عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2010, 06:03 PM   #9

ميسون
عضو مميز





• الانـتـسـاب » Oct 2008
• رقـم العـضـويـة » 37136
• المشـــاركـات » 716
• الـدولـة » لبنانية من الشمال اللبناني / جونيه
• الـهـوايـة » طالبة كلية الاداب الفرقة الثانية قسم تاريخ جامعة بيروت
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
ميسون صـاعـد

ميسون غير متواجد حالياً



افتراضي ** الحلقة الثامنة **





استكمالا لما سبق

نلقى الضوء ايها الاخوة والاخوات في هذه الحلقة على تاريخ الاندلس منذ فتحها وحتى سقوطها
وقبل يجب ان نتكلم عن الفاتحين لهذه البقعة الغالية من تراب دولة الاسلام
مُوسَى بن نُصَير ذلك القائد المسلم البارع التقي الورع الذي ثبّت الله به أقدام الإسلام في هذه البلاد المترامية الأطراف في الشمال الإفريقي، وهو من التابعين، وقد روى عن بعض الصحابة كتميم الداري رضي الله عنه...
قال عنه ابن خلّكان: كان عاقلاً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى، لم يُهزم له جيشٌ قطّ.
أما أبوه فهو نُصَير ذلك الغلام النصراني الذي أسره خالد بن الوليد رضي الله عنه في موقعة عين التمر، وكان قبلها يتعلم الإنجيل والدراسات النصرانية في الكنيسة، وفي الأَسْرِ عرف الإسلام وأُعجب به، فأسلم وهو ابن ثلاثة عشر أو أربعة عشر عامًا، وكان معه وعلى شاكلته سيرين أبو محمد بن سيرين التابعي المشهور.
وهنا وقفة لطيفة نشير إليها في معرض هذا الحديث، وهي تلك الثمرة التي هي من ثمار ومن تبعات الفتوحات الإسلامية، ومصداقا لقوله تعالى: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33}. تلك الثمرة التي منّ الله بها على نُصَير وعلى ولده من بعده، ومن ثَمّ على المسلمين أجمعين.
فانظر ماذا فعل الإسلام بنُصَير وغيره؟ وماذا كان سيكون مصير نُصير إذا ظل على ما كان عليه؟ وكيف أصبح في حسنات خالد بن الوليد رضي الله عنه وقد توفي بعده بسنوات وسنوات. وإنه لثمرة من ثمرات الجهاد الإسلامي في بلاد فارس (وهي التي أُسر فيها نُصير). وإن فتح الأندلس على يد موسى بن نصير ليشاركه فيه - بإذن الله - الأجرَ خالد بن الوليد رضي الله عن الجميع.
أما نُصير، فلما أسلم ازداد حبه للإسلام، فأخذ ينهل منه ويتعلم حتى أصبح عالِمًا، وفي ذات الوقت من الفرسان الأشداء والمجاهدين الأكفاء، وظل يترقى من حال إلى حال حتى صار في زمن الدولة الأموية قائدًا لجيوش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وظل في هذه القيادة سنوات طويلة...
قال المقرّي في نفح الطيب عن موسى بن نصير: وكان والده نصير على جيوش معاوية، ومنزلته لديه مكينة، ولمّا خرج معاوية لصفين لم يخرج معه - أي نصير - فقال له: ما منعك من الخروج معي ولي عندك يدّ لم تكافئني عليها؟ فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفري من هو أولى بشكري منك، فقال: من هو؟ فقال: الله عزّ وجلّ، فأطرق مليّاً ثم قال: أستغفر الله، ورضي عنه.
في هذا الوقت كان مُوسَى بن نصير يتربى في بيت الخلافة مع أولاد معاوية وأولاد الأمراء والخلفاء، فنشأ على حب الجهاد في سبيل الله ونشر الدين، حتى أصبح شابًا يافعًا يتقلد الرتب والمناصب، فتقلد قيادة جيوش الأمويين في مصر في عهد عبد العزيز بن مروان الأموي، ثم بعد ذلك واليًا على إفريقيا وذلك في سنة 85 هـ= 704 م.
كانت الفرصة مواتية لموسى بن نصير أن ينجز ما عجز السابقون عن إنجازه فتوّجه ناحية المغرب وأعاد تنظيم القوات الإسلامية، وحشد جيوشه جميعًا ووقف فيهم خطيبًا وكان مما قال: إنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضّ على مثلها ومن رأى مني سيئة فلينكرها فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون... ومن كانت له حاجة فليرفعها إلينا وله عندنا قضاؤها على ما عزّ وهان مع المواساة إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان: وكانت البلاد في قحط شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء، ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والصراخ والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلى وخطب بالناس، ولم يذكر الوليدَ بنَ عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين فقال: هذا مقام لا يُدعى فيه لغير الله عزوجل، فسقوا حتى رووا.

