.
17. صلاح السيد بيومي علي، نقّاش، محبوس احتياطياً.
18. علاء الدين عبدالمنعم محمد إبراهيم، طالب بكلية التربية، جامعة الزقازيق، محبوس احتياطياً.
19. أنور عبدالعظيم محمد محمد عكاشة، طالب بكلية التربية، جامعة الزقازيق، محبوس احتياطياً.
20. محمد طارق إسماعيل المصري، سائق، محبوس احتياطياً.
21. علي محمد فرّاج علي، نجّار بالزقازيق، محبوس احتياطياً.
22. عبدالله محمد محمد سالم، طالب بكلية أصول الدين، محبوس احتياطياً.
23. صفوت إبراهيم حامد الأشوح، صيدلي، محبوس احتياطياً.
24. السيد علي محمد إسماعيل السلاموني، معيد بكلية التربية، جامعة عين شمس، محبوس احتياطي
اً
.
بأنهم في منطقة العرض العسكـري، بمدينة نصـر، وفي سائر أراضي جمهورية مصر العربية، يوم 6 أكتوبر 1981، وما قبل ذلك، ارتكبوا الجنايات التالية:
أولاً: المتهمون من الأول إلى الرابع
قتلوا، عمداً مع سبق الإصرار والترصد، رئيس جمهورية مصر العربية، الراحل محمد أنور السّادات. بأن بيّتوا النية، وعقدوا العزم على قتله غدراً، وغيلة، أثناء وجوده بالمنصة الرئيسية في العرض العسكري، يوم 6 أكتوبر 1981، لتكريم القوات المسلحة المصرية الباسلة، في ذكرى انتصارها في حرب رمضان المجيدة. إذ استغل المتهم الأول تعيينه مسؤولاً عن العناصر المشاركة في العرض من الوحدة العسكرية، التي يخدم بها، فتمكن، بطريق التحايل والتزوير، من استبدال المتهمين الثاني والثالث والرابع، بثلاثة من جنود الطاقم الأصلي للعربات قاطرة المدفع عيار 130مم. كما تمكن، بإساءة استغلال وظيفته أيضاً، من إدخال الذخائر، خاصة البنادق الآلية تسليح الطاقم، وكذا الرشاش القصير، تسليح السائق، إلى أرض العرض العسكري، ومن الاحتفاظ بإبر ضرب النار خاصة الأسلحة المذكورة، وذلك على الرغم من التعليمات، القاضية بسحب تلك الإبر، وعدم تواجد تلك الذخائر أثناء العرض العسكري.
كما تمكن من إدخال أربع قنابل يدوية، شديدة الخطورة، تحتوي كل منها على عدد كبير من الشظايا، إلى أرض العرض. احتفظ باثنتين منها، وسلّم الأخريين لكل من المتهمين الثاني والثالث.
وأثناء سير العربة قاطرة المدفع، التي يركبها، وكان جالساً بجوار السائق بالكابينة، بينما كان الجناة الثلاثة الآخرون، يجلسون وسط سائر الطاقم، أعلى العربة، تمكن من إكراه السائق على التوقف أمام المنصة الرئيسية مباشرة، وأسرع إلى النزول، ملقياً قنبلة يدوية. كما أسرع المتهمان، الثاني والثالث، بإلقاء قنبلتيْن أخريين في اتجاه المنصة، فانفجرتا قريباً منها. ثم قام المتهمان، الثالث والرابع، بإطلاق دفعة نيران من بندقيتيهما الآليتين، فأحدث ذلك مفاجأة شديدة للجالسين بالمنصة، وللقائمين على حراسة الرئيس، مما أدى إلى اضطرارهم لخفض رؤوسهم، وفي ثوانٍ معدودة، كان المتهم الأول قد اختطف الرشاش القصير، الخاص بالسائق، من "الكابينة". وقفز الجناة الثلاثة الآخرون فبلغوا جميعاً المنصة الرئيسية، حيث كانت لا تبعد عن موقع وقوف العربة بأكثر من خمسة وعشرين متراً فقط. وأمكنهم تصويب أسلحتهم من الاتصال القريب، سواء بالمواجهة أو من الجانبيْن، صعوداً على السلّميْن، الأيمن والأيسر للمنصة، وأفرغوا ذخائرهم كلها، مع التركيز على الموجودين بالصفوف الأولى، وخاصة الرئيس الراحل، مما أدى إلى إصابته بالإصابة الموضحة بالتقرير الطبي الشرعي، والتي أدت إلى وفاته.
وقد اقترنت الجناية المذكورة في نفس المكان والزمان بجنايات قتل عمد، وشروع في قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد لآخرين، كانوا بالمنصة الرئيسية وحولها، حيث كان الجناة قد بيّتوا النية وعقدوا العزم على قتل كل مَن يستطيعون قتله ممّن يعين الرئيس ويواليه، فأصيب كل من اللواء أ.ح حسن علاّم، وخلفان ناصر محمد (عُماني الجنسية)، ومهندس سمير حلمي إبراهيم، والأنبا صموئيل، ومحمد يوسف رشوان (مصور)، وسعيد عبدالرؤوف بكر، وشانج لوي (صيني الجنسية) .. بالإصابات الموضحة بالتقارير الطبية الشرعية، التي أدت إلى وفاتهم.
كما أصيب كل من السادة: المهندس سيد أحمد مرعي، وفوزي عبدالحافظ، ومحمود حسين عبدالناصر، ولواء أ.ح محمد نبيه السيد، ولواء متقاعد عبدالمنعم محمد واصل، وماهر محمد علي، ودومينكو فاسيه (سفير كوبا)، ورويل كولور (سفير بلجيكا)، وكريستوفر برايان (أمريكي الجنسية)، وهاجن بردك (أمريكي الجنسية)، وبرك ماكلوسكي (أمريكي الجنسية)، وعبدالله خميس فاضل (عُماني الجنسية)، ولوجوفان (صيني الجنسية)، وينج بينج (صيني الجنسية)، وشين فان (صيني الجنسية)، وجوني دودز (أسترالي الجنسية)، وعميد وجدي محمد سعد، وعميد معاوية عثمان محمد عثمان، وعميد شرطة مدنية أحمد محمد سرحان، وعقيد نزيه محمد علي، ورائد عبدالسلام متولي السبع، ورائد عباس مصطفى خليل بركات، ونقيب محمد إبراهيم محمد سليم، وجعفر علي محمود صالح، وبرعي محمد عوضين، وملازم أول محمد عبداللطيف عبدالعزيز زهران، ورقيب أول محمد علي علي عيد، وعريف محمد أحمد بدوي شاهين .. بالإصابات الموضحة بالتقارير الطبية وخاب أثر الجريمة لأسباب لا يد للجناة فيها إذ أُسعفوا بالعلاج وقدر لهم المولى ـ سبحانه ـ البقاء على قيد الحياة.



ثانياً: المتهم الخامس: محمد عبدالسلام فرج عطية
اشترك، بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة، مع المتهمين، من الأول إلى الرابع، في الجنايات السالف بيانها في أولاً بعاليه، بأن حرّضهم على استباحة الدماء الزكية، بتأويلات خاطئة للأحكام الشرعية الإسلامية، أثبتها في كتيّب وضعه، أسماه "الفريضة الغائبة"، سقاهم سمَّه، وأشرب قلوبهم زيفه، فأطاعوه. وتلاقت إراداتهم الآثمة على تصميم قاطع على اغتيال الرئيس الراحل، ومَن يحيط به من رجالات الدولة، في المنصة الرئيسية، أثناء العرض العسكري. كما أعانهم على جنايتهم الغادرة بتدبير القنابل اليدوية والذخائر، فوقعت تلك الجنايات، بناء على تحريضه واتفاقه ومساعدته، على النحو الموضح تفصيلاً بمدونات التحقيق.
ثالثاً: المتهمون من السادس إلى التاسع
اشتركوا مع المتهمين، من الأول إلى الرابع، في ارتكاب الجنايات المبيّنة في أولاً بعاليه، بطريق الاتفاق، حال كونهم من قادة المجموعات، التي تدين بالفكر المنحرف، الذي يدعو إليه المتهم الخامس، والذي ينادي بقتل وليّ أمر البلاد ومَن يواليه. فاتحدت إراداتهم، وتلاقت عزائمهم على وضع مناهجهم الدموية موضع التنفيذ، باغتيال الرئيس الراحل ومَن حوله، أثناء العرض العسكري. فحضروا من بلادهم في صعيد مصر، وتقابلوا مع المتهمين الأول والخامس، حيث عرض عليهم الأول خطته الإجرامية، فوافقوا عليها، ثم عادوا، مرة ثانية، قبيل يوم العرض العسكري، فتأكدوا من مضيّ العزم على تنفيذ ذلك العدوان الغادر. وقد وقعت الجنايات السالف بيانها في أولاً، بناء على ذلك الاتفاق.
رابعاً: المتهم العاشر
اتفق، بطريق التحريض، مع المتهمين من الأول إلى التاسع، على ارتكاب الجنايات السالف بيانها في أولاً، بأن قبل الزعامة على جماعتهم الضالة، مع علمه بمنهاجهم الأثيم، الذي يستبيح الدماء الزكية والأموال المصونة. كما أفتى لهم الفتاوى، التي شجعتهم على تنفيذ ما عقدوا العزم عليه، فقارفوا جنايتهم الشنعاء بناء على ذلك، حسب ما كشف عنه التحقيق تفصيلاً.
خامساً: المتهمون من الحادي عشر إلى الرابع والعشرين
اشتركوا، بطريق الاتفاق والمساعدة، مع المتهمين من الأول إلى الخامس، في ارتكاب الجنايات الموضحة في أولاً بعاليه. وذلك بعد اعتناقهم الفكر المنحرف، الذي يدعو إليه المتهم الخامس، والذي يحض على قتل رئيس البلاد ومَن يواليه. وحينما عرضت عليهم خطة مهاجمة المنصة الرئيسية، أثناء العرض العسكري، واغتيال الرئيس ومن مَعه، وافقوا جميعاً، وبادروا بتسخير أنشطتهم وأوقاتهم وإمكانياتهم، واضعين أنفسهم تحت إمرة المتهم الخامس، لتنفيذ ذلك المخطط الإجرامي، الذي كان يتولى قيادته. فأحضروا القنابل والذخائر، التي استخدمها الفاعلون الجناة، وقاموا بنقل التعليمات وتحقيق الاتصالات، وأعانوا ذلك المتهم الخامس على التنقل بسياراتهم والاختفاء في بيوتهم، حيث كان متخفياً عاجزاً عن الحركة الذاتية، لكسرٍ بساقه. وقد وقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة، على التحديد الذي كشف عنه التحقيق تفصيلاً.
سادساً: المتهمون جميعاً، ما عدا المتهم العاشر
حازوا وأحرزوا الأسلحة والذخائر، بغير ترخيص قانوني. كما حازوا وأحرزوا واستخدموا المفرقعات، بغرض ارتكاب اغتيال سياسي، على التحديد الموضح بالتحقيقات.
وبناء عليـــه
تطلب النيابة العسكرية عقابهم بمقتضى المواد 39، 40، 41، 43، 45، 46، 102أ، 102ب، 230، 231، 232، 234/2، 235 من قانون العقوبات، والمواد 1، 6، 26/2، 4، 30 من القانون 364 لسنة 1954 وتعديلاته، والجدول رقم 3 الملحق به.

