فجر عصر الفضاء:
عندما بدأ الناس يحلمون بالطيران فوق سطح الأرض، أدركوا أن الأجسام الموجودة في السماء يمكن أن تصبح مقصدًا للمسافرين من البشر. ففي بداية القرن السابع عشر الميلادي، أصبح عالم الفلك والرياضيات الألماني يوهانز كيبلر، أول عالم يصف السفر إلى العوالم الأخرى، كما طور أيضًا قوانين الحركة الكوكبية التي توضح مدارات الأجسام في الفضاء. انظر: كيبلر، يوهانز.
وفي عام 1687م، وصف العالم الإنجليزي السير إسحق نيوتن قوانين الحركة، ومكنت هذه القوانين العلماء من التنبؤ بأنواع مسارات الطيران المطلوبة للدوران حول الأرض، والوصول إلى العوالم الأخرى. ووصف نيوتن أيضًا كيف يمكن أن يبقى قمر صناعي ثابتًا في مداره. ويوضح قانون نيوتن الثالث، الذي ينص على أن لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويضاده في الاتجاه، كيفية عمل الصاروخ. انظر: نيوتن، السير إسحق؛ الحركة (قوانين الحركة لنيوتن).
الأحلام المبكرة للطيران في الفضاء. أدرك العلماء، خلال القرن الثامن عشر الميلادي، أن الهواء يصبح رقيقًا في الارتفاعات الشاهقة. ويعني ذلك أن الهواء قد يكون غائبًا تمامًا بين الأرض والعوالم الأخرى، وبالتالي ستصبح الأجنحة عديمة الفائدة. وقد اقترح العديد من الكتاب، ذوي الخيال الواسع، وسائل عجيبة للسفر إلى هذه العوالم.
وفي عام 1903م، أكمل كونستانتين تسيولكوفسكي، وهو مدرس روسي، أول مقالة علمية حول استخدام الصواريخ للسفر إلى الفضاء، وبعد بضع سنوات، نجح كل من روبرت هتشينجز جودارد، من الولايات المتحدة الأمريكية، وهيرمان أوبرث من ألمانيا، في إيقاظ الاهتمام العلمي برحلات الفضاء. فقد عكف هذان الرجلان اللذان كانا يعملان بصورة مستقلة، على دراسة الصعوبات التقنية في أبحاث علم الصواريخ ورحلات الفضاء. وحصل كل منهما بذلك على لقب أبو طيران الفضاء.
وفي عام 1919م، شرح جودارد كيفية استخدام الصواريخ لاستكشاف الغلاف الجوي العلوي، في مقالته طريقة للوصول إلى ارتفاعات شاهقة. وتصف المقالة أيضًا طريقة إطلاق صاروخ إلى القمر. كذلك ناقش أوبرث في كتابه الصاروخ في الفضاء بين الكوكبي (1923م)، العديد من المسائل التقنية المتعلقة بطيران الفضاء، حتى أنه وصف ما يمكن أن تكون عليه سفينة الفضاء. وكتب تسيولكوفسكي سلسلة من الدراسات الجديدة في عشرينيات القرن العشرين، اشتملت على وصف تفصيلي للصواريخ المتعددة المراحل.
خلال ثلاثينيات القرن العشرين سارت أبحاث الصواريخ إلى الأمام في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والاتحاد السوفييتي. ونجح الفريق الذي يقوده جودارد في بناء أول صاروخ يعمل بالوقود السائل في عام 1926م، على الرغم من انعدام الدعم الحكومي الأمريكي للمشروع، بينما تلقى العلماء الألمان والسوفييت اعتمادات مالية من حكوماتهم لتطوير القذائف العسكرية.
وفي عام 1942م، أثناء الحرب العالمية الثانية، طور خبراء الصواريخ الألمان بقيادة فرنهر فون براوان، القذيفة الموجهة ف-2، وأطلقت الآلاف من هذه القذائف على المدن الأوروبية، وخاصة لندن، وتسببت في دمار واسع الانتشار وفقدان للأرواح.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م، هاجر العديد من مهندسي الصواريخ الألمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للمساعدة في تطوير القذائف العسكرية. وكانت البحرية الأمريكية تعمل على تطوير الصواريخ الكبيرة مثل صاروخي إيروبي وفايكنج. وفي عام 1949م، تمكن فريق الصواريخ من بناء واختبار أول صاروخ من مرحلتين في العالم؛ حيث شكلت القذيفة ف-2 المرحلة الأولى، وصاروخ واك كوربورال المرحلة الثانية. وقد ارتفع هذا الصاروخ إلى علو 400كم.
وبحلول عام 1947م، كان الاتحاد السوفييتي قد بدأ في سرية، برنامجًا ضخمًا لتطوير الصواريخ العسكرية بعيدة المدى. وفي أربعينيات القرن العشرين، نشرت جمعية ما بين الكواكب البريطانية الصغيرة في حجمها، والقوية في تأثيرها خططًا دقيقة لمركبة الهبوط القمرية المأهولة، والبذلات الفضائية، واللقاءات المدارية، كما ركزت جمعية الصواريخ الأمريكية على هندسة القذائف. وفي عام 1950م، بدأ الاتحاد العالمي لرواد الفضاء، الحديث التكوين آنذاك، في عقد مؤتمرات سنوية.
الاقمار الصناعية الاولى:
أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في عام 1955م، خططًا لإطلاق أقمار صناعية، وعلى متنها أجهزة قياس علمية. وكان من المفترض إطلاق الأقمار الصناعية خلال السنة الجيوفيزيائية العالمية، التي تبدأ في يوليو من عام 1957م، والتي تمثل فترة للتعاون العالمي في مجال البحث العلمي. وقدم السوفييت وصفًا تفصيليًا للأجهزة الراديوية التي ستشتمل عليها أقمارهم، ولكن برنامج الصواريخ السوفييتي ظل سرًا حتى ذلك الوقت. ولذا فإن العديد من الناس في البلاد الأخرى لم يصدقوا أن السوفييت يملكون التقنية المتقدمة المطلوبة لاستكشاف الفضاء.
