|
• الانـتـسـاب » Mar 2011
|
• رقـم العـضـويـة » 83586
|
• المشـــاركـات » 4,369
|
• الـدولـة » لندن الدور الثانى
|
• الـهـوايـة » Silkroad
|
• اسـم الـسـيـرفـر » No Server
|
• الـجـنـس » Male
|
• نقـاط التقييم » 21
|
|
|
صورة واحد فصيح

الأحد :
فى هذا اليوم الذى صفا أديم سمائه , كنت جالسا فى بستان البيت , أداعب هرتى نميرة و أستمع إلى المذياع , عندما دق جرس الأرزيز و كان المتكلم هو الأستاذ سالم السلامونى , ينبئنى بعزمه المتقشب على أن نجتمع غدا , لنحاصل و نواصل ما بدأناه من وضع أسماء عربية فصحى لمسميات الفرنجة من المخترعات الحديثة .
بادلته عزمه المتقشب على اللقاء غدا .
الاثنين :
تدحرنت و ذهبت إلى الأستاذ سالم السلامونى فى صومعته اللغوية المقنفلة . و ما أن دخلت عليه حتى رأيته مهتاجا كالليث الهصور و هو يمزق صحيفة من الصحف السيارة شر ممزق , فقلت له :
- ما خطبك ؟
فكشر عن أنيابه كالضرغام و صاح فى غضبة مضرية سحليلة :
- إلى متى تتجاهل الصحف الأسماء التى نضعها للمخترعات الحديثة بدلا من أسمائها الأعجمية الشائعة فى الدنيا كلها ..
ثم فتح الصحيفة الممزقة صارخا :
- انظر .. إنهم يرفضون أن يسموا الشيكولاتة باسمها العربى الصحيح و هو القاموخ المحلى .
و أشار إلى إعلان قاموخ محلى منشور فى الصحيفة , ثم أمسك بقصاصة ممزقة أخرى , و أشار إلى صورة زفزافة صدمها جماز فى شارع الجلاء صائحا :
- إنهم ما انفكوا يسمون الزفزافة : الموتوسيكل , إنهم مافتئوا يسمون الجماز باسمه الأعجمى و هو الترام .. هذه نكبة , هذه أقحيلة سوداء , هذه مصيبة , هذه كارثة ..
ثم ارتعش جسم الأستاذ السلامونى كما يرتعش الكئيل فى الهيتوم و فجأة سقط على الأرض فى إغفاءة مشنابة هرطافة , فهرعت أحضر قنينة الهرباد من القمطر , و وضعت قطرات منها فى خيشومه , فأفاق بعد ارتعداد جهيد , ثم افرنقعت لأن مزاج الأستاذ السلامونى إثر غضبته السحليلة قد تأديم تأديما شديدا .
الثلاثاء :
تدحرنت اليوم و ذهبت إلى الأستاذ السلامونى فى صومعته اللغوية المقنفلة . كان يجلس وسط مئات القواميس و المخطوطات كأنه الهرى وسط البعصار .. و ما لبثنا أن بدأنا العمل , و كان عملنا اليوم هو وضع أسماء عربية للسيارات : فولكس فاجن و مرسيدس , و بويك , و فورد .
قال السلامونى : "لنبدأ بتلك المركبة المسماة بالفولكس فاجن , فلقد أنفقت ليال هشيمة أبحث عن اسم عربى لها" .
- و هل وجدته ؟
- نعم .. لقد سميتها (الخندافة) , فقد لاحظت أن تلك المركبة تصدر صوتا متميزا أثناء قيامها و مسيرها , و هو صوت أقرب إلى الخندفة .
قلت له : ما هى الخندافة ؟ لم أسمع بها من قبل تلك اللفظة اللفظاء ..
ففتح السلامونى صفحات مكتوبة على جلد غزال و راح يقرأ لى :
- خندف يخندف خندفة أى أصدر صوتا متقطعا كصوت البعير فى ترحاله الطويل . و يقال ناقة خندافة أى تخندف خندفة .. أما اسم الفاعل فهو ..
