عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2010, 06:02 PM   #7

ميسون
عضو مميز





• الانـتـسـاب » Oct 2008
• رقـم العـضـويـة » 37136
• المشـــاركـات » 716
• الـدولـة » لبنانية من الشمال اللبناني / جونيه
• الـهـوايـة » طالبة كلية الاداب الفرقة الثانية قسم تاريخ جامعة بيروت
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
ميسون صـاعـد

ميسون غير متواجد حالياً



افتراضي ** الحلقة السادسة **



استكمالا لما سبق
نصل معكم الى معارك التوسع لنشر دين الله فوق ربوع المعموره في عهد بنى امية

الفتوحات في عهد بنى امية

كانت حدود الدولة الإسلامية عندما انتقلت إلى بني أمية هي شبة الجزيرة العربية بأكملها مع بلاد الشام ومصر والعراق وأجزاء من بلاد فارس (إيران) ومن ثم وصلت حدود الدولة الإسلامية في عهد بني أمية إلى غرب الصين ، وباكستان، وأفغانستان وأذربيجان ، وكازاخستان، وأوزباكستان، وطاجاكستان، وتركمانستان، وشمال ووسط الهند، وبنغلادش بالإضافة إلى إيران بأكملها وأرمينينا والقسطنطينية (تركيـــــا)، وهذا بالطبع في قارة آسيا.
أما في قارة أفريقيا.. السودان، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، والسنغال، ومالي، والنيجر، وتشاد، وشمال نيجيريا.
وبالنسبة لقارة أوربا.. جزيرة قبرص واليونان والأندلس، والبرتغال، وجنوب وبعض أجزاء من غرب فرنسا حتى الوصول إلى مشارف باريس لولا ما حصل في معركة (بلاط الشهداء) الشهيرة إلى يومنا هذا.


ولقد بلغت ذروة الفتوحات الإسلامية في عهد أمير المؤمنين الوليد وكذلك أخيه هشام أبناء عبد الملك بن مروان الذي تمكن من توحيد العالم الإسلامي الشرقي تحت إمرته لذلك يعتبر المؤسس الثاني للدولة الأموية بعد معاوية بن أبي سفيان‏، وهذه الدلالات المذكورة أعلاه تشير بأنه كان عهد بني أمية زمن الجهاد والفتوحات الإسلامية وليس كما يقال بأنه زمن استيلاء والتحايل على الخلافة من قبل بعض المغرضين، والذين يشككون في طريقة حصول بني أمية للخلافة، وينظرون للقائد الحجاج بن يوسف الثقفي من زاوية ضيقة ومن جانب واحد سلبي متجاهلين الجانب المشع والمضيء من حياته، حيث أنه لو افترضنا جدلاً بأن كان الحجاج متسلط في الحكم..؟ كيف وصلت الفتوحات الإسلامية كل هذه الأقطار، لذا وجب العلم بأن بعض المؤرخين قد تجنوا بأقلامهم عندما تناولوا سيرة القائد الحجاج بشكل خاص،وبني أمية بشكل عام، ولا شك أن الحجاج اتبع أسلوبا حازماً مبالغاً فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه العديد من المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها.
وقد ذهب بعض المؤرخين المعاصرين والمتأثرين بالنظرة الاستشراقية في تفسير أحداث التاريخ الإسلامي فاعتبروها دولة مغتصبة للخلافة، مَتوقة للزعامة، قامت دعائمها قوية وطيدة بعد أن شردت آل البيت وأبعدتهم عن الحياة السياسية ثم حولت الخلافة إلى ملك عضوض يتوارث، ومتجاهلين تنازل الخليفة الخامس الحسن بن علي بن طالب رضي الله عنه لمعاوية بن أبي سفيان، وذلك حقناً لدماء المسلمين، وبهذا شرع لبداية الخلافة الأموية، والأدهى من ذلك أن يذهب بعض هؤلاء إلى الاعتداء على خلفاء تلك الدولة بالتشريح والتجريح لمواقفهم وأفعالهم تجاه الأمة الإسلامية، كمعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه، وابنه يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان، وغيرهم . ثم يقفون عند عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ويعدونه النقطة الوحيدة المضيئة في تلك البقعة الزمنية المظلمة، ناسين أو جاهلين أدوار الخلفاء الآخرين في نشر الإسلام وإعلاء كلمته في أنحاء الدنيا.
بني أمية هم من أولى الأسر المسلمة الحاكمة، وهم من البيوت الكبرى في قريش، وبيوت السادة فيها وأمية هو أبن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب الجد الأكبر للأمويين.
أشهر وجهاء بني أمية أبو سفيان وأسمه صخر ابن حرب، وهو سيد قريش في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والذي أسلم عام الفتح، والذي أسس الدولة الأموية هو معاوية بن أبي سفيان سنة41 هـ، حتى آلت الخلافة لمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية فسقطت الدولة في عهده، بعد فتنة واضطرابات دامت خمس سنوات، وكان سقوطها في سنة 132هـ.‏
ولقد امتدت الدولة الأموية واحد وتسعون عاماً تعصب فيها الأمويين للعرب على حساب الموالين للدولة الأموية من غير العرب في فارس وبعض بلاد المغرب العربي، مما أدى إلى خلق حالة عداء للعرب من بني أمية، ومما لا شك فيه أثار هذا.. الأحقاد في بقية الطوائف المسلمة‏، وذلك بسبب شعورهم بالعنصرية إلى يومنا هذا.
ولد في بداية عصر بني أمية أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي في منازل ثقيف بمدينة الطائف التي تعد مسقط رأسه، وكان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج، والدته هي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد، وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.