وفي الرابع من أكتوبر عام 1957م، أذهل السوفييت العالم بنجاحهم في الوفاء بوعدهم، وتقدمهم على الولايات المتحدة في ذلك. فقبل ستة أسابيع من ذلك التاريخ، كان صاروخ r-7 السوفييتي ذو المرحلتين قد قام بأول طيران له لمسافة 8000كم. أما في هذه المرة، فقد حمل r-7 أول قمر صناعي، وهو سبوتنيك (سمي لاحقًا سبوتنيك 1). وتعني سبوتنيك رفيق السفر باللغة الروسية. قذف صاروخ r-7 بالقمر الصناعي البالغ وزنه 83كجم بالإضافة إلى مرحلة الصاروخ الرئيسي، إلى مدار حول الأرض. وتمكن هواة الاستماع إلى الإشارات الراديوية في جميع أنحاء العالم من التقاط إشارة سبوتنيك المميزة "بيب - بيب".
سباق الفضاء. كان رد فعل العالم الغربي تجاه إطلاق سبوتنيك مزيجًا من الدهشة والخوف والاحترام. وأمر رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف بتخصيص اعتمادات مالية ضخمة لمشاريع المتابعة، التي ستستمر في إذهال وإبهار العالم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، عاهد المسؤولون أنفسهم على عمل كل ما يمكن عمله للحاق بالسوفييت. وهكذا بدأ سباق الفضاء.
وتلا ذلك المزيد من النجاحات السوفييتية. فبعد شهر من إطلاق سبوتنيك، أطلقوا قمرًا آخر أسموه سبوتنيك2، وحمل هذا الأخير ***ة سميت لايكا إلى الفضاء. وأثبتت الرحلة أن بإمكان الحيوانات أن تصمد، وتبقى حية في وجه التأثيرات المجهولة للجاذبية الصغرية. وفي عام 1959م، أصبح لونا2 أول مجس فضائي يصل إلى القمر. وفي وقت لاحق من ذلك العام، صور لونا 3 الجزء البعيد من القمر الذي لايمكن رؤيته من الأرض.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أطلقت أول قمر صناعي لها، وهو إكسبلورر 1، في يوم 31 يناير من عام 1958م. ثم أطلقت قمرها الثاني فانجارد 1، في 17 مارس عام 1958م. وكان هذان القمران والأقمار التي تلتهما، أصغر بكثير من نظيراتها السوفييتية، لأن الصواريخ التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لحمل هذه الأقمار، كانت أصغر حجمًا وأقل قوة من الصواريخ التي استخدمها الاتحاد السوفييتي. وقد أعطت هذه الصواريخ الاتحاد السوفييتي موقع الصدارة في سباق الفضاء. ولأن الرحلات المأهولة إلى القمر ستتطلب توفر صواريخ أكبر حجمًا، فقد بدأ كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية برامج ضخمة لتصميم وبناء واختبار الصواريخ.
تنظيم وإدارة أنشطة الفضاء. يكمن مفتاح فهم النجاح النهائي الذي حققته برامج الفضاء الأمريكية، في التخطيط المركزي. ففي عام 1958م، تم إنشاء وكالة مدنية للفضاء، سميت الإدارة الوطنية للطيران والفضاء (ناسا)، واستوعبت العديد من الباحثين في مجال الطيران، كما ضمت مختبرات الفضاء العسكرية. وساعد تشكيل ناسا في الوصول إلى اتفاق بين الجهات ذات المصالح المتنافسة، مثل فروع المؤسسات العسكرية، والجامعات، وصناعة الطيران والفضاء، والسياسيين.
أما بالنسبة لأنشطة الفضاء السوفييتية، فقد كان التنسيق فيما بينها يتم بوساطة لجان تنفيذية خاصة. وقد حاولت هذه اللجان الربط بين وحدات الفضاء المتعددة في كل من المؤسسة العسكرية والمؤسسة الصناعية بالإضافة إلى الخبراء والعلماء المتنافسين، ولكنها لم تنجح في تنسيق أنشطة الفضاء السوفييتية بصورة فعّالة وكافية لمواجهة التحديات المعقدة التي يتضمنها سباق الفضاء
المجسات الفضائية:
المجس الفضائي أداة غير مأهولة ترسل لاستكشاف الفضاء، وقد يعمل بعيدًا في الفضاء أو يدور حول كوكب أو قمر، أو يهبط عليهما، وقد يقوم برحلة في اتجاه واحد، أو يحضر معه إلى الأرض عينات وبيانات. وترسل معظم المجسات بيانات من الفضاء بوساطة الراديو، مستخدمة في ذلك العملية المعروفة باسم القياس عن بعد.
ويمكن تصنيف المجسات القمرية والكوكبية التي تهبط على أهدافها، وفقًا لطريقة هبوطها. فالمركبات الارتطامية لاتحاول تخفيض سرعتها عند اقترابها من الهدف. وفي مركبات الهبوط العنيف تكون أجهزة القياس موضوعة داخل رزم مبطنة تمكنها من تحمل صدمة الهبوط العنيف دون أن تتلف. وتهبط مركبات الهبوط الرفيق في سهولة ويسر. وتنغرز المركبات الاختراقية عميقًا في سطح الهدف.
كيف ينجز المجس الفضائي مهمته:
تستكشف المجسات الفضاء بعدة طرق. فالمجس الفضائي يسجل ملاحظات حول درجة الحرارة والإشعاع والأجسام الموجودة في الفضاء الخارجي، كما يسجل أيضًا ملاحظات عن الأجسام القريبة. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل المجس الفضائي على تعريض بعض المواد الأرضية لظروف الفضاء، حتى يتمكن العلماء من ملاحظة التأثيرات التي تحدث لها. وقد يجري المجس الفضائي أيضًا تجارب مثل إطلاق مواد كيميائية أو حفر التربة السطحية على البئية المحيطة به. وأخيرًا، تمكن حركة المجس، العلماء الذين يتحكمون فيه على سطح الأرض، من تحديد الظروف السائدة في الفضاء. فالتغيرات في المسار والسرعة يمكن أن توفر معلومات عن الكثافة الجوية ومجالات الجاذبية.