التوقيع:
لواء مختار محمد حسين شعبان
نائب المدعي العام العسكــري
10/11/1981 التوقيع:
لواء فؤاد خليل عبدالسلام
المدعي العام العسكــري
10/11/1981


الالتماس الذي قدم للرئيس حسني مبارك

التماس مقدّم إلى السيد رئيس الجمهورية
بشأن التصديق على الحكم الصادر
في القضية رقم 7 لسنة 1981،
عسكرية عليا
يا سيادة الرئيس
قضت المحكمة العسكرية العليا، منذ أيام، بعقوبة الموت على خمسة من المتهمين في قضية مقتل الرئيس السابق، المرحوم محمد أنور السادات، وبعقوبات مختلفة على باقي المتهمين.
ولما كانت هذه القضية، بكل ملابساتها وعناصرها، ونتائجها ومقدماتها، والموقع الذي جرت فيه، والوقت الذي تمت أثناءه، هي ثمرة حقبة كاملة من حياة مصر، في فترة من أشد فترات هذه الحياة السياسية: داخلية وخارجية، والاجتماعية، والاقتصادية، ازدحاماً بكبريات الأمور، ولمّا كانت مصلحة البلاد ـ فيما نعتقد ـ تهمنا في المقام الأول، فقد نظرنا في أمر هذه القضية، وأمر المتهمين فيها، ولا سيما من قضي عليهم منهم بحكم الموت، ثم أمر المصلحة العامة، فرأينا أول ما رأينا، أن هؤلاء الشبّان الصغار، المحكوم عليهم بالموت، لم تقُم بينهم وبين السادات خصومة شخصية، ولم يدفعهم إلى العمل، الذي أقدموا عليه، طمع في مال، أو جاه أو نفوذ، فقد كانت غايتهم ـ على ما ظهر من أقوالهم، وما نشر من محتويات الدعوى، والجزء المنشور من الحكم الصادر فيها ـ هي تحقيق العقيدة، التي ملأت نفوسهم من جميع أقطارها، والتي أوحت إليهم أن العمل، الذي نفّذوه فيما بعد، دفاع عن الوطن ومصالحه الكبرى، وردّ للعوادي عنه، وإصلاح ما اعوجّ وفسد من أموره. وقد استبدّ بهم هذا الإيمان، حتى تم على أيديهم ما تم. وقد كان نظرنا هذا، بعد التجرّد من كل دافع أو حافز لا ترضى عنه بلادنا، أو لا تقرّه تقاليدها الرفيعة. ولسنا نزكِّي أنفسنا، فالله وحده يزكِّي من يشاء من عباده.


يا سيادة الرئيس
إننا نؤمن ـ ككل المسلمين ـ أن القصاص شريعة الإسلام، وأن التهاون في التمسك به، مضيع للأمة. وكلنا نؤمن أيضاً، أنه من أصول القوانين وقواعدها الأساسية، أن لكل جريمة ظروفاً، وأن من هذه الظروف ما يخفف العقوبة المقررة للجريمة، ومن هذه الظروف ما يعبر عنها. ففي القانون، جرائم قتل يُعفى مرتكبها من العقاب، وفيه جرائم قتل ينخفض فيها الجزاء إلى الحبس، وفي القانون نصوص عامة، تقضي صراحة، عند توافر ما نصّت عليه، أن تهبط المحكمة بالعقوبة إلى أدنى حدٍّ. والقاضي الذي يغمض عينيه عن تلك الظروف، لا يؤدي واجبه على الوجه الصحيح.
ومن خصائص الشريعة الإسلامية السمحة، أنها تطلب من قضاة الشرع، أن يلتمسوا سُبُل النأي عن إيقاع العقاب، أيّاً كان مقداره، كلما وجدوا لذلك مخرجاً سليماً، تطبيقاً لقاعدة "ادرأوا الحدود بالشبهات". وقد بلغ القضاء الإسلامي، في تطبيق هذه القاعدة، مبلغاً من حقّه أن يُفاخر به أنظمة القضاء الأخرى، فقد أعفى الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب غلماناً من حدِّ القطع المقرر للسرقة، لأنه وجد أن الذي يستخدمهم، يُجيعهم حتى دفعهم إلى الجريمة. بل إنه أوقف هذا الحدَّ لعامٍ كاملٍ، هو عام المجاعة، الذي شحّت فيه الأرزاق، وقلّت الأقوات. وقد أمر رسول الله منع الحدّ خلال الحرب، بقوله الشريف: ]لا قطع في السفر.
كل هذه أدلة وشواهد، تؤكد أن شريعة المسلمين، تُقيم للظروف الملازمة للجريمة وزنها. وليس في هذا ـ بطبيعة الحال ـ تعطيل للشريعة، ولا إشاعة للفتنة، وإنما هذا كله استلهام لروح القانون، واستيحاء، وهذا كله جزء لا ينفصل عن القانون، لا يستقيم بغيره، ولا يصلح المجتمع بسواه. وفي مصر، سوابق تعِين على فهْم هذا المبدأ. ففي عهد الإنجليز، حين بلغ الطغيان أقصاه، وكان إهدار دواعي الرحمة بغير تحرج ولا أناة، أعفى الحكم البريطاني عبدالفتّاح عنايت من عقوبة الموت، بعد محاكمة ثبت فيها أنه شارك في قتل العديد من رجالات الإنجليز، عسكريين ومدنيين، لمجرد أن أخاه المرحوم عبدالحميد عنايت، حُكم عليه بنفس عقوبة الموت، بذات الحكم، فكبر على الإنجليز أن يقتلوا شقيقَيْن في حكم واحد، وينفذوا الحكم فيهما في يوم واحد.


كما اتهم شابان بقتل مستشار مصري عظيم، له سابقة في العمل الوطني، هو المرحوم المستشار أحمد الخازندار، فكان مبرر قتله عند قاتلَيه، أنه أصدر حكماً قاسياً في قضية وطنية. وكان الظنّ عند جميع الناس، أن المستشارين الذين ينظرون قضية هذين الشّابيْن، لن يقضوا عليهما بأقل من عقوبة القتل، لأن قتل قاضٍ اعتراضاً على حكم أصدره، سيلغي معنى القضاء، ويتحدى رسالته. ولكن المحكمة، التي حاكمت الشّابيْن، أعفتهما من عقوبة الموت، تقديراً لظروف تلك الفترة، التي سادها اضطراب في النفوس بسبب القلق الوطني، ولم تمضِ إلاّ سنوات قليلة، حتى أطلقت حكومة الثورة ـ وكان من أعضائها الرئيس القتيل السادات نفسه ـ سراح هذين الشّابيْن، وهما الآن يتمتعان بحريتهما، ولم يسمع أحد عنهما سوءاً. ومما يجب ذكره هنا، أنه لم تقع، بعد ذلك العفو، أية جريمة مشابهة. فلم يُعتَد على قاضٍ حتى بمجرد اللفظ النابي، بما يقطع بأن الجرائم ثمرة الظروف العامة، والقهر والعنف، وسوء الأحوال.
سيادة الرئيس
إن دول العالم كلها ألغت، تقريباً، عقوبة الموت، ولا سيما ما يصدر في القضايا السياسية. ولكن الإسلام سبق هذه الدول جميعاً، بما قرره في شريعته السمحة، من أن وليّ الدم، يملك دائماً أن يعفو عن القاتل، مقابل ديَة يقتضيها وبغير ديَة. وقد حدث، فور اغتيال الفاروق، عمر بن الخطّاب ـ t ـ أن طاش صواب ابنه حزناً على أبيه، وغضباً على قاتليه، فقتل اثنين أو ثلاثة من زمرة القاتل. هناك، تنادى صحابة رسول الله بوجوب نفاذ الحدِّ في ابن الخليفة الثاني. ولكن عثمان بن عفّان قدّر الظروف السياسية المحيطة بالأمر، وقتذاك، فرفع الحدَّ عن ابن عمر، ودفع ديَة من بيت المال، وقال إنه وليّ الدم.
يا سيادة الرئيس
إن المادة 149 من الدستور، قد خوّلت رئيس الجمهورية حق العفو عن العقوبة أو تخفيضها. ونحن استناداً إلى هذا النص، أي استناداً إلى قانون القوانين، نتجه إليك لتستعمل هذا الحق، في حالة، لا نحسب أن مصر شهدت حالة، تستوجب استعمال هذا الحق أكثر منها.
فنحن أولاً في نطاق الدستور والقانون، حيث نلتمس منك العفو عن هؤلاء الشبان، الذين أثبتت وقائع الدعوى، أنهم مؤمنون بما فعلوا، فقد ظهروا، في أشدّ المواقف حرجاً، رابطي الجأش، حاضري الذهن، حَسَنِي التدبير. وهي أمور لا تتوافر لقاتل، إلاّ وهو يؤمن بأنه نذر نفسه ودمه وروحه لمثلٍ أعلى.
ولا نحسب أننا نتجنى على الحق والواقع، إذا قلنا إن سيرة الرئيس السابق في الحكم، ولا سيما في السنوات الأخيرة، وتعطيله للحرية دفعة واحدة، وهي الحرية التي طالما تغنى بأنه حاميها ومحاميها، وزجّه لأصحاب الرأي بالمئات والألوف، من كل لون وسن ودين، في السجون، والإسراف في تعذيبهم وإيذاء ذويهم، وإهاناته المستمرة لشيوخ وعلماء الإسلام، مما أثار غضب وحنق الأمة في مصر وخارجها، دعْ عنك ما جرى في إدارة الشؤون العامة، التي ضاعفت في أزمات الشعب وسوء حاله .. مما فاضت به التقارير الرسمية والأحكام القضائية، بل أكدتموه أنفسكم بالتعهد بالضرب على أيدي المستغلين والمرتشين، والذين يعطون العمولات، والذين يتقاضونها. ولا نحسب أننا نتجنى على الحق، إذا قلنا إن هذا كله قد أرهق، بلا شك، ولا شبهة، أعصاب هؤلاء الشبّان الصغار، وهم في مقتبل العمر وعنفوان الشباب، وكان المستقبل أمامهم مديداً، وكان الأمل في نجاحهم وتفوّقهم عظيماً، لِمَا يتمتعون به من المواهب، والفضائل.
فإذا كان قضاتهم، قد رأوا أنهم يستحقون أقصى العقوبة، فأنتم ـ بحكم مكانتكم الكبيرة وإدراككم لما يظهر ويختفي من الاعتبارات، التي لا يجوز أن تهمل ـ جديرون بالتخفيف في الحكم، ليكون الحكم إلى العدل أقرب، وإلى الرحمة أدنى.
وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام،
كمال الدين حسين فتحي رضوان



