الفصل الثالث
~~ سبارو ( غريب الأطوار ) ~~
قلبت كرستي ملعقتها في طبقها مره تلو الأخرى بدافع الملل ..
لم تكن في مزاج جيد لاستقبال الضيوف وخاصة ضيوف من قبل صديقتها لورا ,, غريبو الأطوار
قطع حبل الصمت الممل صوت لورا قائله
( أتعلمين كرستي ,, سبارو قضى فتره طفولته في بيت جده بعد أن توفيا والداه .. كان صديقه الوحيد شبح اسمه اليكس !! )
التفتت اليه وأردفت في مرح
( أخبرنا القصة سبارو )
نظرت كرستي إلى لورا ثم حولت ناظريها إلى سبارو الذي ابتسم قائلا
( دائما تحرجينني لورا )
أطلقت ضحكتها المعتادة ,, واكتفى سبارو بابتسامه غامضة .. سألته كرستي قائله
( أتعني شبح حقيقي أم انه من نسج خيالك ؟! )
نظر إلى كرستي نظره أربكتها ثم قال
( افهم ما تحاولين قوله جميلتي ,, لكن بدايتا دعيني أقول لك شيئا ,,عرفت الكثير عن الأشباح ,, أنواعها ,, أشكالها ,, الأشياء التي تحب والتي تكره .. حتى إنني عرفت طريقه التحادث و التواصل معها )
صمتت كرستي في ترقب .. في حين أكمل سبارو حديثه وعيناه لا تفارق عيناها
( تعلمين كرستي ,, الموت أحيانا لا يعني النهاية ,, بعض الأشباح تبقى في مكانها ,, تربطها مشاعر قويه تأبى أن تغادر )
تنفس بعمق و أكمل
( اليكس واحدا من هذه الأشباح .. كان طفلا عندما مات لم يبلغ العاشرة من عمره و كان عمري وقتها مقارب لعمره .. تقريبا تسع سنوات .. كنت أراه دائما يتجول في غرفتي بهدوء .. لم أكن أعرف أنه شبح لأني كنت صغيرا .. مضت الأيام و استمرت رؤيتي له.. لم أجروء على إخبار جدي لأنه لن يصدقني أبدا .. )
صمت قليلا و كأنه يستعيد شيئا في ذهنه ثم أردف
( اذكر أنني كلما خرجت من غرفتي و عدت إليها أرى نافذتي مفتوحة مع أنني احكم إغلاقها قبل خروجي ,, اذكر أيضا أنني كنت اسمع صوتا غريبا يشبه الأنين و أرى ظلال يمر من حولي ,, أسمع وقع أقدام تمشي في هدوء .. وأشياء أخرى لا أتذكرها تماما )
صمت مجددا ,, ثم أكمل
(لم استطع تحمل ذلك فأخبرت جدي بالأمر ,, و أخبرني بالحقيقة كاملة .. قبل خمس سنوات من ذلك الوقت كانت هناك عائله تسكن في بيت جدي ماتو كلهم حرقا في حادثه غامضة .. اليكس كان واحدا من أفرادها و غرفتي كانت غرفته سابقا . عانى من طفولة صعبه جدا..كان طفلا انطوائيا يأبى أن يغادر غرفته لأنها المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان..)
أكملت كرستي كلامه قائله بصوت أقرب للهمس
( لذلك لم يغادرها حتى بعد وفاته )
ابتسم و مازال يتأمل عيناها قائلا
( أحسنتي )
سألته باهتمام
( الم يسبب ذلك لك أي قلق أو خوف ,, اعني أن تتقاسم غرفتك مع .. شبح !! )
نطقت كلمتها الأخيرة بشيء من الغرابة فأجابها ..