مركبات الاستكشاف المبكرة غير المأهولة. بدأت المعدات المعروفة باسم صواريخ السبر في حمل أجهزة قياس علمية إلى الغلاف الجوي العلوي والفضاء القريب من الأرض، منذ بداية أربعينيات القرن العشرين واكتشفت هذه الصواريخ العديد من الظواهر الجديدة، كما التقطت أول صور للأرض من الفضاء.
كان إطلاق سبوتنيك 1 في عام 1957م، بمثابة إشارة لبدء سباق الفضاء. وقد حمل سبوتنيك 1 عددًا قليلاً من أجهزة القياس وأجهزة الإرسال، ولكنه مهد الطريق للمجسات المتطورة التي ستقوم لاحقًا باستكشاف الفضاء.
وقامت العديد من الأقمار الصناعية المبكرة بسبر بعض مناطق الفضاء التي لم ترسم لها خرائط من قبل. وخلال فترة أواخر خمسينيات وستينيات القرن العشرين، أجرت سلسلة الأقمار الصناعية الأمريكية المسماة إكسبلورر والسوفييتية المسماة كوزموس، تحليلاً للبيئة الفضائية بين الأرض والقمر. وسجلت الأقمار الصناعية الأمريكية المسماة بيجاسوس اصطدامات النيازك الدقيقة. وخلال أوائل سبعينيات القرن العشرين، أجرت الأقمار الصناعية السوفييتية بروجنوز دراسات عن الشمس.
المجسات القمرية. بدأت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في إطلاق مجسات فضائية تجاه القمر في عام 1958م. وكان لونا 1، الذي أطلقه الاتحاد السوفييتي في 2 يناير عام 1959م، أول مجس فضائي يقترب من القمر، حيث مر متجاوزًا القمر على مسافة لا تتعدى نحو 6,000كم، واتخذ له مدارًا حول الشمس. واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد شهرين من ذلك التاريخ، تحقيق إنجاز مماثل بوساطة مجسها الفضائي بيونير 4. وكان أول مجس يصطدم بالقمر المجس السوفييتي لونا 2، الذي أطلق في 12 سبتمبر 1959م. وبعد شهر من ذلك التاريخ دار المجس لونا 3 خلف القمر واستطاع تصوير الجزء المحجوب منه.
بدأ الاتحاد السوفييتي في اختبار مركبات الهبوط العنيف القمرية في عام 1963م. وبعد إخفاقات عديدة، نجحوا في تحقيق ذلك بوساطة المجس لونا 9، الذي أطلق في يناير 1966م. وتمكن برنامج المجس الأمريكي سيرفيور من تحقيق سلسلة من عمليات الهبوط الرفيق الناجحة، بدءًا من عام 1966م. وخلال الفترة من عام 1970م إلى عام 1972م، تمكنت ثلاثة من المجسات السوفييتية من إحضار عينات من التربة القمرية في كبسولات صغيرة. وأرسل اثنان من هذه المجسات سيارات جيب يتم التحكم فيها عن بعد، للتجول فوق سطح القمر.
وبدءًا من عام 1966م، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية خمسة مجسات تسمى المركبات المدارية القمرية إلى المدار، لتصوير سطح القمر. وكشفت هذه المركبات عن وجود "نتوءات" من الجاذبية في مجال الجاذبية القمري، ناتجة عن مادة كثيفة مدفونة تحت البحار القمرية. وسميت هذه المناطق ذات المادة المحكمة التراص التركيزات الكتلية أو الماسكونات، وكان عدم اكتشافها سيؤثر حتمًا على مهام مركبة الفضاء أبولو التي حملت رواد الفضاء إلى القمر.
المجسات الشمسية. بدءًا من عام 1965م، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة المجسات الفضائية الصغيرة المسماة بيونير إلى مدارات حول الشمس، لدراسة الإشعاع الشمسي. ومازال العديد من هذه المجسات يعمل حتى الآن، بعد مرور عشرين عامًا على إطلاقها. وفي عامي 1974م و1976م، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مجسين من مجسات هليوس الألمانية الصنع، واللذيْن مرا داخل مدار كوكب عطارد، لقياس الإشعاع الشمسي. وأطلق المجس الفضائي يوليسيس في عام 1990م، بوساطة كل من الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة الفضاء الأوروبية، وهي منظمة مكونة من 14 قطرًا أوروبيًا. وكان من المتوقع أن يقوم المجس بملاحظة المناطق القطبية للشمس في عامي 1994م و1995م.
مجسات المريخ. أطلق الاتحاد السوفييتي في عام 1960م اثنين من المجسات الموجهة نحو كوكب آخر، وكانا موجهين نحو المريخ. ولكن لم يستطع أي من المجسين بلوغ المدار المطلوب. وبعد مزيد من الإخفاقات السوفييتية، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1964م، مجسين من مجسات مارينر في اتجاه المريخ. وقد طار المجس مارينر 4 بالقرب من المريخ في 14 يوليو 1965م، وأرسل إلى الأرض مجموعة من الصور الرائعة والقياسات، وأثبت أن الغلاف الجوي للمريخ أرق بكثير مما كان متوقعًا، وأن سطحه يشبه سطح القمر.
عام 1971م، أسقط المجس السوفييتي مارس3 أول كبسولة تهبط هبوطًا رفيقًا على المريخ، ولكنها فشلت في إرسال بيانات صالحة للاستخدام. وفي العام نفسه، وصل المجس الأمريكي مارينر 9 إلى المريخ، وصوّر معظم سطح الكوكب. كما مر المجس مارينر9 أيضًا بالقرب من قمري المريخ الصغيرين فوبوس وديموس وصورهما.
وفي عام 1976م، هبط مجسا الفضاء الأمريكيان فايكنج 1 وفايكنج2 على سطح المريخ، وظلا يعملان لعدة سنوات؛ وقاما بقياس الطقس وإجراء العديد من التجارب المعقدة بغرض الكشف عن أشكال الحياة على الكوكب، ولكنهما لم يجدا أي دليل على وجود حياة.