مُوسَى بن نُصَير وتثبيت دعائم الإسلام في إفريقيا

منذ أصبح موسى بن نصير واليًا على إفريقيا أصبح كلُّ همّه لماذا يرتدّ الناس بين الحين والآخر عن الإسلام بعد أن يكونوا قد دخلوا فيه؟! بل كيف يعودون ويقاتلون المسلمين بعد أن كانوا مسلمين؟! ومن هنا فقد أراد أن يجد حلًا لهذه الأمور، ويعمل على تثبيت دعائم الإسلام في هذا الإقليم الذي كان قد فتحه عقبة بن نافع رحمه الله، والذي اغتيل في القيروان من هذا الإقليم على يد البربر وهو في طريق عودته من المغرب الأقصى.
وفي بحثه عن معرفة أسباب هذه الردّة المتكررة وجد مُوسَى بن نُصَير خطأين وقع فيهما من سبقوه.
الخطأ الأول: هو أن عقبة بن نافع ومن معه كانوا يفتحون البلاد فتحًا سريعًا، ويتوغلون داخلها طمعًا في فتح أماكن أخرى كثيرة، دون أن تتوفر الحماية لظهورهم في هذه المناطق التي فتحوها، ومن ثم كانت النتيجة أن البربر فَقِهوا هذا الأمر واستغلّوه جيدًا، فانقلبوا على عقبة وأحاطوا به وقتلوه، وحتى يتغلب على هذا الأمر بدأ مُوسَى بن نُصَير يفتح البلاد في أناةٍ شديدة، وفي هدوء وحذرٍ كحذر خالد بن الوليد رضي الله عنه، فبدأ يتقدم خطوة ثم يُأَمِّن ظهره، ثم خطوة فيأمّن ظهره، حتى أتمّ فتح هذا الإقليم في سبع أو في ست سنوات، بينما استغرق عقبة بن نافع في فتحه شهورًا معدودات.
أما الخطأ الثاني فقد وجد أن سكان هذا الإقليم لم يتعلموا الإسلام جيدًا ولم يعرفوه حق المعرفة، فبدأ بتعليمهم الإسلام؛ فكان يأتي بعلماء التابعين من منطقة الشام والحجاز ليعلمونهم الإسلام ويعرفونهم به، فأقبلوا على الإسلام وأحبّوه ودخلوا فيه أفواجًا، حتى أصبح البربر الذين يحاربون المسلمين جند الإسلام وأهله، وهكذا عمل مُوسَى بن نُصَير على تثبيت دعائم الإسلام وتوطيده في الشمال الإفريقي، وأتمّ فتح الإقليم بكامله عدا مدينة واحدة وهي مدينة "سَبْتَة" (مدينة "سَبْتَة" الآن من مدن المغرب العربي التي تحتلها إسبانيا، وتقع على مضيق جبل طارق)، فقد فتح ميناء طنجة ولم يفتح ميناء "سَبْتَة" المماثل له في الأهمية، وللموقع الاستراتيجي لمدينة "سَبْتَة" ولّى موسى بن نصير على ميناء طنجة (القريب جدًا من "سَبْتَة" والقريب في ذات الوقت من الأندلس) أمهر قواده طارق بن زياد رحمه الله، وطارق بن زياد لم يكن عربيًا، بل كان من قبائل البربر التي استوطنت الشمال الإفريقي - كما ذكرنا - والتي كان يميزها اللون الأبيض والعيون الزرقاء والشعر الأشقر، بعكس ما يُتخيل من كونهم يشبهون الزنوج، حتى إن البعض ينسبونهم إلى أصول أوروبية، وقد حمل طارق بن زياد القائد الفذّ هذه الصفات الشكلية، إضافة إلى ضخامته الجسمية ووسامته الشديدة، تلك التي لم تمنعه عن الانشغال بحب الجهاد في سبيل الله، ونشر هذا الدين.
