عرض مشاركة واحدة
قديم 26-12-2011, 01:54 PM   #2

Mandren
عضو نشيك



الصورة الرمزية Mandren


• الانـتـسـاب » Nov 2011
• رقـم العـضـويـة » 93870
• المشـــاركـات » 79
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
Mandren صـاعـد

Mandren غير متواجد حالياً



افتراضي



الابنودى يتكلم
( 1 )

الرحمن الابنودى أشهر شعراء العامية وشاعر الامة وضمير الانسانية



الأبنودي يتذكر ويروي حكايات البدايات
تأثّرت بنحو مئة شاعر من الحفاة لابسي الجلابيب
هم أصحاب المعاني الرائعة التي لم تكتب ولم تغنّ عبر الأثير

جمعها: محمد القدوسي

هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي
الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي
بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح»
وكنت «أحفظ».
حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح
الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن
علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع
لمسة هنا ولمسة هناك.
ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات
طويلة اقتنصتها من جدول «الأبنودي» المزدحم بين سفر وسفر
من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية
في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى
أمكن في النهاية أن أجمع
هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية.
في البداية لم يبد «الأبنودي» متحمساً لموضوع الحوارات.
قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟

قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة
متواصلة من البدايات كأنك تولد كل يوم مرة أخرى
أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب
أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق
أول ديوان، أول جائزة، أول سفر أول لقاء مع عبد الحليم حافظ
وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها.
وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة».
وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»
أو لأي سبب آخر.
المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس.
لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان
يتدفق كالشلال كالنيل الذي كان يفيض هناك في «أبنود» قبل أن
يكون هناك سد عالٍ.
وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها
في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر.
وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به
فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة
وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة».
مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة
واكتشف واكتشفت معه كم كانت
مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها.


بالنسبة إلى الأبنودي فإن أبنود بلا أدنى شك هي بداية البدايات. ما بينه وبينها ليس مجرد «حبل سرّة» يربط الجنين بأمه ولا «عهد صوفي» يربط المريد بشيخه وليس ـ بالتأكيد ـ مجرد صلة (سطحية أو عميقة) بين قروي وقريته، خاصة أن عبد الرحمن الأبنودي لم يعد قرويا، أو لم يعد «مجرد قروي». لكن ما بينهما (الأبنودي وأبنود) هو تلك الصلة بين الشخص وظله، أو بين «المرء» وصورته في «المرآة». الأبنودي هو الحالة الإنسانية من أبنود، هو المكان بعدما تفلّت من قبضة الجغرافيا واستحال بشرا. وأبنود هي الأبنودي على الخريطة، هي الإنسان وقد سرت روحه في المكان ليصبح قرية بدروبها وشوارعها، نهرها وجبلها، حقولها وناسها، فهل يدهشكم بعد هذا أن يحمل الأبنودي أبنود دائما؟ أن تكون بالنسبة إليه أقرب من التذكر وأعمق من المشاعر وأن ينبع اسمها ـ باستمرار ـ من بين شفتيه ويبرق في كلماته؟
يقول الأبنودي: أذكر أن صديقي الأديب الطيب صالح قال لي إنني سأدخل النار بسبب أبنود. وأقسم قائلا: يا رجل «مصمصت عظمي». الواحد يقول لك «صباح الخير» تقول له «أبنود»، يكلمك في السياسة تقول له «أبنود»، في الأدب «أبنود»، حرام عليك!
ويفسر الأبنودي طرفا من هذه العلاقة قائلا: هي أبنود وأنا الأبنودي، أحمل اسمها، ما يجعلني محملا بأمانة ومسؤولية أن أكون على مستوى التجربة الشريفة لهذه القرية التي أدين لها بأني أصبحت عبد الرحمن الأبنودي.
وما لم يقله الأبنودي ـ وهو الأكثر إثارة للدهشة ـ أنه هو وقريته الواقعة على نيل محافظة قنا ويمر فيها القطار مرتبطان برباط الزمان ـ لا المكان فقط.مرتبطان ارتباط المواسم بمحاصيلها وهو رباط يعرف الفلاحون أنه الأوثق والأمتن، لذا فإنهم ينسبون كل محصول إلى موسمه. ينسبونه إلى الشهر القبطي الذي ينضج فيه كأنهم ينسبون ابنا إلى أبيه. يقولون: خروب برمهات، ورد برمودة، نبق بشنس، تين بؤونة، عسل أبيب، عنب مسرى، رطب توت، رمان بابة، موز هاتور، سمك كيهك. والشهور القبطية هي التي ابتكرها قدامى المصريين لسنتهم وعرفوا بها مواقيت زرعهم وحصادهم وهي الشهور الباقية في ذاكرة القرية المصرية، خاصة في الصعيد وعلى الأخص في «قنا» التي شهدت أرضها نصر «أحمس» على «الهكسوس» وما زالت ذاكرتها تخفق بالفخر.
و«بابة» هو الشهر الثاني في السنة القبطية. يقابله في التقويم الغريغوري ـ السنة الميلادية ـ الفترة بين 11 من أكتوبر/تشرين الأول إلى 10 من نوفمبر/تشرين الثاني. وقد سمي الشهر نسبة إلى إله الزرع ( بى نت رت ) لان الخضرة فيه تكسو الأرض وإليه نسبت «أبنود» وكان له معبد يقع قريبا منها.
وعن «بابة» الشهر الذي يمثل المعادل الزمني لأبنود يقول «الأبنودي»:
نفسي أكتب كتابة
تجيب «طوبة» في «بابة»
تمسح ريش البلابل
وتنعنش الغلابة
تحاور البحورة
وتنطق السحابة
إنه حلم الخصب طوال العام فإسما «بابة» و«أبنود» مستمدان من المصدر نفسه، من إله الزرع الذي أصبح مرة شهرا «بابة»، كما أصبح قرية «أبنود» في مرة أخرى. والفلاحون يقولون «رمان بابة» في ربط هو عروة لا تقبل الانفصام بين الشهر ومحصوله «الرمان» الذي يستوي على سوقه في بابة بحبوبه التي تحمل لون الياقوت وحلاوة غناء الأرض. هذا ما ينضجه «بابة»، الشهر الذي يمثل ـ كما قلنا ـ المعادل الزمني لـ«أبنود» المكان التي استوى فيها «رمان» آخر هو عبد الرحمن الأبنودي إذ اعتبرته القرية رمانها في واقعة شديدة الطرافة!