وفي عام 1992م، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية المجس مارس أوبزيرفر. وفي عام 1993م، فقدت ناسا الاتصال مع المجس قبل ثلاثة أيام من الموعد المحدد لدخوله في مدار حول المريخ. ولم تتمكن ناسا من استعادة الاتصال مطلقًا واعتبر المجس مفقودًا.
مجسات الزهرة. أطلق الاتحاد السوفييتي أول المجسات الموجهة نحو الزهرة في عام 1961م، ولكن محاولاته باءت بالفشل. وكان المجس الأمريكي مارينر2 أول مجس ناجح يطير متجاوزًا الزهرة ويرسل بيانات إلى الأرض، وذلك في 14 ديسمبر 1962م. ومر مارينر 5 بالقرب من الزهرة في عام 1967م، وأرسل بيانات مهمة. وطار مارينر 10 متجاوزًا الزهرة، ومر ثلاث مرات بالقرب من عطارد، في عامي 1974م و1975م.
وأخيرًا نجحت محاولات السوفييت في الحصول على بيانات من كوكب الزهرة في عام 1967م، عندما أسقط فينيرا 4 مجسًا بوساطة مظلة، وأرسل بيانات من الغلاف الجوي المفرط الكثافة للكوكب. وفي عام 1970م، وصل المجس فينيرا 7 إلى سطح الزهرة، دون أن يصاب بعطب.
وأثناء الفترة من عام 1975م إلى عام 1985م، هبطت العديد من المجسات الأخرى على سطح الكوكب وسجلت ملاحظات لفترات بلغت في مجموعها 110 دقيقة، قبل أن تدمرها الحرارة والضغط. وفي عام 1978م أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مجسين إلى الزهرة هما بيونير فينوس 1 و2. وقد أرسل بيونير فينوس 1 للتحليق في مدار حول الزهرة، بينما أسقط بيونير فينوس 2 أربعة مجسات في الغلاف الجوي للكوكب.
استطاعت المجسات التي اتخذت لها مدارًا حول الزهرة، إنتاج خرائط تقريبية لسطح الكوكب بوساطة الموجات الراديوية المرتدة عن الأرض. واستخدم بيونير فينوس 1 الرادار لرسم خرائط لمعظم سطح الكوكب، بدرجة وضوح بلغت 80كم. ويعني ذلك أن الأشياء التي تفصل بينها مسافة 80كم على الأقل، تظهر بوضوح على الخريطة. وفي عام 1983م، حمل مجسان سوفييتيان أنظمة رادار تمكنت من رسم خرائط لمعظم نصف الكرة الشمالي لكوكب الزهرة، بدرجة وضوح بلغت 1,5كم. وفي عام 1990م، وصل المجس الأمريكي ماجلان إلى الزهرة واستطاع رسم خرائط لسطح الكوكب بأكمله تقريبًا، بدرجة وضوح بلغت 100 متر
- المجس الفضائى فوياجير 2 -
المشتري وما بعده. ينبغي للمجسات الموجهة للكواكب الموجودة في الفضاء الخارجي، مثل المشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو، مواجهة بعض التحديات الخاصة والتغلب عليها. فأحزمة الإشعاع الموجودة بالقرب من المشتري تتميز بدرجة عالية من الكثافة، مما يستوجب حماية الدوائر الكهربائية للحاسوب. ويتطلب الضوء الخافت للشمس عند هذه الكواكب، فترات تعريض طويلة لآلات التصوير. وتعني المسافات الشاسعة إلى هذه الكواكب، أن الأوامر الراديوية سوف تستغرق عدة ساعات للوصول إلى المجسات.
أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أولى مجساتها الموجهة للمشتري، وهما بيونير10 و بيونير11، في عامي 1972م و1973م. وبعد الانتهاء من ملاحظة المشتري، أعيد توجيه بيونير11 إلى كوكب زحل، حيث وصل إلى هناك في عام 1979م. وأعيدت تسميته ليصبح بيونير ساتورن. وخلال الفترة بين عامي 1979م و1981م، وفّرت مجسات فويجر المتطورة بيانات أكثر تفصيلاً عن المشتري وزحل. وقد استمرت هذه المجسات في استكشاف الفضاء، حيث طار المجس فويجر2 متجاوزًا أورانوس في يناير 1986م، ونبتون في أغسطس 1989م. وأرسلت المجسات صورًا رائعة للكواكب البعيدة وحلقاتها وأقمارها، كما سجلت كميات ضخمة من البيانات العلمية، واكتشفت براكين نشطة على لو، أحد أقمار المشتري، وحمات (ينابيع حارة) على تريتون، أحد أقمار نبتون. وأظهرت الأقمار الأخرى تشكيلات غريبة من الجليد والصخور.
كان المجس الفضائي جاليليو، الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية في مهمة إلى المشتري عام 1989م، أكثر تطورًا من المجسات الكوكبية المبكرة الأخرى. وقد تكون من جزءين ـ مجس للغلاف الجوي، ومركبة فضاء مدارية أكبر حجمًا. وصل جاليليو إلى المشتري عام 1995م. وبحلول عام 1989م، كان الكوكب الوحيد الذي لم تتم زيارته بعد هو بلوتو.
المجسات الموجهة إلى المذنبات. طار مجسان سوفييتيان بالقرب من الزهرة، وأسقطا أجهزة قياس علمية في الغلاف الجوي للكوكب، ثم اعترضا مذنب هالي أثناء مروره بالقرب من الشمس، في عام 1986م. وفي عام 1985م، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية أول مجساتها بين الكوكبية. وقد مر المجس، الذي أطلق عليه اسم جيوتو، مقتربًا من نواة المذنب على نحو لم يحققه أي مجس آخر، وأرسل صورًا مثيرة مأخوذة عن قرب للمذنب. وأطلقت اليابان أيضًا مجسين صغيرين. وبعد توقف عن العمل لسنوات عديدة، أعيد تنشيط جيوتو مرة أخرى ليطير متجاوزًا المذنب جريج ـ سكجيلرب في يوليو 1992م.