( لا ,, اليكس لم يكن ذلك النوع من الأشباح الذي يسعى للانتقام أو آذيه احد ,, ببساطه انه يريد أن يشعر بالأمان لا أكثر)
نظرت كرستي إليه طويلا ,, بالرغم من صعوبة تصديق حديثه إلا أن جزء ما في داخلها صدقه و اقتنع أيضا !!! .. وهذا ما أدهشها فلزمت الصمت !! .. في حين ألقى سبارو نظره متفحصة على أرجاء الشقة و هو يقول
( أتعلمين .. اعتقد أن هناك شبحا في شقتك !! )
شهقت في دهشة وكأنها تلقت صفعه على وجهها ,, لكنها سرعان ما أردف قائلا
( لا أظن أن هناك مكان في هذا العالم خالي من الأشباح ,, فالأشباح ما هي إلا أناس عاشت حياتها مثلنا قبل أن تموت ,, لكنها ولسبب ما تبقى في مكانها أو تعود للظهور مجددا )
أراحت كرستي ظهرها على الكرسي ثم سألته قائله
( مما يعني أنه لا بد من وجود سبب لبقائها أو ظهورها من جديد ؟! )
أجابها بنبره حادة وفي عينيه نظره غامضه جدا
( نعم ,, فان بقيت فلسبب يتعلق بالعاطفة ,, تكون هناك مشاعر قويه تربطها بمكانها ,, أما إن عادت للظهور فمؤكد أنها تسعى للانتقام ممن آذاها وقتما كانت على قيد الحياة ,, إما أن تقضي عليه أو تتمتع برؤيته يتعذب ,, يتعذب بشده )
اعتراها إجفال شديد ,, تخبطت أنفاسها .. اضطربت نبضات قلبها .. لا تستطيع أن تشيح بناظريها عن عينيه و كأن هناك قوه مجهولة تمنعها من ذلك ,,
صدر بريقا مريبا من عينيه حين قال بصوت هامس مخيف
( حين تكونين في مكان لوحدك.. تشعرين بوجود شخص آخر معك في نفس المكان .. تشعرين بأنفاسه و خطواته .. وأحيانا همساته و تنهداته .. مع ذلك لا ترينه .. فأعلمي أنك برفقه أحد الأشباح )
حاصرها بنظرته تلك .. وكأنه يقراء أفكارها .. كاد قلبها أن يتوقف ,, تملكها خوف لم تشعر به من قبل .. فقدت إحساسها بكل ما حولها .. كأنها في عالم آخر !!!
نظرت لورا إليهما ثم تنحنحت وقالت
( المعذرة ,, هل نسيتموني ؟! )
ثم قامت من مكانها في حنق و قالت غاضبه
( ربما لم تكن فكره تناول الغداء معا فكره جيده )
سحبت حقيبتها و معطفها ثم توجهت نحو غرفتها هاتفه
( سنضطر للرحيل كرستي ,, أنا آسفة ,, سأجلب معي كيوتي أيضا ,, انتظرني )
عادت كرستي إلى ارض الواقع بعد أن سلبها هذا المدعو سبارو عالمها و أفقدها إحساسها بما حولها ,, قام من مكانه قائلا
( أشكرك على هذه الوجبة الطيبة ,, سلمت يداك )
ابتسمت بجمود ثم أخذت تجمع الأطباق ,, اقترب نحوها قائلا
( أهنئك على شقتك الجميلة ,, أعجبتني كثيرا )
ابتسمت مجددا في توتر شديد ,, دس يديه في جيبيه وهتف
( ربما في يوم من الأيام استطيع دعوتك إلى منزلي لنكمل حديثنا ,, سأريك صورا لأشباح التقطتها أثناء رحلاتي وحتى في منزلي .. سنمضي وقتا ممتعا )
نظرت إليه طويلا ,, لا تدري ماذا عساها أن تقول ,, ابتلعت ريقها بصعوبة و أجابته
( نعم ,, في يوم ما )
خرجت لورا من غرفتها ومعها كيوتي ,, أمسكت بيد سبارو ثم سحبته معها نحو الباب قائله لصديقتها
( أعلم أنك لا تريدين مرافقتنا لذلك لن اسئلك عن ذلك .. أراك هذا المساء .. لن أتأخر .. إلى اللقاء )
وقبل أن يخرج ,, التقط صوره خاطفه لها ثم ابتسم ابتسامته المريبة ,,
التقطت كرستي أنفاسها في حذر ,, كانت تشعر بالتوتر و الارتباك الشديد ,, أيعقل أن ما يقوله صحيح !! .. الأمور متشابهه تماما .. اعتراها خوف شديد حين تخيلت نفسها تقاسم شقتها مع شبح !!! .. لكن سرعان ما طردت هذه الأفكار من رأسها .. هذا ما ينقصها في يوم الإجازة !!! الأمر محض مصادفه و حسب ,,,
حملت الأطباق و اتجهت للمطبخ لتغسلها ثم تأخذ قسطا من الراحة و تعاود روتينها اليومي الممل ,,,,