من خلال ما سبق نرى أن موسى بن نصير رحمه الله قد تولّى أمر إفريقية وهي تضطرم نارًا، فكان أول عمل له هو تأمين قواعد انطلاقه، ثم انصرف لإخماد الفتن والقضاء على الثورات وتصفية قواعد العدوان، وبناء المجتمع الإسلامي الجديد، ووجد بعد ذلك في إفريقية طاقات ضخمة وإمكانات جبّارة فأفاد من حرية العمل المتوافرة له وانصرف إلى متابعة حشد القوات وتعبئتها وقيادتها من نصر إلى نصر، وإشراكها في شرف الفتوح وتحميلها أعباء نشر الإسلام...
كان موسى بن نصير - إذن - من أعظم رجال الحرب وافدارة المسلمين في القرن الأول للهجرة، وقد ظهرت براعته الإدارية في جميع المناضب التي تقلّدها، كما ظهرت براعته الحربية في جميع الحملات البرية والبحرية التي قادها، على أن هذه المواهب تبدو بنوع خاص في حكمه لإفريقية، حيث كانت الحكومة الإسلامية تواجه شعبًا شديد المراس يضطرم بعوامل الانتفاض والفتنة، وإذا كان موسى قد أبدى في معالجة الموقف وإخماد الفتنة كثيرًا من الحزم والشدة فقد أبدى في الوقت نفسه خبرة فائقة بنفية الشعوب وبراعة في سياستها وقيادتها، وكان موسى فوق مواهبه الإدارية والعسكرية غزير العلم والأدب، متمكنًا من الحديث والفقه، عالمًا بالفلك، مجيدًا للنثر والنظم...
*************************************************
توجه طارق بن زياد بعد فتح إشبيلية إلى مدينة "أَسْتجّة" وهي أيضا من مدن الجنوب، وفي "أَسْتجّة" قاتل المسلمون قتالًا عنيفًا، لكنه - بلا شك - أقل مما كان في وادي بَرْبَاط؛ فقد فَقَدَ النصارى معظم قواتهم في موقعة وادي بَرْبَاط، وقبل أن ينتصر المسلمون في أواخر المعركة فتح النصارى أبوابهم وقالوا قد صالحنا على الجزية.
وثمة فارق كبير جدًا بين أن يصالح النصارى على الجزية، وبين أن يفتح المسلمون المدينة فتحًا؛ لأنه لو فتح المسلمون هذه المدينة فتحًا (أي بالقتال) لكان لهم أن يأخذوا كل ما فيها، أمّا إن صالح النصارى على الجزية، فإنهم يظلّون يملكون ما يملكون ولا يدفعون إلا الجزية، والتي كانت تقدّر آنذاك بدينار واحد في العام كما وضحنا سابقًا.
ومن أَسْتجّة وبجيش لا يتعدى التسعة آلاف رجل يبدأ طارق بن زياد بإرسال السرايا لفتح المدن الجنوبية الأخرى، وينطلق هو بقوة الجيش الرئيسة في اتجاه الشمال حتى يصل إلى طُلَيْطِلَة عاصمة الأندلس في ذلك الزمن، فقد بعث بسرية إلى قُرْطُبَة، وسرية إلى غِرْنَاطَة، وسرية إلى مَالْقة، وسرية إلى مُرْسِيَه، وهذه كلها من مدن الجنوب المنتشرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والمطلة على مضيق جبل طارق، وكان عدد الرجال في هذه السرايا لا يزيد عن سبعمائة رجل، ومع ذلك فقد فُتحت قُرْطُبَة على قوتها وعظمتها بسرية من تلك التي لا تتعدى السبعمائة رجل [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى] {الأنفال:17}. ثم استمرّ طارق بن زياد رحمه الله في التوجه ناحية الشمال حتى وصل إلى مدينة جَيّان وهي من مدن القوت الحصينة جدًا.