لم ترسل الولايات المتحدة الأمريكية مجسًا إلى المذنب هالي بسبب العجز في الميزانية. ومع ذلك، أدرك العلماء في ناسا أنه يمكن تحويل أحد المجسات الصغيرة الموجودة في الفضاء، لاستشكاف مذنب آخر. فقد كان القمر الصناعي المسمى المستكشف العالمي الثالث للشمس والأرض، قد أمضى سنوات عديدة في الفضاء بين الأرض والشمس. وفي عام 1983م، تم تحويل مساره إلى الفضاء بين الكوكبي، وأعيدت تسميته ليصبح اسمه مستكشف المذنبات العالمي. وفي 11 سبتمبر 1985م، مر متجاوزًا المذنب المسمى جياكوبيني ـ زينر، وأصبح أول مجس يصل إلى أحد المذنبات.
الناس فى الفضاء:
في عام 1958م، بدأ العلماء في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في بذل جهود جادة لتصميم مركبة فضائية يكون بمقدورها حمل البشر. وقد اختار كلا البلدين تطوير كبسولة بدون أجنحة توضع في أعلى مركبة إطلاق مكونة من صاروخ معدل بعيد المدى.
تسبب احتمال سفر الناس إلى الفضاء، في الكثير من القلق لدى العلماء. فقد أظهرت الاختبارات التي أجريت على الحيوانات أن السفر في الفضاء قد لا يشتمل على أي مخاطر بدنية، لكن كانت هناك هموم جدية تتعلق بالمخاطر النفسية المحتملة. وكان بعض الخبراء يخشى أن تؤدي الضغوط الناتجة عن الإطلاق والطيران والهبوط إلى إصابة المسافرين في الفضاء بالرعب أو الإغماء.
فوستوك وميركوري : أول الناس في الفضاء: تمثلت الجهود الأولى لإرسال إنسان إلى الفضاء في برنامج مركبة الفضاء السوفييتية فوستوك (الشرق) ومركبة الفضاء الأمريكية ميركوري. وقد بلغ وزن الكبسولة فوستوك نحو 4,500كجم، وكان من المقرر إرسالها إلى المدار على متن قذيفة r-7 معدلة. وتكونت الكبسولة من قمرة قيادة كروية الشكل ومركبة خدمة أسطوانية، وهي الجزء الذي يحتوي على نظام الدفع. وزودت المركبة بمقعد قذفي ليوفر وسيلة نجاة لرائد الفضاء في حالة وقوع حادث مؤسف أثناء الإطلاق. وتميز نظام دعم الحياة داخل المركبة باستخدام مزيج من الأكسجين والنيتروجين، مماثل لما هو موجود في الجو عند مستوى سطح البحر.
وبلغ وزن الكبسولة الأمريكية ميركوري نحو 1,360كجم، وكان من المقرر إرسالها إلى الفضاء على متن صاروخ ردستون أو صاروخ أطلس. وزودت الكبسولة المخروطية الشكل، بمظلات للهبوط في المحيط، حيث توفر المياه وسيلة إضافية لامتصاص الصدمة. وتميز نظام دعم الحياة داخل المركبة باستخدام الأكسجين النقي عند درجة ضغط منخفضة. وفي حالة تعرض المعزز لعطل أثناء الإطلاق، تنفصل الكبسولة وبداخلها رائد الفضاء بوساطة صاروخ يعمل بالوقود الصلب، ملحق بمقدمة الكبسولة.
أحيط البرنامج السوفييتي بقدر كبير من السرية مقارنة بالبرنامج الأمريكي. وقد أطلق البلدان مركبات فضائية مدارية غير مأهولة، بغرض الاختبار، في عامي 1960م و1961م، وتعرضت الصواريخ المستخدمة في إطلاق بعضها للإخفاق. وأرسل البلدان أيضًا حيوانات إلى الفضاء خلال هذه الفترة، كان من ضمنها الشمبانزي هام، الذي طار لمدة 18 دقيقة داخل إحدى كبسولات ميركوري في 31 يناير 1961م.
وحدثت أول وفاة في برنامج الرحلات المأهولة، في 23 مارس 1961م، عندما احترق رائد الفضاء السوفييتي المتدرب فالنتين بوندارينكو، في الحريق الذي شب في غرفة الضغط. وقد تكتم المسؤولون السوفييت على هذه الحادثة.
وكان أول إنسان يرسل إلى الفضاء هو الطيار بالقوات الجوية السوفييتية يوري جاجارين، الذي تم إطلاقه على مركبة الفضاء فوستوك (سميت لاحقًا فوستوك 1) في 12 أبريل 1961م. وقد دار جاجارين دورة واحدة حول الأرض في 108 دقائق وعاد سالمًا. وكانت المركبة الفضائية تدار بربان آلي خلال الرحلة بأكملها. وتبع ذلك رحلة رائد الفضاء غيرمان تيتوف على متن فوستوك2، في أغسطس من ذلك العام، والتي دار فيها 17 مرة حول الأرض، في 25 ساعة.
وأطلق برنامج ميركوري أولى رحلاته المأهولة في 5 مايو 1961م، عندما قذف أحد صواريخ ردستون رائد الفضاء ألن شبرد الأصغر إلى الفضاء في كبسولة سماها شبرد فريدم 7. وقد طار شبرد لمدة 15 دقيقة في مهمة تحت مدارية، أي مهمة لم تبلغ السرعة والعلو المطلوبين للدوران حول الأرض.
وكادت الرحلة تحت المدارية التي قام بها رائد الفضاء فيرجيل جريسوم في 21 يوليو 1961م، أن تنتهي على نحو مأساوي، عندما فُتح جانب الكبسولة ميركوري قبل الأوان، بمجرد هبوطها في المحيط الأطلسي، وامتلأت المركبة سريعًا بالماء، ولكن جريسوم تمكن من السباحة ناجيًا بنفسه.
وفي 20 فبراير 1962م، أصبح رائد الفضاء جون جلين، أول أمريكي يدور حول الأرض، حيث أكمل ثلاث دورات في أقل من خمس ساعات، واستطاع توجيه كبسولته في اتجاهات مختلفة، واختبر العديد من الأنظمة، كما قام بملاحظة الأرض.