الحكم في قضية اغتيال الرئيس محمد أنور السّادات


أمس، (6 مارس 1982)، أعلنت المحكمة العسكرية العليا حكمها في قضية اغتيال الرئيس الراحل، محمد أنور السّادات، بعد خمسة أشهر كاملة. فقد اغتيل الرئيس السادات في السادس من أكتوبر الماضي، وصدر الحكم في السادس من مارس 1982.
أعلنت المحكمة العسكرية حكمها، بعد جلسات طويلة، بدأت منذ 21 نوفمبر الماضي، بجلستين علنيتين. ثم قررت المحكمة عقد جلساتها سرية، حفاظاً على أسرار القوات المسلحة، حيث استمعت، في ست جلسات، إلى ثلاثة عشر شاهد إثبات، ثم إلى ثلاثة من شهود النفي. وأفردت المحكمة للدفاع عن المتهمين جلسات طويلة، قررت في نهايتها، يوم الأربعاء الماضي، قفل باب المرافعة، والنطق بالحكم في جلسة علنية، في الحادية عشرة من صباح أمس.


ومنذ الصباح الباكر، كان هناك نفس إجراءات الأمن المشددة، التي اتخذت منذ بداية المحاكمة، نظراً إلى أهميتها. وحملت سيارات الأتوبيس، التابعة للقوات المسلحة، أكثر من 150 من رجال الإعلام، بأجهزتهم، كانوا قد تجمعوا، منذ الثامنة صباحاً، بمبنى إدارة الشؤون المعنوية. وسارت بهم، في التاسعة والنصف صباحاً، إلى مبنى المحكمة، في طريق يحيط به رجال المظلات المدججون في السلاح. وظل الصحفيون ينتظرون في إحدى غرف المحكمة حتى الحادية عشرة إلاّ الربع، حينما سُمح لهم بدخول القاعة.
وكان المتهمون قد سبق وصولهم إلى داخل قفص الاتهام، حيث حاولوا، أمام ممثلي الصحافة، إشاعة جو من الضوضاء. وتسلّق بعضهم حديد قفص الاتهام.
وبعد مضيّ 25 دقيقة، على هذا الجو المشحون، ووسط هذه الضوضاء، انقطع التيّار الكهربي فجأة، ولم تفلح الجهود في إعادته، وأُخليت القاعة من الصحفيين وأجهزة الإعلام، حيث انتظروا في قاعة مجاورة، انتظاراً لإعادة التيار. وطال الانتظار، والتيار الكهربي لا يزال مقطوعاً. وفشلت المحاولات في توصيله للقاعة، من طريق محوّل كهربي. بعدها، تقرر إعداد قاعة جديدة، في ردهة المحكمة، تم نقل المنصة إليها على عجَل.
وفي الواحدة تماماً، أُعلن بدء الجلسة. وأحاط الصحفيون بالمنصة، داخل القاعة الجديدة، واعتلوا المقاعد، واشرأبت الأعناق. وفي الواحدة وعشر دقائق، صاح الحاجب، بندائه التقليدي: "محكمة"، لتدخل هيئة المحكمة العسكرية العليا، يتقدمها رئيسها، اللواء سمير فاضل، رئيس المحكمة، واللواءان مصطفى ماهر فاضل وعبدالعزيز مصطفى الشاعر، وممثلو الادعاء اللواء فؤاد خليل عبدالسلام، المدعي العام العسكري، واللواء مختار محمد حسين شعبان، نائب المدعي العسكري، واللواء الدكتور يحيى الشيمي، مساعد المدعي العسكري، والعقيد البحري محمود عبدالقادر، رئيس النيابة العسكرية.
رئيس المحكمة: "بسم الله تفتح الجلسة. نادِ على المتهمين".
سكرتير الجلسة: "المتهم الأول، خالد شوقي الإسلامبولي".
قائد أمن قاعة المحكمة: "يا افندم، المتهمين في القفص بيصيحوا داخل القاعة، وعاملين ضوضاء ودوشة، ولو جم حيعملوا شوشرة على المحكمة".
رئيس المحكمة: المحكمة توافق على وجودهم خارج القاعة.
ثم بدأ رئيس المحكمة في قراءة الأحكام.
القضية رقم 7 لسنة 1981 أمن دولة عسكرية عليا .. باسم الشعب
بعد الاطلاع على مواد الاتهام، والمادة 75 من قانون الأحكام العسكرية، والمواد 17، 30، 32 من قانون العقوبات، والمادة 604 من قانون الإجراءات الجنائية، وبعد المداولة قانوناً، حكمت المحكمة حضورياً:
أولاً : بمعاقبة كل من المتهمين: الأول، الملازم أول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، والثاني، عبدالحميد عبدالسلام عبدالعال علي، والثالث، عطا طايل حميدة رحيل، والرابع، رقيب متطوع حسين عباس محمد، والخامس، محمد عبدالسلام فرج عطية، بالإعدام بإجماع الآراء، نظير التهمتين المنسوبتين إلى كل منهم.
ثانياً : بمعاقبة كل من المتهمين: الحادي عشر، المقدم عبود عبداللطيف حسن الزمر، والرابع عشر، طارق عبدالموجود الزمر، والخامس عشر، محمد طارق إبراهيم محمد، والسادس عشر، أسامة السيد محمد قاسم، والسابع عشر، صلاح السيد بيومي علي، بالأشغال الشاقة المؤبدة ، نظير التهمتين المنسوبتين إلى كل منهم.
ثالثاً : بمعاقبة كل من المتهمين: السادس، كرم محمد زهدي سليمان، والسابع، فؤاد محمود أحمد أحمد حنفي، وشهرته فؤاد الدواليبي، والثامن، عاصم عبدالماجد محمد ماضي، والتاسع، أسامة إبراهيم حافظ، بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة ، نظير التهمة المنسوبة إلى كل منهم في البند ثالثاً من قرار الاتهام. وبراءة كل منهم من التهمة المنسوبة إليه في البند سادساً من قرار الاتهام.
رابعاً : بمعاقبة كل من المتهمين الثاني عشر، صالح أحمد صالح جاهين، والثاني والعشرين، عبدالله محمد محمد سالم، والثالث والعشرين، صفوت إبراهيم حامد الأشوح، بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة، نظير التهم المنسوبة إلى كل منهم بالبند خامساً من قرار الاتهام، وبراءة كل منهم من التهمة المنسوبة إليه بالبند سادساً من قرار الاتهام.


خامساً : بمعاقبة المتهم العشرين، محمد طارق إسماعيل المصري، بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة ، نظير التهمتين المنسوبتين إليه.
سادساً : بمعاقبة كل من المتهمين، الثامن عشر، علاء الدين عبدالمنعم محمد إبراهيم، والتاسع عشر، أنور عبدالعظيم محمد محمد عكاشة، والحادي والعشرين، علي محمد فرّاج علي، بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات ، نظير التهمة المنسوبة إلى كل منهم، في البند سادساً من قرار الاتهام، وبراءة كل منهم من التهمة المنسوبة إليه في البند خامساً من قرار الاتهام.
سابعاً : معاقبة المتهم الثالث عشر، عبدالناصر عبدالعليم أحمد درة، بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات ، نظير التهمة المنسوبة إليه في خامساً من قرار الاتهام، وبراءته من التهمة المنسوبة إليه في البند سادساً من قرار الاتهام.
ثامناً : ببراءة كل من المتهمَيْن، العاشر، الدكتور عمر أحمد علي عبدالرحمن، والرابع والعشرين، السيد علي محمد إسماعيل السلاموني، مما هو منسوب إلى كل منهما.
تاسعاً : مصادرة المضبوطات والأسلحة والذخائر المضبوطة، على ذمة القضية. وقدّرت المحكمة أتعاب محاماة للسادة المحامين المنتدبين بواقع 100 جنيه عن كل متهم، تمّت المرافعة عنه.
وصـدر هذا الحكم، وتم النطق به علناً، في جهة الجبل الأحمر، بالقاهرة، في جلسة السبت الموافق 6 مارس 1982.
ثم رفع رئيس المحكمة الجلسة




المحاكمة الخامسة

محاكمة بيار لافال







من هو بيار لافال :


بدأ لافال مهنته السياسية مع الاشتراكيين. عام 1919 التحق لأول مرة بالبرلمان الفرنسي، بدءا من عام 1925 شغل عدة مناصب وزارية، كان بين عامي 1932 و 1933 وكذلك 1935 و 1936 رئيس وزراء فرنسا. مثل بلده عام 1934 بشأن مفاوضات زارلاند لدى عصبة الأمم، في عام 1935 شارك بصفته رئيسا للوزراء في اتفاقية هور ـ لافال، واقترح التفاوض بين فرنسا وبريطانيا لإبرام معاهدة صلح بين إيطاليا وإثيوبيا.