قاطعته قائلا : يبدو أنه لفظ ضارب فى القدم . قال فى حماسة دونها حماسة البهلول فى حومة الوغى :
- أجل أجل , فهذا لفظ كركاعى , استعمله الشاعر الجاهلى حنطيط بن أبى كليئة الذبيانى منذ أكثر من ثلاثة آلاف حول , و لم يستعمله أحد من بعده إلى يومنا هذا , و من الواجب إحياء هذا اللفظ الكركاعى الملماح الذى تلوح كركعته و ملمحته فى قصيدة حنطيط بن أبى كليئة التى يهجو فيها بنى عبس :
و تخندفت بعيرنا فى الدعص باهقة
تنهشر بالهفـار و ترغو مكداسـا
ثم قال السلامونى : فالخندافة اسم مناسب و منجبل و علينا أن نطور الفعل و نطوعه لما ابتدعناه , فنصرفه التصريف الحسن , فأنا أرى أن يقال : تخندف الرجل أى ركب الخندافة , و يقال مخندف بفتح الدال : أى الحظيرة التى تأوى إليها الخندافة . و يقال رجل خندوف أى الرجل الذى تصدمه الخندافة و تقتله , و يقال رجل متخندف أى الرجل الذى تصدمه خندافة دون أن تقتله .
استغرقنا الجلسة كلها نبحث فى الخندافة . ثم انفرنقعت مرتئحا بعد أن اتفقت مع السلامونى أن نبحث معا فى الغد ما وصلت إليه أنا من حرشاء بشأن السيارة المرسيدس .
الأربعاء :
تدحرنت اليوم و ذهبت إلى الأستاذ السلامونى فى صومعته المقنفلة .
سألنى : هل توصلت إلى اسم مناسب و منجبل لمركبة المرسيدس ؟
فقلت : أجل . فبعد بحث استطال فى المراجع , و بعد ليال هثيمة مكندهة رأيت أن الاسم المناسب و المنجبل لمرسيدس هو : (المكاكية) فهذا الصنف من المركبات المحركية يكاكى كالأوز عند المسير , ثم أمسكت مرجعى و قرأت للسلامونى :
- كاكى , يكاكى , و المصدر مكاكاة . و الفعل ينسب إلى المكاكى و هو ضرب من الطير يصيح فى الغدوات مكاكيا , و قد ورد ذكره فى معلقة الشاعر الجاهلى (امرؤ القيس) إذ قال :
كان مكاكى الجـواء غديـة
صحن سلافا من رحيق مفلفل
و قاطعنى السلامونى مفكرا , مصطربعا ..
- و لكن .. هل المرسيدس تكاكى ؟
عند هذه النقطة تشعب بنا جدل حميص فاقترحت عليه أن نتكاكى أى نركب مكاكية , ثم نصيخ السمع الرهيف فى اكتنبار شديد فافرنقعنا من الصومعة اللغوية المقنفلة , و تكاكينا أى ركبنا مكاكية أجرة . و فى المكاكية اكتنبر السلامونى ممسكا ببوق أذنه ثم قال :
- هذه ليست مكاكاة .. بل أرزاما ..
- إنها مكاكاة ..
- بل أرزام .
- إنك تشوغرنى بهذا القول .. هل هذا أرزام ؟ هل هذا صوت رعد ؟ اكتنبر جيدا و سترى أنها مكاكاة .
- كلا بل أرزام . لماذا لا نسميها (أرزمة) ؟ إنه اسم منجبل ..
و بعد مناقشات تشعب فيها جدل ملماص أنبأنا قائد المكاكية بأن المكاكية تصدر تلك الأصوات الانفجارية أثناء سيرها لأن أنبوبة النفايات و الفضلات المحترقة مكسورة كسرا متهرجعا مدنابا .. فاستوقفنا قائد المركبة استوقافة مرتئنة , لنتكاكى فى مكاكية أخرى . أصخنا السمع فى اكتنبار شديد .. و فجأة قال السلامونى :
- إنها تخندف .
- بل تكاكى .
- تخندف ..
- بل تكاكى .