وبعد ثلاثة أشهر، قام رائد الفضاء سكوت كاربنتر بتكرار مهمة جلين، حيث أكمل مهمة من ثلاث دورات حول الأرض. ساعدت المهمة التي قام بها رائد الفضاء والتر شيرا في أكتوبر 1962م ـ ودار فيها حول الأرض ست مرات ـ في توسيع مجالات اختبار المركبة. وكانت آخر مهمة لميركوري في مايو 1963م، وكان على متنها رائد الفضاء جوردون كوبر، واستغرقت الرحلة يومًا ونصف اليوم.
واستمر الاتحاد السوفييتي خلال نفس الفترة في إطلاق مركباته من طراز فوستوك، في مهام علمية. ففي أغسطس 1962م، أقلعت فوستوك3 و فوستوك4، بفارق يوم واحد، ومرتا متجاورتين في الفضاء. وأطلق الاتحاد السوفييتي أيضًا كبسولتين أخريين هما فوستوك5 وفوستوك6، في يونيو 1963م. وقضى أحد الرواد ما يقارب الخمسة أيام في المدار، مسجلاً بذلك رقمًا قياسيًا جديدًا، أما فالنتينا ترشكوفا، فهي أول امرأة تطير في الفضاء.
ف***ود وجميني: الرحلات الفضائية المتعددة الأفراد. أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1961م، عن برنامج جميني الذي سيتم بموجبه إرسال اثنين من الرواد إلى الفضاء في نسخة مكبرة من الكبسولة ميركوري. ودفع هذا الإعلان، المخططين السوفييت إلى تعديل الكبسولة فوستوك بحيث أصبحت تتسع لثلاثة رواد كحد أقصى. وكانت الضغوط السياسية للتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية قوية جدًا إلى الحد الذي دفعت فيه المهندسين السوفييت إلى التضحية ببعض تدابير السلامة مثل المقاعد القذفية، عند توسيع الكبسولة.
أُطلقت الكبسولة ف***ود (الشروق) (سميت لاحقًا ف***ود 1)، وهي أول كبسولة فضائية متعددة الأفراد في العالم، في 12 أكتوبر 1964م، حيث أمضى رواد الفضاء الثلاثة، فلاديمير كوماروف، وكونستنتاين فيوكتيستوف، وبوريس يجوروف، 24 ساعة في المدار. وأصبحوا أول رواد فضاء يهبطون على الأرض داخل كبسولتهم، بدلاً من الهبوط في المحيط.
وفي مارس 1965م، خرج رائد الفضاء ألكسي ليونوف عبر مسد هوائي قابل للنفخ ملحق بالمركبة ف***ود 2، ليصبح أول إنسان يمشي في الفضاء. وبعد تعطل الربان الآلي للكبسولة، اضطر ليونوف وبافل بلياييف إلى توجيهها للهبوط يدويًا. وأخطأ رائدا الفضاء في الاستدلال على منطقة الهبوط المقررة سلفًا وهبطا في غابة معزولة، مما اضطرهما إلى مقاومة الذئاب الجائعة، حتى وصلتهم فرق الإنقاذ في اليوم التالي.
وأُطلقت جميني 3، وهي أول رحلة مأهولة ضمن برنامج جميني، في 23 مارس 1965م. وقد استخدم رائدا الفضاء جريسوم وجون يونج صواريخ المناورة الخاصة بالكبسولة لتعديل مسارها في الفضاء. ومع إطلاق مركبة الفضاء جميني 4 في 3 يونيو 1965م، أصبح رائد الفضاء إدوارد وايت أول أمريكي يمشي في الفضاء. وأمضى رواد الفضاء الذين كانوا على متن جميني 5، التي أطلقت في 21 أغسطس من عام 1965م، قرابة ثمانية أيام في الفضاء، وهو رقم قياسي تم تحقيقه بفضل استخدام خلايا الوقود لتوليد الكهرباء.
وكان المقصود من إطلاق جميني 6 ـ في الأساس ـ الالتحام مع صاروخ أجنا الذي أطلق في الفضاء قبل ساعات قليلة من إطلاق المركبة. ولكن بعد فقدان صاروخ أجنا غير المأهول بسبب إخفاق المعزز، ضمت ناسا رحلة جميني 6 إلى رحلة جميني 7 المقرة سلفًا، والبالغة مدتها 14 يومًا. وقد أطلقت جميني 7، حسب ماهو مخطط لها، في 4 ديسمبر 1965م، وأقلعت جميني 6 بعد 11 يومًا من هذا التاريخ. وفي غضون ساعات، تمكن رائدا الفضاء شيرا وتوماس ستافورد من تحريك مركبتهما، لتصبح في حدود 30 سنتيمترًا من جميني 7 وطاقمها المكون من فرانك بورمان وجيمس لوفل الأصغر. ودارت المركبتان معًا حول الأرض لعدة ساعات قبل أن تفترقا.
وفي 16 مارس 1966م، أكملت جميني 8 أول عملية التحام بين مركبتين فضائيتين في العالم، عندما التحمت مع صاروخ أجنا في الفضاء. وقد تعرضت المركبة الفضائية لارتجاج عنيف، ولكن الرائدان نيل آرمسترونج وديفيد سكوت تمكنا من إعادة السيطرة عليها، والهبوط بها اضطراريًا في غرب المحيط الهادئ.
تم إجراء المزيد من الاختبارات على الالتحام والنشاط خارج المركبة على رحلات جميني الأربع المتبقية. واكتسب رواد الفضاء ومراقبو الرحلات خبرات حيوية من هذه الرحلات، استعدادًا للتحديات الكبيرة المتمثلة في الرحلات القمرية المأهولة.
نموذج مقلَّد لمركبة أبولّو القيادية. ويظهر رائدا الفضاء وليم أ. أندرز (إلى اليسار) وجيمس لوفل (إلى اليمين) يتمرنان للطيران حول القمر
نموذج مقلَّد لمركبة أبولّو القمرية. رائد الفضاء نيل أرمسترونج يتمرن على الهبوط على القمر. شكلت هذه النماذج المقلدة جزءًا مهما من التحضير للرحلة.