وعندما ترعرع الحجاج كانت مدينته التي نشأ فيها بين ولاية عبد الله بن الزبير، و بين ولاية الأمويين، حيث يقال بأن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبروا على أهل الطائف، الأمر الذي دفع بالحجاج للانطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية حيث التحق بجهاز الشرطة فيها فأبدى حماسة و انضباطاً، وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل كبيره وصغيرة وكل خطأ أو خلل، وأخذ نفسه بالشدة، فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه، و رفع من مكانته، وقام بترقيته على من هم أقدم منه، في تلك الأثناء كان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.
ومن ثم في سنة 73 هـ حاصر مكة بجيش كبير، وذلك للتخلص من عبد الله بن الزبير إلى الأبد وكان الحجاج قائداً على رأس هذا الجيش، ودامت الحرب أشهراً حيث تشتت بعض أصحاب عبد الله بن الزبير وخذله البعض الأخر، وتمت هزيمتهم، وفي سنة 74 هـ تم تعيين الحجاج بن يوسف على الحجاز حيث بعد مضي عامان تم نقله من قبل الخليفة ليكون والياً على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويحث الناس على الجهاد بعد أن تقاعسوا عن الخروج عنه وركنوا إلى الخمول، ويقال أنه اشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.
وتعد العلاقة بين الحجاج وأهل العراق هي من أكثر العلاقات تعقيداً وغرابة، ومن أكثرها ترويعاً في التاريخ الإسلامي، فالحجاج وُلي على العراق كارهاً لأهلها، وهُم له كارهون، و استمرت العلاقة بينهم عشرون عاماً.
ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتقاعسين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة معروفة، ولقد رسم الحجاج سياسته القيادية للرعية منذ بداية تكليفه والتي تتسم بالقوة والصرامة بخطبته المشهورة، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين –أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".
ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو."
ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.
وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81-83 هـ ) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".
وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.
ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي المتمردين، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ)، والقضاء على فتنته.
بعد أن قطع الحجاج دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.
وبعد ذلك عاود سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
وفي المدة التي أمضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإحراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
وساعد الحجاج في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.
كذلك من أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ) واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقراً لحكمه.
و كان يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
ومن أهم الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئه القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
كان رحمه الله حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان ينفق على القرآن كثيرا، ولما توفاه الله لم يترك وراءه سوى ثلاثمائة درهم".
وإني لأرجو من خلال هذا البحث أن يعرف الجميع الجانب الأخر من حياة القائد الإسلامي الحجاج بن يوسف الثقفي.
************************************************** ***