المحاكمة :


في الرابع من شهر تشرين الاول – اكتوبر من عام 1945 ، بدأت محاكمة بيار لافال ، رئيس وزراء فرنسا في حكومة الماريشال بيتان . لافال الذي يرى فيه معظم الناس المسؤول الاول عن معاناة الشعب الفرنسي في الفترة ما بين عامي 1940 – 1944 وهي الفترة التي كانت فيها فرنسا محتلة من قبل المانيا النازية . ولهذه الغاية ، تشكلت محكمة عليا ، نظرت في البدء في قضية الماريشال بيتان رئيس الدولة الفرنسية السابق ما بين تموز – يوليو واب – اغسطس سنة 1945 . وها هي اليوم تنظر في قضية لافال ، وبعد ذلك ، في قضايا جميع الوزراء والنافذين في حكومة فيشي . وهيئة المحلفين في هذه المحاكمة في هذه المحاكمة كانت قد تألفت من ستة وثلاثين محلفاً ، نصفهم من عناصر المقاومة والنصف الاخر من اعضاء مجلس النواب المنتخب في ظل الجمهورية الثالثة . غير ان هذا العدد عاد واختصر الى اربعة وعشرين : اثنا عشر منهم من البرلمانيين والاثنا عشر الاخرون من غير البرلمانيين . هذا التوزيع اثار انتقادات لاذعة من قبل الفرنسيين، ذلك ان الانتخابات النيابية لم تكن قد جرت بعد عندما تقرر ذلك . وهي لم تجر الا بعد ثلاثة اسابيع من بدء المحاكمة . يضاف الى ذلك ان الجمهورية الثالثة كانت غير قائمة فعلاً . فقد سبق واولت هذه الجمهورية كافة صلاحياتها الدستورية الى الماريشال بيتان . اما الجمهورية الرابعة ، فانها لم تبدأ قانوناً الا بعد انتخابات العاشر من تشرين الثاني – نوفمبر والثامن من كانون الاول – ديسمبر من سنة 1945 . كل هذا يعني ان ما تقرر بالنسبة لتشكيل هيئة المحلفين ، انما تقرر في الفراغ الدستوري ، وبالتالي ، يعتريه عيب جوهري .وقد اثار محامو بيتان هذه النقطه اثناء محاكمته . لكن المحكمة ردت الاعتراض واعتبرت نفسها صالحة للنظر في القضية . وهذا ما تم بالفعل . لذلك لم يعد من المفيد العودة الى هذه النقطة في محاكمة لافال . بدأت المحاكمة بعد ان احتل كل من الرئيس والاعضاء وهيئة المحلفين اماكنهم . اما المتهم ، فقد كان في القفص شاحباً ، مما يوحي بأنه كان مريضاً . مقاعد الدفاع وحدها كانت شاغرة . لماذا ؟ هذا السؤال طرحه الحضور كل على نفسه . وسرعان ما أتى الجواب عندما قرأ الرئيس كتاباً من محامي الدفاع الثلاثة يقولون فيه ان " التحقيقات التي سبق وطلبناها لم تؤمن ، على الرغم من الوعد بتأمينها . ونحن نخشى ان تؤدي السرعة في اجراء المحاكمة ، والتي املتها ضغوطات سياسية ، لا اعتبارات قضائية الى التضحية بالعدالة . يتضح هذا من قول رئيس المحكمة انه سينتهي من المحاكمة باكملها قبل الانتخابات ، ولو اضطره ذلك الى وصل الوقت صباحاً وظهر ومساء ". ولو علمنا ان الانتخابات عينت في 21 تشرين الاول – اكتوبر ، وان المحامي الذي كتب الرسالة باسمه واسم زميلة هو من قدام المقاومة ، ولا يكن بالتالي اي تعاطف مع المتهم ، وقد عينته المحكمة نفسها ، لاتضح الثقل الذي ارخت به الرسالة على المحكمة ، والاحراج الذي سببة لها . والواقع ان التحقيقات بمعظمها اختزلت ، ان لم نقل نسفت . فبعد ان كان قاضي التحقيق يزمع اجراء خمس وعشرين جلسة ، انزل العدد الى سبع ، ودون اي تعليل . هذا بالاضافة الى ثغرات اخرى في ملف الدفاع نفسه . وثغرات التحقيق والدفاع هذه حصلت بالطريقة عينها في ملف محاكمة بيتان التي تمت . غير ان مكابرة رئيس المحكمة ادت الى اعتبار رسالة محامي الدفاع نوعاً من الابتزاز وها هو يصرخ من على القوس منفعلاً : قلت واكرر انني لن اؤخذ بالمناورات . ولن اسمح بالعودة الى هذه النقطة ! وتلاه المدعي العام الذي استنكر هو الاخر رسالة الدفاع ، لا سيما ما جاء فيها من ان المحكمة تتأثر بضغوطات سياسية . لكن لافال ينتفض في قفصه ليصرخ في وجهه :
لكن الواقع هو ان هذا صحيح . وانت نفسك كنت في حكومتي ! واليوم تسوق ضدي تهماً من انواع مختلفة ، لا يحق لكم ذلك ، بامكانكم فقط قتلي . اما ما عدا ذلك فلا . ويعود المدعي العام لينتفض في وجه المتهم ملصقاً به مسؤولية ما حل بفرنسا من احتلال ومعاناة طوال خمس سنوات . واما عن اختصار التحقيقات ، فقد رد الملاحظة معتبراً انها تفتقر لاي دليل.



لكن لافال اجاب مدافعاً :
اذا كنت اقف متهماً في هذا القفص ، فلاني حاولت تجنيب بلادي ويلات الحرب . صحيح انني قابلت هتلر وموسوليني وستالين والبابا ، لكن الصحيح ايضاً انني فعلت ذلك من اجل فرنسا. وقد كنت مستعداً لمقابلة الشيطان والتحدث معه من اجل هذه الغاية .

وساد في القاعة صمت عميق . صمت قطعة المتهم عندما اكمل قائلاً :

غلطتي الكبرى هي انني وثقت بالماريشال بيتان . هذا الرجل لم يكن رجل الظرف . واذا كنتم تعتقدون انكم باتهامي تدافعون عن فرنسا ، فاني اقول لكم انكم بالاستماع الي تعرفون كم خدمت بلدي . اما عن التحقيقات ، فاني اطلب تمديد مهلتها ثمانية ايام للتوسع فيها .

ولم تقبل المحكمة الطلب . فينتقض لافال ثانية ويقول :

غريب هذا الامر فعلا ! اعتقد ان مثل هذا الطلب هام ، حتى ولو جاء في قضية سرقة واحد من المخازن الكبرى .

ويلتفت الى المدعي العام ليقول في وجهه :
قرأت قرار الاتهام الذي نظمته بحقي . انه عبارة عن مقال رديء في صحيفة . فالاتهامات التي تلصقها بي رهيبة . الهدنة ؟ الا ترى انه كان لا بد منها وانها كانت مطلب 99% من الفرنسيين ؟ ويضيف بعد تنهد :
عندما يحارب العسكريون عندنا ، فانما يحاربون بشكل سيء جداً . أما عندما يتدخلون في السياسة ، فان تدخلهم يكون أسوأ بكثير .

وحتى يعرف الجميع ان المقصود بهذه الملاحظة هو الجنزال ديغول ، فقد اضاف : استميح الجنرال ، الذي هو الان في السلطة ، عذراً لكنني اعتبر ، وهو في هذا الموقع ، انه مدني ليس الا . وتجري ملاسنة حادة بين المدعي العام والمتهم ، يصرخ في نهايتها هذا الاخير في وجه خصمه قائلاً :
لن تتمكنوا من السيطره على افكاري وعلى مشاعري . يمكنكم الحكم علي فوراً بالاعدام . احكموا علي فهذا سيكون اكثر وضوحاً .

وهنا ، ينفعل الرئيس ويأمر الشرطة باخراج المتهم . فيرد هذا قائلاً : لا لزوم لذلك . سأخرج وحدي .

ويخرج فيصفق له احد الوزراء في حكومة فيشي . وعندما عاد الهدوء الى القاعة ، أعلن الرئيس انه يرفع الجلسة لتعقد في اليوم التالي ، ولو دون وجود المتهم .

وخرج الحضور وفي اذهانهم ان شيئا ما غير طبيعي يحدث في هذه المحاكمة وان لافال كان على صواب عندما اشار اليه بوضوح . في اليوم التالي ، بدأت الامور مختلفة بعض الشىء . فقد اعلن الرئيس ان المحلفين رجوه بالاجماع ان يسمح للمتهم بالعودة الى القاعة شرط ان لا يعاود سلوكه بالامس ، تحت طائلة طرده نهائياً منها . اما محامو الدفاع ، فقد قطعوا امتناعهم عن الحضور واتوا جميعاً ليحتلوا مقاعدهم . جديد اخر ، وهو ان الاستماع الى رئيس الجمهورية السابق ، البير لوبرون ، قد ارجىء الى وقت اخر سيعلن فيما بعد .

بدأ محامي الدفاع الجلسة بتوضيح اساب عدم حضوره بالامس ، هو وزملاؤه ، قائلاً ان مستندات التحقيق لم تودع اياهم كلها . ولهذا استوجب " اعلان ذلك للملاً ، حتى يأخذ الرأي العام علماً به وبالتالي ، بالحد من حقوق الدفاع المقدسة " .

ثم انتقل الى انتقاد سوء معاملة موكله طوال فترة التوقيت . فالزنزانة التي وضع فيها لا مثيل لها في السجن لاي موقوف من الموقوفين السياسيين . هذه الملاحظة لم ترق للرئيس مما تسبب في تعكير الجو ، لولا ان تدخل نقيب المحامين ورطب الاجواء بعض الشيء. لكن الاعصاب كانت اصبحت من التوتر بحيث تنذر بما قد لا تحمد عقباه .

وانهى محامي الدفاع ملاحظاته بطلب اعادة القضية برمتها الى قاضي التحقيق لاستكمال الملف وسد الثغرات فيه . ويذكر ان المتهم طلب نفسه في جلسة الامس . وقد قال المحامي في هذا الصدد :

لماذا لا تكون قضية بيار لافال كبيرة قدر كبره ؟ لماذا نحرمه من ابسط مبادىء العدالة ونمنع عليه ضمانات تعتبر من المسلمات التي لا نقاش حولها ؟ اليس في هذا مناسبة لالقاء الضوء على سنوات اربع من تاريخنا الدراماتيكي ؟

وتلاوه زميله ، محامي الدفاع الثاني ، جاك بارادوك ، ليؤكد الطلب ، مبرراً اياه بصعوبة استدعاء السياسيين الذين يزمع دعوتهم للشهادة ، في خضم المعركة الانتخابية التي تخوضها البلاد . وانهى المحامي طلبه بهذا التساؤل ، والذي طرحه بنبرة الاتهام المبطن:

ما هي الاوامر التي وجهت اليك ، سيدي الرئيس ، للتتغاضى عن مثل هذه النواقص ؟ ويستشيط الرئيس غضباً واحراجاً ويرد على المحامي قائلاً :
امنعك من ان تكلمني بهذه اللهجة . وعليك ان تعلم انني لا اتلقى امراً من احد.وهذا نهجي منذ خمس واربعين سنه ، اي منذ بدات اتولى منصب القضاء .

وهنا يتدخل المتهم ليطلب من المحكمة ان تستكمل ان تستكمل اجراءات التحقيق وسط صخب اضطر الرئيس لرفع الجلسة بحجة التداول من الدفاع .

