![]() |
#1 | ||||||||||
![]() ![]()
|
![]() ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا اما بعد: ------------------------------------------------------------------------------------------ ![]() ولد زغلول في عائلة مسلمة فكان جده إمام القرية وكان والده من حفظة القرآن ويحكي زغلول أنه إذا قرأ القرآن وأخطأ كان والده يردة في خطئه وهو نائم. بعد اتمامة لحفظ القرآن، انتقل زغلول بصحبة والده إلى القاهرة والتحق بإحدى المدارس الابتدائية وهو في سن التاسعة. أتم زغلول دراستة الابتدائية والتحق بمدرسة شبرا الثانوية في عام 1946 وكان من الأوائل الخريجين وأمره ناظر المدرسة بالدخول في مسابقة اللغة العربية لتفوقة فيها. وكان يدخل المسابقة أيضا أستاذه في المدرسة في اللغة العربية فاستحى أن يكمل حرجا من أستاذه ولكن ناظر المدرسة رفض ذلك وقال له أن أستاذه لا يمثل المدرسة فوافق زغلول على ذلك وحصل على المركز الأول واستاذه في المركز 42. التحق زغلول بكلية العلوم جامعة القاهرة وتم افتتاح قسم جديد هو قسم الجيولوجيا وأحب زغلول القسم بفضل رئيس القسم وهو دكتور ألمانى فدخل القسم وتفوق فية وحصل في النهاية على درجة بكالوريوس العلوم بمرتبة الشرف ولكن تدخل زغلول في إحدى المظاهرات السياسية تم اعتقالة بعد تخرجة من الجامعة وتم محاكمتة وظهرت براءته ولكن القرار السياسى رفض تعينة كمعيد في الجامعة بسبب انه ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين عمل بشركة صحارى للبترول وعند محاولة استخراج تصريح بالعمل في أحد المواقع تم رفض استخراجه للقرار السياسى فتم فصله من العمل. التحق بالعمل بمناجم الفوسفات في وادي النيل وعمل بها لمدة عامان وكان له تاثير ايجابى على العمال وعلى الشركة. أقام دعوة قضائية على الجامعة لرفضها تعينة في الجامعة وربح الدعوى وعمل داخل جامعة عين شمس لمدة عام ثم فصل منها أيضا بقرار سياسى. عمل في مناجم الفحم بشبه جزيرة سيناء (مشروع السنوات الخمس للصناعة) حتى تم اختياره للعمل في جامعة الملك سعود بالرياض حتى تقدمه للماجستير في جامعة ويلز في أنجلترا وعند تحضيرة للسفر وذهابة للميناء فوجئ بمنعة من السفر وكان في الليل فذهب للضابط المسئول عن منعه فعلم أن زوجة الضابط تضع مولودا بالمستشفى فانطلق إلى هناك فوجد المسئول فحكى امره فقال له الضابط أن زوجته ولدت بسلام ولذلك سيسمح له بالسفر وليكن ما يكون، فاصطحبة إلى الميناء فوجد السفينة قد ارتحلت فقام الضابط المسئول بالاتصال بالسفينة فوجدها في المياه الإقليمية المصرية فأمرها بالتوقف واستأجر زغلول مركبا صغيرا لحق بالسفينة =========================================== اولا :- الإعجاز العلمي في الأرض وينقسم الي :- 1:- والبحر المسجور 2:- نار تحت البحار 3:-أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها 4:-والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها ============================= 1:- البحر المسحور ضمن قسم بخمس من ايات الله في الخلق علي حتميه وقوع العذاب بالمكذبين بالدين الخاتم, وعلي انه لا دافع ابدا لهذا العذاب عنهم. جاء هذا القسم القراني العجيب في مطلع سوره الطور, وسوره الطور مكيه, شانها شان كل السور التي انزلت بمكه المكرمه, تدور محاورها الاساسيه حول قضيه العقيده بابعادها المختلفه من الايمان بالله الواحد الاحد الفرد الصمد, وبملائكته, وكتبه, ورسله, وبالبعث والجزاء, وبالخلود في الاخره, اما في الجنه ابدا او في النار ابدا. وتبدا السوره بعد هذا القسم بمشهد من مشاهد الاخره فيه استعراض لحال المكذبين برساله خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وهم يدفعون من ظهورهم الي نار جهنم دفعا, وقد كانوا من المكذبين بها!!ثم تنتقل الايات الي استعراض حال المتقين وهم يرفلون في جنات النعيم ثوابا لهم علي الايمان بالله, والخوف من عذابه!! وتنتهي السوره بخطاب الي النبي الخاتم, والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) يحثه علي المضي في دعوته الي عباده الله الخالق وحده( بغير شريك ولا شبيه ولا منازع) مهما صادفه في ذلك من مصاعب في مواجهه الكم الهائل من موامرات المتامرين, وكيد المكذبين وعنتهم, الذين يتهددهم الله( تعالي) بما سوف يلقونه من صنوف العذاب يوم القيامه, بل بعذاب قبل ذلك في الحياه الدنيا, وياتي مسك الختام بمواساه وتعضيد لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) في صوره تكريم لم يسبق لنبي من الانبياء, ولا لرسول من الرسل ان نال من الله( تعالي) تكريما مثله, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي) موجها الخطاب اليه( صلي الله عليه وسلم): واصبر لحكم ربك فانك باعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم* ومن الليل فسبحه وادبار النجوم* ( الطور:49,48). والايات الست التي سبق بها القسم في مطلع سوره الطور هي علي التوالي: الطور وهو الجبل المكسو بالاشجار, والجبل غير المكسو بالخضره لا يقال له طور, انما يقال له جبل اذا كان شاهق الارتفاع بالنسبه للتضاريس حوله, ويسمي تلا اذا كان دون ذلك, وتليه الاكمه او الربوه او النتوء الارضي, ويليه النجد او الهضبه, ويليه السهل, من تضاريس الارض, والمقصود في القسم القراني هنا علي الارجح طور سيناء, الذي كلم الله( تعالي) عنده موسي( عليه السلام), والذي نزلت عليه الالواح, واقسم الله( سبحانه وتعالي) بطور سيناء هذا تكريما له, وتذكيرا للناس بما فيه من الايات, والانوار, والتجليات, والفيوضات الالهيه, مما جعله بقعه مشرفه من بقاع الارض لاختياره باراده الله( تعالي), وتجليه له. والايه الثانيه التي جاء بها القسم هي وكتاب مسطور, وقيل فيه انه اللوح المحفوظ, وقيل انه القران الكريم الذي ختم الله( سبحانه) به وحي السماء, وقيل هو التوراه التي تلقاها نبي الله موسي( عليه السلام) في الالواح التي انزلت علي جبل الطور, وقيل هو اشاره الي جميع الكتب التي انزلها ربنا( تبارك وتعالي) علي فتره من الرسل بلغ عددهم ثلاثمائه وخمسه عشر كما اخبرنا المصطفي( صلي الله عليه وسلم), لان اصلها واحد, ورسالتها واحده, كما قيل انها صحائف اعمال العباد. والقسم الثالث جاء ب الرق المنشور والرق هو جلد رقيق يكتب فيه, وقد يشير الي الورق الذي يكتب عليه والي الالواح التي ينقش فيها, لان الرق هو كل ما يكتب فيه, والمنشور اي المبسوط غير المطوي, وغير المختوم عليه, بمعني انه مفتوح امام الجميع, يستطيعون قراءته او الاستماع اليه بغير حجر او منع, فالقران الكريم يقراه الخلق جميعهم, ويستمعون اليه بغير قيود او حدود من اي نوع, وهكذا كانت الكتب السماويه التي سبقته بالنزول قبل ضياعها او تحريفها,وفي النشر اشاره الي سلامه الكتب السماويه من كل نقص وعيب. وجاء القسم الرابع بصياغه والبيت المعمور وهو بيت في السماء السابعه حيال الكعبه( اي مقابلتها الي اعلي علي استقامتها), وهو ايضا حيال العرش الي اسفل منه وعلي استقامته, تعمره الملائكه, يصلي فيه كل يوم سبعون الفا منهم ثم لا يعودون اليه كما روي ابن عباس( رضي الله عنهما), عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم), وهو لاهل السماء كالكعبه المشرفه لاهل الارض, ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) انه قال يوما لاصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله اعلم, قال( صلي الله عليه وسلم): فانه مسجد في السماء بحيال الكعبه لو خر لخر عليها, يصلي فيه كل يوم سبعون الف ملك اذا خرجوا منه لم يعودوا اخر ما عليهم. ويروي عنه( صلي الله عليه وسلم) وصفا مشابها للبيت المعمور في حديث الاسراء والمعراج, كما جاء في الصحيحين. وجاء القسم الخامس بصياغه والسقف المرفوع وفيه قيل هو السماء القائمه بغير عمد مرئيه, كما جاء علي لسان الامام علي( كرم الله تعالي وجهه) ووافقه علي ذلك كثير من المفسرين, وان قال الربيع بن انس انه العرش الذي هو سقف لجميع المخلوقات. اما البحر المسجور فقد تعددت اراء المفسرين فيه, كما سنري في الاسطر القليله التاليه, ولكن قبل التعرض لذلك لابد لنا من استعراض الدلاله اللغويه للفظي البحر والمسجور. المدلول اللغوي للبحر المسجور (البحر) في اللغه ضد البر, وقيل انه سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه, والجمع( ابحر) و(بحار) و(بحور), وكل نهر عظيم يسمي بحرا, لان اصل البحر هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير, وان كانت لفظه( البحر) تطلق في الاصل علي الماء المالح دون العذب, كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء( بحرا) حتي قالوا: للمتوسع في علمه( بحرا), وللتوسع في العلم( تبحر), وقالوا: فرس( بحر) اي واسع الخطي, سريع الجري, وقيل: ماء بحر, اي ملح( مالح), و(ابحر) الماء اي ملح, و(ابحر) الرجل اي ركب البحر, و(بحر) اذن الناقه اي شقها شقا واسعا فشبهها بسعه البحر علي وجه المجاز والمبالغه, ومنها سميت البحيره وهي الناقه اذا ولدت عشره ابطن شقوا اذنها, وتطلق, فلا تركب ولا يحمل عليها, والبحيره ابنه السائبه وحكمها حكم امها عند العرب في الجاهليه. اما وصف البحر بصفه( المسجور) فالصفه مستمده من الفعل( سجر) و(السجر) تهييج النار, يقال( سجر) التنور اي اوقد عليه حتي احماه, و(السجور) هو ما يسجر به التنور من انواع الوقود, كما يقال( سجر) الماء النهر اي ملاه, ومنه( البحر المسجور) اي المملوء بالماء, المكفوف عن اليابسه, و(الساجور) خشبه تجعل في عنق ال*** فيقال له ***( مسوجر) اي محكوم, والمسوجر المغلق المحكم الاغلاق من كل شيء. شروح المفسرين في تفسير القسم القراني بالبحر المسجور اشار ابن كثير( يرحمه الله) الي قول الربيع بن انس انه: هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر الذي تحيا به الاجساد في قبورها يوم معادها, اي انه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين, ينزله( سبحانه وتعالي) يوم البعث فينبت كل مخلوق بواسطه هذا الماء من عجب ذنبه كما تنبت البقله من حبتها علي ما روي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) من قول. واضاف بن كثير و[قال الجمهور هو هذا البحر, واختلف في معني المسجور فقال بعضهم المراد انه يوقد يوم القيامه نارا كقوله تعالي: واذا البحار سجرت اي اضرمت فتصير نارا تتاجج محيطه باهل الموقف كما روي عن علي وابن عباس, وقال العلاء بن بدر: انما سمي البحر المسجور لانه لا يشرب منه ماء, ولا يسقي به زرع, وكذلك البحار يوم القيامه]. [وعن سعيد بن جبير: والبحر المسجور يعني المرسل, وقال قتاده: المسجور المملوء, واختاره ابن جرير, وقيل: المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الارض لئلا يغمرها فيغرق اهلها, قاله ابن عباس وبه يقول السدي وغيره, وعليه يدل الحديث الذي رواه الامام احمد عن عمر بن