و تشعب بنا الجدل الحميص دون أن نصل إلى هلمذة أو كلمذة فافترقنا مفرنقعين على أن يضع كل منا بحثا مستئنسا عن الفيصل بين الخندفة و المكاكاة .
السبت :
الجدل بينى و بين السلامونى لم يصبح حميصا بل أصبح جدلا هجنجلا عن الفيصل بين الخندفة و المكاكاة .
الأحد :
الجدل الهجنجل مستمر .
الاثنين :
دعونا الصديق عبد الحى عبد الحى و ارتضيناه حكما ملحاقا فى ذلك الجدل الهجنجل . ذهبنا ثلاثتنا لنستمع إلى البعير و هى تخندف : ثم إلى الأوز و هو يكاكى , ثم تكاكينا فى أول مكاكية صادفتنا فى الطريق و أصاخ عبد الحى عبد الحى السمع الأطرقى , و اكتنبر اكتنبارا شديدا فسألته :
- ما رأيك ؟
قال عبد الحى : لا هذا و لا ذاك . لا تكاكى و لا تخندف بل تهنش فهى أهنوش , بضم الألف .
صاح السلامونى : أجل .. أجل .. إنها تهنش تهنيشا .. كيف فاتنى أنها أهنوش ؟
و عقدنا اجتماعا بعد ذلك فى صومعة السلامونى المقنفلة و بعد البحث فى غياهب المراجع و مقاظمها , استقر رأينا على أن نسمى السيارة المرسيدس : الأهنوشة , و أن يقال استنهش الرجل أى امتلك الأهنوش , و يقال مهنشة أى الحظيرة التى تأوى إليها الأهنوش , و يقال رجل منهوش أى رجل داسته الأهنوش فقتلته و يقال رجل متهانش أى صدمته الأهنوش و لم تقتله , و يقال أهنوشية أى رخصة قيادة الأهنوش .
انفض الاجتماع و انفرقعنا بعد أن عهدنا إلى السلامونى بالبحث و التنقيب لوضع أسماء باقى السيارات , مضافا إلى ذلك البحث عن أسماء عربية لهذه المسميات الأعجمية : قداحة رونسون الغازية – البيبسى كولا – الكريم شانتيه – الساليزون . و أن أبحث أنا عن أسماء عربية لهذه المسميات : الاسكالوب – الجيلاتى – البلمونت .
على أن يبحث عبد الحى عبد الحى وضع أسماء عربية لجميع أسماء المشاهير الأعجمية التى تتردد فى الصحف .
الثلاثاء :
إننى أقضى ليالى هثيمة فى البحث عن اسم عربى للاسكالوب .
الأربعاء :
اتصل بى أرزيزيا الأستاذ السلامونى , و كان صوته فى حبل المسرة متهدجا مبطاحا , قال لى أنه لم يعثر على ألفاظ قديمة القدم الكافى و لهذا صح عزمه على أن يرتحل إلى الصحراء ليحفر و ينقب فى الأرض عن ألفاظ أثرية من مخلفات البدو القدامى .
عقدت النية على أن أرتحل معه إلى البادية و أن اصطحب هرتى نميرة معى .
الخميس :
فى الطريق .
الجمعة :
نصبنا الخيام فى بلقع بلقيع ليس به قرطار و لا نافخ نار , و بدأنا الحفر فى التو و الهو .
السبت :
فى حفرة عمقها أربعة كردافات سمعت السلامونى يصيح صيحة البهجة و الحبور "لفظة لفظة .." ثم مالبث أن خرج من الحفرة المبهرقة و أسرع يعدو نحوى و بيده جسم صغير تراكم عليه الصدأ الكثيف و الرمال المتحنظمة ثم جلس أمامى ممسكا اللفظ بكلتا يديه و راح يزيل عنه الرمال و قد اكتسى وجهه بأجنوحة الفرحة و هو يتمتم : لفظ مفقود .. لفظ لم يسبق استعماله .. وافرحتاه .. وافرحتاه ..
ثم أحضرت له فنطاس النفط فغسل اللفظ فيه حتى ينهرك الصدأ من فوقه و يكتهى , ثم جففه بأخروقة , ثم أعاد بربعته فى النفط مرة أخرى لأن الصدأ كان شديد التحونط فى حروف اللفظ الأثرى .