استمر رفع الجلسة ثلاثة ارباع الساعة خرجت هيئة المحكمة في اثرها ليعلن الرئيس ان طلب الدفاع مردود وان ملف التحقيقات لن يعاد الى قاضي التحقيق . وصرخ لافال من قفصه :
هذا معيب . انها فضيحة . انكم لا تحاكمون هنا شخصاً بقدر ما تحاكمون سياسة . ويرد عليه المدعي العام :
صحيح . نحن نحاكم سياسة . لكنها سياسة صنعها وجسدها هذا الشخص . فيردف لافال قائلاً :
طالما انكم ترفضون طلب استكمال نواقص التحقيق ، فاني اطلب ادراج الطلب ومناقشتة في الجريدة الرسمية . لعل في هذا تعويضاً عن الاجحاف وطعن العدالة .
لقد استعاد لافال ذاته . انه يتحدث ، كما كان بالامس كرئيس للوزراء ، لا كمتهم . يتحدث وهو جالس بملء راحته على كرسيه في قفص الاتهام . وقد يكون هذا السلوك من دواعي الامتعاض الذي بدا واضحاً على وجوه اعضاء المحكمة وهيئة المحلفين . ويكمل الرئيس استجوابه وسط هذا الجو المشحون .
الم تكن تمارس سيطرتك وتأثيرك على الرئيس بيتان بما كان يتخذه من قرارات ؟
ابداً .... كان يكفي ان ابدي له رأياً ليعمل بعكسه .
لكنك كنت في فترة من الفترات وزير دولة ومرشحاً لخلافة بيتان .
وزير دولة ! واي يد لي في هذا المنصب ؟ لم يكن التقليل من دور لافال امام الماريشال بيتان بالامر الجديد . لقد حاول ايهام الجميع بهذا منذ الجلسة الاولى ، ساعة لمح الى الخلافات المستمرة بينه وبين رئيسه . ويسترسل قائلاً :
لم يكن موضوع خلافة بيتان بالامر المهم بالنسبة لي ، واذا كنت قد فكرت به في يوم من الايام ، فذلك حتى لا أترك الساحة ، بعد رحيل الماريشال ، لاي عسكري مثله ، كنت مقتنعاً بأن رجلاً مدنياً يتسلم السلطة خير من اي عسكري . وهذا تفكير مبدئي لا يدخل الاشخاص في تكوينه. وهو ينطلق من مصلحة البلد العليا . ثم يكمل مدفوعاً بالحماسة ، التي شحنته بها عبارته عن البلد ومصلحته العليا ، وكأنه على منصة بلقي خطاباً سياسياً خطيراً :
واذكركم ، انفعلت عندما رأيت مرة تلك العبارة " نحن ، فليب بيتان" يتوج بها توقعيه . قلت يومئذ في نفسي ان التاريخ يعيد البلد الى الوراء ، الى عهد الملكية . وهذا ما اغاظني في العمق .
وهل ابديت احتجاجاً على هذا ؟
وهل ينفع احتجاج مع الماريشال ؟
لكنك مع ذلك ، قبلت منصباً رفيعاً في حكومته .
لا منصب رفيعاً معه ، لانه يملك كل الصلاحيات . كان دون سواه ، كل شيء . ولازلت اذكر ما قتله له ذات يوم من انه يحكم كما لم يحكم اي ملك من ملوك فرنسا ، ابان عهود الملكية المتمادية . لم يجبني . لكنه ، في اليوم التالي ، واثناء اجتماعي به ، قال لي : " هل تشك بأن صلاحياتي تفوق بكثير ما كان لويس الرابع عشر بملك " ؟ .
ومع ذلك احتفظت بمنصبك في حكومته !
احتفظت به كما احتفظ به الجميع ، كل في الموقع الذي هو فيه .



في هذا الجو ، انتهت جلسة اليوم . وفي اليوم التالي ، في السادس من تشرين الاول – اكتوبر ، بدأ المتهم الجلسة بطلب الكلام . اثار قضية غيار – بوراجاس ، الذي حكم بالاعدام غيابياً لاشتراكه في عملية بيع صحيفة مارسيلية الى الالمان والتجسس لحسابهم . وكان اسم لا فال قد تلوث بها ، لكنه لم يحاكم، كما لم يمثلل امام المحكمة لوجوده انئذ في اسبانيا ، لقد أراد المتهم من اثارته لهذه القضية ان يربك المحكمة عن طريق اعادتها الى قوانين اصدرتها حكومة فيشي بضغط نازي . وهذه القوانين هي التي طبقتها المحكمة في القضية المذكورة ، لكن المدعي العام رفض هذه العودة الى الوراء قائلاً للمتهم :

