بيعة الرضوان
بعدما وصل رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الحديبية في طريقهم إلى مكة ، وكانوا محرمين ملبين بالعمرة ، بعث عثمان بن عفان سفيراً إلى قريش لبيان هدفه من المجئ ، وأنه لا يريد قتالاً ، وإنما جاء للعمرة ، فاحتجزت قريشٌ عثمان ، وأشيع بين الناس أنه قُتل ، فدعا رسول الله أصحابه إلى البيعة ، فقاموا إليه ملبين دعوته ، ومبايعين له على الجهاد وعدم الفرار ، وبايعته جماعة على الموت ، وكان أول من بايعه أبو سنان الأسدي ، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات ، في أول الناس ، ووسطهم ، وآخرهم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه ، وقال : هذه عن عثمان ، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين ، يقال له : جد بن قيس .
وقد أخذ رسول الله هذه البيعة تحت شجرة بالحديبية ، وقد أنزل فيها قوله تعالى : {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة }(الفتح: 18) ، وفيه دلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية ، وصدق بصائرهم , وأنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء لله ; إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم ، إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة ، وصدق الإيمان , وقد أكد ذلك بقوله تعالى : { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم } , وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية , وهو مثل قوله : { إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما}(النساء : 35) .
أما بالنسبة لعددهم ، فيروى عن ابن عباس أنهم : " كانوا ألفين وخمسمائة " , وعن جابر أنهم : " ألفا وخمسمائة " .
وتعتبر بيعة الرضوان فتحاً للمسلمين ، ففي صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية .
وذلك لما ترتب عليها من مصالح وفوائد ، فعندما علمت قريش بتلك البيعة ، ومدى صلابة المسلمين ، وقوتهم ، وصبرهم ، وثباتهم مع قائدهم صلى الله عليه وسلم ، أرسلت إليهم للتفاوض معهم ، وقبول الصلح .
ومما يستفاد من هذه الحادثة قوة العلاقة بين القائد وأتباعه ؛ حتى إنهم بايعوا على الموت ، إضافة إلى سرعة إجابة طلب القائد وعدم التردد ، وأن الصدق في الإيمان سبيل إلى تحصيل رضا الرحمن ، وتأييده .