الخشوع الواجب وصفة الصلاة
قال الله سبحانه وتعالى
} واستعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلاَّ على الخاشعين {
والخشوع الواجب هو: (( خشوع القلب وخضوعه وذلّه وان**اره لله ربّ العالَمين، ويصاحبه الإجلال والتعظيم والخوف والمهابة والحبّ والتقدير والحياء منه سبحانه جلّ جلاله، والاعتراف بنعمته وعظيم فضله وتقصيرك في حقّه )) وهو حال القلوب المؤمنة دائمًا، وفي الصلاة يكون أقوَى.
ومِن عوامل تربية الخشوع في القلب؛ قراءة معناه وصورته السابق ذِكْرها والتفكّر فيها عند كلّ صلاة حتَّى تتشبّه بها
واحرص على هذه الأسباب
1- إدراك عِظَم شأن الصلاة وخطورة التفريط والإخلال بها، وإدراك حقارة الدنيا وخطورة الاهتمام بها، راجع (اليقين) و(الوهن والهموم).
2- أن تعلَم أنّك تناجي ربّك {إنَّ أحدكم إذا قام يصلِّي إنَّما يناجي ربّه فلْينظر كيف يناجيه}(صحيح الجامع) صلّ {كأنَّك تراه فإن كنت لا تراه فإنَّه يراك}(صحيح الجامع).
3- تذكّر الموت {صلّ صلاة مودِّع}(صحيح الجامع) صلاة من يظنّ أنَّها آخر صلاة.
4- الصلاة كما أمَر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي}(صحيح البخاري).
5- الاستعاذة بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، في بداية الصلاة وإذا شرَد الذهن خارج الصلاة؛ } وإمَّا ينزغنَّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميعٌ عليم {.
6- تدبُّر الآيات والأدعية والأذكار والتفكُّر فيها وقراءتها ببطء وبصوتٍ خاشع، وقبل ذلك تعلّم معانيها.
7- التقوَى والإكثار من التوبة والاستغفار الصادق، فإنَّ الذنوب هي سبب كلّ مصيبةٍ وضعفٍ ونقص، انظر كتاب (حقيقة التقوَى وفضائلها وتربيتها في القلوب) وفيه تجد أيضًا أقوَى عوامل تربية الخشوع في القلب، وهي ذاتها عوامل تربية الإيمان والتقوَى والخوف من الله عزَّ وجلّ.
8- الصلاة إلى سترة تكفّ بصرك عمّا وراءها، ولك أن تغمض عينيك عند الحاجة إذا كان أمامك ما يشغلك، ويُكره إغماضهما فيما عدَى ذلك.
9- إزالة المشاغل والابتعاد عنها.
10- الاستعاذة بالله من قلبٍ لا يخشع.
11- السواك.
واحذر موانع الخشوع وهي؛
الجهل بالله وحقّه - والغرور - والفسوق - والكِبر
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي}(صحيح البخاري) وقد نَقَلَ لنا صحابته الكرام y صفة صلاته فاسأل عنها وتعلَّمها وتدرَّب عليها باستمرارٍ حتَّى تتقنها، فهي عمود الإسلام الذي لا يقوم إلاّ به، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته لا يتمّ ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها}(صحيح الجامع) {إنَّ أوَّل ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإنْ صلحت فقد أفلح وأنجح، وإنْ فسدت فقد خاب وخسر}(صحيح الجامع) {إنَّ الرجل لَينصرف وما كُتب له إلاَّ عُشر صلاته تُسعها ثُمنها سُبعها سُدسها خُمسها رُبعها ثُلثها نصفها} (صحيح الجامع) وممَّا جاءنا عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الصلاة قوله: {يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود}(صحيح الجامع وابن خزيمة) وإقامة الصلب أو الظهر هي استقامته، وقوله: {أعطوا كلَّ سورةٍ حظَّها من الركوع والسجود}(صحَّحه الألباني والأرنؤوط) وذلك بأن يكون الركوع قريبًا من القيام، والسجود قريبًا من القيام كما كان فِعْله صلى الله عليه وسلم، وليس للمسلم من صلاته إلاَّ ما وعاه قلبه وحضر فيه ذهنه، فحافِظ على صلاتك كما تحافظ على نفسك وحياتك أو أشدّ محافظة.