لكن هذه القوانين اقترنت بتوقيعك عندما كنت في الحكم .
وانت طبقتها .
ابداً . وتدخل الرئيس لحسم الجدال واعادة بعض الهدوء الى القاعة ، وسأل المتهم :
بالامس سألتك كيف بقيت في منصبك في حكومة فيشي وسط هذا الجو المشحون بالضغوطات النازية وبفرض اراده المحتل . والجواب لا شك هو ان الالمان هم الذين وضعوك في هذا الموقع وارادوا لك الدور .
لا ، سيدي الرئيس .
بلى – علماً بأني لا اود ان اتخذ صفة الاتهام . لكني القي ضوءاً ربما يكون في ذلك بعض الفائدة . هنا ، بدأت همهمة في القاعة . صحيح ان معظم الحضور لا يتعاطف مع لافال ، لكن تنصيب الرئيس نفسه في مركز الاتهام لم يرق لهم . فهذا مخالف لابسط قواعد اصول المحاكمة وطعن للعدالة في الصميم . وينتزها لافال ليهاجم . وتدب الفوضى في القاعة . ووسط هذه الفوضى ينطلق المتهم كالنمر في وجه الرئيس والاعضاء :
امام ما خلقته بمخالفتك للاصول وكذلك ما يحويه ملف التحقيق من ثغرات وانحرافات ، ارى نفسي امام صعوبات لست مسؤولاً عنها .....
ولست مسؤولاً كذلك عن افعالك طوال اربع سنوات من العمالة اليس كذلك ؟
طالما ان المحكمة تطرح السؤال وتعقيبه بالجواب ، فأني أرى ان نتوقف عند هذا الحد ، حفاظاً على حرمة العدالة وجلالها . ويتدخل احد المحلفين للدفاع عن موقف الرئيس فتختلط الاصوات وتدب الفوضى . ويحاول صوت الرئيس ان ينفذ ليسال المتهم :
الكلمة الان للمحكمة . هل يرغب المتهم بالاجابة عن اسئلتها ؟
لا .
احذرك من مغبة هذا الموقف . مرة ثانية ، هل تجيب عن الاسئلة .
كلا ، طالما ان الطريقة في طرح الاسئلة هي اياها ، وطالما ان الاسئلة تطرح . بروح عدائية.
حسناً . رفعت الجلسة . قال الرئيس هذا وهو يغلي حنقا وحرجاً . ويعود الهرج والمرج على اشده . حتى ان بعض المحلفين توصل الى رفع الايدي في وجه المتهم والى اغراقه بالسباب والشتائم :
محرض ...!
سوف تلقاها ، رصاصاتك الاثنتي عشرة !
بل حبل المشنقة !
سنسمعك تعوي بعد خمسة عشر يوماً ! وعندما قال له محلف اخر بلهجة مليئة بالحقد :
لم تتغير ! أجابه :
ولن اتغير . ظلت الجلسة مرفوعة بعض الوقت . وعندما عادت والتأمت ، بدأها المتهم بقوله :
ان الطريقة التي تعاملني بها محكمتكم تطعن العدالة في الصميم . وحتى لا اكون شريكاً في هذه الجريمة تساق ضد العدالة ، فاني اعلن امتناعي عن الكلام . ويرد عليه الرئيس بقولة :
يعني ذلك انك لا زلت ترفض الاجابة ، اليس كذلك ؟ أجل . ويهز الرئيس كتفة مبدياً بوضوح عجزه في الامر . وبعد ذلك يأمر بمباشر المحكمة ان يدخل الشاهد الاول . لكن مهزلة جديدة تبدأ وسط الفوضى والضجيج . لم يكن منتظراً ان يستدعى الشهود في هذه الجلسة . ذلك ان استجواب المتهم كان سيستغرق جلسات ، مما لم يتم معه استدعاء اي شاهد هذا اليوم . أمام الواقع المخزي ، اعلن الرئيس تعليق الجلسة ، أسرع في ارسال الامر المباشر ليفتش في طول باريس وعرضها عن واحد من شهود الادعاء الاربعة ، رئيس الجمهورية السابق البير لوبرون ، السفير ليون نويل ، الجنرال وأمين سر مجلس الشيوخ السابق دي لا بومراي . في هذه الاثناء ، ارسل رئيس المحكمة ايضاً احد موظفية الى المتهم ليقنعه بالعدول عن موقفة والتجاوب مع المحكمة برده على اسئلتها . لكن موقف لافال كان صلباً :
لا تراجع . كل ما يجري هو من صنع المحكمة . فليحكموا علي ، انما لن يحاكموني . وعادت المحكمة الى الانعقاد وسط احراج لها كبير . فلا المتهم ولا محاموه الثلاثة ، الذين تضامنوا معه ، حاضرين في مقاعدهم . مخرج صغير اتيح بشق النفس : لقد حضر ، او أحضر، شاهد واحد من الاربعة ، وهو الرئيس السابق للجمهورية ، البير لوبرون ، وقف هذا الشاهد ليعلن انه ليس لديه ما يقوله وما يمكن ان يكون مفيداً . اكتفى بسرد بعض الوقائع عن تسلم الافال الحكومة وعن الهدنة . وكلها لا تؤثر في صلب سير المحاكمة او في القضية من قريب او بعيد . كان من المتوقع ان يستمر المناقشات ما يقرب من ثلاثة اسابيع . لكن السؤال هو كيف لهذا الوقت ان يملأ وملف التحقيق شبه فارغ ؟ ناهيك عن اصرار المتهم على عدم المثول امام المحكمة ! وهكذا كانت جلسة الثامن من الشهر تتخبط في جو باهت من الفراغ في الشكل وفي الاساس . فمقاعد المتهم ومحامية فارغة . اما المناقشات ، فكانت تافهة لدرجة انها لم تثير اهتمام احد . حتى الشهود الادعاء ، ومنهم الجنرال دوايين وامين السر العام لمجلس الشيوخ وعضو اتحاد العمال ، فكثيراً ما كانوا يغرقون الاخرين من تفاصيل مملة ***يفة . واللحظة الوحيدة ، طوال هذه الجلسة والتي وجد فيها الحاضرون انفسهم مشدودين بعض الشىء الى أمر على قدر من الاهمية ، هي تلك التي قال فيها عضو الاتحاد هذا كيف ان الافال كان يستعجل فيها حكام المقاطعات على القاء القبض على العمال المعارضين لسياسته وزجهم في السجون . وقد بلغ عددهم خمسين الفاً ذهبوا ولم يرجعوا . وجاء دور شهود الدفاع : ادوار هيريو ، بول بونكور ، البيرسارو ، بول رينو ، ليون بلوم والجنرالات دونين وبريدو ودي بيناي . والغريب ان احداًمن هؤلاء لم يكن حاضراً . جميعهم ، وهم من السياسين ، كانوا منهمكين في معاركهم الانتخابية بعيداً عن باريس . وبغية كسر الجليد الذي تراكم منذ بداية هذه الجلسة ، فقد امر المدعي العام كاتب المحكمة بقراءة الشهادة الخطية المقدمة من السيد غازيل ، وهو دبلوماسي فرنسي سابق عمل في اسبانيا . ولشد ما كانت الدهشة مروعة للمحكمة بكافة عناصرها عندما لوحظ ان هذه الشهادة لا تمت للقضية بصلة وأنها ضمت سهواً الى الملف ! وحتى يستوعب الاستهجان الذي بدا واضحاً على الوجوه ، صرخ الرئيس بوجه الكاتب قائلاً له :
ما هذا الذي تتلوه ؟! وبذلك اضيف مهزلة الى المهازل المتراكمة في تلك المحاكمة ، التي تنظر في الواقع ، بأربع سنوات من حياة فرنسا ، اربع سنوات ، ربما كانت الاخطر في تاريخ هذا البلد الطويل . بعد ذلك ، وللتخلص من الورطة ، أمر الرئيس برفع الجلسة لتعقد بعد قليل وفي بداية الجلسة التالية ، رأت المحكمة أن تقرأ الصفحات الخمس عشرة ، التي يتألف منها ملف التحقيقات . لكنها، وقد وجدت ان القراءاة ستستغرق وقتاً قليل ، طرحت فكرة قراءة مقتطفات فقط . ولم تحتج الى عناء لاقناع هيئة المحلفين بالفكرة فموافقتها جاءت فورية ، وهذا دليل اخر ، يضاف الى الالة السابقة ، على استهتار وسطحية ، قلما لوحظ مثلهما في محاكمة اخرى . هذا الجو استمر في جلسة التاسع من الشهر ، وبعمق اكبر . كان على المحكمة ان تستمع في هذه الجلسة الى شهادة ليون نويل ، سفير فرنسا الذي سبق وأدلى بشهادة في قضية الماريشال بيتان . تقدم هذا الشاهد الى المنصة . وعندما طلب منه الرئيس حلف اليمين ، رفض قائلاً انه سبق ان حلفها قبل شهادته المدونة في ملف التحقيق ، وانه لا يرى مسوغاً لحلفها طالما ان المتهم ومحاميه متغيبون ، وبالتالي ، لا يسعهم مناقشتها والدفاعفيها . وغادر الشاهد القاعة ملقناً المحكمة درساً في اصول المحاكمات ، وكذا في الحفاظ على حد ادنى من الاعتبار للعدالة وحرمتها .وسط الضيق والحرج اللذين سببهما هذا التصرف للمحكمة بكامل هيئتها ، وقف المدعي العام يلقي مرافعته . كان بارداً ، بل ومتعباً . وبكلمة مختصرة ، كان غير موفق . ومما زاد الطين بلة ، انه لم يتورع عن القول ان هذه المحاكمة ينقصها الوضوح في الرؤية والصفاء في المعطيات . قالها وكأنه غير مسؤول ، مع سائر المسؤولين ، عن هذا الواقع . وأضاف متسائلاً :
كيف لا تكون هذه المحاكمة كذلك ، والمتهم اصر منذ الجلسة الاولى على عدم المشاركة ؟ ويضاف اختصار الى اختصار . فقد كانت مرافعة المدعي العام قصيرة ولم تعقبها مرافعات الدفاع او ملاحظات المتهم . وهكذا ، في الساعة الرابعة والدقيقة العاشرة ، بدأت خلوة المداولة ولم تستمر اكثر من ساعة واحدة . ساعة واحدة في قضية على هذا القدر من الاهمية والتشعب . وصدر الحكم المنتظر . الاعدام بسبب " محاولة قلب نظام الحكم الجمهوري والتعامل مع العدو والخيانة العظمى " وأعقب هذا الحكم ملحق بمصادرة ممتلكات لافال بكاملها لصالح الامة . وعندما ابلغ المحكوم الحكم ، استمع اليه بهدوء ثم قال :
مؤسف لانهم لم يتركوا لي مزيداً من الوقت لاكتب صفحات اخرى من تاريخ فرنسا . وأضاف:
ليس في نيتي التقدم بطلب التماس للعفو . كانت الضجة التي احدثها هذا الحكم كبيرة في فرنسا . لم يكن الاحتجاج عليه لانه انزل عقوبة بمن تعاون مع العدو النازي ، لكن الثغرات التي لم تستكمل في التحقيقات وتحيز المحكمة طوال المحاكمة هي التي القت بظلال كثيفة على القضية واحاطتها بأكثر من علامة استفهام . وهرع محامو لافال الى محاولة ، بل محاولات انقاذ موكلهم . في العاشر من الشهر ، طلبوا مقابلة رئيس الحكومة ، الجنرال ديغول وفي الحادي عشر منه ، توجهوا الى شخصيات عدة يمكن ان تكون مفيدة في هذا الاطار . منها رئيس الحكومة السابق ، بول رينو ، الذي قبل ان ينشر في جريدته ، النظام ، مقالاً ينتقد اجراءات المحاكمة دون جوهرها . اما ليون ، صرح بأنه لا يعتقد ان لافال كان طيباً بقدر ما يعتقد انه كان مسالماً اكثر من اللازم . واستغرب كيف ان فوتت فرصة عدم التوسع في المحاكمة . ذلك انها ، في نظره ، مشوقة ومفيدة في ان معاً . في اليوم التالي ، اي في الثاني عشر ، وعند الساعة السابعة مساءً ، استقبل الجنرال ديغول المحامين الثلاثة في مكتبه . كانت المقابلة بروتوكولية . وبعدما شرح احد المحامين وجهة نظره وطلب اعادة المحاكمة ، سألهم الجنرال عماً اذا كان لديهم ما يضيفونه ، ووقف منهيا المقابلة ومودعاً اياهم بلباقة كلية . وكان الجنرال في ظهيرة اليوم نفسه ، قد صرح لصحفين انكليز جاؤوا يسألونه عن القضية انه لن تكون هناك " محاكمة ثانية للافال " . خرج المحامون من مكتب الجنرال . وفي الغرفة الملاصقة ، حيث مكتب مدير قضايا العفو ، رأوا مدير مكتب الرئيس ، غاستون بالوسكي ، يدخل عند الرئيس وفي يده نسخة من مجموعة القوانين . وها هو يخرج بعد لحظات ليعلن للمحامين الثلاثة ان الرئيس سيطلب استشارة من حارس الاختام الموجود حالياً في مدينة رين لادراة حملته الانتخابية . وعلى هذا ، فانه سيرسل اليه غداً رسالة محمولة بالطائرة مع احد موظفي وزراة العدل لهذه الغاية . اسرع المحامون الى الكاتب فرنسوا مورياك لينشر في جريدة الفيغارو مقالاً اخر يضيفه الى مقالاته التي باشر بنشرها منذ ايام ، وفيها ينتقد سياية التصفيات التي تتبعها المحاكم للتخلص من خصوم غير مرغوب فيهم . وقد اراد المحامون بهذه الخطوة دفع الحكومة والمحكمة العليا لتقرير اعادة المحاكمة ، خوفاً من التلوث في الاتهام بنحر العدالة . لم يكتب مورياك المقال . لكنه كتب ، بعد شىء من النقاش ، رسالة الى حارس الاختام حملتها الطائرة ، التي حملت رسالة ديغول . يوم الثالث عشر ، لم يرشح اي خبر من رئاسة الحكومة . اليوم التالي ، كان يوم أحد . ويوم الاحد لا تنفذ احكام اعدام . مساء ذلك اليوم الطويل ، رن جرس التلفون في مكتب احد المحامين، الاستاذ البيرنو ، ليعلن المتحدث عبر الخط :
سيدي ، انا مكلف من الرئاسة بابلاغك ان بيار لافال سيعدم غداً صباحاً . اللقاء امام قصر العدل ، حيث ستكون بانتظارك سيارة تنقلك الى مكان التنفيذ .



وهكذا حسم الموضوع ، ولن تكون هناك اعادة للمحاكمة . ما ان انتهت تلك المخابرة الهاتفية حتى توجه المحامون الى السجن حيث يقبع موكلهم في احدى زنزاناته . دخلوا اليه بعد اذت خاص ، وبعد ان اشير اليهم بعدم ابلاغه موعد تنفيذ الحكم . وقد وجدوا لافال اخر ، لم يعد ذلك الرجل القوي والمتغطرس ، لقد حل محله انسان اخر ، انسان يتمسك بالحياة ويريد ان يستمر فيها . وها هو يتوجه الى محاميه يطلب ان يتصلوا بشخصيات ، سماها لهم ، ممن يمكن ان يكونوا مفيدين في اطار طلب العفو او اعادة المحاكمة . ولم يكتف بذلك ، بل اشار اليهم ان يمسكوا اقلاماً وورقاً ليملي عليهم رسائل بهذا الشأن . كان عصبياً ومتشنجاً وهو يردد : أرفض ان أموت . أرفض . انه يرفض ان يموت ، ولكن اليس بعد فوات الاوان ؟ وارتبك المحامون . اطاعوه في كتابة الرسائل ولم يكتشفوا له السر الرهيب . كانت الساعة تدق الثامنه صباحاً ، يوم الرابع عشر من شهر تشرين الاول – اكتوبر من عام 1945 ، عندما بدأ المكلفون بالتنفيذ ، من رسميين وسواهم ، بالصعود الى السيارات التي ستقلهم الى السجن . وصلوا ودخلوا زنزانة لافال . اما سائر الزنزانات ، فقد اغلقت شبابيكها الصغيرة المطلة على الممر حتى لا يرى المحكومين الاخرون ترتيبات تنفيذ حكم باعدام محكوم زميل لهم. فتح الحارس المكلف زنزانة لافال الذي كان نائماً . لحق به المدعي العام وربت على كتفه ليوقظه . نهض المسكين ، فقال له المدعي العام :
بيار لافال ، حان الوقت ، تهيأ للموت بشجاعة . لم يجب لافال . ولم يتحرك . تقدم أحد محاميه وهزه قليلاً قائلاً له :
أرجوك يا سيدي . من أجلك ، من أجل محاميك ، من أجل التاريخ ، تشجع . واستمر لافال في جموده بعض الوقت . أخيراً ، التفت ببطء وأفلت زجاجة صغيرة فارغة كان يمسكها بيده . لقد تجرع السم .ويتقدم الطبيب الشرعي بسرعة ليتفحص الزجاجة ويقول :
انه السيانور وتسترعي انتباه الحضور قصاصة ورق كتب عليها :
ارفض ان أموت برصاصات فرنسية . لا اريد ان يشترك جنود فرنسيون في قتل القانون . لقد اخترت موتي بسم الرومان . هذا السم ، سبق وخبأته في طيات ثيابي . وأسرع طبيبي السجن الى اسعاف لافال المحتضر ، بعد ان رفض الطبيب الشرعي هذه المهمة متذرعاً بموقف انساني . اسرع الى الحقن اللازمة وغسيل المعدة . وقد دام هذا الاسعاف قرابة ساعتين . وحوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً ، وكان لافال قد تماثل الى الشفاء ، اذاعت وزارة العدل بياناً فيه من البلية ما يضحك : قال البيان : " لم تعد حياة بيار لافال في خطر " وهذا يعني ان الاعدام سيتم . وبعد لحظات ، كان لافال قد لبس ثيابه ووضع باقته البيضاء ووشاحه ذا اللونين . كما كان قد مشط شعره ووضع قبعته على رأسه .أرادوا ايجلسوه على كرسي لينقلوه الىحيث الاعدام فرفض قائلاً :
رئيس وزراء فرنسا يموت واقفاً . سأستجمع قواي لاصمد هذه اللحظة التي بقيت في حياتي . وبسبب الحالة الصحية التي وصل اليها فقد رأى أولو الامر ان ينفذ الحكم في فناء السجن ، لا في قلعة شاتيون ، كما كان مقررا . والتفت الى القضاه الذين حكموا عليه وقال لهم :
لقد اردتم حضور هذا المشهد . ابقوا اذاً حتى النهاية . وعندما طلب ان يسمح له باعطاء الامر ، هو ، للجنود المكلفين بالاطلاق النار ، رفض طلبه لانه " مخالف للقانون " . عندما ، التفت الى هؤلاء وقال لهم :
انا اسامحكم . فأنتم غير مسؤولين . صوبوا نحو القلب . تحيا فرنسا وقبل ان ينهي مرة ثانية عبارة " تحيا فرنسا " كان كل شيء قد انتهى . مات بيار لافال وكانت الساعة تشير الى الثانية عشرة والدقيقة الثانية والثلاثين ظهراً .