الخطاب, عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال: ليس من ليله الا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستاذن الله ان ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل]. وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في شرح دلاله القسم القراني( والبحر المسجور) اي المملوء وذكرا انه قول قتاده. وقالا قال مجاهد الموقد اي الذي سيسجر يوم القيامه لقوله تعالي: واذا البحار سجرت. وقال صاحب الظلال( يرحمه الله) كلاما مشابها يشير الي ان البحر المسجور هو المملوء بالماء في الدنيا, او المتقد بالنار في الاخره, او ان هذا التعبير يسير الي خلق اخر كالبيت المعمور يعلمه الله. وذكر صاحب صفوه البيان لمعاني القران( غفر الله له) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي)( والبحر المسجور) ما نصه: اي المملوء ماء يقال: سجر النهر, ملاه, وهو البحر المحيط, والمراد الجنس, وقيل الموقد نارا عند قيام الساعه, كما قال تعالي: واذا البحار سجرت, اي اوقدت نارا, من سجر التنور يسجره سجرا, احماه, وصف البحر بذلك اعلاما بان البحار عند فناء الدنيا تحمي بنار من تحتها فتتبخر مياهها, وتندلع النار في تجاويفها وتصير كلها حمما. وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم: ان البحر المسجور هو المملوء, وذكر صاحب صفوه التفاسير( بارك الله في عمره) انه الموقد نارا يوم القيامه لقوله واذا البحار سجرت اي اضرمت حتي تصير نارا ملتهبه تتاجج وتحيط باهل الموقف. البحر المسجور في منظور العلوم الحديثه من المعاني اللغويه للبحر المسجور هو المملوء بالماء, والمكفوف عن اليابسه, وهو معني صحيح من الناحيه العلميه صحه كامله كما اثبتته الدراسات العلميه في القرن العشرين, ومن المعاني اللغويه لهذا القسم القراني المبهر ايضا ان البحر قد اوقد عليه حتي حمي قاعه فاصبح مسجورا, وهو كذلك من الحقائق العلميه التي اكتشفها الانسان في العقود المتاخره من القرن العشرين, والتي لم يكن لبشر المام بها قبل ذلك ابدا, وهذا ما نفصله في الاسطر التاليه: اولا:( البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسه: الارض هي اغني كواكب المجموعه الشمسيه بالماء الذي تقدر كميته بحوالي1360 الي1385 مليون مليون كيلو متر مكعب, وهذا الماء قد اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) كله من داخل الارض علي هيئه بخار ماء اندفع من فوهات البراكين, وعبر صدوع الارض العميقه ليصادف الطبقات العليا البارده من نطاق التغيرات الجويه والذي يمتد من سطح البحر الي ارتفاع حوالي سته عشر كيلو مترا فوق خط الاستواء, وحوالي العشره كيلو مترات فوق قطبي الارض, وتنخفض درجه الحراره في هذا النطاق باستمرار مع الارتفاع حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمته. وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتله الغلاف الغازي للارض(66%) والمقدره باكثر قليلا من خمسه الاف مليون مليون طن, وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الارض, والذي تتكون فيه السحب, وينزل منه كل من المطر, والبرد, والثلج, وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق, وتتكون العواصف والدوامات الهوائيه وغير ذلك من الظواهر الجويه, ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع ما عاد الينا بخار الماء الصاعد من الارض ابدا. وحينما عاد الينا بخار الماء مطرا, وثلجا, وبردا, انحدر علي سطح الارض ليشق له عددا من المجاري المائيه, ثم فاض الي منخفضات الارض الواسعه ليكون البحار والمحيطات, وبتكرار عمليه البخر من اسطح تلك البحار والمحيطات, ومن اسطح اليابسه بما عليها من مختلف صور التجمعات المائيه والكائنات الحيه. بدات دوره المياه حول الارض, من اجل التنقيه المستمره. لهذا الماء وتلطيف الجو, وتفتيت الصخور, وتسويه سطح الارض, وتكوين التربه, وتركيز عدد من الثروات المعدنيه, وغير ذلك من المهام التي اوكلها الخالق لتلك الدوره المعجزه التي تحمل380,000 كيلو متر مكعب من ماء الارض الي غلافها الجوي سنويا, لتردها الي الارض ماء طهورا, منها320,000 كيلو متر مكعب تتبخر من اسطح البحار والمحيطات,60,000 كيلو متر مكعب من اسطح اليابسه, يعود منها284,000 كيلو متر مكعب الي البحار والمحيطات,96,000 كيلو متر مكعب الي اليابسه التي يفيض منها36,000 كيلو متر مكعب من الماء الي البحار والمحيطات, وهو نفس مقدار الفارق بين البخر والمطر من والي البحار والمحيطات. هذه الدوره المحكمه للمياه حول الارض ادت الي خزن اغلب ماء الارض في بحارها ومحيطاتها حوالي(97,2%), وابقاء اقله علي اليابسه( حوالي2,8%), وبهذه الدوره للماء حول الارض تملح ماء البحار والمحيطات, وبقيت نسبه ضئيله علي هيئه ماء عذب علي اليابسه(2,8% من مجموع كم الماء علي الارض), وحتي هذه النسبه الضئيله من ماء الارض العذب قد حبس اغلبها( من2,052% الي2,15%) علي هيئه سمك هائل من الجليد فوق قطبي الارض, وفي قمم الجبال, والباقي مختزن في الطبقات المساميه والمنفذه من صخور القشره الارضيه علي هيئه ماء تحت سطحي( حوالي0,27% الي0,5%) وفي بحيرات الماء العذب( حوالي0,33%), وعلي هيئه رطوبه في تربه الارض( من0,01% الي0,18%) ورطوبه في الغلاف الغازي للارض تتراوح بين(0,0001% الي0,036%), وما يجري في الانهار والجداول( حوالي0,0047%). وتوزيع ماء الارض بهذه النسب التي اقتضتها حكمه الله الخالق قد تم بدقه بالغه بين البيئات المختلفه بالقدر الكافي لمتطلبات الحياه في كل بيئه من تلك البيئات, وبالاقدار الموزونه التي لو اختلت قليلا بزياده او نقص لغمرت الارض وغطت سطحها بالكامل, او انحسرت تاركه مساحات هائله من اليابسه, ولقصرت دون متطلبات الحياه عليها. ومن هذا القبيل يحسب العلماء ان الجليد المتجمع فوق قطبي الارض وفي قمم الجبال المرتفعه فوق سطحها اذا انصهر( وهذا لا يحتاج الا الي مجرد الارتفاع في درجه حراره صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئويه) واذا حدث ذلك فان كم الماء الناتج سوف يودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات الي اكثر من مائه متر فيغرق اغلب المناطق الاهله بالسكان والممتده حول شواطيء تلك البحار والمحيطات. وليس هذا من قبيل الخيال العلمي, فقد مرت بالارض فترات كانت مياه البحار فيها اكثر غمرا لليابسه من حدود شواطئها الحاليه, كما مرت فترات اخري كان منسوب الماء في البحار والمحيطات اكثر انخفاضا من منسوبها الحالي مما ادي الي انحسار مساحه البحار والمحيطات وزياده مساحه اليابسه, والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسه, فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات فانحسرت عن اليابسه التي تزيد مساحتها زياده ملحوظه, وكلما قل كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وطغت علي اليابسه التي تتضاءل مساحتها تضاءلا ملحوظا. من هنا كان تفسير القسم القراني ب( البحر المسجور) بان الله تعالي يمن علينا( وهو صاحب الفضل والمنه) بانه ملا منخفضات الارض بماء البحار والمحيطات, وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان علي اليابسه منذ خلق الانسان, وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعدده اهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الارض وعلي قمم الجبال, والذي يصل الي اربعه كيلو مترات في قطب الارض الجنوبي, والي ثلاثه الاف وثمانمائه من الامتار في القطب الشمالي, ولولا ذلك لغطي ماء الارض اغلب سطحها, ولما بقيت مساحه كافيه من اليابسه للحياه بمختلف اشكالها الانسانيه, والحيوانيه, والنباتيه, وهي احدي ايات الله البالغه في الارض, وفي اعدادها لكي تكون صالحه للعمران. من هنا كان تفسير القسم ب( البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء المكفوف عن اليابسه ينطبق مع عدد من الحقائق العلميه الثابته التي تشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق, وتشهد لسيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالنبوه وبالرساله. ثانيا:( البحر المسجور) بمعني القائم علي قاع احمته الصهاره الصخريه المندفعه من داخل الارض فجعلته شديد الحراره. في العقود المتاخره من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقه تمزق الغلاف الصخري للارض بشبكه هائله من الصدوع العملاقه المزدوجه والتي تكون فيما بينها ما يعرف باسم اوديه الخسف او الاغوار, وان هذه الاغوار العميقه تحيط بالكره الارضيه احاطه كامله, ويشبهها العلماء باللحام علي كره التنس( مع فارق التشبيه), وتمتد هذه الاغوار في كافه الاتجاهات لعشرات الالاف من الكيلو مترات, ولكنها تنتشر اكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الارض, وفي قيعان عدد من بحارها, ويتراوح عمق الصدوع المشكله لتلك الاغوار بين65 كيلو مترا, و70 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات, وبين100 و150 كيلو مترا علي اليابسه( اي في صخور القارات), وتعمل علي تمزيق الغلاف الصخري للارض بالكامل, وتقطيعه الي عدد من الالواح الصخريه التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهره يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الارضي, وهو نطاق لدن, عالي الكثافه واللزوجه, تتحرك بداخله تيارات الحمل من اسفل الي اعلي حيث تتبرد وتعاود النزول الي اسفل, وهي بتلك الحركه الدائبه تدفع بكل لوح من الواح الغلاف الصخري للارض الي التباعد عن اللوح المجاور في احد جوانبه( في ظاهره تسمي ظاهره اتساع قيعان البحار والمحيطات), ومصطدما في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور ليكون سلسله من السلاسل الجبليه, ومنزلقا عن الالواح المجاوره في الجانبين الاخرين. وباستمرار تحرك الواح الغلاف الصخري للارض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها, وتندفع الصهاره الصخريه بملايين الاطنان في درجات حراره تتعدي الالف درجه مئويه لتساعد علي دفع جانبي المحيط يمنه ويسره, وتملا المسافات الناتجه بالصهاره الصخريه المندفعه من باطن الارض علي هيئه ثورات بركانيه عارمه, تحت الماء, تسجر قيعان جميع محيطات الارض, وقيعان اعداد من بحارها, وتجدد مادتها الصخريه باستمرار. وقد ادي هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات, وفوق قيعان عدد من البحار النشطه الي تكون سلاسل من الجبال في اواسط المحيطات تتكون في غالبيتها من الصخور البركانيه, وقد ترتفع قممها في بعض الاماكن علي هيئه اعداد من الجزر البركانيه من مثل جزر كل من اندونيسيا, ماليزيا, الفلبين, اليابان, هاواي, وغيرها, وفي المقابل تصطدم الواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابله لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات, ويودي