***************************************
طُلَيْطِلَة: مدينة قديمة في أسبانيا تقع في وسط شبه جزيرة أيبريا على مسافة 91 ك جنوبي غربي مدريد ويحيط بها نهر (التاجو) من جهات ثلاث في واد عميق يسقي مساحات شاسعة من أراضيها.
كان موسى بن نصير رحمه الله الذي اتّسم بالحكمة والأناة قد أوصى طارق بن زياد ألّا يتجاوز مدينة "جَيّان" أو لا يتجاوز مدينة "قُرْطُبَة"، و أمره ألا يسرع في الفتح في طريقه إلى العاصمة "طُلَيْطِلَة" حتى لا يحوطه جيش القوت .
لكن طارق بن زياد وجد أن الطريق أمامه مفتوحًا، ووجد أن الطريق إلى طُلَيْطِلَة ليس فيه من الصعوبة شيء؛ فاجتهد برأيه، وعلى خلاف رأي الأمير موسى بن نصير وجد أن هذا هو الوقت المناسب لفتح "طُلَيْطِلَة" العاصمة، وكانت تُعدّ أحصن مدن النصارى على الإطلاق، فرأى أنه إن هاجمها في هذه الفترة التي يكتنف النصارى فيها الضعف الشديد الذي لا يستطيعون معه مقاومة جيش المسلمين فإنه قد يتمكن من فتحها، الأمر الذي قد يتعذر بعد ذلك فلا يستطيع فتحها.
وكان الأفضل في هذا الأمر أن يستشير طارقُ بن زياد موسى بن نصير في المغرب، وأن يرسل إليه ولو رسالة يشرح له فيها طبيعة الموقف، وأن الطريق مهيّأ أمامه لفتح "طُلَيْطِلَة"، ويستوضح رأيه ورده في ذلك.
لكنه أسرع في اتجاه طُلَيْطِلَة دون استئذان من موسى بن نصير، وكان موسى بن نصير قد علم بتقدم طارق لفتح طُلَيْطِلَة، ولكن نظرًا لطول المسافات لم يستطع أن يلحق به فيكون مددًا له.
كانت مدينة طُلَيْطِلَة من أحصن مدن الأندلس، بل هي أحصن مدينة في الأندلس؛ فقد كانت محاطة بجبال من جهة الشمال والشرق والغرب، أما الجهة المفتوحة وهي الجنوب فعليها حصن كبير جدًا.
ومع ذلك فقد فتحت أبوابها لطارق بن زياد وصالحت على الجزية.
موسى بن نصير يأمر طارقًا بالكفّ عن الفتوحات ويجهّز نفسه لمدده
تَقَدُّمُ طارق بن زياد بهذه السرعة في بلاد الأندلس لم ينل قبولًا لدى موسى بن نصير؛ إذ وجد فيه تهورًا كبيرًا لا يُؤْمن عواقبه، وكان قد عُرف عن موسى بن نصير الأناة والحكمة والصبر في كل فتوحاته في شمال أفريقيا حتى وصل إلى المغرب، ومن ثم فقد بعث برسالة شديدة اللهجة إلى طارق بن زياد يأمره فيها بالكفّ عن الفتح والانتظار حتى يصل إليه؛ وذلك خشية أن تلتف حوله الجيوش النصرانية.
وفي أثناء ذلك بدأ موسى بن نصير يُعدّ العدة لإمداد طارق بن زياد بعد أن انطلق إلى هذه الأماكن البعيدة الغائرة في وسط الأندلس، فجهّز من المسلمين ثمانية عشر ألفًا.
ولكن من أين جاءوا وقد كان جيش الفتح لا يتعدى الاثنا عشر ألفًا؟!
وذلك أن الناس من مشارق الأرض ومغاربها قد انهمروا على أرض الأندلس حين علموا أن فيها جهادًا، فقد كان جلّ الاثني عشر ألف مسلم الذين فتحوا الأندلس مع طارق بن زياد من البربر، أما هؤلاء الثمانية عشر ألفًا فهم من العرب الذين جاءوا من اليمن والشام والعراق، اجتازوا كل هذه المفاوز البعيدة حتى وصلوا إلى بلاد المغرب، ثم عبروا مع موسى بن نصير إلى بلاد الأندلس نصرةً ومددًا لطارق بن زياد.