حكاية «رمان»

بتلقائيته وبوحه العارم الذي لا يبقى شيء ـ ولا أحد ـ معه قادراً على الاختباء، يحكي عبد الرحمن الأبنودي واقعة سرقة كان بطلها «الشعر أنقذني من السجن المدني، إذ لولاه لصرت ـ ربما ـ لصاً خفيف اليد، لكن الشعر قبض الثمن إذ أدخلني السجن السياسي».
ويقول: خلف بيتنا في أبنود كانت هناك «جنينة» ـ أي حديقة ـ واسعة نسميها باسم صاحبها، هي «جنينة علي غزالي». كانت بالغة الاتساع مزروعة بشجيرات الرمان فحسب وكان رمانها وفيرا يذهب إلى الكثير من الأسواق.
ولنعرف مدى إغراء هذه «الجنينة» لخيال «الطفل» عبد الرحمن الأبنودي وشهيته، نذكركم بأنها مزروعة في أبنود حيث الطعام هو الخبز القاسي، و«الحلوى» هي «الشاي» الصعيدي الأسود بمرارته التاريخية والفاكهة الوحيدة هي «البلح». وسط هذا «الجفاف» يعثر الطفل على بستان مليء بشجيرات الرمان التي يصفها الأبنودي بأنها «فاجرة الجمال»، بدءا من أوراقها وأغصانها الشديدة الخضرة إلى زهورها النارية التي تندلع باعثة الحياة، ثم ثمارها التي يعلن لون النار عن نضجها ويؤذن بعسلها. ولم يعثر على البستان فحسب لكنه «خلف بيته» أي أنه يلوح له في يقظته ويراوده في أحلامه. والصبر على اقتحام مثل هذه «الجنينة» أو «الجنة» يحتاج إلى «زهد» حقيقي ليس لنا أن نتوقعه لدى ذلك الطفل «العفريت» الذي كانه عبد الرحمن الأبنودي ولا لنا أن نطالبه به.
ويكمل الأبنودي حكايته: كنت أقف على السقف المصنوع من «البوص» لمخزن «التبن»، والرمان على بعد متر واحد، لا يفصلني عنه إلا سور مرتفع من الطين مغروس في أعلاه مجموعة من جريد النخل المشقوق نصفين. واضح أن من بنى هذا السور افترض قدرة «أشواك الجريد» على صد غارات اللصوص صغارا وكبارا والأوضح أنه كان واهما!
يتذكر الأبنودي: كانت ثمار الرمان قد نضجت إلى حد أن قشرتها راحت تنفرج في بعض المواضع كاشفة عن حباتها المرصوصة كالياقوت وأراها وأنا «أتقلى». ولم يطل انتظاري قبل أن أبادر إلى الشروع في تنفيذ خطة محكمة ولأيام رحت ـ مستخدما المنجل ـ أقطع مجموعة متجاورة من أنصاف الجريد لأفتح في قمة السور الشائكة ثغرة تسمح بمروري. وحين اطمأننت إلى أن الفتحة تناسب جسدي النحيل وتفي بالغرض انتهزت فرصة القيلولة ذات ظهيرة قائظة ـ وآه من قيظ الصعيد ـ لأتسلق السور الطيني صعودا وأجتاز أشواكه عبر الثغرة التي سبق أن أحدثتها، ثم أتسلق جانبه الداخلي هبوطا ـ وكانت الأرض من داخل السور أبعد منها من خارجه ـ لأصبح بين أشجار الرمان لا