وهذه صفة الصلاة مختصرة
1- قِفْ الوقفة الصحيحة المستقيمة بحيث لو التصقت بجدارٍ من الخلف لَلَمِس منك عَقِب القدم والمقعدة وأعلى الظهر، وطأطئ رأسك دون مبالغة، واجعل بصرك في موضع سجودك أو أمامك ولا ترفعه إلى السماء، والكتفان مسترخيتان، والقدمان متباعدتان تباعد الكتفين ومتجهتان إلى القبلة، واعلم أنّك مقبلٌ على الملك العظيم سبحانه وتعالى فَقِفْ خاشعًا خائفًا منه راجيًا رحمته شاكرًا نعمته، وَضَعْ في قلبك قصدك من هذه الصلاة؛ أَهُو أداء صلاة العصر أو سنَّة الفجر أو نفلاً عامًّا أو غير ذلك، ثمَّ ارفع يديك متراصَّة الأصابع مبسوطة حذو كتفيك أو أذنيك (كحالهما في السجود) مباعدًا مرفقيك عن صدرك، والكفّ متّجهٌ إلى القبلة، وقُلْ {الله أكبر} تكبيرة الإحرام، ثمَّ ضَعْ اليمنَى أو اقبض بها على اليسرَى على صدرك، ثمَّ قُلْ دعاء الاستفتاح: {سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك} أو {الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرةً وأصيلا} ثمَّ قُلْ {أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم مِن هَمْزِهِ ونَفْخِهِ ونَفْثِه}.
2- ثمَّ قُلْ } بسم الله الرحمن الرحيم { واقرأ الفاتحة متدبِّرًا معانيها، ثمَّ اقرأ ما تيسَّر لك من القرآن، والأفضل سورة الإخلاص. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتِّل القرآن ترتيلا (لا يسرع أو يستعجل فيه، بل يُخرج حروفه واضحةً حرفًا حرفا) ويمدّ قراءته ويقِف عند كلّ آية ولا يصِلها بما بعدها، والجهر والإسرار في ذلك سواءٌ فانتبه، وقال صلى الله عليه وسلم: {زيِّنوا القرآن بأصواتكم}(صحيح ابن خزيمة) {ليس منَّا من لم يتغَنَّ بالقرآن}(صحيح البخاري) {إنَّ من أحسن الناس صوتًا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنَّه يخشَى الله}(صحيح الجامع) ولا شكّ أنَّ لهذا أثره في تربية الخوف من الله تعالى، وللترتيل وتحسين الصوت في القراءة أيضًا أثره القويّ في حضور القلب والتأثير النفسي والفكري، وبالتالي عمق التربية العقلية، انظر (الحالة الفكرية) في كتاب (طريق العافية).
3- ثمَّ ارفع يديك (كما في تكبيرة الإحرام) واركع مكبِّرًا خاضعًا معظِّمًا لله تعالى ممدود (مبسوط مستوي مستقيم) الظهر {لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود}(صحيح الجامع) وضَعْ يديك على ركبتيك كالقابض عليهما مباعدًا مرفقيك عن جنبيك دون إيذاء جارك إذا كنتَ في جماعة، والرأس مرتفع قليلاً بحيث لو وضعنا لوحًا مستقيمًا لَلَمس الرأس وطول الظهر وكان موازيًا للأرض، ثمَّ قُلْ {سبحان ربِّي العظيم وبحمده} مرَّةً أو أكثر، واجعل ركوعك قريبًا من قيامك بحيث يمكنك أن تقرأ أكثر ما قرأت في قيامك، وأَكثِرْ فيه من تعظيم الربّ سبحانه وتعالى ومِن ذلك {سبُّوح قدُّوس ربّ الملائكة والروح} {سبحان ذي الجبَروت والملَكُوت والكبرياء والعَظَمَة}.
4- ارفع رأسك قائلاً {سمع الله لمن حمده} حتَّى تستقيم واقفًا رافعًا يديك {لا ينظر الله عزّ وجلّ إلى صلاة عبدٍ لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها}(صحَّحه الألباني في مشكاة المصابيح) ثمَّ ضَعْ يديك على صدرك وقُلْ {ربَّنا ولك الحمد} (حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحبُّ ربّنا ويرضَى) {ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقّ ما قال العبد وكلّنا لك عبد، اللهمّ لا مانع لما أعطيتَ ولا معطي لما منعتَ ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ} أمَّا إذا كنتَ مأمومًا فقُلْ {ربَّنا ولك الحمد} أثناء الرفع من الركوع بدل {سمع الله لمن حمده} ثمَّ أَكمِل باقي الذكْر، واجعَلْ قيامك قريبًا من ركوعك مردِّدًا فيه هذا الحمد والثناء على الله ربّ العالَمين.