هذا التصادم الي اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج مما يودي الي تكون جيوب عميقه عند التقاء قاع المحيط بالكتله القاريه تتجمع فيها كميات هائله من الصخور الرسوبيه والناريه والمتحوله التي تطوي وتتكسر لترتفع علي هيئه السلاسل الجبليه علي حواف القارات من مثل سلسله جبال الانديز في غربي امريكا الجنوبيه, وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتله القاريه, واذا توقفت عمليه توسع قاع المحيط فان هذا القاع قد يستهلك باكمله تحت القاره مما يودي الي تصادم قارتين ببعضهما, وينشا عن هذا التصادم اعلي السلاسل الجبليه من مثل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام الهند بالقاره الاسيويه بعد استهلاك قاع المحيط الذي كان يفصل بينهما بالكامل في ازمنه ارضيه سحيقه. ويصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي, واصطدامه عند اطرافه بعدد من الهزات الارضيه, والثورات والطفوح البركانيه. ويبلغ طول جبال اواسط المحيطات اكثر من اربعه وستين الفا من الكيلو مترات في الطول, بينما يبلغ طول الصدوع العميقه التي اندفعت منها الطفوح البركانيه لتكون تلك السلاسل الجبليه في اواسط المحيطات اضعاف هذا الرقم. وتتكون هذه السلاسل اساسا من الصخور البركانيه المختلطه بالقليل من الرسوبيات البحريه, وتحيط كل سلسله من هذه السلاسل المندفعه من قاع المحيط بواد خسيف( غور) مكون بفعل الصدوع العملاقه التي تمزق الغلاف الصخري للارض بعمق يتراوح بين خمسه وستين كيلو مترا وسبعين كيلو مترا ليخترق الغلاف الصخري للارض بالكامل ويصل الي نطاق الضعف الارضي الذي تندفع منه الصهاره الصخريه بملايين الاطنان في درجه حراره تزيد عن الالف درجه مئويه لتسجر قيعان كل محيطات الارض, وقيعان عدد من بحارها النشطه باستمرار, ومع تجدد اندفاع الصهاره الصخريه عبر مستويات هذه الصدوع العملاقه يتسع قاع المحيط باستمرار, وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمه في اتجاه شاطيء المحيط يمنه ويسره, ليحل محلها احزمه احدث عمرا تتكون من تجمد تلك الصهاره الجديده, وتترتب بصوره متوازيه علي جانبي اغوار المحيطات والبحار, ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قاره من القارتين او القارات المحيطه بشاطئيه, وبذلك يمتليء محور المحيط بالصهاره الصخريه الحديثه المندفعه عبر مستويات الصدوع الممزقه لقاعه فتسجره, بينما تندفع الصخور الاقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين حيث توجد اقدم صخور ذلك القاع, والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطه. وهذه الصدوع العملاقه التي تمزق قيعان كل محيطات الارض, وقيعان عدد من بحارها( مثل البحر الاحمر) توجد ايضا علي اليابسه ولكن بنسب اقل منها فوق قيعان البحار والمحيطات وتعمل علي تكوين عدد من الاغوار( الاوديه الخسيفه) والبحار الطوليه( من مثل اغوار شرقي افريقيا والبحر الاحمر) التي تعمل علي تفتيت الكتل القاريه باتساعها التدريجي لتتحول تلك البحار الطوليه مثل البحر الاحمر الي بحار اكبر ثم الي محيطات تفصل بين الكتله القاريه التي كانت متصله علي هيئه قاره واحده, وتحاط تلك الخسوف القاريه العملاقه بعدد من القمم البركانيه السامقه من مثل جبل ارارات في شرقي تركيا(5100 متر فوق مستوي سطح البحر), ومخروط بركان( اتنا) في شمال شرقي صقليه(3300 متر), ومخروط بركان( فيزوف) في خليج نابولي بايطاليا(1300 متر), وجبل( كيليمنجارو) في تنجانيقا(5900 متر), وجبل كينيا في جمهوريه كينيا(5100 مترا فوق مستوي سطح البحر). بذلك ثبت لكل من علماء الارض والبحار بالادله الماديه الملموسه ان كل محيطات الارض( بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي), وان اعدادا من بحارها( من مثل البحر الاحمر), قيعانها مسجره بالصهاره الصخريه المندفعه بملايين الاطنان من داخل الارض عبر شبكه الصدوع العملاقه التي تمزق الغلاف الصخري للارض بالكامل وتصل الي نطاق الضعف الارضي, وتتركز هذه الشبكه من الصدوع العملاقه اساسا في قيعان البحار والمحيطات, وان كم المياه في تلك الاحواض العملاقه علي ضخامته لا يستطيع ان يطفيء جذوه الصهاره الصخريه المندفعه من داخل الارض اطفاء كاملا, وان هذه الجذوه علي شده حرارتها( اكثر من الف درجه مئويه) لا تستطيع ان تبخر هذا الماء بالكامل, وان هذا الاتزان الدقيق بين الاضداد من الماء والحراره العاليه هو من اكثر ظواهر الارض ابهارا للعلماء في زماننا, وهي حقيقه لم يتمكن الانسان من اكتشافها الا في اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن العشرين. ومن الغريب ان رسول الله( صلي الله عليه وسلم) هذا النبي الامي الذي لم يركب البحر في حياته الشريفه مره واحده, فضلا عن الغوص الي اعماق البحار قال في حديث شريف اخرجه كل من الائمه ابو داود في سننه, والبيهقي في سننه, وابن شيبه في مصنفه عن عبد الله بن عمرو بن العاص( رضي الله عنهما) ما نصه: لا يركب البحر الا حاج او معتمر او غاز في سبيل الله, فان تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا( ابو داود البيهقي) وجاء الحديث في مصنف ابن شيبه بالنص التالي: ان تحت البحر نارا, ثم ماء, ثم نارا ويعجب الانسان المتبصر لهذا السبق في كل من القران الكريم والاحاديث النبويه الشريفه بالاشاره الي حقيقه من حقائق الارض التي لم يتوصل الانسان الي ادراكها الا في نهايات القرن العشرين, هذا السبق الذي لا يمكن لعاقل ان يتصور له مصدرا غير الله الخالق, الذي انزل هذا القران الكريم بعلمه, علي خاتم انبيائه ورسله, وعلم هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) من حقائق هذا الكون ما لم يكن لاحد من الخلق المام به قبل العقود الثلاثه المتاخره من القرن العشرين, لكي تبقي هذه الومضات النورانيه في كتاب الله, وفي سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) شهادات ماديه ملموسه علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي حفظه( تعالي) علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد, والي قيام الساعه بنفس لغه الوحي( اللغه العربيه) كلمه كلمه, وحرفا حرفا في صفائه الرباني, واشراقاته النورانيه, دون ادني تغيير او تبديل او تحريف, وان هذا النبي الخاتم, والرسول الخاتم عليه افضل الصلاه وازكي التسليم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض. فسبحان الذي انزل في محكم كتابه من قبل الف واربعمائه من السنين هذا القسم القراني بالبحر المسجور, وسبحان الذي علم خاتم انبيائه ورسله بهذه الحقيقه فقال قولته الصادقه ان تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا وسبحان الذي اكد علي صدق القران الكريم, وعلي صدق هذا النبي الخاتم في كل ما رواه عن ربه. فانزل في محكم كتابه قوله الحق: لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا* ( النساء:166) وقوله( سبحانه) مخاطبا خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم): قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض انه كان غفورا رحيما* ( الفرقان:6) وقوله( عز من قائل): وقل الحمد لله سيريكم اياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون* (النمل:93) وقوله( تعالي): ويري الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الي صراط العزيز الحميد* ( سبا:6) وقوله( سبحانه وتعالي): ان هو الا ذكر للعالمين* ولتعلمن نباه بعد حين*( ص:88,87) وقوله( تبارك وتعالي): ...وانه لكتاب عزيز* لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد* (فصلت:41 و42) وقوله( تبارك اسمه): سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد* (فصلت:53) ======================================== 2:-نار تحت البحار يروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص( رضي الله عنهما) انه قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): لايركب البحر الا حاج او معتمر او غاز في سبيل الله, فان تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا. (سنن ابي داود: كتاب الجهاد) والحديث اخرجه ابو داود في سننه( حديث رقم2489) في اول كتاب الجهاد, وكذلك اخرجه البيهقي في سننه( الجزء الرابع, صفحه443) وغيرهما مرفوعا بلفظ ان تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا, واخرجه ابن شيبه في مصنفه ( الجزء الاول, ص131) موقوفا علي عبدالله بن عمرو بن العاص بلفظ: ان تحت البحر نارا, ثم ماء ثم نارا وذكر ان رجال اسناده ثقات. وقيل في الروايه المرفوعه السابقه ان اسنادها ضعيف, ولكن الحاكم في المستدرك ( الجزء الرابع, ص596) اخرج له شاهدا من حديث يعلي بن اميه قال: قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) ان البحر هو جهنم وقال: صحيح الاسناد, ووافقه الامام الذهبي في تلخيص المستدرك علي ذلك, وعليه يكون الحديث بمجموع طريقته حسنا علي الاقل, ومن ضعفه فقد نظر الي طريقته الضعيفه وحدها نظرا لصعوبه فهم دلاله الحديث.فقد ذكر ابن كثير في البدايه( الجزء الثاني, ص144 طبعه دار هجر يقول في معني كون البحر جهنم ان البحر يسجر يوم القيامه ويكون من جمله جهنم. وما اروع ما في كتاب عون المعبود في شرح سنن ابي داود للعظيم ابادي( الجزء السابع, ص167) في شرح معني ان تحت البحر نارا قال:قيل هو علي ظاهره, فان الله علي كل شيء قدير. وقال الخطابي في شرح سنن ابي داود: هو تفخيم الامر بالبحر وتهويل من شانه. وذكر ابن حجر شاهدا لصدد هذا الحديث يقويه ويرقي به الي مرتبه الحسن وذلك في كتابه التلخيص ( الجزء الثاني ص221) من حديث لابن عمر ( رضي الله عنهما) ( حديث رقم955), وبذلك يكون الحديث بمجموعه كله حسنا, علي الرغم من عجيب ما فيه من معان علميه دقيقه لم يتوصل الانسان الي ادراك شيء منها الا في اواخر القرن العشرين. والحديث الشريف الذي نحن بصدده يتفق بدقه بالغه مع القسم القراني الوارد في مطلع سوره الطور, والذي يقسم فيه ربنا تبارك وتعالي ( وهو الغني عن القسم) بالبحر المسجور فيقول ( عز من قائل): والطور* وكتاب مسطور* في رق منشور* والبيت المعمور* والسقف المرفوع* والبحر المسجور* ان عذاب ربك لواقع* ماله من دافع* ( الطور:1 8) ولم يستطع العرب في وقت تنزل القران الكريم ان يستوعبوا دلاله القسم بالبحر المسجور, لان عندهم: سجر التنور يعني اوقد عليه حتي احماه, والماء والحراره من الاضداد, فالماء يطفيء الحراره والحراره تبخر الماء, فكيف يمكن للاضداد ان تتعايش في تلاحم وثيق دون ان يلغي احدها الاخر؟ وقد دفعهم ذلك الي نسبه الامر للاخره استنادا الي ماجاء في سوره التكوير من قول الحق( تبارك وتعالي): واذا البحار سجرت* ( التكوير:6) ولكن الايات في مطلع سوره التكوير كلها تشير الي امور مستقبليه في الاخره, والقسم في مطلع سوره الطور كله بامور واقعه في حياتنا...!!! واضطر ذلك مجموعه من المفسرين الي البحث عن معني لغوي للفعل سجر غير اوقد علي الشيء حتي احماه, ووجدوا من معاني سجر ملا وكف, وفرحوا بذلك فرحا شديدا لانه فسر الامر لهم بمعني ان الله ( تعالي) يمن علي البشريه كلها بانه قد ملا منخفضات الارض بالماء وحجزها وكفها عن مزيد من الطغيان علي اليابسه. ولكن حديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الذي نتناوله في هذه العجاله يوكد ان تحت البحر نارا, وان تحت النار بحرا والرسول( صلوات الله وسلامه عليه) لم يركب البحر في حياته الشريفه مره واحده, فمن كان يضطره الي الخوض في امر غيبي كهذا لولا ان الله( تعالي) قد اخبره به لانه ( سبحانه) يعلم بعلمه المحيط ان الانسان سيكتشف هذه الحقيقه الكونيه المبهره في يوم من الايام فانزلها في كتابه الكريم, وعلمها لخاتم الانبياء والمرسلين لتبقي شاهده ابد الدهر علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق وان هذا النبي الخاتم الذي تلقاه ماينطق عن الهوي...!! ==================================== 3:- أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها جاءت هذه الايه الكريمه في خواتيم سوره الرعد, وهي السوره الوحيده من سور القران التي تحمل اسم ظاهره من الظواهر الجويه, وسوره الرعد توصف بانها سوره مدنيه. وان كان الخطاب فيها خطابا مكيا, يدور حول اسس العقيده الاسلاميه ومن اولها قضيه الايمان بالوحي المنزل من رب العالمين الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين), والايمان بالحق الذي اشتمل عليه هذا الوحي الرباني, ومن ركائزه الايمان بالله, وبوحدانيته المطلقه فوق كافه خلقه, والايمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الاخر, وما يستتبعه من بعث ونشور, وعرض اكبر امام الله, وحساب وجزاء, وما يستوجبه هذا الايمان من خشيه لله وتقواه, وحرص علي طلب رضاه بالعمل الصالح لان ذلك كله نابع من الايمان بالوحي, وبان الله( تعالي) هو منزل القران الداعي الي عباده الله بما امر( سبحانه وتعالي), وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الارض بحسن عمارتها, واقامه عدل الله فيها. وتعجب الايات من منكري البعث والحساب والجزاء, الدين كفروا بربهم, وكذبوا رسله, وجحدوا اياته, وتعرض لشيء من عذابهم في الاخره, وخلودهم في النار. وتستشهد السوره في مواضع كثيره منها بالعديد من الايات والظواهر الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق والافناء, وفي الاماته والاحياء, وفي النفع والضر, والشاهده علي ان كل ما جاء به القران الكريم حق مطلق, وان كان اكثر الناس لا يومنون. ثم تقارن الايات بين اهل النار واهل الجنه, وبين اوصاف كل فريق منهم وخصاله واعماله, وضربت لهما مثلا بالاعمي والبصير, وبينت مصير كل من الفريقين, مع تصوير رائع لكل من الجنه والنار. وتستطرد ايات سوره الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونيه من مثل حدوث الرعد, والبرق, والصواعق, وتكوين السحاب الثقال, وانزال المطر, وتدفق الاوديه بمائه حامله من الزبد والخبث الذي لايلبث ان يذهب جفاء, وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث ان تمكث في الارض, وتشبه الايات الكريمه ذلك بكل من الباطل والحق, ولله المثل الاعلي. ثم تعرض السوره لحقيقه غيبيه تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله, وتسبيح الملائكه خشيه لجلاله, وخيفه من سلطانه, وجميع من في السماوات والارض يسجد لله طوعا وكرها, حتي ظلالهم فانها تسجد لله بالغدو والاصال, اي مع دوران الارض حول محورها امام الشمس, فيمد الظل ويقبض في حركه كانها الركوع والسجود. وتنعي الايات علي الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين علي بعثه المصطفي ( صلي الله عليه وسلم), وفي الاشاره الي ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله, والتاكيد له علي ان الابتلاء هو طريق النبوات, وطريق اصحاب الرسالات من بدء الخلق الي قيام الدعوه المحمديه والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها...!!! وتشير السوره بالقرب من نهايتها الي فرح الصالحين من اهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم, في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقه رسالته وتوكد انزال القران حكما عربيا مبينا, وتدعو المصطفي( صلي الله عليه وسلم) الي الحذر من ضغوط الكافرين من اجل اتباع اهوائهم. وتوكد انه ما كان لرسول من الرسل ان ياتي بايه الا بإذن الله. ثم تاتي الايه الكريمه التي نحن بصددها ناطقه بحقيقه كونيه يقول عنها ربنا( تبارك وتعالي): او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ( الرعد:41) ويتكرر معني هذه الايه الكريمه مره اخري في سوره الانبياء والتي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي): بل متعنا هولاء واباءهم حتي طال عليهم العمر افلا يرون انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها افهم الغالبون. (الانبياء:44) ثم تختتم سوره الرعد بالحديث عن مكر الامم السابقه الذي لم يضر المومنين شيئا لان لله( تعالي) المكر جميعا, وان له( سبحانه وتعالي) عقبي الدار, كما تتحدث عن انكار الكافرين لبعثه المصطفي ( صلي الله عليه وسلم), وتاتي الايات, موكده ان الله تعالي يشهد له بالنبوه والرساله وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقه لوجود ذكره ( صلي الله عليه وسلم) في الايات التي لم تحرف من بقايا كتبهم. وهنا يبرز التساول المنطقي: ما هو معني انقاص الارض من اطرافها في هاتين الايتين الكريمتين؟ وما هو مغزي دلالتها العلميه والمعنويه؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين. شروح المفسرين لمعني انقاص الارض من اطرافها في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها ذكر ابن كثير قول ابن عباس( رضي الله عنهما): او لم يروا انا نفتح لمحمد صلي الله عليه وسلم الارض بعد الارض, وقوله في مقام اخر: انقاصها من اطرافها هو خرابها بموت علمائها, وفقهائها, واهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الاول اولي, وهو ظهور الاسلام علي الشرك قريه بعد قريه, كقوله تعالي:( ولقد اهلكنا ما حولكم من القري) الايه, واشار الي ان هذا هو اختيار ابن جرير. كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمه: انقاص الارض من اطرافها معناه خرابها, او هو موت علمائها, وقول كل من الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين علي المشركين, كما قالا: هو نقصان الانفس والثمرات, وخراب الارض, وقول الشعبي: لو كانت الارض تنقص لضاق عليك حشك( اي بستانك), ولكن تنقص الانفس والثمرات. وذكر صاحبا تفسير الجلالين:( او لم يروا) اي: اهل مكه وغيرها( انا ناتي الارض) نقصد ارضهم,( ننقصها من اطرافها) بالفتح علي النبي صلي الله عليه وسلم. اما صاحب الظلال فذكر: ان يد الله القويه تاتي الامم الغنيه حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعه ضيقه من الارض بعد ان كانت ذات امتداد وسلطان. وجاء في( صفوه البيان لمعاني القران) ما نصه:( او لم يروا انا ناتي الارض..) اي اانكروا نزول ما وعدناهم, او شكوا ولم يروا اننا نفتح ارضهم من جوانبها ونلحقها بدار الاسلام!! اولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود! فكيف يامنون حلول ذلك بهم!.... وجاء في صفوه التفاسير ما نصه: اي او لم ير هولاء المشركون انا نمكن للمومنين من ديارهم ونفتح للرسول الارض بعد الارض حتي تنقص دار الكفر وتزيد دار الاسلام؟ وذلك من اقوي الادله علي ان الله منجز وعده لرسوله عليه السلام. وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه: وان امارات العذاب والهزيمه قائمه! الم ينظروا الي انا ناتي الارض التي قد استولوا عليها, ياخذها منهم المومنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الارض من حولهم, والله وحده هو الذي يحكم بالنصر او الهزيمه, والثواب او العقاب, ولا راد لحكمه, وحسابه سريع في وقته, فلا يحتاج الفصل الي وقت طويل, لان عنده علم كل شيء, فالبينات قائمه. وفي الهامش جاء ذكر ما يلي: تتضمن هذه الايه حقائق وصلت اليها البحوث العلميه الاخيره اذ ثبت ان سرعه دوران الارض حول محورها, وقوه طردها المركزي يوديان الي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الارض, وكذلك عرف ان سرعه انطلاق جزيئات الغازات المغلفه للكره الارضيه, اذا ما جاوزت قوه جاذبيه الارض لها فانها تنطلق الي خارج الكره الارضيه, وهذا يحدث بصفه مستمره فتكون الارض في نقص مستمر لاطرافها, لا ارض اعداء المومنين, وهذا احتمال في التفسير تقبله الايه الكريمه. من الدلالات العلميه لانقاص الارض من اطرافها ترد لفظه الارض في القران الكريم بمعني الكوكب ككل, كما ترد بمعني اليابسه التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحريه والمحيطيه, وان كانت ترد ايضا بمعني التربه التي تغطي صخور اليابسه. ولانقاص الارض من اطرافها في اطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلميه التي نحصي منها ما يلي: اولا: في اطار دلاله لفظه الارض علي الكوكب ككل: في هذا الاطار نجد ثلاثه معان علميه بارزه يمكن ايجازها فيما يلي: (ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني انكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار: يقدر متوسط قطر الارض الحاليه بحوالي12742 كم, ويقدر متوسط محيطها بنحو40042 كم, ويقدر حجمها باكثر من مليون مليون كم3. وتفيد الدراسات ان ارضنا مرت بمراحل متعدده من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن عمليه الانفجار العظيم اما مباشره او بطريقه غير مباشره عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسيه, وبذلك خلقت الارض الابتدائيه التي لم تكن سوي كومه ضخمه من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائه ضعف حجمها الحالي علي الاقل, ومكونه من عدد من العناصر الخفيفه. ثم ما لبثت تلك الكومه الابتدائيه ان رجمت بوابل من النيازك الحديديه, والحديديه الصخريه, والصخريه, كتلك التي تصل الارض في زماننا( والتي تتراوح كمياتها بين الالف والعشره الاف طن سنويا من ماده الشهب والنيازك). وبحكم كثافتها العاليه نسبيا اندفعت النيازك الحديديه الي مركز تلك الكومه الابتدائيه حيث استقرت, مولده حراره عاليه ادت الي صهر كومه الرماد التي شكلت الارض الابتدائيه والي تمايزها الي سبع ارضين علي النحو التالي: لب صلب داخلي: عباره عن نواه صلبه من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفه مثل الكربون والفوسفور, والكبريت والسيليكون والاوكسجين(1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديديه مع زياده واضحه في نسبه الحديد, ويبلغ قطر هذه النواه حاليا ما يقدر بحوالي2402 كم, وتقدر كثافتها بحوالي10 الي13.5 جرام/سم3. 