فتح شمال افريقية

لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل «عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع «عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من «المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و«عبد الله بن الزبير» رضى الله عنهما. وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت، ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار» أو«جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». ولم تكن تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. وصل المسلمون فى أواخر خلافة «عثمان» إلى «تونس» الحالية، لكنهم لم يواصلوا فتوحاتهم بسبب الفتن التى استمرت حتى نهاية خلافة «على بن أبى طالب» (36 - 40هـ)، فلما استتب الأمر لمعاوية سنة (41هـ)، كانت جبهة «شمالى إفريقيا» أولى الجبهات التى اهتم بها، لأنها كانت تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية التى عزم على تضييق الخناق عليها، فأرسل سنة (41هـ) حملة إلى «شمالى إفريقيا» بقيادة «معاوية بن حديج»، ثم أرسله على رأس حملة أخرى سنة (45هـ)، فاستطاع أن يفتح العديد من البلاد، مثل «جلولاء» و«سوسة». أسند «معاوية بن أبى سفيان» قيادة الجيش الفاتح إلى «عُقبة بن نافع»، وهو واحد من كبار القادة الذين لمعت أسماؤهم فى الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى، ولم يكن «عُقبة» جديدًا على الميدان، فقد شارك فى فتح تلك البلاد منذ أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان» (50 - 55هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان «عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. ظل «عقبة بن نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام، وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد حقق «أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل إلى «تلمسان». أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع» مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة «كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة فاستشهدوا جميعًا سنة (63هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعد عنه لمسافة طويلة، مما جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». تسلَّم «زهير بن قيس البلوى» قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر من البيزنطيين و«البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة (64هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة (69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر» هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة» للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه هو ومن معه. وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى «حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ عدده نحو أربعين ألف جندى. واستطاع «حسان» بعد جهد جهيد القضاء على الوجود البيزنطى فى الشمال الإفريقى، وأن يحطم مدينة «قرطاجنة» أكبر مركز بيزنطى، وأن يبنى محلها مدينة «تونس» الحالية، كما قضى على كل مقاومة للبربر، بعد أن حقق نصرًا هائلا على زعيمتهم الكاهنة التى آلت إليها الزعامة بعد مقتل «كسيلة»، ونعم المسلمون بأولى فترات الاستقرار فى «المغرب». ولم يكن «حسان بن النعمان» قائدًا عسكريا عظيمًا فحسب، بل كان رجل دولة وتنظيم وإدارة أيضًا، فأنشأ الدواوين، ورتَّب أمور الخراج والجزية، ووطَّد سلطان الحكم الجديد فى الثغور والنواحى، وجدد مدينة «القيروان»، وأنشأ بها المسجد الجامع، ووضع سياسات مستقبلية انتهت بأهل الشمال الإفريقى كله إلى اعتناق الإسلام. حلّ «موسى بن نصير» سنة (85هـ) محل «حسان بن النعمان» فى ولاية شمالى إفريقيا وقيادة جيوش الفتح بها، فأكمل ما بدأه سابقوه من القادة العظام، وقدِّر له أن يجنى ثمار غرسهم، ففى ولايته تم فتح «المغرب» كله، وأقبل أبناؤه على اعتناق الإسلام فى حرية تامة، بعدما أدركوا وفهموا ما يحمله من عزة وكرامة وحرية وعدل ومساواة.
الى هنا ونكتفى بهذا القدر
دمتم في امان الله ورعايته
ومساكم سكر


توقيع ميسون :
حسبى الله ونعم الوكيل

( ان الكبر من صفات المولى عز وجل فمن نازعه في صفته قصمه الله وازله شر مذله )





اعتزال نهائي

وشكرا على مشاعركم النبيله ويا ريت ما حدا يكون زعلانى منى
لكن لكل شيئ نهايه

التعديل الأخير تم بواسطة it is me ; 06-01-2010 الساعة 02:47 PM