مقدمة شرح أسماء الله الحسنى
معرفة الإله مطلب قصده الناس منذ القدم ؛ لحاجة ماسة ورغبة ملحة تنبع من أعماق النفس العابدة بفطرتها ؛ التي أقرت به ربا منذ عالم الذر وارتبطت معه بميثاق العبودية ، الذي أخبرنا عنه الله U بقوله : ) وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، قالوا بلى شهدنا ، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (، وهذه الرغبة تدفع النفس إلى التعرف على ربها ومعبودها الذي ترى في كل مكان حولها آثار رحمته ، وبديع خلقه ، ومظاهر قدرته ؛ التي بثها I دلائل عليه .
وكلما تأمل العقلاء هذا الكون ؛ اعترفوا بأن له خالقا عظيما ، ومدبرا حكيما ، كل بحسب قدرات فهمه وطرق استدلاله ؛ فالأعرابي البسيط في الصحراء قال : بعرة تدل على البعير ، وأثر يدل على المسير ، أفليل داج ، وسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدل على الحكيم الخبير .
ومع اعتراف الجميع وإقرارهم بوجود الله وعظمته ؛ إلا أنهم قد اختلفت مداركهم في تصور ذاته وتحديد صفاته ، فمنهم : من لم يخرج عن نطاق المادة فتخيل ذات الرب بها أو بما يشبهها من القوى التي يراها حوله ، فانتهى إلى تصورات خاطئة ليست هي حقيقة الألوهية ولا صفات الرب الخالق I، ومنهم : من استطاع أن يفهم أنه لابد أن يكون الإله مجردا عن مشابهة كل ما يدخل في نطاق الحس ، وأن يكون واحدا ، قادرا ، لا يحتاج إلى مكان ، ولا يجري عليه زمان ، وهم بذلك وصلوا إلى شيء من الحقيقة التي جاء بها الوحي ليعرف الناس برب العالمين، ولكنهم لن يتوصلوا إلى معرفة الحقيقة كلها مالم يأت بها الخبر من مصدرها الأصيل :) قل ءأنتم أعلم أم الله (.
ومن رحمة الله بنا أن عرفنا U بنفسه وأسمائه وصفاته ؛ لتطمئن الفطر ، وتتحرر العقول من قيود الماديات ، ويكون الإنسان أقدر على تحقيق عبوديته لإلهه الأحد الصمد ..
وهذا هو هدف هذه السلسلة المباركة بإذن الله .. معرفة الله U ، فأتمنى من الله العلي القدير أن يجعل فيها النفع و الفائدة .. و أن يرزقنا الإخلاص له وحده و لا يحرمنا الأجر ..
تعريف الأسماء الحسنى
ما معنى الأسماء؟
الأسماء: جمع اسم . و الاسم في اللغة مأخوذ من السمو، و هو العلو و الارتفاع؛ لأنه يسمو بهذا المسمى و يميزه عن غيره. فالاسم يسمو بصاحبه و يعلو به و يميزه عن غيره.
و قال بعضهم إنه مأخوذ من السمة، و هي العلامة. و منها الوسم الذي يوضع على الدابة ليميزها عن غيرها، و المعنى فيها متقارب .
الاسمُ في الأسماء الحسنى: هو كلّ ما دل على ذات الله عز و جل، و على المعنى القائم بالذات ( و هو الصفة ) فيكون : كل ما دل على الذات و على الصفة فهو اسم.
و لابد من أن يكون ثابتًا بالنص من الكتاب أو السنة، أمّا الصفة فإنها تدل على ما قام بالذات؛ لا تدل على ذات الله و إنما تدل على ما قام بها؛ فالقوي مثلاً دلَّ على صفة القوة، و الكريم دل على صفة الكرم، و هكذا .. فلا يقول القائل: إن الله هو العزة، هو الرحمة، هو القدرة، و إنما له رحمة، له عزة، له قدرة، فهي من صفاته لأن العزة و القدرة و الرحمة لا تدل على ذات الله و إنما تدل على ما قام بهذه الذات، و هذه الصفة.
فالاسم إذًا: هو كل ما دل على ذات الله، و على المعنى القائم بالذات، و الصفة هي المعنى القائم بالذات.
ما معنى الحسنى؟
الحسنى هي تأنيث كلمة الأحسن كالكبرى و الصغرى .
لماذا سميت بالحسنى؟
1ـ لأنها دالة على صفات الكمال .
2ـ لأن الله وعد عليها بأحسن الثواب لمن أحصاها و هي ( الجنة ).
3ـ لأن العلم بها هو أحسن العلوم و أشرفها.
4ـ لأنها تطلق على أشرف ما عُلِم و هو الله U.
معرفة أسماء الله الحسنى و صفاته عند أهل السنة و الجماعة
أن معرفة الله بأسمائه وصفاته عند أهل السنة والجماعة حق من حقوقه I التي بينوها في القسم الثالث من أقسام التوحيد : توحيد الأسماء والصفات ، ولابد أن ( تكون معرفة سالمة من داء التعطيل ، ومن داء التمثيل ، اللذين ابتلي بها كثير من أهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول e ؛ بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة ، وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ) ، فهي لا تعني : مجرد المعرفة الفطرية بوجوده I وأن له الكمال المطلق ، والاعتراف بذلك ، فهذه يقر بها أكثر العباد، بل هي : ( إقرارا يتبعه عبودية لله بالحب والتعظيم وإخلاص الدين له ). ولا تعني كذلك : المعرفة النظرية البحتة المقطوعة عن العمل ، إنما تعني المعرفة الحية النابضة التي تترجم العلم إلى إيمان وسلوك وأخلاق ، قال ابن القيم : ( معرفة الله سبحانه نوعان :
الأول : معرفة إقرار ، وهي التي اشترك فيها الناس ، البر والفاجر ، والمطيع والعاصي .
والثاني : معرفة توجب الحياء منه ، والمحبة له ، وتعلق القلب به ، والشوق إلى لقائه ، وخشيته ، والإنابة إليه ، والأنس به ، والفرار من الخلق إليه ).
وهذا الأخير هو الذي تنافس فيه المتنافسون ليحققوا عبوديتهم لإلههم الحق I .
.................................................. تابع ..
تعقيب : أسعدك الله أختي فاختة كما أسعدني بتواصلك .. بارك الله لكِ في أبناءك و جعلهم قرة عين لكِ و رزقكِ برهم ..