الممالك الوسطى المتأخرة (العصر الكلاسيكى)
يبدأ العصر الكلاسيكى للهند منذ فترة حكم اسرة جوبتا ثم حكم " هارشا " في الشمال وتنتهى بسقوط امبراطورية " فيجاياناجارا " في الجنوب خلال القرن الثالث عشر تحت وطأة الغزاه من الشمال، وقد أنتجت تلك الفترة بعض من أرقى ما نشأ في الهند من فنون والذي تم اعتباره المثال الواضح لثقافة هذا العصر والصورة للتطور في القيم الروحية والفلسفية التي شكلت فيما بعد وأثرت في الديانات الهندوسية والجنتية والبوذية، وقد نجح في تلك الفترة الملك هارشا من إقليم الكنوج شمالى شرق الهند خلال القرن السابع في توحيد أجزاء شمال الهند بعد انهيار إمبراطورية جوبتا ولكن للأسف إنتهت إمبراطوريته بموته.

خلال الفترة من الفرن السابع حتى التاسع اشتركت ثلاث أسر في حكم شمال الهند وهم " جورجارا بلاتيهارا " من إقليم " مالوا " والتي إنقسمت فيما بعد بين العديد من الممالك الأصغر حجماً ثم " بالا " من إقليم البنغال والتي سيطرت عليها فيما بعد اسرة " سينا " و" راشتداكوتا " من إقليم الدكن، وهؤلاء الثلاثة كانو أول الممالك في إمارات " الراجبوت " وهى مجموعة من الممالك التي استمرت في الوجود على الساحة الهندية طوال ألفية من الزمان حتى الاستقلال من الاحتلال البريطانى، والعديد منهم حكم في شمال الهند وكان لهم صولات وجولات دموية مع الفاتحين المسملين ومنهم اسرة " شاهى " والتي حكمت أجزاء من شرق أفغانستان وشمال باكستان وكشمير من منتصف القرن السابع حتى أوائل القرن الحادى عشر.
حكمت أسرة " تشالوكا " مناطق عديدة من جنوب ووسط الهند وكانت عاصمتهم بلدة " بادامى " خلال الفترة من 550 وحتى 750 ميلادية ثم اسرة " كاليانى " خلال الفترة من 970 حتى 1190 ميلادية. وإذا ما نزلنا إلى الجنوب أكثر نجد أسرة " البالافا " من " كانشيبورام " المعاصرين لأسرة تشالوكيا، ومع بدء تداعى اسرة تشالوكيا قام اصحاب الإقطاعيات المختلفة بتقسيم اشلاء الإمبراطورية عليهم خلال منتصف القرن الثاني عشر.
امبراطورية " تشولا " 848 – 1279 في اوجها غطت مساحات عديدة من شبة الجزيرة الهندية وجنوب شرق آسيا وقد قام الملك " راجارايا تشولا " الأول بفتح جميع مناطق شبة الجزيرة الهندية إضافة إلى أجزاء من سريلانكا كما قامت قواته البحرية بالذهاب إلى ابعد من ذلك لتحتل سواحل بورما (ميانمار الآن) إلى فيتنام.
لاحقا خلال الفترة الوسطى اتحدت امبراطورية " بانديان " مع " تاميل نادو " كما اتحدت امبراطورية " تشيرا " في " كيرالا "، وبحلول 1343 انتهت جميع تلك الأسر ليبزغ فجر إمبراطورية " فيجاياناجارا " والتي استمرت من 1336 إلى 1646.
خلال تلك الفترة عملت الموانى الواقعة جنوب الهند على التجارة في المحيط الهندى بصفة خاصة تجارة التوابل مع الإمبراطورية الرومانية في الغرب وجنوب شرق آسيا في الشرق، وقد إنتعشت الحركة الفنية والأدبية الهندية خلال تلك الفترة حتى بدايات القرن الخامس عشر عندما بدأ سلاطين دلهى في السيطرة على هذه الممالك، وقد إصطدمت اسرة فيجاياناجارا مع الممالك الإسلامية والتي انتهت بأفول نجم اللأولى ولكن بقى تأثير كل منهما على الآخر.
== بهادر شاه.. آخر الحكام المسلمين في الهند == (بمناسبة ذكرى وفاته في 14 جمادى الأولى 1279 هـ)
استقر الحكم الإسلامي في الهند ورسخت أقدامه وقامت له دولة منذ أن بدأ السلطان عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المجاهد عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] فتوحاته العظيمة في الهند سنة (392هـ = 1001م)، وامتد لأكثر من ثمانية قرون، تعاقبت في أثنائها الدول والأسر الحاكمة، ونعم الناس بالأمن والسلام، والعدل والمساواة، وازدهرت الحضارة على النحو الذي لا تزال آثارها الباقية في الهند تخطف الأبصار وتبهر العقول والألباب.