موسى بن نصير وأعمال عظام في طريقه إلى طارق بن زياد

عبر موسى بن نصير بجيشه إلى بلاد الأندلس وكان ما توقعه؛ فقد وجد أن النصارى قد نقضوا عهدهم مع طارق في إشبيليّه، وهي المدينة الحصينة الكبيرة التي كانت قد صالحت طارقًا على الجزية، وكانوا قد جهّزوا العدة كي يأتوا طارقًا من خلفه، ولكن يُقدّر الله أن يفاجَئوا بجيش موسى بن نصير رضي الله عنه وهو قادم فيحاصر إشبيليّه.
كان موسى بن نصير قائدًا محنّكا، له نظرة واعية وبُعد نظر ثاقب، ولم يكن يومًا كما يدّعي أناس أنه عطّل طارق بن زياد عن الفتح حسدًا أن يُنسب إليه وحده فتح بلاد الأندلس، ومن ثَمّ أراد أن يُشْرَك في الأمر معه.
فإن طارق بن زياد من عمّال موسى بن نصير، وواليه على الأندلس، وحسنات طارق بن زياد تُعدّ في ميزان موسى بن نصير رحمهما الله؛ فقد دخل الإسلام على يديه، وقد كان أقصى مراد موسى بن نصير هو النصر لجيش المسلمين وعدم الهلكة له بعيدًا عن أرضه. ومن ثَمّ فقد قدم موسى بن نصير وحاصر إشبيليه حصارا شديدا غاب مداه شهورًا حتى فتحت أبوابها أخيرًا، ثم جوّزها موسى بن نصير إلى الشمال، ولم يكن يفتح المناطق التي فتحها طارق بن زياد، وإنما اتجه ناحية الشمال الغربي وهو الاتجاه الذي لم يسلكه طارق بن زياد؛ فقد أراد استكمال الفتح ومساعدة طارق بن زياد وليس أخذ النصر أو الشرف منه.
واصل موسى بن نصير سيره نحو طارق بن زياد وفي طريقه فتح الكثير من المناطق العظيمة حتى وصل إلى منطقة تسمى "مَارْدَه"، كل هذا وطارق بن زياد في "طُلَيْطِلَة" ينتظر قدومه، وكانت "ماردة" هذه من المناطق التي تجمّع فيها كثير من القوط النصارى، فحاصرها موسى بن نصير حصارًا بلغ مداه أيضًا شهورًا، كان آخرها شهر رمضان، ففي أواخره وفي عيد الفطر المبارك وبعد صبر طويل فتحت المدينة أبوابها، وصالح أهلها موسى بن نصير على الجزية، وهكذا كانت تمر الأعياد على المسلمين.
لم يكتف موسى بن نصير بذلك، بل أرسل ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير رضي الله عنهم والذي تربى كأبيه وجدّه على الجهاد؛ ليفتح مناطق أوسع ناحية الغرب، وقد توغّل عبد العزيز في الغرب كثيرًا، حتى إنه في فترات معدودة فتح كل غرب الأندلس والتي تسمى حاليًا دولة البرتغال، فقد وصل إلى "لَشْبُونَة" وفتحها ثم فتح البلاد الواقعة في شمالها، وبهذا يُعدّ عبد العزيز بن موسى بن نصير فاتح البرتغال.