المحاكمة السادسة


محاكمة ريّا وسكينة




بداية تلقي البلاغات

نحن الآن في منتصف شهر يناير ١٩٢٠ حينما تقدمت السيدة زينب حسن وعمرها يقترب من الأربعين عاما ببلاغ إلي
حكمدار بوليس الاسكندريه عن اختفاء ابنتها نظله ابو الليل البالغه من العمر ٢٥ عاما!..كان هذا هو البلاغ الاول الذي
بدأت معه مذبحه النساء تدخل الي الاماكن الرسميه.وتلقي بالمسؤلية علي اجهزة الامن..قالت صاحبه البلاغ إن ابنتها
نظله اختفت من عشرة أيام بعد إن زارتها سيدة تاركه (غسيلها) منشورا فوق السطوح.. تاركه شقتها دون أن ينقص
منها شيء! وعن أوصاف الابنة التي اختفت قالت ألام أنها نحيفة الجسد ..متوسطه الطول..سمراء البشرة..تتزين
بغوايش ذهب في يدها وخلخال فضه وخاتم حلق ذهب !.وانتهي بلاغ ألام بانها تخشي أن تكون ابنتها قد قتلت بفعل
فاعل لسرقة الذهب الذي تتحلي به !..وفي ١٦ مارس كان البلاغ الثاني الذي تلقاه رئيس نيابة الاسكندريه الاهليه من محمود مرسي عن اختفاء أخته زنوبه حرم حسن محمد زيدان.الغريب والمثير والمدهش أن صاحب البلاغ وهو يروي قصه اختفاء أخته ذكر اسم ريه وسكينه ..ولكن الشكوك لم تتجه اليهما !وقد أكد محمود مرسي أن أخته زنوبه خرجت لشراء لوازم البيت فتقابلت مع سكينه وأختها ريه وذهبت معهما الي بيتهما ولم تعد أخته مرة أخري !وقبل أن تتنبه أجهزة الأمن إلي خطورة ما يجري أو تفيق من دهشتها امام البلاغين السابقين يتلقي وكيل نيابه المحاكم الاهليه بلاغا من فتاة عمرها خمسه عشرة عاما اسمها...........(أم إبراهيم) عن اختفاء أمها زنوبه عليوة وهي بائعة طيور عمرها ٣٦ عاما ..ومرة اخري تحدد صاحبه البلاغ اسم سكينه
باعتبارها اخر من تقابل مع والدتها زنوبه!في نفس الوقت يتلقي محافظ الاسكندرية بلاغا هو الاخر من حسن الشناوي..الجنايني بجوار نقطه بوليس المعزورة بالقباري..يؤكد صاحب البلاغ ان زوجته نبويه علي اختفت من عشرين يوما!ينفلت الامر وتصحبه الحكايات علي كل لسان وتموج الاسكندريه وغيرها من المدن بفزع ورعب غير
مسبوقين فالبلاغات لم تتوقف والجناة المجهولون مازلوا يخطفن النساء بلاغ اخر يتلقاة محافظ الاسكندريه من نجار اسمه محمد احمد رمضان عن اختفاء زوجته فاطمه عبدربه وعمرها ٥٠ عاما وتعمل (شيخه مخدمين) ويقول زوج فاطمه انها خرجت ومعها ٥٤ جنيها وتتزين ب ١٨ غويشه وزوج (مباريم) وحلق وكلها من الذهب الخالص- ويعط
الرجل اوصاف زوجته فهي قمحيه اللون طويله القامه فقدت البصر بعينها اليمني ولهذا ينادونها بفاطمه العوراء كما انها ترتدي ملاءة (كوريشه)سوداء وجلباب كحلي وفي قدميها تلبس صندل!ثم كان بلاغ عن اختفاء فتاة عمرها ١٣ عاما
اسمها قنوع عبد الموجود و بلاغ أخر من تاجر سوري الجنسية اسمه الخواجة وديع جرجس عن اختفاء فتاة عمرها ١٢ عاما اسمها لولو مرصعي تعمل خادمه له خرجت لشراء أشياء من السوق ولم تعد ..البلاغات لا تتوقف والخوف يسيطر علي كل البيوت وحكاية عصابة خطف النساء فوق كل لسان بلاغ أخر عن اختفاء سليمة إبراهيم الفقي بائعه
الكيروسين التي تسكن بمفردها في حارة اللبان ثم بلاغ اخر يتلقاة اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم بوليس اللبان من السيده خديجه حرم احمد علي الموظف بمخازن طنطا قالت صاحبه البلاغ وهي سودانية الجنسية أن ابنتها
فردوس اختفت فجأة وكانت تتزين بمصاغ ثمنه ٦٠ جنيها وزوج أساور ثمنه ٣٥ جنيها وحلق قشرة وقلب ذهب معلق بسلسلة ذهب وخاتمين حريمي بثلاثة جنيهات هذة المرة يستدعي اليوزباشي إبراهيم حمدي كل من له علاقة بقصه اختفاء فردوس وينجح في تتبع رحله خروجها من منزلها حتى لحظه اختفائها وكانت المفاجئه أن يقفز اسم سكينه من
جديد لتكون أخر من شوهدت مع فردوس!ويتم استدعاء سكينه ولم تكن المرة الأولي التي تدخل فيها سكينه قسم البوليس لسؤالها في حادث اختفاء احدي السيدات ومع هذا تخرج سكينه من القسم وقد نجحت ببراعة في إبعاد كل الشبهات عنها وإبطال كل الدلائل ضدها!عجزت أجهزة الأمن أمام كل هذه البلاغات وكان لابد من تدخل عدالة السماء لتنقذ الناس من دوامه الفزع لتقتص للضحايا وتكشف الجناة وهنا تتوالي المفاجآت من جديد حينما تحكم عدالة السماء قبضتها و تنسج قصة الصدفه التي ستكشف عن أكبر مذبحه للنساء في تاريخ الجريمة في مصر



كانت البداية صباح ١١ ديسمبر ١٩٢٠ حينما تلقى اليوزباشى إبراهيم حمدي إشارة تليفونيه من عسكري الدوريه بشارع
أبي الدرداء بالعثور علي جثه امرأة بالطريق العام وتؤكد الإشارة وجود بقايا عظام وشعر راس طويل بعظام الجمجمة
وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها وبجوار الجثة طرحه من الشاش الأسود وفردة شراب سوداء مقلمه بأبيض
ولا يمكن معرفه صاحبه الجثة ينتقل ضباط البوليس الي الشارع وهناك يؤكد زبال المنطقة انه عثر علي الجثه تحت
طشت غسيل قديم وامام حيره ضابط البوليس لعدم معرفه صاحبه الجثه وان كانت من الغائبات ام لا يتقدم رجل ضعيف
البصر اسمه احمد مرسي عبدة ببلاغ الي الكونستابل الإنجليزي جون فيليبس النوبتجي بقسم اللبان يقول الرجل في
بلاغه انه اثناء قيامه بالحفر داخل حجرته لإدخال المياة والقيام ببعض أعمال السباكة فوجئ بالعثور علي عظام أدميه
فأكمل الحفر حتي عثر علي بقيه الجثه التي دفعته للابلاغ عنها فورا يتحمس ملازم شاب بقسم اللبان امام البلاغ المثير
فيسرع بنفسه الي بيت الرجل الذي لم يكن يبعد عن القسم اكثر من ٥٠ مترا يري الملازم الشاب الجثه بعينيه فيتحمس
اكثر للتحقيق والبحث في القضيه المثيرة ويكتشف في النهايه انه امام مفاجاة جديده لكنها هذة المرة من العيار الثقيل جدا
اكدت تحريات الملازم الشاب ان البيت الذي عثر فيها الرجل علي جثه ادميه كان يستأجرة رجل اسمه محمد احمد
السمني وكان هذا السمني يؤجر حجرات البيت من الباطن لحسابه الخاص ومن بين هؤلاء الذين استأجروا من الباطن
في الفترة الماضيه سكينه بنت علي وصالح سليمان ومحمد شكيرة وان سكينه بالذات هي التي استأجرت الحجرة التي
عثر فيها الرجل علي الجثه تحت البلاط واكدت تحريات الضابط المتحمس جدا ان سكينه استاجرت من الباطن هذه
الحجرة ثم تركتها مرغمه بعد ان طرد صاحب البيت بحكم قضائي المستاجر الاصلي لهذة الغرف السمني وبالتالي
يشمل حكم الطرد المستأجرين منه من الباطن وعلي راسهم سكينه وقال الشهود من الجيران ان سكينه حاولت العودة
الي استئجار الغرفه بكل الطرق والاغراءات لكن صاحب البيت ركب راسه واعلن ان عودة سكينه الي الغرفه لن تكون
الا علي جثته والمؤكد ان صاحب البيت كان محقا فقد ضاق كل الجيران
بسلوك سكينه والنساء الخليعات اللاتي يترددن عليها مع بعض الرجال البلطجيه !أخيرا وضع الملازم الشاب يده علي
اول خيط لقد ظهرت جثتان احدهما في الطريق العام وواضح انها لامرأة والثانيه في غرفه كانت تستأجرها سكينه
وواضح ايضا انها جثه امرأة لوجود شعر طويل علي عظام الجمجمه كما هو ثابت من المعاينه وبينما الضابط لا يصدق
نفسه بعد ان اتجهت اصابع الاتهام لاول مرة نحو سكينه كانت عداله السماء مازالت توزع هداياها علي اجهزة الامن
فيتوالي ظهور الجثث المجهوله استطاعت ريا ان تخدع سكينه وتورطها واستطاعت سكينه ان تخدع الشرطه وتورط
معها بعض الرجال لكن الدنيا لم تكن يوما علي مزاج ريه او علي كيف سكينه ومهما بلغت مهارة الانسان في الشر فلن
يكون ابدا اقوي من الزمن وهكذا كان لابد ان تصطدم ريا وسكينه بصخرة من صخور الزمن المحفور عليها القدر
والمكتوب