كانت إمبراطورية عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] في الهند آخر دولة حكمت الهند، ودام سلطانها نحو ثلاثة قرون، منذ أن أسسها ظهير الدين عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] في النصف الأول من القرن العاشر الهجري. وتوالى على حكمها عدد من السلاطين العظام يأتي في مقدمتهم: السلطان "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] الذي نهض بالدولة نهضة عظيمة، ونجح في تنظيم حكومة أجمع المؤرخون على دقتها وقوتها. والسلطان "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]" الذي اشتهر ببنائه مقبرة "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]" لزوجته "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]" وهي تُعد من روائع الفن المعماري، ومن عجائب الدنيا المعروفة. والسلطان "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]" الذي تمسك بالسنة وأشرف على الموسوعة المعروفة بالفتاوى الهندية أو عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]، نسبة إلى "عالمكير"، وهو اسم اشتهر به في الهند.
ثم أتى حين من الدهر ضعفت فيه الدولة بعد قوة، وانصرف رجالها إلى الاهتمام بمصالحهم الخاصة، وإيثار أنفسهم بالكنوز التي حصلوا عليها في فتوحاتهم، وانتهز "نادر شاه" الفارسي فرصة تردي الدولة المغولية في الهند، فزحف عليها سنة (1153هـ = 1740م)، وأحدث بدهلي عاصمة الدولة الدمار والخراب، وأعمل السيف في أهلها، ورجع إلى بلاده محملاً بغنائم هائلة.
وساعدت هذه الأوضاع أن يزحف الإنجليز للسيطرة على الهند بسياستهم الماكرة وبأسلوبهم المخادع تحت ستار شركة الهند الشرقية، وانتهى الحال بأن دخل الإنجليز "دهلي" في مستهل القرن التاسع عشر الميلادي، وبسطوا سلطانهم في البنجاب، وتطلعوا إلى احتلال بلاد الأفغان لكن فاجأتهم شجاعة أهلها وبسالتهم فرجعوا عن هذا المخطط يائسين.
وقد فقد المسلمون في الفترة التي استولى فيها الإنجليز على الهند ما كانوا يتمتعون به من سلطان ونفوذ، وإمساك بمقاليد الأمور، واحتكام إلى الشرع الحنيف في كل الأمور، ولم يكن لسلاطين دلهي من الحكم شيء، وتمادى الإنجليز في طغيانهم، فعمدوا إلى تغيير الطابع الإسلامي لبعض المناطق الهندية ذات الأهمية الكبيرة، وإلى محاربة التعليم الإسلامي والاستيلاء على الأوقاف الإسلامية، وأذكوا نار العداوة بين المسلمين والطوائف الأخرى.
ولاية السلطان بهادر شاه
في ظل هذه الأجواء المتردية تولى "بهادر شاه الثاني" الحكم في الهند سنة (01254هـ = 1838م)، خلفًا لأبيه السطلان "محمد أكبر شاه الثاني"، وكان الإنجليز في عهده قد أحكموا سيطرتهم على البلاد، وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند، الذين كانوا يتقاضون رواتب مالية منهم، وغدوا كأنهم موظفون لديهم، وبلغ من تعنتهم ومدى نفوذهم أنهم كانوا يتحكمون فيمن يدخل "دلهي" ومن يخرج منها.
ولم يكن عهد "بهادر شاه الثاني" أحسن حالاً من عهد أبيه، فسياسة الإنجليز لا تزال قائمة على جعل أعمال الحكومة في أيديهم، في حين يبقى الحكم باسم السلطان المسلم، ويذكر اسمه في المساجد، وتضرب النقود باسمه، وكان هذا منهم عملاً خبيثًا يفرقون به بين الحكم وبين الملك، الذي عد رمزًا للحكم الإسلامي، ويحكمون هم باسمه باعتبارهم نائبين عنه، وقد فطن العلماء المسلمون في الهند لهذا العمل المخادع فعارضوا هذه السياسة وقاموا في وجهها، وقالوا: "لا يتصور أن يكون هناك ملك إسلامي بدون حكم إلا إذا تصورنا الشمس بدون ضوء"، وأعلنوا حين صار هذا الوضع سائدًا في الهند أنها أصبحت دار حرب، وعلى المسلمين أن يهبوا للجهاد ضد الإنجليز حتى يردوا الحكم إلى أهله.
وحتى هذا الوضع الشائن للحكام المسلمين لم يستمر طويلاً فقد أعلن الإنجليز أنهم في طريقهم للقضاء عليه، فوَّجهوا إنذارًا إلى "بهادر شاه الثاني" الذي كان أسير القلعة الحمراء التي يسكنها في "دلهي" بلا نفوذ أو سلطان – أنه آخر ملك يسكن القلعة، وأنها ستصبح ثكنة عسكرية، وأن المخصصات التي يأخذها منهم ستنقطع بعد وفاته، وكان هذا يعني القضاء على دولة المغول في الهند، وكان لهذا الخبر وقع الصاعقة على الشعب المسلم في الهند.
اشتعال الثورة في الهند
كان هناك سخط عام في الهند على وجود الإنجليز الذين ينهبون خيراتها ويمارسون سياسة متعسفة وظالمة ضد المسلمين، وكانت النفوس تموج بالغضب وتمور بالثورة والغليان، تنتظر الفرصة المناسبة والقائد الذي يمكن أن تلتف حوله، وتجاهد تحت رايته، وكان شمال الهند أكثر المناطق استعدادًا للثورة، حيث يكثر المسلمون، وتطغى سياسة الإنجليز الباطشة والمستهزئة بعقائد المسلمين وعباداتهم.
مقدمات الثورة