************************************
موسى بن نصير وطارق بن زياد.. لقاء الأبطال واستكمال الفتح

لم تكن فكرة فتح الأندلس وليدة أيام موسى بن نصير، بل إنها فكرة قديمة جدًا، فمنذ أن استعصت القسطنطينية على الفتح زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه - وكانت الحملات الإسلامية قد وصلت إليها - قال قولته: إن القسطنطينية إنما تُفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر.
فكان عثمان رضي الله عنه يعني أن المسلمين سيفتحون الأندلس أولًا (غرب أوروبا) ثم يتوجهون منها صوب القسطنطينية (شرق أوروبا) فيفتحونها من قِبَل الغرب لا من قِبَل الشرق، من جهة البحر الأسود في ذلك الوقت، لكن المسلمين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذه المنطقة من المغرب العربي إلا في أيام بني أمية وفي فترة حكم موسى بن نصير على الشمال الإفريقي.
*****************************
في شعبان من سنة 92 هـ= يونية 711 م تحرّك هذا الجيش المكون من سبعة آلاف فقط من جنود الإسلام، وعلى رأسه القائد طارق بن زياد...
يقول ابن الكردبوس: "وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقًا مكبًّا على الدعاء والبكاء والتضرّع لله تعالى والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين..."
تحرّك هذا الجيش وعبر مضيق جبل طارق، والذي ما سُمّي بهذا الاسم (مضيق جبل طارق) إلا في هذا الوقت؛ وذلك لأن طارق بن زياد حين عبر المضيق نزل عند هذا الجبل، وقد ظلّ إلى الآن حتى في اللغة الإسبانية يسمى جبل طارق ومضيق جبل طارق، ومن جبل طارق انتقل طارق بن زياد إلى منطقة واسعة تسمى الجزيرة الخضراء، وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس، وهو حامية جيش النصارى في هذه المنطقة فلم تكن قوة كبيرة، وكعادة الفاتحين المسلمين فقد عرض طارق بن زياد عليهم: الدخول في الإسلام ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ويتركهم وأملاكهم، أو يدفعون الجزية ويترك لهم أيضا ما في أيديهم، أو القتال، ولا يؤخرهم إلا ثلاث، لكن تلك الحامية أخذتها العزة وأبت إلا القتال، فكانت الحرب سجالًا بين الفريقين حتى انتصر عليهم طارق بن زياد، فأرسل زعيم تلك الحامية وكان اسمه ( تُدْمير ) رسالة عاجلة إلى لُذْرِيق وكان في طُلَيْطِلَة عاصمة الأندلس، يقول له فيها: أدركنا يا لُذريق؛ فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟!
حقًا فهم أناس غرباء، فقد كان من المعروف عندهم أن الفاتح أو المحتلّ لبلد آخر إنما تقتصر مهمته على السلب والنهب لخيرات البلد، والذبح والقتل في كثير من الأحيان، أما أن يجدوا أناسًا يعرضون عليهم الدخول في دينهم ويتركون لهم كل شيء، أو أن يدفعوا لهم الجزية ويتركون لهم أيضا كل شيء بل ويحمونهم من الأعداء، فهذا ما لم يعهدوه من قبل في حياتهم بل ولا في تاريخهم كله، وفضلًا عن هذا فقد كانوا في قتالهم من المهرة الأكفّاء، وفي ليلهم من الرهبان المصلين، وقد أبدى قائد تلك الحميّة دهشته وعجبه الشديد من أمر هؤلاء المسلمين وتساءل في رسالته إلى لُذريق عن شأنهم: أهُم من أهل الأرض، أم هم من أهل السماء؟! وصدق وهو كذوب؛ فهم من جند الله ومن حزبه [أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ] {المجادلة:22}.
**********************************

الخلافة الأموية في قرطبة دولة إسلامية أسسها عبد الرحمن الثالث في 756، و انهت بذلك إمارة قرطبة التي اسسها عبد الرحمن الداخل. استمرت رسميا حتى 1031 ، بعد أن زالت بتفكيك الدولة الأموية إلى عدد من الطوائف. عرفت البلاد خلال هذة الفترة أوجها الثقافي و السياسي و الاقتصادي.