يفصلني عنها شيء. ويا لها لحظة أذهلتني عن العالم، حتى أنني لم ألاحظ تلك الجروح التي أصبت بها عبر رحلة التسلق صعودا والانزلاق هبوطا، ثم القفز الذي أصاب ركبتي بتسلخات إذ سقطت عليهم، لكن «ولا أنا هنا»، إذ استولى الرمان على حواسي كلها وبدأت أمد يدي إلى ثماره عبر فروعه الشوكية. وإذ عجزت عن انتزاعها انتزاعا رحت ألفها مستعينا بحجم الثمرة وثقلها على العود (الرفيع القوي) الذي يربطها إلى الشجرة والذي انقطع بعد أن أدرت الثمرة عدة مرات.
يوضح «الأبنودي»: لم يكن ممكنا ـ طبعا ـ أن أكتفي برمانة واحدة ولا بالثانية ولا بالثالثة، لأجد أمامي كوما من الرمان يحتاج إلى حيلة لحمله، ولم أفكر طويلا، إذ قمت ـ مستعينا بخبرتي السابقة في جني القطن ـ بربط وسطي بحبل متهالك عثرت عليه بين الأشجار ورحت أملأ طوق جلبابي ـ وهو للمناسبة الجلباب الوحيد الذي كنت أمتلكه ـ بكومة الرمان ليتضاعف حجمي ووزني وأصبح مستعدا لرحلة العودة التي كانت لتصبح ـ لو تمت ـ أصعب بلا شك، نظرا إلى «الحمولة الزائدة» التي سرت تحت وطأتها بخطوات متثاقلة.
وفجأة، كأنما أنبتته الأرض، وجدته أمامي. إنه منسي ابن عم علي غزالي صاحب الجنينة، يرحمهما الله.
ويضحك «الأبنودي» قائلاً: كان منسي الأكثر بدانة بين أبناء أبنود، وأنا عصفور نحيل خفيف الحركة، لكنني لم أحسب حساب «الرمان» الذي أحمله والذي يفوقني وزنا، ما جعل منسي رشيقا بالنسبة إلي. وحين حاولت الإفلات هاربا لم أستطع الابتعاد كثيرا وأمسكني منسي البدين بكل سهولة لأسقط على الأرض التي ثبتني فوقها. لم يكن أمامي إلا الاستنجاد بأمي. صحت: يا أما. وبسرعة جاءت أمي فاطمة قنديل على الصوت. أطلت من فتحة السور فرأتني والرمان ومنسي. فهمت ـ طبعا ـ ما جرى فجاءت من باب الجنينة لاصطحابي، متخلياً عن الرمان ومحملاً بخجل ثقيل.
وفي مساء اليوم نفسه جاء الرجل الطيب عم علي غزالي بالرمان الذي جمعته إلى بيتنا، مقسما أنه وبخ ابنه. كان يقدر دوافعي الطفولية و«يشتري الجيرة»، لم يكن يعرف اسمي وحين سأل جدتي «ست أبوها» عنه، أجابت أمي بدلا منها قائلة: «رمان»!
ولاحظ أن «رمان» اسم تدليل شائع للأطفال الذين يحملون اسم عبد الرحمن، لكن لاحظ أيضا أن أبنود لم تكن تدلل أبناءها!
ملاك الحب متواجد حالياً رد مع اقتباس


توقيع Mandren :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
انا برشح البرادعي
http://www.facebook.com/D0ntForgeTMee---------- My Profile At Fb


رد مع اقتباس