هناك إجماع على أن الجنود المسلمين والهندوس في الجيش البريطاني المعسكر في ثكناته في "ميرت" التي تقع شمال دلهي بنحو 90 كيلو مترًا – هم الذين بدءوا الثورة وأزكوا نارها، وكان تعنت الضباط الإنجليز واستهتارهم بعقائد الجنود وراء ثورتهم وغضبتهم، بعد أن أرغموهم على قطع الدهن المتجمد الذي يُستخدم في تشحيم البنادق بأسنانهم، وكان هذا الشحم مركبًا من دهون الخنازير والبقر، فتذمر الجنود من ذلك باعتبار أن البقر محرم أكله على الهندوس تحريم الخنزير عند المسلمين، غير أن هذا التذمر زاد الضباط الإنجليز تماديًا وغرورًا فعاقبوا المتذمرين، ولم يلبث أن هب زملاؤهم بثورة عارمة في المعسكر، غضبًا لعزتهم وكرامتهم في (16 من رمضان 1273هـ = 10 من مايو 1857م)، وانقضّوا على ضباطهم الإنجليز وقتلوهم، وانطلقوا إلى "دلهي" معلنين الثورة، وسرعان ما انتشر لهيبها حتى عم دلهي وما حولها. عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] دعا علماء المسلمين إلى اجتماع في المسجد الجامع بدلهي، وأعلنوا فتوى بإعلان الجهاد وقَّعها كثير من العلماء البارزين، وكان لها أثر عظيم في تأييد الثورة واجتماع الناس للبذل والجهاد، واتحد الثائرون من المسلمين والهندوس، واختاروا بهادر شاه قائدًا عامًا للثورة، وفي ذلك إشارة إلى رضى الجميع عن الحكم الوطني المغولي.
قامت الثورة في دلهي دون تخطيط دقيق مسبق، وافتقدت إلى القيادة الواعية التي تستطيع أن تتحكم في حركة الثورة، ولم يكن بهادر شاه يصلح لهذا الدور لكبر سنه، واستطاع الإنجليز أن يعيدوا تنظيم أنفسهم، وتجميع قوات هندية من الأمراء الموالين في بعض مناطق الهند، وانضم إليهم "السيخ" وكانوا يكنون عداء شديدًا للمسلمين، الأمر الذي ساعدهم على مقاومة الثورة والقضاء عليها في دلهي والمناطق الأخرى التي اشتعلت بها في (8 من ذو القعدة 1274هـ = 20 من يونيو 1858م).
وحشية المحتل الإنجليزي
بعد فشل الثورة قام الإنجليز بالقبض على بهادر شاه وأهل بيته أسرى، وساقوهم مقيدين في ذلة وهوان، وفي الطريق أطلق أحد الضباط الرصاص من بندقيته على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة منهم، وقطعوا رؤوسهم. ولم يكتف الإنجليز بسلوكهم المنحط بالتمثيل بالجثث، بل فاجئوا الملك وهو في محبسه بما لا يخطر على بال أحد خسة وخزيًا، فعندما قدموا الطعام للملك في سجنه، وضعوا رؤوس الثلاثة في إناء وغطّوه، وجعلوه على المائدة، فلما أقبل على تناول الطعام وكشف الغطاء وجد رؤوس أبنائه الثلاثة وقد غطيت وجوههم بالدم. لكن طبيعة الأنفة والكبرياء سمت فوق الحدث وفوق الحزن والجزع، فقال في ثبات وهو ينظر إلى من حوله: "إن أولاد التيمور بين البواسل يأتون هكذا إلى آبائهم محمرة وجوهم"، كناية عن الظفر والفوز في اللغة الأوردية.
محاكمة بهادر شاه
بدأ الإنجليز بعد القبض على "بهادر شاه في محاكمته محاكمة صورية في "دلهي" في (10 من جمادى الأخر 1274 هـ = 26 من يناير 1858م)، واتهموه بأنه تعاون مع الثورة هو وابنه "ميزا مغل" ضد الإنجليز، وأنه أمر وشارك في قتل الإنجليز رجالاً ونساء وأطفالاً، وكانت تهمة كاذبة، والثابت أنه حين تولى قيادة الثورة كانت أوامره صريحة بعدم الاعتداء على الإنجليز من غير المحاربين منهم. وبعد جلسات المحاكمة أصدر القضاة حكمهم بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى النفي إلى مدينة "رانكون" عاصمة بورما، وتم تنفيذ النفي في يوم الخميس الموافق (9 من ربيع الأول 1275هـ = 17 من أكتوبر 1858م)، ورحل هو وأسرته وبعض أفراد حاشيته إلى بورما وخصصوا له مكانًا لمحبسه، ولزوجه وأولاده مكانًا آخر، وخضع الجميع لحراسة مشددة، وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند، وطويت آخر صفحة من صفحات الحكم الإسلامي في الهند الذي ظل شامخًا أكثر من ثمانية قرون، ثم أقدم الإنجليز على تأكيد مخططاتهم وما كانوا يحاولون ستره بأشكال مختلفة، فقد أصدرت الملكة فكتوريا في (23 من ربيع الأول 1275هـ = 1 من نوفمبر 1858م) بنقل حكم الهند من يد شركة الهند الشرقية إلى يد المحكمة البريطانية، وبذلك دخلت الهند رسميًا ضمن مستعمرات التاج البريطاني، وظلت كذلك حتى اضطر الإنجليز للجلاء عنها في سنة (1367هـ = 1947م)
وفاة بهادر شاه
ظل بهادر شاه في محبسه حتى وافته المنية في عصر يوم الجمعة الموافق (14 من جمادى الأولى 1279هـ = 7 من نوفمبر 1862م) وقد بلغ من العمر 89 سنة، قضى منها أربع سنوات في منفاه، وكان بهادر شاه شاعرًا مجيد، وفاضت قريحته أسى وحزنًا على ما وصل إليه، وما آلت دولته، يعيش سجينًا وحيدًا، لا يزوره أحد، ومن شعره الذي يصور مأساته قوله:
يا رسول الله ما كانت أمنيتي إلا أن يكون بيتي في المدينة بجوارك
ولكنه أصبح في رنكون وبقيت أمنيات في صدري
يا رسول الله.. كانت أمنيتي أن أمرغ عيني في تراب أعتابك
ولكن هأنذا أتمرغ في تراب رنكون
وبدلاً من أن أشرب من ماء زمزم، بقيت هنا أشرب الدموع الدامية
فهل تنجدني يا رسول الله. ولم يبق من حياتي إلا عدة أيام
جواهر لال نهرو وحقبة هامة من تاريخ الهند

