ويرجع ذلك إلى اختلاف الآراء في تاريخ ميلادها. وفي نفس السنة تم نقل ممتلكات جميع أديرة إنجلترا التي تم حلها إلى سيطرة التاج. كما فقد رؤساء الأديرة مقاعدهم في مجلس اللوردات، رؤساء المطرانيات والكهنة فقط هم الذين يشكلون المجال الكنسي للمجلس. كما قل عدد رؤساء الأساقفة الأنجليكان (Lords Spiritual) كأعضاء من رجال الدين لهم مقاعد في مجلس اللوردات ولأول مرة عن الأعضاء من غير الأساقفة (Lords Temporal).
تزوج هنري زوجته الأخيرة من الأرملة الثرية كاثرين بار عام 1543، وقد ناقشت هنري حول مسألة الدين؛ فقد كانت من الإصلاحيين، بينما ظل هو محافظا، وبهذا السلوك برهن على بطلانها، ولكن أنقذها إظهار الامتثال له. ساعدت كاثرين هنري في إصلاح ما جرى بينه وبين بنتيه الأوليين: الأميرة ماري والسيدة إليزابيث؛ ففي عام 1544 سن هنري قانون البرلمان، والذي ترجع البنات مقتضاه إلى سلسلة الخلافة مرة أخرى بعد إدوارد أمير ويلز، على الرغم من أنهن ما يزلن أبناء غير شرعيين. وقد سمح هذا القانون نفسه لهنري بتحديد المزيد من الخلافة للعرش في وصيته.
وللتذكرة فمصير زوجات هنري كان: الطلاق، الإعدام، الموت، الطلاق، الإعدام، النجاة. وبعبارة أخرى: فإن سلوك الملك هنري الثامن مع زوجاته الست اللائي دخل بهن: واحدة ماتت، واحدة نجت، اثنتان طلقتا، اثنتان أعدمتا. وبعبارة أكثر دقة: اثنتان أعدمتا، نجت واحدة، اثنتان طلقتا، نجت واحدة. وقد تكون العبارة مضللة؛ أولا- إن هنري لم يطلق ابدا واحدة من زوجاته، أو على الأحرى كان زواجه منهن باطلا من قبَل كنيسة إنجلترا. ثانيا- أربع زيجات منها - وليس اثنان - انتهت بالفسخ؛ فالزواج من آن بولين وكاثرين هيوارد فسخ قبل فترة وجيزة من إعدامهما، وقد نجت منه آن أخت دوق كليف على الرغم من أن زواجه منها قد أبطل، وكذلك الأمر مع كاثرين بار
الوفاة والخلافة :
مع اقتراب هنري من نهايته أصبح وزن هنري زائدا بشكل كبير؛ فقد بلغ مقاس خصره 137 سم 54 بوصة، ولم يعد قادرا على الحركة إلا بمساعدة الآلات، كما أنتشرت على جسده البثور المتقيحة المؤلمة، وربما عاني من النقرس. إن تاريخ السمنة يرجع إلى الحادث الذي أصيبت فيه ساقه في مبارزة على الخيول عام 1536، فقد منعه هذا الحادث من ممارسة الرياضة، ومن ثم فقد بدأت القروح تأخذ طريقها إليه. ومن المسلَّم به أنه توفي عن عمر يناهز الخامسة والخمسين، وافق ذلك 28 يناير عام 1547، والذي يصادف عيد الميلاد التسعين لوالده، وذلك في قصر وايت هول. ويقال إنه قضى نحبه بعد أن تلفظ بكلماته الأخيرة: الرهبان! الرهبان! الرهبان!
دفن هنري الثامن في كنيسة القديس جورج في قلعة وندسور بجوار زوجته جاين سيمور. وبعد أكثر من مائة عام دفن تشارلس الأول في نفس المدفن.
توفي الملك هنري الثامن في قصر وايت هول عام 1547.