أسس السلالة الأموية الحاكمة في الأندلس عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام (756-708 م) من أحفاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أحد أهم الخلفاء الامويون في دمشق ، وكان عبد الرحمن وأحد من الناجين من المذابح التي أقامها العباسيين للأمويين (750 م) لقبة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بصقر قريش لشجاعتة وقوقته وذكائة. فر إلي الأندلس واقام خلافة أموية في الأندلس .
عمل عبد الرحمن ثم ابنه هشام (788-796 م) ثم حفيده الحـَكم (796-822 م) على إرساء و تقوية دعائم الدولة الجديدة، قاموا بتوحيد أراضي الأندلس الإسلامية و حاربوا الممالك المسيحية في الشمال.
عاشت الدولة الاموية مجدها الأول في عهد عبد الرحمن الأوسط (822-852 م)، عرفت البلاد ازدهار حركتي الآداب والعلوم والعمارة والفن وبلغت حالة متقدمة من التمدن، كما عرف عن الأندلسيين أثناء ذلك العهد تمتعهم بثقافة وطبائع راقية. أصبحت الدولة الاموية في بلاد الأندلس مركزا حضاريا كبيرا في غرب العالم الإسلامي .
تلت هذه المرحلة مرحلة انقسمت فيها دولة الأمويين إلى أجزاء تولى كل منها حاكم مستقل. شجع حال الدولة حينذاك الممالك النصرانية في الشمال على القيام ومحاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت حكم الإسلام (بداية حركة الاسترداد).
لكن مع تولى عبد الرحمن الثالث (912-916 م) استعادت البلاد وحدتها السياسية وقوتها العسكرية. منذ 929 م ومع بلوغ الدولة الاموية في الاندلس أوج قوتها وضعف الخلافة العباسية وانهيارها في المشرق استرد عبد الرحمن لقب الخلافة ، و قام بشن حملات عسكرية على أطراف مملكته ليؤمن حدودها ويضعف الممالك النصرانية . واجه الفاطميين في شمال إفريقية واستطاع عن طريق أعوانه أن يضم المغرب (فاس: 923 م) وبلاد موريتانيا إلى دولته وزادت قوة دولته بالاندلس . كما قضى على دولة الأدارسة.
عرفت البلاد أوجها الثقافي في عهد ابنه الحكم (961-976 م) الذي استطاع أن يواصل سياسات أبيه واستمرار عصر ازدهار الدولة .
بعد وفاته تولى الحكم ابنه هشام (976-1013 م) والذي كان دون السن التي تؤهله القيام بأمور الحكم. وضع الأخير تحت وصاية الحاجب المنصور (978-1002 م).
بعد سنة 1009 م دخلت الأندلس مرحلة الحروب الاهلية، كثر أدعياء السلطة مع دخول بني حمود العلويين السباق.
سقط آخر الخلفاء الأمويين هشام (1027-1031م ) سنة 1031 م.
دخلت الأندس بعدها عهد ملوك الطوائف.
والى هنا تنتهى حلقتنا مع وعد بحلقة جديده في القريب العاجل
دمتم في امن الله وحفظه
ومساكم سكر


توقيع ميسون :
حسبى الله ونعم الوكيل

( ان الكبر من صفات المولى عز وجل فمن نازعه في صفته قصمه الله وازله شر مذله )





اعتزال نهائي

وشكرا على مشاعركم النبيله ويا ريت ما حدا يكون زعلانى منى
لكن لكل شيئ نهايه

التعديل الأخير تم بواسطة it is me ; 08-01-2010 الساعة 03:50 PM