جواهر لال نهرو
أحد قادة حركة الاستقلال في الهند، وأول رئيس وزراء لها بعد الاستقلال في الفترة ما بين 15 أغسطس 1947- 27 مايو 1964 وهو تاريخ وفاته، وهي أطول فترة قضاها رئيس وزراء في هذا المنصب، حيث بلغت سبعة عشر عاماً.
كما أنه كان أحد المشاركين في حركة عدم الانحياز إلى جانب كل من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي تيتو، والإندونيسي سكارنو.

البداية
ولد جواهر لال نهرو في 14 نوفمبر 1889 لعائلة هندوسية ثرية من كشمير، كان والده موتيلال نهرو محامياً وسياسياً واحد أثرياء الهند، في عام 1900 انتقلت العائلة إلى مدينة الله أباد، والتحق نهرو بمدرسة "هارو" الثانوية البريطانية عام 1905، ثم سافر إلى بريطانيا لمتابعة دراسته، فدرس القانون بجامعة كامبريدج البريطانية ومنها حصل على شهادته في الحقوق 1922، كما التحق بكلية الاقتصاد بجامعة لندن. اطلع نهرو على العديد من الكتب الأجنبية والهندوسية المقدسة مما أدى إلى زيادة وعيه وثقافته، وتجمعت لديه الثقافة الهندية والأوروبية.

الاتجاه للسياسة
عاد نهرو مرة أخرى للهند ليسير على درب والده ويتدرب في مكتبه كمحامي، ولكنه لم يجد نفسه في هذه المهنة وقرر أن يخترق الحياة السياسية، فانضم إلى رابطة الحكم الوطني، وفي عام 1917 بدأت أولى خطواته الفعلية في تحدي الوجود الاستعماري حيث قام بنشر خطاب في واحدة من كبريات الصحف الهندية دعا فيه إلى عدم التعاون مع حكومة بريطانيا . وبعدها بعامين قام بتوقيع وثيقة بعدم إطاعة قانون جرائم الثورة والفوضى الذي وضعته قوات الاحتلال البريطاني.

نهرو وغاندي

نهرو وغاندي
بدخول نهرو إلى عالم السياسة كان من الطبيعي أن يلتقي بالزعيم والفليسوف الهندي عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وأصبح أحد المعجبين به وبأفكاره السياسية والدينية، وقام بالتتلمذ على يديه وأصبحت هناك علاقة وطيدة تجمع ما بين غاندي ونهرو وموتيلال والد نهرو، وقد انعكست هذه العلاقة بأهمية كبيرة على حزب المؤتمر الهندي.
في عام 1919 وقعت مذبحة "جاليانوالا باغ" حيث قامت القوات البريطانية بقتل مئات المتظاهرين السيخ خلال تجمع للاحتجاج على اضطهاد الهنود في مدينة امريتسار في الهند وجرح أكثر من 1200 آخرين، عين موتيلال ليرأس تحقيق عام في أحداث المذبحة فقام بإرسال نهرو إلى مدينة امريتسار ليتقصى حقائق هذه المذبحة، وكان لهذه المهمة بالغ الأثر على نهرو الذي تعرف على الأشكال الوحشية التي مارسها البريطانيين لقمع الهنود. انتهج نهرو السياسة المتقشفة لغاندي فعلى الرغم من الثراء الذي تمتع به نهرو ووالده أصر الاثنان على عن التنازل عن جميع الممتلكات والتحقا بحزب المؤتمر الهندي، وقد جاء قرار نهرو بأتباع سياسة التقشف بعدما رأى الحياة القاسية التي يحياها القرويين من الفقراء المعدمين، فنقم على هذه الحياة المرفهة التي يحياها.
وبالنظر إلى نهرو وغاندي نجد بينهما نقاط للاتفاق وأخرى للاختلاف، فقد أمن الاثنان وعملا من أجل هدف واحد وهو استقلال الهند، وفي سبيل ذلك احتملا الكثير، وقد درس الاثنان المحاماة وأجادا الإنجليزية، وخاضا غمار الحياة السياسية، حتى تمكنا في النهاية من تحقيق حلمهم بجعل الهند دولة مستقلة في الخامس عشر من أغسطس 1947، وهو نفس العام الذي صعد فيه نهرو ليحصل على لقب أول رئيس وزراء للهند عقب الاستقلال، وظل كذلك حتى وفاته عام 1964. وقد اختلف نهرو وغاندي في طريقة تنمية الهند فبينما كان يرى غاندي أن تنمية الهند يكمن في تنمية القرى، رأى نهرو أن التركيز على الصناعة هو الأكثر فائدة للبلاد.

مناضل سياسي

نهرو مع اطفال هنود
تميز نهرو بفصاحته وقوته الخطابية، وأصبح له دور بارز بين أعضاء حزب المؤتمر الهندي، ومن أجل القضية الهندية تعرض للاعتقال أكثر من مرة، كان أولها عام 1921 وبعد خروجه من السجن قال نهرو " لقد أصبح السجن بمثابة مكان مقدس لنا"، وتدريجياً صعد ليحتل مكاناً بارزاً عند الشعب الهندي كبطل وطني ومثالاً يحتذى به.
في عام 1929 تم انتخاب نهرو رئيساً لحزب المؤتمر في عموم الهند، ووقع عليه الاختيار ليكون كبير المفاوضين عن حزب المؤتمر في مفاوضات "انتقال السلطة" من الإنجليز وعقب نجاح المفاوضات صار نهرو رئيساً للحكومة الانتقالية. انتخب نهرو رئيساً للمجلس المحلي لقرية "الله آباد"، واعتقل على مدار السنوات التالية أكثر من مرة، وبعد وفاة والده ازداد نهرو قرباً من غاندي والذي وجد فيه الزعيم والأستاذ والوالد، هذا على الرغم من وجود بعض الاختلافات بينهم.
في عام 1946 اعترض نهرو على خطة البعثة الحكومية البريطانية وذلك من منطلق أن مستقبل الهند يجب أن يحدده الهنود لا البريطانيين، وقد صور البعض هذا على أنه عناد من نهرو في قضية كان يمكن أن تتجنب تقسيم الهند.
اختير جواهر نهرو أول رئيس وزراء للهند تزامناً مع انتهاء الاحتلال البريطاني للهند عام 1947 وتم تقسيم شبه الجزيرة الهندية حيث سيطرت الأغلبية الهندوسية على الهند، بينما سيطرت الأغلبية المسلمة على باكستان، وقد كان عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] أحد الزعماء الهنود المصرين على أن يتم تقسيم الهند، في حين كانت القيادات الهندية ترفض فكرة التقسيم، وسعى نهرو لحماية الأقليات، وعندما قام محمد علي جناح بالإشارة إلى أن الشعب الهندوسي هو شعب نهرو، جاء رد نهرو سريعاً "أنا أرى أن شعبي هو الشعب الهندي ككل".

رئيساً للوزراء

عبد-الناصر و نهرو
في الفترة التي قضاها نهرو رئيساً للوزراء وهي فترة طويلة امتدت لسبعة عشر عاماً عمل نهرو جاهداً من أجل حماية الهند من كل أنواع التطرف الديني والسياسي، وعمل نحو بناء اقتصاد اشتراكي، وتبنى سياسة عدم الانحياز، كما آمن بالمنهج الاشتراكي في خططه من اجل تنمية الهند ففي الفترة التي قضاها في بريطانيا للدراسة أخذ يبحث بين كتب الأدب والاقتصاد وغيرها عما يتوافق وهذا الاتجاه.
وتضم الفترة التي قضاها نهرو في منصبه كرئيس للوزراء العديد من الأحداث حيث تم اغتيال غاندي على يد متطرف هندوسي 1948، ثم وقعت الحرب بين الهند وباكستان بسبب إقليم كشمير المتنازع عليه عام 1950، وفي 1951 -1952 فاز حزب المؤتمر الوطني الهندي برئاسة جواهر لال نهرو في أول انتخابات عامة في الهند بعد الاستقلال.
ونشأ نزاع بعد ذلك على الحدود بين كل من الصين والهند والتي أدت لاشتعال الحرب بين الطرفين عام 1962 وانتهت بخسارة الهند. من المبادئ التي تبناها نهرو إلى جانب عدد أخر من الدول هي سياسة عدم الانحياز، والتي اشترك معه فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، واليوغسلافي جوزيف تيتو، والاندونيسي سكارنو وظهرت هذه الحركة في النصف الثاني من الخمسينات وعقب الحرب العالمية الثانية، وهي حركة تدعو للاحتفاظ بموقف مستقل بعيدا عن الساحة الدولية، وبعيدا عن سياسات الدول الكبرى.