وبعد أقل من عقد من الزمان على وفاته كان عرش إنجلترا قد تداوله ثلاثة من خلفائه، ولم يبق لأحد من الثلاثة ذرية بعده. فبمقتضى قانون الخلافة فإن ابن هنري الوحيد - إدوارد - الذي بقي على قيد الحياة ورث العرش وتلقب باسم إدوارد السادس. ولم يكن إدوارد قادرا على ممارسة أي سلطة حقيقية في هذا الوقت؛ إذ لم يتجاوز عمره التسع سنوات، وكانت وصية هنري تعيين 16 وصيا للعمل في مجلس الوصاية إلى أن يبلغ إدوارد سن 18. وقد اختار الأوصياء إدوارد سيمور، إيرل أول مقاطعة هيرتفورد، وأخو جاين سيمور الأكبر ليكون الحاكم الأعلى للملكة (Lord Protector of the Realm). وفي غياب الوريث إدوارد، فقد انتقل العرش إلى ماري ابنة هنري الثامن من كاترين من الأرجُن وإلى ورثتها من بعدها، وإذا ما انقطع نسل ماري أيضا فإن التاج سينتقل إلى الأميرة إليزابيث - ابنة هنري من آن بولين - وورثتها، وأخيرا فإذا لم يكن لإليزابيث هي الأخرى نسل فإن التاج سينتقل إلى أحفاد أخت هنري الصغرى المتوفاة ماري تيودور، دوقة سوفلوك. وأحفاد مرجريت تيودور أخت هنري كانوا هم العائلة المالكة في أسكتلندا، ولذا فقد تم استبعادهم من الخلافة طبقا لهذا القانون.

- أنا ماري ابنة كاثرين من الأرجون.
- هنري فيتزروي ابن عشيقة هنري إليزابيث بلونت.
- إليزابيث الأولى ابنة آن بولين.
- إدوارد السادس ابن جين سيمور.

عرف هنري الثامن بأنه متعطش للقمار ولعب الزهر، وقد برز في الألعاب الرياضية في شبابه خاصة المبارزة، والصيد، والتنس الرباعي داخل مكان مغلق مسقوف (Real tennis). كما كان موسيقيا بارعا، وكاتبا، وشاعرا، أفضل أعماله الموسيقية: اللهو مع الخلان (Pastime with Good Company) أو القصيدة الثلاثية (The Kynges Ballade)، كما اشتهر كثيرا بكتابة (Greensleeves) [أغنية شعبية تراثية]، وقد لا يكون ذلك. كما شارك الملك في المباني الجديدة، وتحسين عدد من المباني المهمة بما في ذلك: قصر ننساتش، وكنيسة كلية الملك، وكنيستي كامبريدج وويستمنستر في لندن؛ فالعديد من المباني الموجودة والتي أدخل عليها هنري تحسينات كانت من الممتلكات المصادرة من وولسي، مثل: كنيسة المسيح في أكسفورد، وقصر هامبتون، وقصر وايت هول، وكلية ترينيتي في كامبريدج، كما وضع حجر الأساس لمدرسة كنيسة المسيح الكاتدرائية (Christ Church Cathedral School) في أكسفورد عام 1546. الشيء الوحيد الباقي من الملابس التي لبسها هنري الثامن هو قلنسوة للملك (cap of maintenance)، كانت قد أهديت إلى عمدة مايور عام 1536، بالإضافة إلى علاقة سيف، وهي الآن في متحف ووتر فورد للكنوز. والبذلة العسكرية لهنري (الدرع) تعرض في متحف برج لندن. وعلى مدار القرون التي تلت وفاته فقد كان هنري مصدر إلهام أو ورد ذكره في الكثير من الأعمال الفنية والثقافية.

المالية الملكية:
ورث هنري ثروة طائلة عن والده هنري السابع؛ فقد كان مقتصدا ومحافظا في إنفاق المال على النقيض من ابنه، وقدرت هذه الثروة بنحو 1.250.000 جنيه إسترليني، أي: 375 مليون جنيه إسترليني بمعايير هذه الأيام. أنفق هنري الكثير من هذه الثروة في صيانة بلاطه وعلى أسرته، بما في ذلك أعمال البناء التي قام بها في القصور الملكية. الملك تيودور كان مضطرا لتمويل كل نفقات الحكومة بعيدا عن دخلهم الخاص، وقد أتى هذا الدخل من الأراضي التابعة للتاج والتي كان هنري يملكها، كذلك من الرسوم الجمركية مثل: الرسوم الطُّنيَّة، الضريبة التي تُمنح له من البرلمان مدى الحياة. وقد ظلت عائدات التاج ثابتة عند حدود 100.000 جنيه إسترليني، ولكنها تناقصت بعد ذلك بفعل التضخم وارتفاع الأسعار الناجم عن الحرب. لقد كانت حربا حقا، وطموحات هنري الحاكم في أوروبا، الذي يعني أن ذلك الفائض الذي ورثه عن أبيه قد استنفد بحلول منتصف عشرينات القرن الخامس عشر. وفي حين أن هنري السابع لم يستخدم البرلمان في شئونه كثيرا فإن هنري الثامن التفت إلى البرلمان في عهده كثيرا لجمع المال، وبصفة خاصة للحصول على منح مالية لتمويل حروبه. كما أن حل الأديرة أمده بوسيلة لإعمار خزينته، وهكذا فقد استولى التاج على أراض تابعة للرهبان تقدر بـ 120.000 جنيه إسترليني (36 مليون جنيه في السنة). وفي عام 1526 وعام 1539 اضطر هنري لخفض العملة لحل مشكلاته المالية، وعلى الرغم من جهود وزرائه لتقليل النفقات والفاقد في البلاط الملكي فقد توفي هنري مدينا.

التركة:
على الرغم من أن البواعث الأساسية متعلقة بالحاكم، والاهتمامات الشخصية، وبصرف النظر عن التخلي عن قيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فإن هنري يضمن أن أعظم حدث في عهده يجعله الأكثر راديكالية وحسما من أي ملك آخر لإنجلترا؛ إن خروجه على روما في عام 1533و 1534 كان حدثا له آثار خطيرة في مسار التاريخ الإنجليزي بعد سلالة تيودور الحاكمة، ليس فقط من أجل ما قد يكون تحويل إنجلترا إلى أمة قوية (وإن كان ذلك مميز جدا)، ولكن أيضا حصر الاقتصاد والقوى السياسية على الطبقة الحاكمة بدلا من الكنيسة، وتم ذلك بشكل رئيسي من خلال الاستحواذ على أراضي الأديرة وممتلكاتها على المدى القصير، والتأثيرات الاجتماعية الناجمة عن ذلك على المدى الطويل. إن قرار هنري بالعهد بالوصاية على ابنه إدوارد لسنوات قليلة إلى مجلس لا شك أنه ذا توجهات إصلاحية، ويسيطر عليه إدوارد سيمور فذلك لسبب تكتيكي بسيط على الأرجح هو أن إدوارد سيمور بدا أنه يجهز أقوى قيادة للملكة ليضمن أن إصلاح الإنجليز سيكون متوطدا حتى في فترة حكم الابن. إلى غير ذلك من مفارقات تُلحَظ في جوانب أخَر إرثه. وهذه المفارقات ملحوظ جوانب أخرى من إرثه.
لقد أفاد هنري التعليم الإنساني، ومع ذلك فهو مسئول عن موت العديد من متحضري الإنجليز المبرزين؛ فقد كان مهتما بتأمين الخلافة على العرش الذي تركه وله ابن واحد توفي قبل السادسة عشرة وابنتين تتبعان ديانات أخرى. لقد تعاظمت قوة الدولة، ومع ذلك - على الأقل بعد موت هنري - كانت هناك طلبات من الطبقة الوسطى بمزيد من المشاركة السياسية. لقد نجح هنري جزئيا في جعل إنجلترا لاعبا رئيسيا على الساحة الأوروبية، لكنه استنزف خزينته في سبيل ذلك، إنها التركة التي ظلت قضية لملوك إنجلترا من ذلك الحين.
رجاء تابعوني ...