أبولو: مهمة إلى القمر
ساد السباق للوصول إلى القمر، سباق الفضاء في ستينيات القرن العشرين. وفي عام 1961م، دعا الرئيس جون كنيدي، في خطاب أمام الكونجرس، إلى التزام الولايات المتحدة الأمريكية "بإنزال رجل على القمر وإعادته سالمًا إلى الأرض" قبل انقضاء عقد الستينيات. وكان الهدف من ذلك إثبات التفوق الأمريكي في مجال العلم والهندسة والإدارة والقيادة السياسية.
درست ناسا العديد من المقترحات المتعلقة بإرسال رحلة مأهولة إلى القمر، ووقع اختيارها على خطة تقوم فيها عربة تسمى مركبة القيادة/ الخدمة بالدوران حول القمر، دون الهبوط عليه. وعوضًا عن ذلك، ستقوم مركبة خاصة تسمى المركبة القمرية بحمل اثنين من رواد الفضاء إلى سطح القمر. وعندما ينتهي الرائدان من مهمتهما، ستقلع بهما المركبة القمرية عائدة إلى مركبة القيادة/ الخدمة الموجودة في المدار القمري. وقد وفرت هذه العملية المعقدة التي أطلق عليها اسم اللقاء المداري القمري كميات ضخمة من وقود الصواريخ، عن طريق الامتناع عن جعل مركبة القيادة/ الخدمة، الثقيلة الوزن، تهبط على سطح القمر ثم تقلع عائدة إلى الفضاء مرة أخرى. واحتاجت المهمة بأكملها صاروخًا واحد من طراز ساتورن 5. وفي عام 1962م، أصبح اللقاء المداري القمري الإستراتيجية الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية. وعندما قررت الحكومة السوفييتية سرًا، محاولة الوصول إلى القمر قبل الولايات المتحدة الأمريكية، اختارت الإستراتيجية نفسها.
التجهيز للرحلة. تعرض برنامج الفضاء الأمريكي لكارثة أليمة يوم 27 يناير 1967م، أثناء الاستعدادات لإطلاق أول رحلة مأهولة من رحلات أبولو. فقد توفي ثلاثة رواد، هم: جريسوم ووايت وروجر تشافي، عندما اندلعت النار فجأة داخل مركبة القيادة المحكمة الإغلاق، أثناء فحص أرضي. وربما بدأ الحريق نتيجة لقصر في إحدى الدوائر الكهربائية. وساعد الأكسجين النقي على اشتعال النار بضراوة.
وبعد ذلك بشهور قليلة تعرض البرنامج الفضائى السوفييتي أيضًا لكارثة. فقد أطلق السوفييت الكبسولة سويوز (الوحدة) 1، وعلى متنها رائد واحد. وكان مفترضًا أن ترتبط بها سفينة فضائية أخرى مأهولة، ولكن سويوز 1 عانت من مشاكل، ولذا فإن السفينة الأخرى لم تطلق. وقد أمر طاقم القيادة الأرضية الكبسولة بالعودة إلى الأرض، ولكن فشلاً في البراشوت (مظلة الهبوط) أدى إلى سقوطها على الأرض، ومقتل رائد الفضاء كوماروف.
وبينما كانت مركبة القيادة/ الخدمة لأبولو والكبسولة سويوز تخضعان لإعادة التصميم، كانت اختبارات أخرى تجري حسب الخطة. فقد نجحت عملية الإطلاق الأمريكية غير المأهولة لمعزز ساتورن 5 الأول، والتي أجريت في 9 نوفمبر 1967م. وفي أوائل عام 1968م أرسلت مركبة قمرية غير مأهولة إلى المدار، حيث أجرت اختبارات على محركاتها.
الدوران حول القمر. بحلول أواخر عام 1968م، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أنجزت عملية إعادة تصميم مركبة القيادة/ الخدمة لأبولو، كما استطاع المهندسون التغلب على المشاكل التقنية المرتبطة بصواريخ ساتورن 5. ولكن إنجاز المركبة القمرية تأخر كثيرًا عن الموعد المحدد.
كان لدى المسؤولين في ناسا معلومات عن الاستعدادات السوفييتية لإطلاق مركبة قمرية مأهولة. وشجع اكتمال إعداد مركبة القيادة/ الخدمة ومعزز ساتورن هؤلاء المسؤولين على اتخاذ قرار إطلاق مركبة مأهولة لتدور حول القمر دون مركبة قمرية. وقد هدفت الرحلة إلى اختبار الملاحة والاتصال حول القمر، وتوفير التدريب الجيد لكل من الرواد وطاقم القيادة الأرضي. وبالإضافة إلى ذلك، هدفت الرحلة إلى منع السوفييت من استباق رحلة الهبوط على القمر برحلة مأهولة بسيطة تدور حول القمر.
انطلقت المركبة أبولو 8، في أول رحلة مأهولة إلى القمر، من مركز كنيدي الفضائي في كيب كنفرال بفلوريدا، في 21 ديسمبر 1968م. وقد احتشد مئات الآلاف من الناس في الشواطئ المجاورة، لمشاهدة انطلاق المركبة التي أقلت الرواد بورمان ولوفيل ووليم أنورز. وبعد ثلاثة أيام أطلق الطاقم صاروخًا محمولاً لتغيير المسار والدخول في مدار دائري حول القمر. وبعد تدوين الملاحظات وأخذ صور فوتوغرافية عاد الرواد إلى الأرض، حيث هبطت المركبة بسلام في المحيط الهادئ، بالقرب من هاواي، في 27 ديسمبر.
أطلقت ناسا رحلتين إضافيتين اختباريتين للتأكد من سلامة المركبة القمرية وكفاءتها. فقد أجرى طاقم أبولو 9 اختبارًا على المركبة القمرية في مدار منخفض حول الأرض، بينما أجرى طاقم أبولو 10 اختباره على المركبة في مدار قمري.
الهبوط على القمر. كانت بعثة أبولو 11 أول بعثة تهبط على القمر، حيث انطلقت المركبة في 16 يوليو 1969م، وعليها ثلاثة رواد هم نيل أرمسترونج وإدوين ألدرين الابن ومايكل كولنز.
