،، مجادلة جاهل !! ،، ♫◄قصص قصيرة ►♫

[LordSword]

خرج عالم حكيم ذات يوم ويدعى "عبد الله" إلى السوق، مذكرا الناس بالثواب والعقاب، ينصح التجّار وأصحاب السوق بالبعد عن الغش والتناجش والكيل بمكيالين وهلمّ جرى، وبينما هو يسير في شعب السوق وصل إلى إحدى المحلات
، فوجد عندها رجلين يتخاصمان،
الأول يدّعي أن الحق معه، والآخر لا يرضى إلا بأن الحق إلى جانبه، وقف لوهلة
-دون قصد التجسس-
يستمع لحوارهما،
قال الأول: "القطعة التي بعتني إيّاها كانت مخروقة"،
والبائع يرد: "بل أنت الذي خرقتها بنفسك، وتريد أن تعيدها لتخسر تجارتي وتسيء إلى سمعتي"،
فقرر الحكيم أن يتدخل بينهما ليفضّ النزاع القائم بينهما، اقترب منهما وألقى السلام، فردّا السلام،
فقال للبائع: "أتاك هذا المشتري شاكيا، فبأي دليل تثبت أنك على الحق؟"،
وكان البائع يعلم أن الرجل ذو علم وفطنة، دخل متجره وأخرج منه كل بضاعته فإذا بها سليمة معافاة،
عندها توجّه العالم بالسؤال إلى المشتكي قائلا: "هل اقتنعت الآن بأن البائع ربما كان صادقا، وربما اشتبه عليك الأمر؟"،
ردّ الزبون: "لا، لم ولن أقتنع فقد غشني هذا البائع الماكر، أدخلْ إلى محله وابحث جيدا، ومتأكد بأنه لم يخرج جميع ما في جعبته من بضاعة
، وأنا موقن بأنه قد عرض عليك أفضل ما لديه كي يزوّر حقيقة كونه نصّابا محترفا"،
سكت العالم لبرهة ثم وجّه ناظريه بأسف إلى البائع
وقال بحزم: "أيها البائع المحترم، لست بصدد التشكيك بأمانتك ولكن الحق حق، فأرجو أن تبرهن لنا صدقك له"،
دخل البائع والسؤم والغيظ باديان على وجهه، فكيف لعالم حكيم أن ينصاع إلى مشترٍ لا أصل له ولا فصل،
وقال للعالم والزبون وعدد من المارة :" تفضلوا بالدخول وفتّشوه كما تشاؤون، فإن وجدتم علي ممسكا أو دليلا سأقر بأني ربما قد بعت هذا الرجل بضاعة ناقصة، وسأرد إليه ماله يعلوه اعتذار وأسف وطلب غفران"
، فدخل الجميع وتسللت أيديهم في كل الأنحاء، فلم يجدوا ما يريده المدّعي، وعندئذ خرج الجميع ووقف عبدالله أمام الشاكي
وقال له: " هل صدّقت الآن؟"،
ردّ بعنف :" لا، ولن أصدق، بالتأكيد أنه قد أخفى كل الأدلة؛ لأنه يعلم أني سأكتشفه زوره وبهتانه"،
حوقل البائع فيما كان عبدالله ساكتا يستمع بحذر، بعدها قال عبدالله للملأ -وكان منهم جيرانه من البائعين- :" ما هو قولكم في هذا المُدَّعى عليه؟"،
فشهد الجميع بأنه ثقة ولا يمكن أن يبيع سِلعا مغشوشة، فهو أمين ويعمل بجد واجتهاد ويخاف الله في شؤون الزبائن،
فصرخ المشتكي: "إنكم جميعا شهداء زور!، كلكم تقفون معه لأنه جاركم وحبيبكم وكل إناء ينضح بما فيه، لم يبقَ لي سواك أيها الحكيم عبد الله حَكَما بيني وبينهم، فأرجوك أنصفني"،
قال عبدالله:"لقد رأيت بعينك أن الرجل قد أضاع وقته وجهده، وخسر بعض قوت يومه، فأخرج لك كل ما يملكه من قماش،
فلم أرَ فيهم عيبا واحدا، وعندما لم تصدقه قررت أن أدخل وأنت ومعنا شهود لا نعرفهم، فدخلنا ولم نجد ممسكا واحدا على أن هذا الرجل كان نصابا أو غشاشا أو خائنا لأمانته،
ثم شهد القوم بأنه نزيه عادل أمين، فوصفت الجميع بالاحتيال والتآمر عليك،
وقد ارتأيت بعد كل هذه الأدلة الحسية والمعنوية، أن الحق للبائع وأنك ربما كنت مخطئا،
فربما عبث به أحد أبنائك أو أي أحد في بيتك"،
فصاح بغضب:"ليس عندي أولاد أيها الغبي!، إنك لواحد منهم، وكل أهلي أناس محترمون لا يمكن أن يمدوا أيديهم على ما أقتني، و..."،
وبينما هو يتكلم نادته امرأة من بعيد أن "يا أخي العزيز، لقد أخطأت وأعطيتك القطعة الخاطئة، فأنا أردت أن أعطيك قطعة قماش لم تعجبني لكي تستبدلها من هذا المتجر"،
وهنا احمرّ وجهه وكادت تلصق عيناه في الأرض،
فصاح بها :" أيتها الحمقاء، كل هذا بسببك، لقد أحرجتني مع الناس!"،
وهنا اعتلى صوت :"يحيى العدل، يحيى العدل"، وفرّ المشتكي بأخته بدون حتى أن يعتذر،
فقال العالم الحكيم عبدالله: " صدق أبلغ الحكماء حين قال (لم يغلبني إلا جاهل)!"
، ولكنه غلب نفسه بنفسه فالحمدلله الذي أظهر الحق وأزهق الباطل