5- اسجد قائلاً {الله أكبر} متواضعًا متذلّلاً لله سبحانه وتعالى، ويجب أن يكون سجودك على الأعضاء السبعة وهي (أطراف القدمين ثمَّ الركبتان ثمَّ اليدان ثمَّ الجبهة مع الأنف) مع استقامة الظهر {لا تجزئ صلاة الرجل حتَّى يقيم ظهره في الركوع والسجود}(صحيح الجامع) وتكون اليدان ممدودتا الأصابع حذو الكتفين أو الأذنين، وباعِد مرفقيك عن جنبيك جدًّا إلاَّ أن تكون في جماعة؛ فاجتنب أَذِيَّة الجار، وباعِد بطنك عن فخذيك وفخذيك عن ساقيك حيث تكون الفخذان عموديتان على الأرض، وتكون القدمان أيضًا عموديتان على الأرض ومتراصّتان ببعضهما وأصابعهما إلى القبلة، والركبتان متباعدتان تباعدًا طبيعيًّا، وقُلْ {سبحان ربِّي الأعلى وبحمده} مرَّة أو أكثر، واجعل سجودك (السجدتان) قريبًا من قيامك، وأكثِر فيه من الدعاء، وأفضل الدعاء ما أمَر به النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنِّي أسألك اليقين والعفو والعافية في الدنيا والآخرة) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول {سبحانك اللهمّ وبحمدك اللهمّ اغفر لي}.
6- ارفع رأسك مكبِّرًا واجلس بين السجدتين على رجلك اليسرَى مستقيم الظهر ناصبًا رجلك اليمنَى على بطون الأصابع، باسطًا يدك اليسرى على الفخذ متراصَّة الأصابع، قابضًا أصابع يدك اليمنَى ومحلّقًا الإبهام والوسطَى كالدائرة ومشيرًا بالسبابة إلى القبلة تدعو بها، وقُلْ {ربِّ اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارفعني وعافني وارزقني} والعافية تشمل السلامة من كلّ سوء في الدنيا والآخرة، والرزق يشمل ما يقوم به الدِّين والدنيا. واجعل جلوسك قريبًا من سجودك مردِّدًا فيه هذا الدعاء بخشوعٍ ورغبة. ثمَّ اسجد كالسجدة الأولى.
7- ثمَّ ارفع مكبِّرًا جالسًا، ثمَّ قِفْ وابدأ الركعة الثانية قائلاً } بسم الله الرحمن الرحيم { فالفاتحة وما بعدها.
8- ثمَّ اجلس للتشهّد الأوّل مثل الجلسة بين السجدتين وقُلْ {التحيات لله والصلوات والطَيِّبات، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله} ثمَّ انهض مكبِّرًا حتَّى تستقيم واقفًا رافعًا يديك (الركعة الثالثة).
واجلس للتشهّد الأخير جلسة التورّك وهي الجلوس على الأرض ناصبًا قدمك اليمنَى وجاعلاً اليسرَى تحت ساقك الأيمن، وقُلْ {التحيَّات لله والصلوات والطَيِّبات، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ على محمَّد وعلى آل محمَّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد} ثمَّ قُلْ {اللهم إنِّي أعوذ بك من عذاب جهنَّم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شرِّ فتنة المسيح الدجَّال، اللهم إنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم} ثمَّ تدعو بما شئت، ومن ذلك: {اللهم إنِّي ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنَّك أنت الغفور الرحيم} {اللهم إنِّي أعوذ بك من شرّ ما عمِلتُ ومن شرّ ما لم أعمل} {اللهم أعِنِّي على ذِكْرك وشُكْرك وحُسْن عبادتك} {اللهم إنِّي أسألك من الخير كلّه عاجله وآجله ما علِمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرِّ كلّه عاجله وآجله ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، وأسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمَّد، وأعوذ بك من شرِّ ما استعاذ منه عبدك ورسولك محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وأسألك ما قضيتَ لي من أمرٍ أن تجعل عاقبته لي رشدا}.
9- ثمَّ التسليمتان؛ بالتفات رأسك إلى أقصَى اليمين قائلاً {السلام عليكم ورحمة الله} ثمَّ إلى أقصَى اليسار قائلاً {السلام عليكم ورحمة الله}.
10- ويجب الاطمئنان وهو الاستقرار والسكون في كلّ هيئة من أفعال الصلاة وهو ركنٌ تركه يُبطل الصلاة، ويجب أن تقول أذكار الانتقال بين الأركان (التكبيرات وقول سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد وقول ربّنا ولك الحمد للمأموم) خلال الانتقال لا قبله ولا بعده وكذلك التسليمتان.
أمَّا رفع اليدين حذو المنكبين فيكون مع تكبيرة الإحرام وقبل تكبيرة الركوع وبعد تكبيرة الرفع من الركوع وتكبيرة الرفع من التشهّد الأوّل بعد أن تستقيم واقفًا