حملت أول مرحلتين لساتورن 5 المركبة الفضائية إلى ارتفاع 185كم، حيث بلغت سرعتها 24,800كم في الساعة، أي أقل من السرعة الاتجاهية للمدار بقليل. وبعد ذلك بقليل استأنفت المرحلة الثالثة عملها لدفع المركبة إلى السرعة المطلوبة، ثم وقفت في الوقت الذي كانت المركبة فيه تأخذ طريقها في المدار. وعندئذ أجرى الرواد فحصًا على المركبة الفضائية، وخططوا مسار الرحلة إلى القمر، ثم أديرت المرحلة الثالثة مرة أخرى لرفع السرعة إلى 39,100كم في الساعة، وهي السرعة الكافية لدفع المركبة خارج نطاق الجاذبية الأرضية. وفي الطريق إلى القمر فصل الرواد مركبة القيادة ـ الخدمة عن صاروخ ساتورن وأداروها ثم لحموها مع المركبة القمرية، التي كانت ماتزال ملتصقة بساتورن. وبعد ذلك انفصلت المركبتان الملتحمتان عن ساتورن.
استمر طيران أبولو 11 نحو القمر لفترة ثلاثة أيام. وقد ظلت الجاذبية الأرضية تشد المركبة بقوة، مقللة بذلك سرعتها، ولكن مع ابتعاد المركبة الفضائية عن الأرض، كانت قوة الجاذبية الأرضية تقل بالتدريج. وفي الوقت الذي بلغ فيه ارتفاع المركبة عن الأرض 346,000كم، كانت سرعة المركبة قد انخفضت إلى 3,200كم في الساعة. ولكن جاذبية القمر بدأت تشد المركبة إليه بعد ذلك، مما أدى إلى أن تستعيد المركبة سرعتها بالتدريج.
كانت رحلة أبولو 11 تهدف إلى المرور مباشرة خلف القمر. ولكن المركبة كانت تطير بسرعة عالية، بحيث لم تستطع جاذبية القمر الضعيفة الإمساك بها. وقد تطلب وضع المركبة في مدار قمري منخفض حرقًا صاروخيًا كابحًا.
وبعد الدخول في المدار القمري فحص الرواد المركبة القمرية، وهي مركبة زودت بمرحلة هبوط تتصل بها أربع أرجل، وتحتوي على المحرك وخزانات وقود للهبوط. واشتملت المركبة القمرية أيضًا على مرحلة صعود على السطح، احتوت على كابينة طاقم صغيرة ومحرك صغير لإطلاق الرواد مرة أخرى إلى الفضاء. واحتوت غوالق عند قاعدة المركبة القمرية على المعدات الاستكشافية والعلمية.
فصل أرمسترونج وألدرين المركبة القمرية عن مركبة القيادة/ الخدمة، وشغَّلا مرحلة هبوط المركبة القمرية، وبدآ مناروات الهبوط. استخدم الرائدان صواريخ المركبة القمرية لكبح المركبة، وذلك لانعدام غلاف جوي يبطئ الهبوط. وبقي كولنز في مركبة القيادة/ الخدمة، في المدار القمري.
ولمساعدة طاقم المراقبة الأرضية على التمييز بين الإشارات الصوتية الصادرة عن مركبة القيادة/ الخدمة والإشارات الصادرة عن المركبة القمرية، استخدم الرواد إشارات نداء مختلفة لكل من المركبتين، حيث أطلقوا على مركبة القيادة/ الخدمة اسم كولومبيا، وعلى المركبة القمرية اسم إيجل، أي العقاب ( الصقر).
تحكم حاسوب المركبة القمرية في كل مناورات الهبوط، ولكن كان بإمكان قائد المركبة تجاوز الحاسوب في حالة حدوث أي شيء غير متوقع. ولكي تستقر المركبة على سطح القمر، نظر أرمسترونج خارج النافذة، واختار موقع الهبوط. وعندما أصبحت المركبة القمرية على ارتفاع 1,5متر، فوق سطح القمر، امتدت مجسات من أرجل المركبة إلى أسفل، معطية إشارات. ثم توقف المحرك، وهبطت المركبة القمرية فوق منخفض يسمى بحر السكون، في 20 يوليو 1969م. وعندئذ أرسل ألدرين تقريرًا موجزًا عن وضع المركبة، وبعد فترة وجيزة أطلق أرمسترونج عبارته الشهيرة "هيوستون، بحر السكون الآن، لقد هبطت إيجل".
استكشاف القمر. بعد هبوط المركبة القمرية مباشرة أجرى الرواد فحصًا شاملاً للتأكد من أن عملية الهبوط لم ينتج عنها كسر أي معدات، ثم استعدوا للخروج.
كان آرمسترونج وألدرين يلبسان الأطقم الفضائية أثناء الهبوط. وللحصول على الهواء، وصَّلا خراطيم هواء من جهاز إمداد في الكابينة إلى وحدتيهما الظهريتين، ونقلا الهواء من الكابينة، وفتحا كوة صغيرة تحت نافذتيهما الأماميتين. زحف آرمسترونج إلى الخلف، عبر الكوة، وتلاه ألدرين، وهبطا على سلم مثبت على أرجل المركبة القمرية، فوق منصة واسعة عند قاعدة أرجل المركبة.
وأرسلت آلة تصوير تلفزيونية مثبتة بجانب المركبة القمرية صورًا مشوشة للرائدين إلى الأرض. وخطا آرمسترونج خطوته الأولى من المنصة فوق سطح القمر، وقال: "هذه خطوة واحدة صغيرة لرجل، ولكنها قفزة عملاقة للبشرية".
ولم يجد الرائدان صعوبة في التكيف مع جاذبية القمر الضعيفة. وأخذا عينات من الصخور والتربة بعد أن صورا مواقعها قبل أخذها. كذلك وضع الرائدان معدات علمية أوتوماتية على سطح القمر. وفي أثناء ذلك كان كولنز يدون ملاحظات علمية متنوعة، ويلتقط صورًا، من مركبة القيادة ـ الخدمة.