2 نطاق لب الارض السائل( الخارجي): وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حاله انصهار, ويقدر سمكه بحوالي2275 كم, ويفصله عن اللب الصلب منطقه انتقاليه شبه منصهره يبلغ سمكها450 كم تعتبر الجزء الاسفل من هذا النطاق, ويكون كل من لب الارض الصلب والسائل حوالي31% من كتلتها. 3 النطاق الاسفل من وشاح الارض( الوشاح السفلي): وهو نطاق صلب يحيط بلب الارض السائل, ويبلغ سمكه نحو2215 كم( من عمق670 كم الي عمق2885 كم) ويفصله عن الوشاح الاوسط( الذي يعلوه) مستوي انقطاع للموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل. 4 النطاق الاوسط من وشاح الارض( الوشاح الاوسط): وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو270 كم, ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه يقع احدهما علي عمق670 كم ويفصله عن الوشاح الاسفل, ويقع الاخر علي عمق400 كم ويفصله عن الوشاح الاعلي. 5 النطاق الاعلي من وشاح الارض( الوشاح العلوي): وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافه واللزوجه( نسبه الانصهار فيه في حدود1%) يعرف باسم نطاق الضعف الارضي ويمتد بين عمق65 120 كم وعمق400 كم ويتراوح سمكه بين335 كم و380 كم, ويعتقد بان وشاح الارض كان كله منصهرا في بدء خلق الارض ثم اخذ في التصلب بالتدريج نتيجه لفقد جزء هائل من حراره الارض. 6 النطاق السفلي من الغلاف الصخري للارض: ويتراوح سمكه بين40 60 كم( بين اعماق60 80 كم)120 كم ويحده من اسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الارضي, ومن اعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المعروف باسم الموهو. 7 النطاق العلوي من الغلاف الصخري للارض( قشره الارض): ويتراوح سمكه بين(5 8) كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين(60 80) كم تحت القارات, ويتكون اساسا من العناصر الخفيفه مثل السيليكون, والصوديوم, والبوتاسيوم, والكالسيوم, والالومنيوم, والاوكسجين مع قليل من الحديد(5.6%) وبعض العناصر الاخري وهو التركيب الغالب للقشره القاريه التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتيه, اما قشره قيعان البحار والمحيطات فتميل الي تركيب الصخور البازلتيه. وادي هذا التمايز في التركيب الداخلي للارض الي نشوء دورات من تيارات الحمل, تندفع من نطاق الضعف الارضي( الوشاح الاعلي) غالبا, ومن وشاح الارض الاوسط احيانا, لتمزق الغلاف الصخري للارض الي عدد من الالواح التي شرعت في حركه دائبه حول نطاق الضعف الارضي نشا عنها الثورات البركانيه, والهزات الارضيه, والحركات البانيه للجبال, كما نشا عنها دحو الارض بمعني اخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات. هذا التاريخ يشير الي ان حجم الارض الابتدائيه كان علي الاقل يصل الي مائه ضعف حجم الارض الحاليه والمقدر باكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائه وخمسين كيلومترا مكعبا وان هذا الكوكب قد اخذ منذ اللحظه الاولي لخلقه في الانكماش علي ذاته من كافه اطرافه. وكان انكماش الارض علي ذاتها سنه كونيه لازمه للمحافظه علي العلاقه النسبيه بين كتلتي الارض والشمس, هذه العلاقه التي تضبط بعد الارض عن الشمس, ذلك البعد الذي يحكم كميه الطاقه الواصله الينا. ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بنحو مائه وخمسين مليونا من الكيلومترات, ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس), اتضحت لنا الحكمه من استمراريه تناقص الارض وانكماشها علي ذاتها اي تناقصها من اطرافها. ولو زادت الطاقه التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لاحرقتنا, واحرقت كل حي علي الارض, ولبخرت الماء, وخلخلت الهواء, ولو قلت قليلا لتجمد كل حي علي الارض ولقضي علي الحياه الارضيه بالكامل. ومن الثابت علميا ان الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانيه نحو خمسه ملايين من الاطنان علي هيئه طاقه ناتجه من تحول غاز الايدروجين بالاندماج النووي الي غاز الهيليوم. وللمحافظه علي المسافه الفاصله بين الارض والشمس لابد وان تفقد الارض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها, ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الارض علي هيئه الغازات والابخره وهباءات متناهيه الضاله من المواد الصلبه التي يعود بعضها الي الارض, ويتمكن البعض الاخر من الافلات من جاذبيه الارض والانطلاق الي صفحه السماء الدنيا, وبذلك الفقدان المستمر من كتله الارض فانها تنكمش علي ذاتها, وتنقص من كافه اطرافها, وتحتفظ بالمسافه الفاصله بينها وبين الشمس. ولولا ذلك لانطلقت الارض من عقال جاذبيه الشمس لتضيع في صفحه الكون وتهلك ويهلك كل من عليها, او لانجذبت الي قلب الشمس حيث الحراره في حدود15 مليون درجه مئويه فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها. ومن حكمه الله البالغه ان كميه الشهب والنيازك التي تصل الارض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقه بين كتلتي الارض والشمس اذا زادت كميه الماده المنفلته من عقال جاذبيه الارض. (ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني تفلطحها قليلا عند القطبين, وانبعاجها قليلا عند خط الاستواء: في زمن الخليفه المامون قيست المسافه المقابله لكل درجه من درجات خطوط الطول في كل من تهامه والعراق, واستنتج من ذلك حقيقه ان الارض ليست كامله الاستداره, وقد سبق العلماء المسلمون الغرب في ذلك بثمانيه قرون علي الاقل لان الغربيين لم يشرعوا في قياس ابعاد الارض الا في القرن السابع عشر الميلادي, حين اثبت نيوتن نقص تكور الارض وعلله بان ماده الارض لاتتاثر بالجاذبيه نحو مركزها فحسب, ولكنها تتاثر كذلك بالقوه الطارده ( النابذه) المركزيه الناشئه عن دوران الارض حول محورها, وقد نتج عن ذلك انبعاج بطئ في الارض ولكنه مستمر عند خط الاستواء حيث تزداد القوه الطارده المركزيه الي ذروتها, وتقل قوه الجاذبيه الي المركز الي ادني قدر لها, ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح( انبساط) قطبي غير متكافئ عند قطبي الارض حيث تزداد قوتها الجاذبه, وتتناقص قيمه القوه الطارده المركزيه, والمنطقه القطبيه الشماليه اكثر تفلطحا من المنطقه القطبيه الجنوبيه. ويقدر متوسط قطر الارض الاستوائي بنحو12756.3 كم, ونصف قطرها القطبي بنحو12713.6 كم وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو42.7 كم, ويمثل هذا التفلطح نحو33.% من نصف قطر الارض, مما يدل علي انها عمليه بطيئه جدا تقدر بنحو1 سم تقريبا كل الف سنه, ولكنها عمليه مستمره منذ بدء خلق الارض, وهي احدي عمليات انقاص الارض من اطرافها. (ج) انقاص الارض من اطرافها بمعني اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها وذلك بفعل تحرك الواح الغلاف الصخري للارض: يمزق الغلاف الصخري للارض بواسطه شبكه هائله من الصدوع العميقه التي تحيط بالارض احاطه كامله, وتمتد لعشرات الالاف من الكيلومترات في الطول, وتتراوح اعماقها بين65 كم و120كم, وتفصل هذه الشبكه من الصدوع الغلاف الصخري للارض الي12 لوحا رئيسيا وعدد من الالواح الصغيره نسبيا, ومع دوران الارض حول محورها تنزلق الواح الغلاف الصخري للارض فوق نطاق الضعف الارضي متباعده عن بعضها البعض, او مصطدمه مع بعضها البعض, ويعين علي هذه الحركه اندفاع الصهاره الصخريه عبر مستويات الصدوع خاصه عبر تلك المستويات التصدعيه التي تشكل محاور حواف اواسط المحيطات فتودي الي اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها, وذلك لان الصهاره الصخريه المتدفقه بملايين الاطنان عبر مستويات صدوع اواسط المحيطات تودي الي دفع جانبي قاع المحيط يمنه ويسره لعده سنتيمترات في السنه الواحده, وتودي الي ملء المسافات الناتجه بالطفوحات البركانيه المتدفقه والتي تبرد وتتطلب علي هيئه اشرطه متوازيه تتقادم في العمر. في اتجاه حركه التوسع, وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنه ويسره, في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطه في الجانبين بنفس معدل التوسع( اي بنصفه في كل اتجاه), وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطه تحت القارتين المحيطتين بالانصهار في نطاق الضعف الارضي. وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين او القارات المحيطه بحوض المحيط او البحر, فان العمليه التصادميه قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد فتكون الجزر البركانيه وينقص قاع المحيط, وكما تحدث عمليه التباعد في اواسط القاره فتودي الي فصلها الي كتلتين قاريتين مفصولتين ببحر طولي مثل البحر الاحمر يظل يتسع حتي يتحول الي محيط في المستقبل البعيد وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للارض عند خطوط التصادم, وتتجدد عند خطوط التباعد, وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها. وتتخذ الواح الغلاف الصخري للارض في العاده اشكالا رباعيه يحدها من جهه خطوط انفصام وتباعد, يقابلها في الجهه الاخري خطوط تصادم, وفي الجانبين الاخرين حدود انزلاق, تتحرك عبرها الواح الغلاف الصخري منزلقه بحريه عن بعضها البعض. وتحرك الواح الغلاف الصخري للارض يودي باستمرار الي استهلاك صخور قيعان كل محيطات الارض, واحلالها بصخور جديده, وعلي ذلك فان محاور المحيطات تشغلها صخور بركانيه ورسوبيه جديده قد لا يتجاوز عمرها اللحظه الواحده, بينما تندفع الصخور القديمه( التي قد يتجاوز عمرها المائتي مليون سنه) عند حدود تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطه به, والصخور الاقدم عمرا من ذلك تكون هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الارضي وتحولت الي صهاره, وهي صوره رائعه من صور انقاص الارض من اطرافها. ويبدو ان هذه العمليات الارضيه المتعدده كانت في بدء خلق الارض اشد عنفا من معدلاتها الحاليه لشده حراره جوف الارض بدرجات تفوق درجاتها الحاليه وذلك بسبب الكم الهائل من الحراره المتبقيه عن الاصل الذي انفصلت منه الارض, والكم الهائل من العناصر المشعه الاخذه في التناقص باستمرار بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد ماده الارض. ثانيا: في اطار دلاله لفظ الارض علي اليابسه التي نحيا عليها: في هذا الاطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يلي: (ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني اخذ عوامل التعريه المختلفه من المرتفعات والقاء نواتج التعريه في المنخفضات من سطح الارض حتي تتم تسويه سطحها: فسطح الارض ليس تام الاستواء وذلك بسبب اختلاف كثافه الصخور المكونه للغلاف الصخري للارض, وكما حدث انبعاج في سطح الارض عند خط الاستواء, فان هناك نتوءات عديده في سطح الارض حيث تتكون قشره الارض من صخور خفيفه, وذلك من مثل كتل القارات والمرتفعات البارزه علي سطحها, وهناك ايضا انخفاضات مقابله لتلك النتوءات حيث تتكون قشره الارض من صخور عاليه الكثافه نسبيا وذلك من مثل قيعان المحيطات والاحواض المنخفضه علي سطح الارض ويبلغ ارتفاع اعلي قمه علي سطح الارض وهي قمه جبل افريست في سلسله جبال الهيمالايا8840 مترا فوق مستوي سطح البحر, ويقدر منسوب الخفض نقطه علي اليابسه وهي حوض البحر الميت395 مترا تحت مستوي سطح البحر, ويبلغ منسوب اكثر اغوار الارض عمقا حوالي10,800 مترا وهو غور ماريانوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين, والفارق بينهما اقل من عشرين كيلو مترا(1960 مترا), وهو فارق ضئيل اذا قورن بنصف قطر الارض. ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الارض حوالي840 مترا فوق مستوي سطح البحر ومتوسط اعماق المحيطات حوالي اربعه كيلو مترات تحت مستوي سطح البحر(3729 مترا الي4500 متر تحت مستوي سطح البحر). وهذا الفارق البسيط هو الذي اعان عوامل التعريه المختلفه علي بري صخور المرتفعات والقائها في منخفضات الارض في محاوله متكرره لتسويه سطحها, وهي سنه دائبه من سنن الله في الارض, فاذا بدانا بمنطقه مرتفعه ولكنها مستويه يغشاها مناخ رطب, فان مياه الامطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقه علي هيئه عدد من البحيرات والبرك.حتي يتكون نظام صرف مائي جيد, وعندما تجري الانهار فانها تنحر مجاريها في صخور المنطقه حتي تقترب من المستوي الادني للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها, وكلما زاد النحر الي اسفل نزايدات التضاريس تشكلا وبروزا, وعندما تصل بعض المجاري المائيه الي المستوي الادني للتحات فانها تبدا في النحر الجانبي لمجاريها بدلا من النحر الراسي فيتم بذلك التسويه الكامله لتضاريس المنطقه علي هيئه سهول مستويه( او سهوب) تتعرج فيها الانهار, وتتسع مجاريها, وتضعف سرعات جريها. وقدراتها علي النحر, وبعد الوصول الي هذا المستوي او الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقه وتعود الدوره الي صورتها الاولي, وتعتبر هذه الدوره( التي تعرف باسم دوره التسهيب) صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وينخفض منسوب قاره امريكا الشماليه بهذه العمليه بمعدل يصل الي0,03 مم في السنه حتي يغمرها البحر ان شاء الله. (ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني طغيان مياه البحار والمحيطات علي اليابسه وانقاصها من اطرافها: من الثابت علميا ان الارض قد بدات منذ القدم بمحيط غامر, ثم بتحرك الواح الغلاف الصخري الابتدائي للارض وبدات جزر بركانيه عديده في التكون في قلب هذا المحيط الغامر, وبتصادم تلك الجزر تكونت القاره الام التي تفتت بعد ذلك الي العدد الراهن من القارات, وتبادل الادوار بين اليابسه والماء هو سنه ارضيه تعرف باسم دوره التبادل بين المحيطات والقارات وتحول اجزاء من اليابسه الي بحار والتي من نماذجها المعاصره كل من البحر الاحمر, وخليج كاليفورنيا, هو صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, ليس هذا فقط بل ان من الثابت علميا ان غالبيه الماء العذب علي اليابسه محجوز علي هيئه تتابعات هائله من الجليد فوق قطبي الارض, وفي قمم الجبال, يصل سمكها في القطب الجنوبي الي اربعه كيلو مترات, ويقترب من هذا السمك قليلا في القطب الشمالي (3800 متر), وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سوف يودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لاكثر من مائه متر, وقد بدات بوادر هذا الانصهار, واذا تم ذلك فانه سوف يغرق اغلب مساحات اليابسه ذات التضاريس المنبسطه حول البحار والمحيطات وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وفي ظل التلوث البيئي الذي يعم الارض اليوم, والذي يودي الي رفع درجه حراره نطاق المناخ المحيط بالارض باستمرار بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد امرا محتملا, وقد حدث ذلك مرات عديده في تاريخ الارض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من احد قطبي الارض او منهما معا في اتجاه خط الاستواء, وفترات ينصهر فيها الجليد فيودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للتعريه بواسطه مياه البحار والمحيطات فتودي الي انقاص الارض( اي اليابسه) من اطرافها, وذلك لان مياه كل من البحار والمحيطات دائمه الحركه بفعل دوران الارض حول محورها, وباختلاف كل من درجات الحراره والضغط الجوي, ونسب الملوحه من منطقه الي اخري, وتودي حركه المياه في البحار والمحيطات( من مثل التيارات االمائيه, وعمليات المد والجزر, والامواج السطحيه والعميقه) الي ظاهره التاكل( التحات) البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطيء وهو من عوامل انقاص الارض ( اليابسه) من اطرافها. ثالثا: في اطار دلاله لفظ الارض علي التربه التي تغطي صخور اليابسه: (ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني التصحر: اي زحف الصحراء علي المناطق الخضراء وانحسار التربه الصالحه للزراعه في ظل افساد الانسان للبيئه علي سطح الارض بدا زحف الصحاري علي مساحات كبيره من الارض الخضراء, وذلك بالرعي الجائر, واقتلاع الاشجار, وتحويل الاراضي الزراعيه الي اراض للبناء, وندره المياه نتيجه لموجات الجفاف والجور علي مخزون المياه تحت سطح الارض, وتملح التربه, وتعريتها بمعدلات سريعه تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الاراضي الصحراويه, اضف الي ذلك التلوث البيئي, والخلل الاقتصادي في الاسواق المحليه والعالميه, وتذبذب اسعار كل من الطاقه والالات والمحاصيل الزراعيه مما يجعل العالم يواجه ازمه حقيقيه تتمثل في انكماش المساحات المزروعه سنويا بمعدلات كبيره خاصه في المناطق القاريه وشبه القاريه نتيجه لزحف الصحاري عليها, ويمثل ذلك صوره من صور خراب الارض بانقاصها من اطرافها. هذه المعاني السته( منفرده او مجتمعه) تعطي بعدا علميا رائعا لمعني انقاص الارض من اطرافها, ولا يتعارض ذلك ابدا مع الدلاله المعنويه للتعبير, بمعني خراب الارض الذي استنتجه المفسرون, بل يكمله ويجليه. وعلي عاده القران الكريم تاتي الاشاره الكونيه بمضمون معنوي محدد, ولكن بصياغه علميه معجزه, تبلغ من الشمول والكمال والدقه ما لم يبلغه علم الانسان, فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه هذه الاشاره العلميه الدقيقه الي حقيقه انقاص الارض من اطرافها, وهي حقيقه لم يدرك الانسان شيئا من دلالاتها العلميه الا منذ عقود قليله, وقد يري فيها القادمون فوق ما نراه نحن اليوم, ليظل القران الكريم مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها, وتظل اياته الكونيه شاهده باستمرار علي انه كلام الله الخالق, وشاهده للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بانه ( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض. ================================== 4:-والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها جاءت هذه الآية الكريمة في مطلع الربع الأخير من سورة النازعات , وهي سورة مكية , تعنى كغيرها من سور القرآن المكي بقضية العقيدة , ومن أسسها الإيمان بالله , وملائكته , وكتبه ورسله , واليوم الآخر , وغالبية الناس منشغلين عن الآخرة وأحوالها , والساعة وأهوالها , وعن قضايا البعث , والحساب , والجنة , والنار وهي محور هذه السورة . وتبدأ السورة الكريمة بقسم من الله ـ تعالى ـ بعدد من طوائف ملائكته الكرام , وبالمهام الجسام المُكلَّفين بها , أو بعدد من آياته الكونية المُبهِرة , على أن الآخرة حق واقع , وأن البعث والحساب أمر جازم , وربنا ـ تبارك وتعالى ـ غني عن القسم لعباده , ولكن الآيات القرآنية تأتي في صيغة القسم لتنبيه الناس إلى خطورة الأمر المُقسم به , وأهميته أو حتميته . ثم تعرض الآيات لشيء من أهوال الآخرة مثل (الراجفة والرادفة) ـ وهما الأرض والسماء ـ وكل منهما يُدمَّر في الآخرة , أو النفختان الأولى التي تميت كل حي , والثانية التي تحيي كل ميت بإذن الله , وتنتقل الآيات إلى وصف حال الكفار , والمشركين , والملاحدة , المتشككين , العاصين لأوامر رب العالمين في ذلك اليوم الرهيب , وقلوبهم خائفة وجلة , وأبصارهم خاشعة ذليلة , بعد أن كانوا ينكرون البعث في الدنيا , ويتساءلون عنه استبعاداً له , واستهزاءاً به : هل في الإمكان أن نُبعث من جديد بعد أن تبلى الأجساد , وتُنخَر العظام؟ وترد الآيات عليهم حاسمة قاطعة بقرار الله الخالق ، أن الأمر بالبعث صيحة واحدة، فإذا بكافة الخلائق قيام يبعثون من قبورهم ليواجهوا الحساب , أو كأنهم حين يبعثون يظنون أنهم عائدون للدنيا مرة ثانية فيفاجأون بالآخرة ... وبعد ذلك تلمح الآيات إلى قصة موسي ـ عليه السلام ـ مع فرعون وملئه , من قبيل مواساة رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشدائد التي كان يلقاها من الكفار , وتحذيرهم مما حل بفرعون وبالمُكذِّبين من قومه من عذاب , وجعل ذلك عبرة لكل عاقل يخشى الله ـ تعالى ـ، ويخاف حسابه . ثم تتوجه الآيات بالخطاب إلى منكري البعث من كفار قريش، وإلى الناس عامة بسؤال تقريعي توبيخي : هل خُلق الناس ـ على ضآلة أحجامهم , ومحدودية قدراتهم , وأعمارهم , وأماكنهم من الكون ـ أشد من خلق السماء وبنائها , ورفعها بلا عمد مرئية إلى هذا العلو الشاهق ؟ ـ مع ضخامة أبعادها , وتعدد أجرامها , ودقة المسافات بينها , وإحكام حركاتها , وتعاظم القوي الممسكة بها وإظلام ليلها , وإنارة نهارها ـ وأشد من دحو الأرض , وإخراج مائها ومرعاها منها بعد ذلك , وإرساء الجبال عليها , وإرساء الأرض بها ؛ تحقيقاً لسلامتهم وأمنهم على سطح الأرض , ولسلامة أنعامهم ومواشيهم . وبعد الإشارة إلى بديع صنع الله في خلق السماوات والأرض كدليل قاطع على إمكانية البعث ، عاودت الآيات الحديث عن القيامة وسمتها "بالطامة الكبرى" ؛ لأنها داهية عظمى ؛ تعم بأهوالها كل شيء , وتغطي على كل مصيبة مهما عَظمت , وفي ذلك اليوم يتذكر الإنسان أعماله من الخير والشر , ويراه مُدوَّناً في صحيفة أعماله , وبرزت جهنم للناظرين , فرآها كل إنسان عياناً بياناً , وحينئذٍ ينقسم الناس إلى شقي وسعيد , فالشقي هو الذي جاوز الحد في الكفر والعصيان , وفضل الدنيا على الآخرة , وهذا مأواه جهنم وبئس المصير , والسعيد هو الذي نهى نفسه عن اتباع هواها انطلاقاً من مخافة مقامه بين يدَيْ ربه يوم الحساب , وهذا مأواه ومصيره إلى جنات النعيم بإذن الله . وتختتم السورة بخطاب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُتعلِّق بسؤال كفار قريش له عن الساعة متى قيامها ؟ , وترد الآيات بأن علمها عند الله الذي استأثر به , دون كافة خلقه , فمردُّها ومرجعها إلى الله وحده , وأما دورك أيها النبي الخاتم والرسول الخاتم فهو إنذار من يخشاها , وهؤلاء الكفار والمشركون يوم يشاهدون قيامها، فإن هول المفاجأة سوف يمحو من الذاكرة معيشتهم على الأرض , فيرونها كأنها كانت ساعة من ليل أو نهار , بمقدار عشية أو ضحاها , احتقاراً للحياة الدنيا , واستهانة بشأنها أمام الآخرة . ويأتي ختام السورة مُتوافقاً مع مطلعها الذي أقسم فيه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ على حقيقة البعث وحتميته , وأهواله وخطورته , لزيادة التأكيد على أنه أخطر حقائق الكون وأهم أحداثه؛ لكي يتم تناسق البدء مع الختام , وهذا من صفات العديد من سور القرآن الكريم . وهنا يبرز التساؤل عن معنى دحو الأرض , وعلاقته بإخراج مائها ومرعاها , ووضعه في مقابلة مع بناء السماء ورفعها ـ على عظم هذا البناء ـ، وذلك الرفع كصورة واقعة لطلاقة القدرة المُبدِعة في الخلق , وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض الدلالة اللغوية للفظة الدحو الواردة في الآية الكريمة : الدلالة اللغوية لدحو الأرض : (الدَّحَو) في اللغة العربية هو المد والبسط والإلقاء , يقال : (دَحًا) الشيء (يَدْحُوه) (دَحْوَاً) أي بسطه ومدَّه , أو ألقاه ودحرجه , ويقال : (دَحًا) المطرُ الحصى عن وجه الأرض أي دحرجه وجرفه , ويقال : مر الفرس (يَدْحُو) (دَحْوَاً) إذا جر يده على وجه الأرض، فيدحو ترابها و (مَدْحَى) النعامة هو موضع بيضها , و(أُدْحيها) موضعها الذي تفرخ فيه . شروح المفسرين للآية الكريمة : في شرح الآية الكريمة : " وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا " ذكر ابن كثير ـ يرحمه الله ـ ما نصه : " فسَّره بقوله تعالى " أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " , وقد تقدم في سورة فصلت أن الأرض خُلقت قبل خلق السماء , ولكن إنما دُحيت بعد خلق السماء بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل , عن ابن عباس " دَحَاهَا " ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى , وشقَّق فيها الأنهار , وجعل فيها الجبال والرمال , والسبل والآكام , فذلك قوله: " وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا " . وذكر صاحبا تفسير الجلالين ـ رحمهما الله ـ : " وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا " أي بسطها ومهَّدها لتكون صالحة للحياة , وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو. " أَخْرَجَ " حالٌ بإضمار (قد) أي: دحاها مُخرِجاً " مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " بتفجير عيونها , و " وَمَرْعَاهَا " ما ترعاه النعم من الشجر والعشب , وما يأكله الناس من الأقوات والثمار , وإطلاق المرعى عليه استعارة . وذكر صاحب الظلال ـ يرحمه الله ـ : ودحو الأرض تمهيدها وبسط قشرتها , بحيث تصبح صالحة للسير عليها , وتكوين تربة تصلح للإنبات ,... , والله أخرج من الأرض ماءها سواء ما يتفجر من الينابيع , أو ما ينزل من السماء، فهو أصلاً من مائها الذي تبخر ثم نزل في صورة مطر، وأخرج من الأرض مرعاها , وهو النبات الذي يأكله الناس والأنعام , وتعيش عليه الأحياء مباشرة أو بالواسطة .. وجاء في (صفوة البيان لمعاني القرآن) : " ودحا الأرض ـ بمعنى بسطها وأوسعها ـ , بعد ذكر ذلك الذي ذكره من بناء السماء , ورفع سمكها , وتسويتها , وإغطاش ليلها , وإظهار نهارها , وقد بين الله الدحو بقوله : " أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا " بتفجير العيون , وإجراء الأنهار والبحار العظام . " وَمَرْعَاهَا " أي جميع ما يقتات به الناس والدواب بقرينة قوله بعد : " مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ " وأخبرنا بعد ذلك بأنه هو الذي بسط الأرض , ومهدها لسكنى أهلها ومعيشتهم فيها . وقدم الخبر الأول لأنه أدل على القدرة الباهرة لعظم السماء , وانطوائها على الأعاجيب التي تحار فيها العقول . فبعدية الدحو إنما هي في الذكر لا في الإيجاد , وبجعل المشار إليه هو ذكر المذكورات من البناء وما عطف عليها لا أنفسها , لا يكون في الآية دليل على تأخر الدحو عن خلق السماوات وما فيها . وجاء في (صفوة التفاسير) : " وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا " أي والأرض بعد خلق السماء بسطها ومهدها لسكنى أهلها " أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " أي أخرج من الأرض عيون الماء المُتفجِّرة , وأجرى فيها الأنهار , وأنبت فيها الكلأ والمرعى مما يأكله الناس والأنعام . وجاء في (المنتخب في تفسير القرآن الكريم) : والأرض بعد ذلك بسطها ومهدها لسكني أهلها , وأخرج منها ماءها بتفجير عيونها , وإجراء أنهارها , وإنبات نباتها ليقتات به الناس والدواب ..وهذا الاستعراض يدل على أن المفسرين السابقين يجمعون على أن من معاني دحو الأرض ، هو إخراج الماء والمرعي من داخلها , على هيئة العيون وإنبات النبات . دحو الأرض في العلوم الكونية: أولاًً : إخراج كل ماء الأرض من جوفها : كوكب الأرض هو أغنى كواكب مجموعتنا الشمسية في المياه , ولذلك يطلق عليه اسم (الكوكب المائي) ، أو (الكوكب الأزرق) وتغطي المياه نحو71% من مساحة الأرض , بينما تشغل اليابسة نحو29% فقط من مساحة سطحها , وتُقدَّر كمية المياه على سطح الأرض بنحو1360 مليون كيلو متر مكعب (1.36×10^9); وقد حار العلماء منذ القدم في تفسير كيفية تجمع هذا الكم الهائل من المياه على سطح الأرض , من أين أتي؟ وكيف نشأ؟ . وقد وُضعت نظريات عديدة لتفسير نشأة الغلاف المائي للأرض , تقترح إحداها نشأة ماء الأرض في المراحل الأولى من خلق الأرض , وذلك بتفاعل كلٌ من غازي الأيدروجين والأوكسجين في حالتهما الذرية في الغلاف الغازي المحيط بالأرض , وتقترح ثانية أن ماء الأرض أصله من جليد المُذنَّبات , وترى ثالثة أن كل ماء الأرض قد أخرج أصلاً من داخل الأرض . والشواهد العديدة التي تجمَّعت لدى العلماء تؤكد أن كل ماء الأرض قد أُخرج أصلاً من جوفها , ولا يزال خروجه مُستمِراً من داخل الأرض عبر الثورات البركانية . ثانياًً: إخراج الغلاف الغازي للأرض من جوفها : بتحليل الأبخرة المتصاعدة من فوهات البراكين في أماكن مختلفة من الأرض ، اتضح أن بخار الماء تصل نسبته إلى أكثر من 70% من مجموع تلك الغازات والأبخرة البركانية , بينما يتكون الباقي من أخلاط مختلفة من الغازات التي تترتب حسب نسبة كل منها على النحو التالي : ثاني أكسيد الكربون , الإيدروجين , أبخرة حمض الأيدروكلوريك حمض الكلور , النيتروجين , فلوريد الإيدروجين , ثاني أكسيد الكبريت , كبريتيد الإيدروجين , غازات الميثان والأمونيا وغيرها . ويصعب تقدير كمية المياه المُندفِعة على هيئة بخار الماء إلى الغلاف الغازي للأرض من فوهات البراكين الثائرة , علماً بأن هناك نحو عشرين ثورة بركانية عارمة في المتوسط تحدث في خلال حياة كل فرد منا , ولكن مع التسليم بأن الثورات البركانية في بدء خلق الأرض كانت أشد تكراراً وعنفاً من معدلاتها الراهنة , فإن الحسابات التي أُجريت بضرب متوسط ما تنتجه الثورة البركانية الواحدة من بخار الماء من فوهة واحدة , في متوسط مرات ثورانها في عمر البركان , في عدد الفوهات والشقوق البركانية النشيطة والخامدة الموجودة اليوم على سطح الأرض، أعطت رقما قريباً جداً من الرقم المحسوب بكمية المياه على سطح الأرض . ثالثاًً : الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي هي مصدر مياه وغازات الأرض : ثبت أخيراً أن المياه تحت سطح الأرض توجد على أعماق تفوق كثيراً جميع التقديرات السابقة , كما ثبت أن بعض مياه البحار والمحيطات تتحرك مع رسوبيات قيعانها الزاحفة إلى داخل الغلاف الصخري للأرض بتحرك تلك القيعان تحت كتل القارات , ويتسرب الماء إلى داخل الغلاف الصخري للأرض عبر شبكة هائلة من الصدوع والشقوق التي تمزق ذلك الغلاف في مختلف الاتجاهات , وتحيط بالأرض إحاطة كاملة بعمق يتراوح بين150 ,65 كيلومتراًً . ويبدو أن الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي هي مصدر رئيسي للمياه الأرضية , وتلعب دوراً مهماً في حركة المياه من داخل الأرض إلى السطح وبالعكس؛ وذلك لأنه لولا امتصاصها للمياه ما انخفضت درجة حرارة انصهار الصخور , وهي إذا لم تنصهر لتوقفت ديناميكية الأرض , بما في ذلك الثورات البركانية , وقد ثبت أنها المصدر الرئيسي للغلاف المائي والغازي للأرض . وعلى ذلك فقد أصبح من المقبول عند علماء الأرض أن النشاط البركاني الذي صاحب تكوين الغلاف الصخري للأرض في بدء خلقها هو المسئول عن تكون كلٍ من غلافيها المائي والغازي , ولا تزال ثورات البراكين تلعب دوراً مهماً في إثراء الأرض بالمياه , وفي تغيير التركيب الكيميائي لغلافها الغازي وهو المقصود بدحو الأرض . وذلك نابع من حقيقة أن الماء هو السائل الغالب في الصهارات الصخرية على الرغم من أن نسبته المئوية إلى كتلة الصهارة قليلة بصفة عامة , ولكن نسبة عدد جزيئات الماء إلى عدد جزيئات مادة الصهارة تصل إلى نحو15% , وعندما تتبرد الصهارة الصخرية تبدأ مركباتها في التَبَلْوُر بالتدريج , وتتضاغط الغازات الموجودة فيها إلى حجم أقل , وتتزايد ضغوطها حتى تفجر الغلاف الصخري للأرض بقوة تصل إلى مائة مليون طن , فتشق ذلك الغلاف وتبدأ الغازات في التمدد , والانفلات من الذوبان في الصهارة الصخرية , ويندفع كلٌ من بخار الماء والغازات المُصاحِبة له والصهارة الصخرية إلى خارج فوهة البركان أو الشقوق المُتصاعِدة منها , مرتفعة إلى عدة كيلومترات لتصل إلى كل أجزاء نطاق التغيرات المناخية (8 ـ 18 كيلومترا فوق مستوى سطح البحر) , وقد تصل هذه النواتج البركانية في بعض الثورات البركانية العنيفة إلى نطاق التطبق (30 ـ80 كيلومتراً ) فوق مستوى سطح البحر، وغالبية مادة السحاب الحار الذي تتراوح درجة حرارته بين 500 ,250 درجة مئوية يعاود الهبوط إلى الأرض بسرعات تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة؛ لأن كثافته أعلى من كثافة الغلاف الغازي للأرض . والماء المُتكثِّف من هذا السحاب البركاني الحار الذي يقطر مطراً من بين ذرات الرماد التي تبقى عالقة بالغلاف الغازي للأرض لفترات طويلة، يجرف معه كميات هائلة من الرماد والحصى البركاني مُكوِّناً تدفُّقاً للطين البركاني الحار على سطح الأرض في صورة من صور الدحو . ومنذ أيام ثار بركان في إحدى جزر الفلبين ، فغمرت المياه المُتكوِّنة أثناء ثورته قرية مجاورة آهلة بالسكان بالكامل . وقد يصاحب الثورات البركانية خروج عدد من الينابيع والنافورات الحارة، وهي ثورات دورية للمياه والأبخرة ، شديدة الحرارة ، تندفع إلى خارج الأرض بفعل الطاقة الحرارية العالية المخزونة في أعماق القشرة الأرضية . ويعتقد علماء الأرض أن وشاح كوكبنا كان في بدء خلقه مُنصهِراً انصهاراً