و ما انفك السلامونى يغسل اللفظ رباع و خماس و عشار حتى اقنحل الصدأ قليلا , فراح يحكه بصنفرة عضنفرة داهمة الأخشوشان . فباتت حروف اللفظ بعد الساعات الطوال , لاهقة , آهقة , فاهقة , و صاح السلامونى فى فرحة و هو يقرب مقلتيه من تحت المنظار السميك إلى اللفظ الذى وضعه فى صندوق من المخمل :
- اقرأ يا أخى .. اقرأ معى ..
قربت بصرى , و ما لبثنا أن قرأنا اللفظ معا :
- الخمشنون .
و هنا احتضننى السلامونى بحرارة كما تحتضن الوجيزة الدرباع قائلا فى حبور مبعرط :
- الخمشنون .. الخمشنون .
ثم نظر إلى وجهى متسائلا :
- ماذا تظن أن يكون معناها يا فرقاع الهمة ؟
و قبل أن ينتظر جوابى أسرع إلى الخيمة ليفتح القواميس و المراجع ثم انضممت إليه حتى عثرنا بعد لأى هثيم فى قاموس الزنباعى على لفظة قريبة الحروف يقول عنها الزنباعى :
- تخمشن يتخمشن تخمشينا أى استقظم من الاستقظام , و يقال رجل مستقظم أى يحتسى الحساء فى انبعراج و بهجة .
بحثنا الأمر بحثا مستفيضا مهققا , و بينما نحن نتجادل الجدل الحميص , حدث ما أدخل فى قلبينا البهجة المستحبرة , إذ فوجئنا بقطتى نميرة قادمة نحونا و بين أسنانها لفظ أثرى عثرت عليه ثم تهيأت للجلوس حتى تأكله , فأسرعت أنتزع اللفظ من بين فكيها , و استخلصته سليما معافى الحروف و أسرع السلامونى يحنشله فى النفط حتى ينهرك صدؤه .
نمنا ليلتنا مقرورى العيون بعد يوم هثيم .
الأحد :
بدأ السلامونى يومه بانتشال اللفظ الذى عثرت عليه قطتى نميرة من النفط ثم راح يحكه بالصنفرة و هو يفكر تفكيرا عميقا ثو قال لى فجأة و فى عينيه يلمع بريق الحلندس :
- لقد استقر رأيى على أن نطلق الخمشنون على البيبسى , إذ أننا نحتسيها فى انبعراج دائما .
وافقته على رأيه المصطاب , فسر خاطره و انحبر , و بينما نحن كذلك بانت حروف اللفظ الثانى .. فقرأناه :
- العرناب .
و بعد بحث فى المراجع لم نعثر للفظ أى لفظ قريب من حروفه على أثر , و رأى السلامونى بفاطن رأيه و حساكة مخبره أنه مادامت قطتى نميرة كانت تنوى أكل تلك الكلمة , فلابد أنها كلمة تعنى شيئا يؤكل , و استقر رأيه أن نطلق اسم العرناب على الاسكالوب , أو الكريم شانتى , لأن كلا الطعامين تهواهما قطيطتى نميرة .
الثلاثاء :
عدنا اليوم على أن نرتحل إلى بلقع جديد فى البادية فى القريب بحثا عن الألفاظ الأثرية .
الخميس :
تدحرنت اليوم و ذهبت إلى الأستاذ السلامونى فى صومعته اللغوية المقنفلة . جاء الأستاذ عبد الحى عبد الحى و عرض علينا ما توصلت إليه قريحته المتنبرسة من أسماء عربية لأسماء المشاهير الأعجمية , و ذلك بعد ترجمة دقيقة , و تصرف لبق معضاد .
قرأ علينا الأسماء التى انتهى من تعريبها :
ويلى برانت : والى البراينى .
افا جاردنر : قافا البستانى .
جورج رافت : جرجس رأفت .
تباحثنا فى هذه الدفعة من الأسماء بحثا هثيما و تشعب الجدل دون أن نصل إلى هلمذة أو كلمذة ..
|