لمحات من تاريخ العالم
قدم نهرو كتابي اكتشاف الهند، ولمحات من تاريخ العالم، وفي كتابه "لمحات من تاريخ العالم" أعطى نهرو لمحات عن هذا التاريخ ولم يلجأ لشرح مفصل وهو عبارة عن مجموعة من الرسائل بعث بها نهرو لأبنته أثناء تنقله بين السجون خلال عشر سنوات، وذلك لتعليم ابنته تاريخ الحضارة الإنسانية من خلال الخطابات.
وتناول في كتابه الأحداث التاريخية والأسباب التي تكمن ورائها في أسلوب قصصي شيق، ويتناول الكتاب العديد من الأحداث التاريخية منها بعض الفصول التي تتحدث حول تاريخ العرب والمسلمين والأحداث التي تلت الحرب العالمية الأولى. كما قدم كتاب "اكتشاف الهند" والذي أهداه لاينشتاين وقال عنه اينشتاين "لقد قرأت كتابك الرائع باهتمام لا حدود له، فهو يعطي فهما للتقاليد الفكرية والروحية المجيدة لبلدك العظيم".
وقد كتب نهرو كتاب "اكتشاف الهند" أيضاً في السجن والذي جاء تعبير عن الدولة الهندية التي تفوقت على القوميات البائدة. وكان نهرو احد المهتمين بالديمقراطية والحرية في كل شيء ومنها حرية الصحافة والتي قال فيها وجود صحافة حرة مع كل ما تتضمنه من أخطار نتيجة للاستخدام الخاطئ لها، أفضل من وجود صحافة مراقبة.

رأيه في تقسيم فلسطين
لم يكن زعماء الهند ممن يؤيدوا إنشاء دولة لليهود ومما قاله الزعيم الهندي المهاتما غاندي في ذلك " إن فلسطين للعرب ومن الخطأ واللاإنسانية أن يُفرض اليهود على العرب" وذلك في إحدى الرسائل التي بعث بها لأحد مفكري اليهود. كما رد نهرو على رسالة بعث بها اينشتاين إليه يطلب منه فيها أن يؤيد مشروع تقسيم فلسطين وإنشاء دولة لليهود حيث كانت إسرائيل تسعى لكسب تأييد أكبر عدد ممكن من الدول في مشروعها من أجل إقامة دولتها على الأراضي الفلسطينية. كان يرى أن اليهود مضطهدون ولكن وعد بلفور تناسى أن أرض فلسطين ليست بلا شعب ، ولكنها مأهولة بأهلها بالفعل ، وقد ظلت الهند رافضة لقرار التقسيم وقامت بالتصويت ضده.

عائلة سياسية
توراثت عائلة نهرو الحياة السياسية تباعاً، فقد تزوج نهرو وأنجب ابنة واحدة هي أنديرا غاندي والتي شغلت منصب رئاسة الوزراء بدورها وتم اغتيالها عام 1984، وأبنها راجيف غاندي من زوجها فيروز غاندي والذي أصبح أيضا رئيس لوزراء الهند قبل أن يتم اغتياله في مايو 1991، واليوم زوجة راجيف غاندي الإيطالية الأصل سونيا غاندي هي زعيمة حزب المؤتمر الهندي وتعد ابنها من راجيف ليستكمل مسيرة عائلتهم السياسية. وعلى الرغم من دور نهرو كزعيم للهند على مدار 17 عام إلا أن خصومه السياسيون يحملونه مسئولية تصعيد أزمة كشمير وقيادته لأولى الحروب الهندية الباكستانية عام 1947 - 1948.

وفاة نهرو
توفي نهرو في 27 مايو 1964 بعد حياة حافلة قضى شق كبير منها في النضال والسياسة وخلفه في رئاسة الوزراء لال بهادر شاستري، ومن بعده جاءت أنديرا غاندي لتسير على نفس درب والدها وتصبح بدورها رئيسة وزراء للهند.
وكنوع من التكريم لهذا الزعيم الهندي وفي ذكرى يوم ميلاده الخامس والسبعين أعلن الرئيس الهندي سارفابالي راداكشنان افتتاح متحف جواهر لال نهرو ليكون مركزا توثيقياً لحياة نهرو و افتتح المتحف في الأول من ابريل عام 1966، كما تم إنشاء جامعة تحمل اسمه في مدينة نيودلهي عام 1969.
ونختتم الكلام عن نهرو بما قاله عن الهند بأنها ستكون القوة العظمى الرابعة - أي بعد الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي سابقا والصين - ولكن ليس من زاوية القوة العسكرية ولكن من معيار التنمية والتنافس في مجال السلم والرفاهية الاجتماعية.