أدلة الاتهام


بعد ان ظهرت الجثتان المجهولتان لاحظ احد المخبريين السريين المنتشرين في كل انحاء الاسكندريه بحثا عن ايه اخبار
تخص عصابه خطف النساء لاحظ هذا المخبر واسمه احمد البرقي انبعاث رائحه بخور مكثفه من غرفه ريا بالدور
الارضي بمنزل خديجه ام حسب بشارع علي بك الكبير واكد المخبر ان دخان البخور كان ينطلق من نافذة الحجرة
بشكل مريب مما اثار شكوكه فقرر ان يدخل الحجرةالتي يعلم تمام العلم ان صاحبتها هي ريه اخت سكينه الا انه كما
يؤكد المخبر في بلاغه اصابها ارتباك شديد حينما سالها المخبر عن سر اشعال هذة الكميه الهائلة من البخور في
حجرتها وعندما اصر المخبر علي ان يسمع اجابه من ريه اخبرته انها كانت تترك الحجرة وبداخلها بعض الرجال
اللذين يزرونها وبصحبتهم عدد من النساء فاذا عادت ريا وجدتهم انصرفوا ورائحه الحجره لا تطاق اجابت ريا اشعلت
الشك الكبير في صدر المخبر السري احمد البرقي الذي لعب دورا كبيرا فاق دور بعض اللواءات الذين تسابقوا فيما بعد
للحصول علي الشهرة بعد القبض علي ريا وسكينه بينما تواري اسم المخبر السري احمد البرقي . لقد اسرع المخبر
احمد البرقي الي اليوزباشي ابراهيم حمدي نائب مامور قسم اللبان ليبلغه في شكوكه في ريا وغرفتها ، علي الفور تنتقل
قوة من ضباط الشرطه والمخبرين والصولات الي الغرفه ليجدوا انفسهم امام مفاجأة جديده لقد شاهد الضابط رئيس
القوة صندرة من الخشب تستخدم للتخزين داخلها والنومفوقها ويامر الضابط باخلاء الحجرة ونزع الصندرة فيكتشف الضابط من جديد ان البلاط الموجود فوق ارضية الحجرة
وتحت الصندرة حديث التركيب بخلاف باقي بلاط الحجرة يصدر الامر بنزع البلاط وكلما نزع المخبرون بلاطه
تصاعدت رائحه العفونه بشكل لا يحتمله انسان تحامل اليوزباشي ابراهيم حمدي حتي تم نزع اكبر كميه من البلاط
فتطهر جثة امرأة تصاب ريا بالهلع ويزداد ارتباكها بينما يأمر الضابط باستكمال الحفر والتحفظ علي الجثه حتي يحرر
محضرا بالواقعه في القسم ويصطحب ريا معه الي قسم اللبان لكنه لا يكاد يصل الي بوابة القسم حتي يتم اخطاره
بالعثور علي الجثه الثانيه بل تعثر القوة الموجودة بحجرة ريا علي دليل دامغ وحاسم هو ختم حسب الله المربوط في
حبل دائري يبدو ان حسب الله كان يعلقه في رقبته وسقط منه وهو يدفن احدي الجثث لم تعد ريا قادرة علي الانكار
خاصه بعد وصول بلاغ جديد الي الضابط من رجاله بالعثور علي جثه ثالثه.



مرافعة رئيس النيابة تنهي حياة السفاحتين


ووضعت النيابه يدها علي كافه التفاصيل ليقدم رئيس النيابه مرافعه رائعه في جلسه المحاكمه التي انعقدت يوم ١٠ مايو عام ١٩٢١ وكان حضور المحاكمه بتذاكر خاصه اما الجمهور العادي الذي كان يزدحم بشده لمشاهده المتهمين في
القفص فكان يقف خلف حواجز خشبيه وقال رئيس النيابه في مرافعته التاريخيه :
هذة الجريمه من افظع الجرائم وهي اول جريمه من نوعها حتي أن الجمهور الذي حضرها كان يريد تمزيق المتهمين إربا قبل وصولهم الي القضاء هذة العصابه تكونت منذ حوالي ثلاث سنوات وقد نزح المتهمون من الصعيد الي بني سويف ثم الي كفر الزيات وكانت سكينه من بنات الهوى لكنها لم تستمر لمرضها وكان زوجها في كفر الزيات يدعي انه يشتغل في القطن لكنه كان يشتغل بالجرائم والسرقات بعد ذلك سافر المتهمان حسب الله وعبدالعال واتفقت سكينه
وريا علي فتح بيوت للهوي وكان كل من يتعرض لهما يتصدي له عرابي الذي كان يحميهما وكان عبدالرازق مثله كمثل عرابي يحمي البيت اللي في حارة النجاة وثبت من التحقيقات ان عرابي هو الذي اشار علي ريا بفتح بيت شارع
علي بك الكبير اما عن موضوع القضيه فقد حصل غياب النساء بالتوالي وكانت كل من تغيب يبلغ عنها وكانت تلك طريقه عقيمه لان التحريات والتحقيقات كانت ناقصه مع ان البلاغات كانت تحال الي النيابه وتامر الادارة بالبحث
والتحري عن الغائبات الي ان ظهرت الجثه فعدلت الداخليه طريقه التحقيق عمن يبلغ عنها واخر من غابت من النساءكانت فردوس يوم ١٢ نوفمبر وحصل التبليغ عنها يوم ١٥ نوفمبر واثناء عمل التحريات والمحضر عن غيابها




كان احد الناس وهو المدعو مرسي وهو ضعيف البصر يحفر بجوار منزل ريا فعثر علي جثه بني ادم فاخبر خاله الذي ابلغ
البوليس وذهب البوليس الي منزل ريا للاشتباه لانها كانت تبخر منزلها لكن الرائحه الكريهه تغلبت علي البخور فكبس
البوليس علي المنزل وسالت ريا فكانت اول كلمه قالتها ان عرابي حسان هو القاتل بعد ان ارشدت عن الجثث وتم
العثور علي ثلاث جثث واتهمت ريا احمد الجدر وقالت ان عديله كانت تقود النساء للمنزل واتضح غير ذلك وان عديله
لم تذهب الي بيت ريا الا مرة واحدة وان اتهامها في غير محله واعترفت سكينه ايضا اعترافا اوضح من اعتراف ريا
ثم احضر حسب الله وعبدالعال وامامهما قالت ريا وسكينه نحن اعترفنا فاعترف كل منهما اعترافات لا تشوبها أيشائبه وعندما بدا رئيس النيابه يتحدث عن المتهمه امينه بنت منصور قالت امينه انا مظلومه فصاحت فيها سكينه من
داخل قفص الاتهام ازاي مظلومه وفي جثه مدفونه في بيتك دي انتي اصل كل شئ من الاول ويستطرد رئيس النيابه
ليصل الي ذروة الاثارة في مرافعته حينما يقول :ان النيابه تطلب الحكم بالاعدام علي المتهمين السبعه الاول بمن فيهم
(الحرمتين)ريا وسكينه لان الاسباب التي كانت تبرر عدم الحكم بالاعدام علي النسوة قد زالت وهي ان الاعدام كان يتم
خارج السجن..اما الان فالاعدام يتم داخل السجن ..وتطلب النيابه معاقبه المتهمين الثاني والتاسع بالاشغال الشاقه
المؤبدة ومعاقبه الصائغ بالحبس ست سنوات. هذا ما حكمت به المحكمة بجلستها العلنية المنعقدة بسراى محكمة
الإسكندرية الأهلية فى يوم
.( الأثنين ١٦ مايو سنة ١٩٢١ الموافق ٨ رمضان سنة ١٣٣٩
رئيس المحكمة
ملاحظة
هذه القضية قيدت بجدول النقض تحت رقم ١٩٣٧ سنة ٣٨ قضائية وحكم فيها من محكمة النقض والإبرام برفض
. الطعن فى ٣٠ أكتوبر سنة ١٩٢١
ونفذ حكم الإعدام داخل الإسكندرية فى ٢١ و ٢٢ ديسمبر سنة ١٩٢١




تم بجمد الله


توقيع Ahmed Abd AlaZiz :


معــــــــــــــــتزل


تاريخ التسجيل 29-12-2008 ............... تاريخ الاعتزال 13/8/2011


إذا دعتك قدرتك على ظلم النـاس .... فتذكر قدرة الله عليك



سلام يا رجالة اشوف وشكم بخير

التعديل الأخير تم بواسطة Ahmed Abd AlaZiz ; 25-03-2011 الساعة 04:17 PM

رد مع اقتباس
إعلانات google

 


يتصفح الموضوع حالياً : 3 (0 عضو و 3 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
أشهر 10 مدن ضائعة عبر التاريخ ☜ ĂиTaKą ☞ بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود 3 19-07-2014 09:09 PM
أشهر عشرة حرائق في التاريخ ... !! Prince World !! بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود 17 25-01-2012 12:41 PM
أشهر صفعة (كف) في التاريخ ibrahemmohamed بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود 18 01-08-2009 01:19 AM
أشهر صفعة في التاريخ..! mode_show بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود 21 06-12-2008 07:51 PM


الساعة الآن 03:08 AM.