كاملاً أو جزئياًً , وكانت هذه الصهارة هي المصدر الرئيسي لبخار الماء وعدد من الغازات التي اندفعت من داخل الأرض , وقد لعبت هذه الأبخرة والغازات التي تصاعدت عبر كلٍ من فوهات البراكين وشقوق الأرض ـ ولا تزال تلعب ـ دوراً مهماً في تكوين وإثراء كلٍ من الغلافين المائي والغازي للأرض وهو المقصود بالدحو . رابعاً: دورة الماء حول الأرض : شاءت إرادة الخالق العظيم أن يسكن في الأرض هذا القدر الهائل من الماء الذي يكفي جميع متطلبات الحياة على هذا الكوكب , ويحفظ التوازن الحراري على سطحه , كما يقلل من فروق درجة الحرارة بين كلٍ من الصيف والشتاء صوناً للحياة بمختلف أشكالها ومستوياتها . وهذا القدر الذي يكون الغلاف المائي للأرض موزونا بدقة بالغة , فلو زاد قليلا لغطَّى كل سطحها , ولو قلَّ قليلاً لقَصُرَ دون الوفاء بمتطلبات الحياة عليها . ولكي يحفظ ربنا ـ تبارك وتعالى ـ هذا الماء من التعفن والفساد حرَّكه في دورة مُعجِزة تُعرف باسم دورة المياه الأرضية، تحمل في كل سنة 380 , 000 كيلو متر مكعب من الماء بين الأرض وغلافها الغازي , ولما كانت نسبة بخار الماء في الغلاف الغازي للأرض ثابتة , فإن معدل سقوط الأمطار سنوياً على الأرض يبقى مُساوياً لمعدل البخر من على سطحها , وإن تباينت أماكن وكميات السقوط في كل منطقة حسب الإرادة الإلهية . ويبلغ متوسط سقوط الأمطار على الأرض اليوم 85,7 سنتيمتر مكعب في السنة , ويتراوح بين 11 ,45 متر مكعب في جزر هاواي وصفر في كثير من صحاري الأرض . وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال : " ما من عام بأمطر من عام " (السنن الكبرى للبيهقى) . وإذ قال : " من قال أمطرنا بنوء كذا أو نوء كذا فقد كفر ، ومن قال أمطرنا برحمة من الله وفضل فقد آمن " وتُبَخِّر أشعة الشمس من أسطح البحار والمحيطات 320 ,000 كيلو متر مكعب من الماء في كل عام ، وأغلب هذا التبخر من المناطق الاستوائية حيث تصل درجة الحرارة في المتوسط إلى 25 درجة مئوية , بينما تسقط على البحار والمحيطات سنوياً من مياه المطر 284 , 000 كيلو متراً مكعباًً , ولما كان منسوب المياه في البحار والمحيطات يبقى ثابتا في زماننا فإن الفرق بين كمية البخر من أسطح البحار والمحيطات وكمية ما يسقط عليها من مطر لابد وأن يفيض إليها من القارات . وبالفعل فإن البخر من أسطح القارات يُقدَّر بستين ألف كيلو متر مكعب، بينما يسقط عليها سنوياً ستة وتسعون ألفاً من الكيلو مترات المكعبة من ماء المطر، والفارق بين الرقمين بالإيجاب هو نفس الفارق بين كمية البخر وكمية المطر في البحار والمحيطات (36 , 000 كيلو متر مكعب) . فسبحان الذي ضبط دورة المياه حول الأرض بهذه الدقة الفائقة . ويتم البخر على اليابسة من أسطح البحيرات والمستنقعات , والبرك , والأنهار , وغيرها من المجاري المائية , ومن أسطح تجمعات الجليد , وبطريقة غير مباشرة من أسطح المياه تحت سطح الأرض , ومن عمليات تنفس وعرق الحيوانات , ونتح النباتات , ومن فوهات البراكين . ولما كان متوسط ارتفاع اليابسة هو 823 متراً فوق مستوى سطح البحر , ومتوسط عمق المحيطات 3800 متراً تحت مستوى سطح البحر , فإن ماء المطر الذي يفيض سنوياً من اليابسة إلى البحار والمحيطات ـ ويُقدِّر بستة وثلاثين ألفا من الكيلومترات المكعبة ـ ينحدر مُولِّداً طاقة ميكانيكية هائلة ، تفتت صخور الأرض، وتتكون منها الرسوبيات والصخور الرسوبية بما يتركز فيها من ثروات أرضية , ومُكوِّنة التربة الزراعية اللازمة لإنبات الأرض , ولو أنفقت البشرية كل ما تملك من ثروات مادية ما استطاعت أن تدفع قيمة هذه الطاقة التي سخرها لنا ربنا من أجل تهيئة الأرض لكي تكون صالحة للعمران !!!. خامساً : توزيع الماء على سطح الأرض : تُقدِّر كمية المياه على سطح الأرض بنحو 1360 مليون كيلو متر مكعب , أغلبها على هيئة ماء مالح في البحار والمحيطات (97 ,20%) , بينما يتجمع الباقي (2 ,8%) على هيئة الماء العذب بأشكاله الثلاثة الصلبة , والسائلة , والغازية ; منها (2 ,15% من مجموع مياه الأرض) على هيئة سُمْك هائل من الجليد يغطي المنطقتين القطبيتين الجنوبية والشمالية بسُمْك يقترب من الأربعة كيلو مترات , كما يغطي جميع القمم الجبلية العالية , والباقي يقدر بنحو 0.65% فقط من مجموع مياه الأرض يختزن أغلبه في صخور القشرة الأرضية على هيئة مياه تحت سطح الأرض , تليه في الكثرة النسبية مياه البحيرات العذبة , ثم رطوبة التربة الأرضية , ثم رطوبة الغلاف الغازي للأرض , ثم المياه الجارية في الأنهار وتفرعاتها . وحينما يرتفع بخار الماء من الأرض إلى غلافها الغازي فإن أغلبه يتكثف في نطاق الرجع ـ نطاق الطقس أو نطاق التغيرات المناخية ـ، الذي يمتد من سطح البحر إلى ارتفاع يتراوح بين 16 و17 كيلو متراً فوق خط الاستواء , وبين 6 و8 كيلو مترات فوق القطبين , ويختلف سُمْكه فوق خطوط العرض الوسطى باختلاف ظروفها الجوية , فينكمش إلى ما هو دون السبعة كيلو مترات في مناطق الضغط المُنخفِض، ويمتد إلى نحو الثلاثة عشر كيلو متراً في مناطق الضغط المُرتِفع , وعندما تتحرك كتل الهواء الحار في نطاق الرجع من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين، فإنها تضطرب فوق خطوط العرض الوسطى فتزداد سرعةالهواء في اتجاه الشرق مُتأثِّراً باتجاه دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق . ويضم هذا النطاق 66% من كتلة الغلاف الغازي للأرض , وتتناقص درجة الحرارة والضغط فيه باستمرار مع الارتفاع حتى تصل إلى نحو 60 درجة مئوية تحت الصفر، وإلى عشر الضغط الجوي العادي عند سطح البحر في قمته المعروفة باسم مستوى الركود الجوي؛ وذلك لتناقص الضغط بشكل ملحوظ عنده . ونظراً لهذا الانخفاض الملحوظ في كلٍ من درجة الحرارة والضغط الجوي , وإلى الوفرة النسبية لنوى التكثف في هذا النطاق، فإن بخار الماء الصاعد من الأرض يتمدد تمدداً ملحوظاً مما يزيد في فقدانه لطاقته , وتبرده تبرداً شديداً، ويساعد على تكثفه وعودته إلى الأرض مطراً أو بَرَدَاً أو ثلجاًً , وبدرجة أقل على هيئة ضباب وندى في المناطق القريبة من الأرض . سادساًً : دحو الأرض معناه إخراج غلافيها المائي والغازي من جوفها : ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ من داخل الأرض عن طريق الأنشطة البركانية المختلفة المُصاحِبة لتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض . كذلك فإن ثانيَ أكثر الغازات اندفاعاً من فوهات البراكين هو ثاني أكسيد الكربون , وهو لازمة من لوازم عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بتنفيذها النباتات الخضراء مُستخدِمة هذا الغاز مع الماء وعدداً من عناصر الأرض لبناء خلايا النبات وأنسجته , وزهوره , وثماره . ومن هنا عبر القرآن الكريم عن إخراج هذا الغاز المهم وغيره من الغازات اللازمة لإنبات الأرض من باطن الأرض تعبيراً مجازياً بإخراج المرعى , لأنه لولا ثاني أكسيد الكربون ما أنبتت الأرض , ولا كستها الخضرة . سابعاًً : من معجزات القرآن : الإشارة إلى تلك الحقائق العلمية بلغة سهلة جزلة : على عادة القرآن الكريم فإنه عبر عن تلك الحقائق الكونية المُتضمِّنة إخراج كلٍ من الغلافين المائي والغازي للأرض من داخل الأرض بأسلوب لا يفزغ العقلية البدوية في صحراء الجزيرة العربية وقت تنزله , فقال ـ عز من قائل ـ : " وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " ، والعرب في قلب الجزيرة العربية كانوا يرون الأرض تتفجر منها عيون الماء , ويرون الأرض تُكسى بالعشب الأخضر بمجرد سقوط المطر , ففهموا هذا المعني الصحيح الجميل من هاتين الآيتين الكريمتين , ثم نأتي نحن اليوم فنرى في نفس الآيتين رؤية جديدة مفادها أن الله ـ تعالى ـ يمن على الأرض وأهلها وعلى جميع من يحيا على سطحها أنه ـ سبحانه ـ قد هيأها لهذا العمران بإخراج كلٍ من أغلفتها الصخرية والمائية والغازية من جوفها، حيث تصل درجات الحرارة إلى آلاف الدرجات المئوية مما يشهد لله الخالق بطلاقة القدرة , وببديع الصنعة , وبكمال العلم , وتمام الحكمة , كما يشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقى هذا الوحي الخاتم بأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان موصولاً بالوحي , ومُعلَّماً من قِبَل خالق السموات والأرض , فلم يكن لأحد من الخلق وقت تنزل القرآن الكريم ولا لقرون مُتطاولِة من بعده إلمام بحقيقة أن كل ماء الأرض , وكل هواء الأرض قد أخرجه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ من داخل الأرض , وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا في العقود المُتأخِّرة من القرن العشرين . فسبحان مُنزِّل القرآن من قبل أربعة عشر قرناً ووصفه بقوله الكريم : " قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً " (الفرقان:6) . وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا الأمين الذي تلقى هذا الوحي الرباني فبلَّغ الرسالة , وأدَّى الأمانة , ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين , والذي وصفه ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ بقوله الكريم : " لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِليكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً " (النساء:166) . ================================================== لتحميل برنامج الاعجاز العلمي في القران والسنة من رفعي الحجم :- 7 M putlocker. عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] Mirror عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] في النهاية الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والشكر له سبحانه على توفيقه بأن يسر لي إتمام هذا الموضوع الذي كنت أتمنى دائماً أن أقدم ولو شيئاً يسيراً لخدمة الإسلام والمسلمين، فله المنة والفضل سبحانه أن يسر لي هذا حتى تم والحمد لله. اللي اللقاء في جزء اخر .............. |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة GeneralPu ; 30-08-2013 الساعة 08:44 AM
![]() |
![]() |
#2 | ||||||||||
![]() ![]()
|
بارك الله فيك بس عندى تصحيح بسيط بعد دراسة العلماء لعام 2013 للكرة الأرضية اتضح ان نسبة الماء فى الكرة الأرضية 70.7% ونسبة اليابس فى الكرة الأرضية 29.3% |
||||||||||
التعديل الأخير تم بواسطة داعيه اسلامى ; 30-08-2013 الساعة 09:11 PM
![]() |
![]() |
#3 | ||||||||||
![]() ![]()
|
جميل اوى تسلم ايدك |
||||||||||
![]() |
![]() |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
الجزء الاول من المكتبة الصوتية للقرآن الكريم بصوت 20 قارئ | abdopasha2011 | الــمكتبة القرانية | 3 | 08-10-2017 02:21 PM |
تفسير القراءن الكريم الجزء الاول سورة الفاتحة | ! ● No_Comment ● ! | الــمكتبة القرانية | 9 | 17-04-2013 09:27 AM |