رد علماء المسلمين على هذا السؤال
هل الحب الذي ينتهي بزواج حرام ؟
الاجابة
الحمد لله
أولاً : العلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة الغريبة عنه ،
ويسميها الناس " الحب " هي مجموعة من المحرمات والمحاذير الشرعية
والأخلاقية .
ولا يستريب عاقل في تحريم هذه العلاقة ، ففيها : خلوة الرجل
بالمرأة الغريبة ، ونظره إليها ، واللمس ، والكلام فى الهاتف المليء بالحب
والإعجاب
مما يثير الغرائز ويحرّك الشهوات . وقد تصل هذه العلاقة إلى ما هو أعظم من
ذلك .
كما هو واقع ومشاهد الآن
أثبتت الدراسات فشل أكثر الزيجات المبنية على علاقة حبٍّ مسبق
بين الرجل والمرأة ، بينما نجحت أكثر الزيجات التي لم تُبْنَ على تلك
العلاقة
المحرمة في الغالب ، والتي يسميها الناس "الزواج التقليدي" .
وفي دراسة تمت على 1500
أسرة كانت النتيجة أن أكثر من 75 % من حالات الزواج عن حب انتهت بالطلاق ،
بينما
كانت تلك النسبة أقل من 5% في الزيجات التقليدية – يعني : التي لم تكن عن
حبٍّ سابق
.
ويمكن ذكر أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه النتيجة
:
1- الاندفاع العاطفي يعمي عن رؤية العيوب ومواجهتها ، كما قيل :
"وعين الرضا عن كل عيب كليلة" . وقد يكون في أحد الطرفين أو كلاهما من
العيوب ما
يجعله غير مناسب للطرف آخر ، وإنما تظهر تلك العيوب بعد الزواج .
2- العاشقان يظنان أن الحياة رحلة حب لا نهاية لها ، ولذلك نراهم
لا يتحدثان إلا عن الحب والأحلام .. إلخ ، أما المشكلات الحياتية وطرق
مواجهتها ،
فلا نصيب لها من حديثهم ، ويتحطم هذا الظن بعد الزواج ، حيث يصطدمان
بمشكلات الحياة
ومسؤولياتها .
3- العاشقان لم يعتادا على الحوار والمناقشة وإنما اعتادا على
التضحية والتنازل عن الرغبة ، إرضاءً للطرف الآخر ، بل كثيراً ما يحصل
بينهما خلاف
لأن كل طرف منهما يريد أن يتنازل هو ليرضي الطرف الآخر ! بينما يكون الأمر
على عكس
ذلك بعد الزواج ، وكثيراً ما تنتهي مناقشاتهم بمشكلة ، لأن كل واحد منهما
اعتاد على
موافقة الطرف الآخر على رأيه من غير نقاش .
4- الصورة التي يظهر بها كل واحد من العشيقين للآخر ليست هي
صورته الحقيقية ، فالرفق واللين والتفاني لإرضاء الآخر .. هي الصورة التي
يحاول كل
واحد من الطرفين إظهارها في فترة ما يسمى بـ "الحب" ، ولا يستطيع الاستمرار
على هذه
الصورة طول حياته ، فتظهر صورته الحقيقية بعد الزواج ، وتظهر معها
المشكلات.
5- فترة الحب مبنية غالباً على الأحلام والمبالغات التي لا
تتناسب مع الواقع بعد الزواج . فالعاشق يَعِدها بأنه سيأتي لها بقطعة من
القمر ،
ولن يرضى إلا أن تكون أسعد إنسانة في الدنيا كلها .. إلخ . وفي المقابل ..
هي ستعيش
معه في غرفة واحدة ، وعلى الأرض وليس لها أية طلبات أو رغبات ما دامت قد
فازت به هو
، وأن ذلك يكفيها !! كما قال قائلهم على لسان أحد العاشقين : "عش العصفورة
يكفينا"
، و "لقمة صغيرة تكفينا" و "أطعمني جبنة وزيتونة" !!! وهذا كلام عاطفي
مبالغ فيه .
ولذلك سرعان ما ينساه الطرفان أو يتناسياه بعد الزواج ، فالمرأة تشتكي من
بُخل
زوجها ، وعدم تلبيته لرغباتها ، والزوج يتأفف من كثرة الطلبات والنفقات .
فلهذه الأسباب - وغيرها - لا نعجب إذا صرّح كل واحد من الطرفين
بعد الزواج بأنه خُدِع ، وأنه تعجل , ويندم الرجل على أنه لم يتزوج فلانة
التي أشار
بها عليه أبوه ، وتندم المرأة على أنها لم تتزوج بفلان الذي وافق أهلها
عليها ، غير
أنهم ردوه تحقيقاً لرغبتها !
فتكون النتيجة تلك النسبة العالية جداً من نِسب الطلاق لزيجات
كان يظن أهلها أنهم سيكونون مثالاً لأسعد الزيجات في الدنيا !!!
ثالثاً
وهذه الأسباب السابق ذكرها أسباب حسية ظاهرة ، يشهد الواقع
بصحتها ، إلا أننا ينبغي ألا نُهمل السبب الرئيس لفشل تلك الزيجات ، وهو
أنها أقيمت
على معصية الله – فالإسلام لا يمكن أن يقرّ تلك العلاقة الآثمة ، ولو كانت
بهدف
الزواج - ، فكان العقاب الرباني العادل لأهلها بالمرصاد . قال الله تعالى :
(
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) طـه/124
. المعيشة الضيقة المؤلمة نتيجة لمعصية الله والإعراض عن وحيه .
وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )
الأعراف/96 ، فالبركة من الله جزاء على الإيمان والتقوى ، فإذا عدم
الإيمان والتقوى أو قلّ ، قلّت البركة أو انعدمت .
وقال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 ،
فالحياة الطيبة ثمرة الإيمان والعمل الصالح .
وصدق الله العظيم إذ يقول : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ
عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ
عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ _ وَاللَّهُ
لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) التوبة/109 .
فعلى من كان زواجه على هذا الأساس المحرم أن يسارع بالتوبة
والاستغفار ، ويستأنف حياة صالحة قوامها الإيمان والتقوى والعمل الصالح .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى