الموقع العربي الاول للعبة Silkroad Online

الموقع العربي الاول للعبة Silkroad Online (https://silkroad4arab.com/vb/index.php)
-   القـسـم الإسـلامـى الـعـام (https://silkroad4arab.com/vb/forumdisplay.php?f=94)
-   -   الأربــعــيــنـــ، النــوويـــة + الــشــرح [الــجــزاء الثالث] (https://silkroad4arab.com/vb/showthread.php?t=510351)

CError 26-06-2013 09:12 AM

الأربــعــيــنـــ، النــوويـــة + الــشــرح [الــجــزاء الثالث]
 
http://www.sro4up.com/uploads/1366100542781.png







http://www8.0zz0.com/2013/05/04/07/433020347.png



.•°« أهلآ بــكــل شــبــاب مــنــتــدانــا الــمــتــمــيــز Silkroad4Arab »°•.



http://www14.0zz0.com/2013/06/17/07/708125743.png





http://www8.0zz0.com/2013/05/19/06/302747996.gif






http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/474100145.gif


http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/658168384.gif



الحديث واالشرح السادس عشر : النهي عن الغضب

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي هريرة رضي الله عنه ،
أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم :
" أوصني " ، فردّد ، قال : ( لا تغضب ) رواه البخاري .
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض
منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ،
مختلفة المشارب ، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه
في تهذيب نفسه وتزكيتها . فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة ، والتوجيه الرشيد ، وكان منهم أبو الدرداء
رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ،
يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم
على أن قال له : ( لا تغضب ) . وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم
إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ،
وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من
التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .
إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ،
فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ،
إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق
في الغضب والرضا ) رواه أحمد ، فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق
أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ،



__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون ،
وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب " ، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما :
"مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ،
وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح
الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي
قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ". ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين
في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى
أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم
من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .
وهذا يقودنا إلى سؤال مهم : ما هي الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه
في تلك الحال ؟ : لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص ، وهو يتلخص فيما يأتي :
أولا : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى :
{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ( غافر : 60 ) .
ثانيا : التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ،
يقول الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 ) ،
وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت
أوداجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ،
لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد ) ، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __





والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب .
ثالثا : التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن
كظم غيظه ، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن ، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله
تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء ) .
رابعا : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان
واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب
أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
خامسا : الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه.
سادسا : تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ،
في شتى شؤون الدنيا والدين .




http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح السابع عشر : الأمر بإحسان الذبح والقتل

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ،
فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .
إن المتطلع إلى مبادئ ديننا الحنيف ، ليبهره جوانب التكامل في تشريعاته ،
مما يجعله موقنا بتفرد الإسلام في شموليته ، فهو يدعو الإنسان إلى أن يحسن
صلته بخالقه ، وفي الوقت ذاته يضع الأسس المتينة ، والقواعد الراسخة في تعامله مع غيره من الخلق .
ومن هنا تظافرت نصوص الكتاب والسنة مؤيدة لهذه الرؤية ، وموضحة لمعالمها ،
وجعلت الإحسان هو الأساس الذي تنبثق منه هذه العلاقات ، وقد نبهنا الله سبحانه
وتعالى إلى ذلك في كتابه العزيز فقال : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } ( النحل : 90 ) ،
فبيّن وجوب العمل بمقتضى الإحسان ، وأحاط العاملين بها بمعيّته الخاصة ، وشملهم برعايته
وتأييده ، كما قال عزوجل : { وإن الله لمع المحسنين } ( العنكبوت : 69 ) ، كذلك فإنه قد بيّن
السبل لتحقيق ذلك في الكثير من المواضع ، ومن جملتها ، الحديث الذي بين أيدينا ،
والذي جاء موضحا كيفية الإحسان إلى الخلق .
فبعد أن قرّر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الإحسان في كل ميدان ،
وعلى كل شيء ، وأكّد على ذلك بقوله : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) ،
عرّج بعدها بذكر مثالين اثنين ، يلزم الإنسان المسلم فيهما مراعاة الإحسان ، والمحافظة عليه .
ففي قوله : ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) ، توجيه نبوي إلى الإحسان في هيئة القتل ،
ويكون ذلك بالإسراع في إزهاق النفس التي أبيح دمها حال القصاص أو حال الحرب ، ولئن
جاز للمسلمين معاملة من حاربهم بالمثل ، فإن ذلك لا يبيح لهم التمثيل بالقتلى ،
والتشويه للجثث بدون سبب شرعي ، لما في ذلك من منافاة للمثل العليا التي يدعو إليها ديننا الحنيف .
ويدخل ضمن الأمر بإحسان القتل ، تحريم التعذيب بالنار ، وليس ذلك للبشر فحسب ، بل حتى للحيوانات
والحشرات ، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ؛
وهذا يؤكد حرص الإسلام على اختيار أيسر الطرق المؤدية إلى خروج الروح عند تحتّم القتل .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




ثم انتقل الحديث بعد ذلك إلى قضية الإحسان في الذبح ، بآدابه الراقية التي تجسد
معاني الرفق بالحيوان ، وقد ذكر العلماء هذه الآداب في كتب الفقه ، وأسهبوا في شرحها ،
فمن ذلك : أن يذبح البهيمة بآلة حادة ، تعجّل من خروج روحها ، وإنهار دمها ، فلا تتعذب كثيرا ،
يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد و ابن ماجة ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بحد الشفار " ، وقد جعل العلماء ذلك شرطا في آلة الذبح ، كما جاء في الحديث :
( ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوه ، ليس السن والظفر ) رواه الشيخان .
ومن الإحسان في الذبح ، ألا يقوم الذابح بحد شفرته أمام الذبيحة ، فقد مر رسول الله صلى
الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة ، وهو يحد شفرته ، وهي تلحظ إليه
ببصرها فقال : ( أتريد أن تميتها موتات ؟، هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ ) رواه الحاكم ،
وكذلك فإنه يستحب له أن لا يذبح ذبيحة بحضرة أخرى ، ولا يظهر السكين أمام الذبيحة إلا عند مباشرته للذبح .
ومن الرفق بالذبيحة ، أن تساق إلى المذبح سوقا هينا ، فلا يجرّها بأذنها ، أو يسوقها سوقا عنيفا ، كما ذكر
ذلك الإمام أحمد ، فإذا أراد أن يذبحها ، فعليه أن يضجعها على شقها الأيسر برفق ، لما ثبت في صحيح الإمام
مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن ،
فأتى به ليضحي به ، فقال لها : ( يا "عائشة" ، هلمي المدية) ، ثم قال : ( اشحذيها بحجر ) ، ففعلت ، ثم أخذها
وأخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه " ، وقد صرّح الإمام النووي بوقوع الإجماع على هذه المسألة ،
واستحب الشافعية أيضا عرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها .
وبعد أن يسمّي ، يسرع في قطع الأوداج ، وإنهار الدم ، حتى يريح الذبيحة ،
ولا يباشر بقطع شيء منها ، أو سلخها ، حتى تتم الذكاة وتخرج الروح ،
ولا ينبغي له أن يبالغ في الذبح حتى يقطع الرأس ، فإن ذلك مناف للإحسان إليها .
إن كل ما سبق ، يزيد المرء إيمانا بكمال هذا الدين ، وتناوله لجميع نواحي الحياة ، وبهذا المنهج
الرباني الذي يتألق سموا بتلك المعاني السامية ، يمكن للبشرية أن تخرج من ظلمات التيه ، لتقتبس
من نور الإسلام ، وترتبط بخالقها جلّ وعلا برباط محكم وثيق ، فتعيش آمنة مطمئنة ،
وهذا ما نتطلع إلى حصوله بإذن الله العلي القدير .



http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح الثامن عشر : حسن الخلق

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


أبي ذر جندب بن جنادة ، و أبي عبد الرحمن معاذ بِن جبل رضي الله عنهما،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) .
رواه الترمذي وقال: حديث حسن .
التقوى هي سفينة النجاة ، ومفتاح كل خير ، كيف لا ؟ وهي الغاية العظمى ،
والمقصد الأسمى من العبادة ؟ ، إنها محاسبة دائمة للنفس ، وخشية مستمرة لله ،
وحذر من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه ،
إنها الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعدادُ ليوم الرحيل .
من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، قال تعالى : { ولقد وصينا
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } ( النساء : 131 ) ، وهي وصية النبي صلى
الله عليه وسلم لجميع أمته ، ووصية السلف بعضهم لبعضهم ، فلا عجب إذا أن يبتدأ
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحته ل معاذ بن جبل و أبي ذر رضي الله عنهما .
والتقوى ليست كلمة تقال ، أو شعاراً يرفع ، بل هي منهج حياة ، يترفّع فيه المؤمن عن
لذائذ الدنيا الفانية ، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة ، ويبتعد عن المعاصي
والموبقات ، وقد جسد أبي بن كعب رضي الله عنه هذا المعنى لما سئل عن التقوى ؟ فقال :
" هل أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه
أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى " وقد أخذ ابن المعتز رحمه الله هذا المعنى ،
وصاغه بأبيات بديعة من الشعر فقال :
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
ومن تمام التقوى ، أن يترك العبد ما لا بأس به ، خشية أن يقع في
الحرام ، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى
الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ) رواه مسلم ، وفي هذا المعنى يقول
أبو الدرداء رضي الله عنه : "تمام التقوى ، أن يتقي الله العبد ، حتى يتقيه من مثقال
ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراما ، فيكون حجابا بينه وبين الحرام ،


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : { فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 - 8 ) " ،
فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ، ولا شيئا من الشر أن تتقيه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) تنبيه للمؤمن على
ملازمة التقوى في كل أحواله ، انطلاقاً من استشعاره لمراقبة الله له في كل
حركاته وسكناته ، وسره وجهره ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله
حيثما كنت ) إشارة إلى حقيقة التقوى ، وأنها خشية الله في السرّ والعلن ، وحيث
كان الإنسان أو صار ، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي ، وقد قال تعالى
في وصف عباده المؤمنين : { من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها
بسلام ذلك يوم الخلود } ( ق : 33 - 34 ) .
وقد يظن ظان أن المتقي معصوم من الزلل ، وهذا خطأ في التصور ؛
فإن المتقي قد تعتريه الغفلة ، فتقع منه المعصية ، أو يحصل منه التفريط
في الطاعة ، وهذه هي طبيعة البشر المجبولة على الضعف ، ولكن المتقي
يختلف عن غيره بأنه إذا تعثّرت به قدمه ، بادر بالتوبة إلى ربه ، والاستغفار من
ذنبه ، ولم يكتف بذلك ، بل يتبع التوبة بارتياد ميادين الطاعة ، والإكثار من الأعمال
الصالحة ، كما أمره ربه في قوله : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن
الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } ( هود : 114 ) ومن هنا قال النبي
صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) .
ولئن كانت التقوى صلة مع الله تبارك وتعالى ، وتقرّبا إليه ، فهي أيضا إحسان إلى
الخلق ، وطيبة في التعامل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وهكذا يظهر لنا التكامل
والتناسق في القيم الإيمانية ، فإن الأخلاق الحميدة رافد من روافد التقوى ، وشعبة من شعب الإيمان .
وللأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة في شريعتنا ، فإنها تثقل ميزان العبد يوم الحساب ،
ويبلغ بها درجة الصائم القائم ، وهو سبب رئيس في دخول الجنة ؛ فإن النبي صلى الله
عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ ، قال : ( تقوى الله ، وحسن الخلق ) رواه أحمد .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __





وإذا عرفنا ذلك ، فإن هناك وسائل تعين العبد على التخلق بالأخلاق الحسنة ،
أعلاها : التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ،
لاسيما وأنهم أعلى الناس خلقا ، وأوفرهم أدبا ، فإذا أراد المسلم التحلي بالصبر ،
قرأ قصة نبي الله يوسف عليه السلام ، وإذا أراد التخلّق بالحلم ، نظر إلى حلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، وهكذا ينهل من أخلاق الأنبياء ،
ويتعلّم منهم شمائل الخير كلها .
وبعد : فقد تبيّن لنا من خلال هذا الحديث معاني التقوى وأحوالها ،
كما تبيّن لنا أيضا أن الإسلام يقبل من العاصي توبته ، ولا يطرده من رحمة الله ،
وظهرت لنا معالم الخلق الحسن وأهميته ، فجدير بنا أن نعمل بهذه الوصايا الثلاث ،
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المتقين، آمين.



http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح التاسع عشر : احفظ الله يحفظك

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ،
فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ،
وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء
قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،
رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . رواه الترمذي وقال :" حديث حسن صحيح ".
وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ،
واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ،
وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) .
اصطفى الله تعالى هذه الأمة من بين سائر الأمم ، ليكتب لها التمكين في الأرض ،
وهذا المستوى الرفيع لا يتحقق إلا بوجود تربية إيمانية جادة تؤهلها لمواجهة الصعوبات
التي قد تعتريها ، والأعاصير التي قد تحيق بها ، في سبيل نشر هذا الدين ، وإقامة شرع الله في الأرض .
ومن هذا المنطلق ، حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى
اهتماما خاصا للشباب ، ولا عجب في ذلك! ، فهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها نصرة هذا الدين ،
وتحمّل أعباء الدعوة . وفي الحديث الذي اوله ، مثال حيّ على هذه
التنشئة الإسلامية الفريدة ، للأجيال المؤمنة في عهد النبوة ،
بما يحتويه هذا المثال على وصايا عظيمة ، وقواعد مهمة ، لا غنى للمسلم عنها .
وأولى الوصايا التي احتواها هذا الحديث ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( احفظ الله يحفظك ،
احفظ الله تجده تجاهك ) ، إنها وصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى ،
ويلتزم بأوامره ، ويقف عند حدود الشرع فلا يتعداه ، ويمنع جوارحه من استخدامها
في غير ما خلقت له ، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل ، مصداقا لما أخبرنا الله تعالي
في كتابه حيث قال : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } ( البقرة : 40 ) ، وقال أيضا : { فاذكروني أذكركم } ( البقرة : 152 ) .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




وهذا الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يقع على نوعين :
الأول : حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه وماله وأهله ،
ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : { له معقبات من
بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } ( الرعد : 11 ) أي : بأمره ، وهو عين ما كان يدعو به
النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : ( اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني
ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن
خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) رواه أبو داوود و ابن ماجة ، وبهذا
الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ،
وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع ، وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في
ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ،
وتلا قوله تعالى : { وكان أبوهما صالحا } ( الكهف : 82 ) .
الثاني : حفظ الله للعبد في دينه ، فيحميه من مضلات الفتن ،
وأمواج الشهوات ، ولعل خير ما نستحضره في هذا المقام : حفظ الله تعالى
لدين يوسف عليه السلام ، على الرغم من الفتنة العظيمة التي أحاطت به وكادت له ،
يقول الله تعالى في ذلك : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين }
( يوسف : 24 ) ، وتستمر هذه الرعاية للعبد حتى يلقى ربّه مؤمنا موحدا .
ولكن الفوز بهذا الموعود العظيم يتطلب من المسلم إقبالا حقيقيا على الدين ،
واجتهادا في التقرب إلى الله عزوجل ، ودوام الاتصال به في الخلوات ، وهذا هو المقصود
من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية لهذا الحديث : ( تعرّف إلى الله في الرخاء ،
يعرِفك في الشدة ) ، فمن اتقى ربه حال الرخاء ، وقاه الله حال الشدّة والبلاء .
ثم انتقل الحديث إلى جانب مهم من جوانب العقيدة ، ويتمثّل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم
لابن عباس : ( إذا سأَلت فاسأَل الله ) ، وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبوديّة
والافتقار إليه ، بل هو العبادة كلها كما جاء في الحديث : ( الدعاء هو العبادة ) ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين
في كتابه العزيز فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ( الأنبياء : 90 ).


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




وإن من تمام هذه العبادة ترك سؤال الناس ، فإن في سؤالهم تذلل لهم ومهانة للنفس ، ولا يسلم
سؤالهم من منّة أو جرح للمشاعر ، أو نيل من الكرامة ، كما قال طاووس لعطاء رحمهما الله : " إياك أن
تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، وجعل دونك حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة،
أمرك أن تسأله ، ووعدك أن يجيبك " ، وصدق أبو العتاهية إذ قال :
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تُحجب فاجعل سؤالك للإله فإنما في فضل نعمة ربنا تتقلب
وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون
ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا }
( البقرة : 273 ) ، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم رهطا من أصحابه على ترك سؤال الناس ،
وكان منهم أبوبكر الصديق و أبو ذر الغفاري و ثوبان رضي الله عنهم أجمعين ، فامتثلوا لذلك جميعا ،
حتى إن أحدهم إذا سقط منه سوطه أو خطام ناقته لا يسأل أحدا أن يأتي به .
إن ما سبق ذكره من الثناء على المتعفّفين إنما هو متوجه لمن تعفّف عن سؤال الناس فيما يقدرون عليه ،
وما يملكون فعله ، أما ما يفعله بعض الجهلة من اللجوء إلى الأولياء والصالحين الأحياء منهم أو الأموات ، ليسألونهم
ويطلبون منهم أعمالاً خارجةً عن نطاق قدرتهم ، فهذا صرفٌ للعبادة لغير الله عزوجل ، وبالتالي فهو داخل تحت طائلة الشرك .
وفي قوله : ( وإذا استعنت فاستعن بالله ) أمر بطلب العون من الله تعالى دون غيره ، لأن العبد من
شأنه الحاجة إلى من يعينه في أمور معاشه ومعاده ، ومصالح دنياه وآخرته ، وليس يقدر على ذلك
إلا الحي القيوم ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، فمن أعانه الله فلا خاذل له ، ومن خذله الله
فلن تجد له معينا ونصيرا ، قال تعالى : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم
من بعده } ( آل عمران : 160 ) ، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول :
( اللهم أعني ولا تعن علي) ، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول
( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه النسائي وأبو داود .
وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ،
والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ، ويوقن أن
الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء لم يُقدّر عليه ،
ولم يُكتب في علم الله ، كما قال سبحانه : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم
إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } ( الحديد : 22 ) .



__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




ولما وعى سلفنا الصالح هذه الوصية ، أورثهم ذلك ثباتا في العزيمة ، وتفانيا في نشر هذا الدين ،
غير مبالين بالصعوبات التي تواجههم ، والآلام التي تعتريهم ، لأنهم علموا أن طريق التمكين إنما يكون
بالعمل بهذه الوصية النبوية ، وأن الفرج يأتي من بعد الكرب ، وأن العسر يعقبه اليسر ، وهذا هو الطريق
الذي سلكه أنبياء الله جميعا عليهم السلام ، فما كُتب النصر ل نوح عليه السلام ، إلا بعد سلسلة طويلة
من الجهاد مع قومه ، والصبر على أذاهم ، وما أنجى الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت ، إلا بعد معاناة
طويلة عاشها مستغفرا لربّه ، راجيا فرجه ، معتمدا عليه في كل شؤونه ، حتى انكشفت غمّته ، وأنقذه من
بلائه ومحنته ، وهكذا يكون النصر مرهونا بالصبر على البلاء والامتحان .
إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ، كتبت له النجاة ، واستنارت
له عتبات الطريق ، فما أحوجنا إلى أن نتبصّر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته ، ونستلهم منها الحلول
الناجعة لمشكلات الحياة ، ونجعلها السبيل الأوحد للنهضة بالأمة نحو واجباتها .




http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح العشرون : الحياء من الإيمان

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي مسعود رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى :
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ) رواه البخاري
الحياء زينة النفس البشرية ، وتاج الأخلاق بلا منازع ، وهو البرهان الساطع على عفّة
صاحبه وطهارة روحه ، ولئن كان الحياء خلقا نبيلا يتباهى به المؤمنون ، فهو أيضا شعبة
من شعب الإيمان التي تقود صاحبها إلى الجنة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ) رواه أحمد و الترمذي .
والحق أن الحياء رافد من روافد التقوى ؛ لأنه يلزم صاحبه فعل كل ما هو جميل ،
ويصونه عن مقارفة كل قبيح ، ومبعث هذا الحياء هو استشعار العبد لمراقبة الله له ،
ومطالعة الناس إليه ، فيحمله ذلك على استقباح أن يصدر منه أي عمل يعلم منه أنه مكروه لخالقه ومولاه ،
ويبعثه على تحمّل مشقة التكاليف ؛ ومن أجل ذلك جاء اقتران الحياء بالإيمان في غيرما موضع من
النصوص الشرعية ، في إشارة واضحة إلى عظم هذا الخلق وأهميته .
وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق واشتُهر عنه ، حتى قال عنه أبو سعيد الخدري رضي
الله عنه ذلك : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ) ،
وهكذا نشأ الأنبياء جميعا على هذه السجيّة ، فلا عجب إذا أن يصبح الحياء هو الوصية المتعارف
عليها ، والبقية الباقية من كلام النبوة الأولى ، والتي يبلغها كل نبي لأمته .
وللحياء صور متعددة ، فمنها : حياء الجناية ، ومعناه : الحياء من مقارفة الذنب مهما كان صغيراً ،
وذلك انطلاقا من استشعار العبد لمخالفته لأمر محبوبه سبحانه وتعالى ، ومن هذا الباب اعتذار الأنبياء
كلهم عن الشفاعة الكبرى حينما يتذكرون ما كان منهم من خطأ – وإن كان معفوا عنه - ،
وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من قول : إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني ويُقصيني
وهناك نوع آخر من الحياء ، وهو الحياء الذي يتولد من معرفة العبد لجلال الرب ، وكمال صفاته ،
ويكون هذا الحياء دافعا له على مراقبة الله على الدوام ؛ لأن شعاره هو قول القائل :
" لا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى عظم من عصيته " .
ويمكن أن يُضاف نوع ثالث ، وهو حياء النساء ، ذلك الحياء الذي يوافق طبيعة المرأة التي خُلقت عليها ،
فيزيّنها ويرفع من شأنها ،واستمع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ تقول : " كنت أدخل بيتي
الذي دُفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي ، فأضع ثوبي – أي أطرحه - فأقول :
إنما هو زوجي وأبي ، فلما دُفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي ؛ حياء من عمر " .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __





فإذا اكتمل الحياء في قلب العبد ، استحيا من الله عزوجل ومن الناس ، بل جرّه
حياؤه إلى الاستحياء من الملائكة الكرام ، ولهذا جاء في الحديث : ( من أكل البصل
والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) رواه مسلم .
لقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم الحياء في سلوكيات عملية ، تدرّب المرء على هذا الخلق
النبيل ، فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( استحيوا من الله حق الحياء ) ، قلنا : يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله ، قال :
( ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن
وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك
فقد استحيا من الله حق الحياء ) رواه الترمذي ، وهذا التصوير النبوي لخلق الحياء ،
يدلّنا ويرشدنا إلى أسباب وصول أمتنا لهذا المستوى من الذلّ والمهانة ، إننا لم نستح
من الله حق الحياء ؛ فأصابنا ما أصابنا ، ولو كنا على المستوى المطلوب من خلق الحياء ،
لقدنا العالم بأسره ، فالحياء ليس مجرّد احمرار الوجه وتنكيس الرأس ،
بل هو معاملة صادقة ، وإخلاص تام في حق الخالق والمخلوق .
ولعل مما يحسن التنبيه إليه في هذا الباب أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -
بحجة الحياء من الناس – قصور في الفهم ، وخطأ في التصوّر ؛ لأن الحياء لا يأتي إلا بخير ،
والنبي صلى الله عليه وسلم على شدة حيائه ، كان إذا كره شيئا عُرف ذلك في وجهه ،
ولم يمنعه الحياء من بيان الحق ، وكثيرا ما كان يغضب غضبا شديدا إذا
انتُهكت محارم الله ، ولم يخرجه ذلك عن وصف الحياء .
وبعد ، فهذه جولة سريعة مع خلق الحياء ، عرفنا فيها معالمه وفضائله ،
وصوره وجوانبه ، وجدير بنا أن نحرص على هذا الخلق النبيل ، وأن نجعله شعار لنا حتى نلقى ربنا الجليل .




http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح الحادي والعشرون : قل آمنت بالله ثم استقم

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي عمرو سفيان بن عبدالله الثقفي ،
رضي الله عنه قال : قلت : " يا رسول الله ، قل لي
في الإسلام قولا ، لا أسأل عنه أحدا غيرك " .
قال : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) رواه مسلم في صحيحه .
إن غاية ما يتطلع إليه الإنسان المسلم ، أن تتضح له معالم الطريق إلى ربّه ،
فتراه يبتهل إليه في صلاته كل يوم وليلة أن يهديه الصراط المستقيم ،
كي يتخذه منهاجا يسير عليه ، وطريقا يسلكه إلى ربه ، حتى يظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة .
ومن هنا جاء الصحابي الجليل سفيان بن عبدالله رضي الله عنه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
وانتهز الفرصة ليسأله عن هذا الشأن الجليل ، فجاءته الإجابة من مشكاة النبوة لتثلج صدره ،
بأوضح عبارة ، وأوجز لفظ : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) .
إن هذا الحديث على قلة ألفاظه ، يضع منهجا متكاملا للمؤمنين ،
وتتضح معالم هذا المنهج ببيان قاعدته التي يرتكز عليها ، وهي
الإيمان بالله : ( قل آمنت بالله ) ، فهذا هو العنصر الذي يغير من سلوك
الشخص وأهدافه وتطلعاته ، وبه يحيا القلب ويولد ولادة جديدة تهيئه لتقبل
أحكام الله وتشريعاته ، ويقذف الله في روحه من أنوار هدايته ، فيعيش آمنا
مطمئنا ، ناعما بالراحة والسعادة ، قال الله تعالى مبينا حال المؤمن :
{ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في
الظلمات ليس بخارج منها } ( الأنعام : 122 ) ، فبعد أن كان خاوي الروح ،
ميّت القلب ، دنيوي النظرة ، إذا بالنور الإيماني يملأ جنبات روحه ،
فيشرق منها القلب ، وتسمو بها الروح ، ويعرف بها المرء حقيقة الإيمان ومذاقه.
فإذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان ، وتمكنت جذوره في قلبه ، استطاع أن يثبت على
الحق ، ويواصل المسير ، حتى يلقى ربّه وهو راض عنه ، ثم إن ذلك الإيمان يثمر له
العمل الصالح ، فلا إيمان بلا عمل ، كما أنه لا ثمرة بلا شجر ، ولهذا جاء في الحديث :
( ثم استقم ) فرتّب الاستقامة على الإيمان ، فالاستقامة ثمرة ضرورية للإيمان
الصادق ، ويجدر بنا في هذا المقام أن نستعرض بعضاً من جوانب
الاستقامة المذكورة في الحديث . إن حقيقة الاستقامة ،
أن يحافظ العبد على الفطرة التي فطره الله عليها ،


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




فلا يحجب نورها بالمعاصي والشهوات ، مستمسكا بحبل الله ،
كما قال ابن رجب رحمه الله : " والاستقامة في سلوك الصراط المستقيم ،
وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات
كلها : الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها " ، وهو بذلك يشير إلى قوله تعالى :
{ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الروم : 30 ).
وقد أمر الله تعالى بالاستقامة في مواضع عدة من كتابه ، منها قوله تعالى :
{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } ( هود : 112 ) ، وبيّن سبحانه هدايته
لعباده المؤمنين إلى طريق الاستقامة ، كما قال عزوجل : { وإن الله لهاد الذين
آمنوا إلى صراط مستقيم } ( الحج : 54 ) ، وجعل القرآن الكريم كتاب هداية للناس ،
يقول الله تعالى في ذلك : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات
إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } ( إبراهيم : 1 ).
ولئن كانت الاستقامة تستدعي من العبد اجتهاداً في الطاعة ، فلا يعني ذلك أنه
لا يقع منه تقصير أو خلل أو زلل ، بل لا بد أن يحصل له بعض ذلك ، بدليل أن الله تعالى
قد جمع بين الأمر بالاستقامة وبين الاستغفار في قوله : { فاستقيموا إليه واستغفروه }
( فصلت : 6 ) ، فأشار إلى أنه قد يحصل التقصير في الاستقامة المأمور بها ، وذلك
يستدعي من العبد أن يجبر نقصه وخلله بالتوبة إلى الله عزوجل ،
والاستغفار من هذا التقصير ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم :
( استقيموا ولن تحصوا ) رواه أحمد ، وقوله أيضا : ( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري .
والمقصود منه المحاولة الجادة للسير في هذا الطريق، والعمل على وفق ذلك المنهج
على قدر استطاعته وإن لم يصل إلى غايته، شأنه في ذلك شأن من يسدد سهامه
إلى هدف ، فقد يصيب هذا الهدف ، وقد تخطيء رميته ، لكنه بذل وسعه
في محاولة تحقيق ما ينشده ويصبو إليه .
وللاستقامة ثمار عديدة لا تنقطع ، فهي باب من أبواب الخير ،
وبركتها لا تقتصر على صاحبها فحسب ، بل تشمل كل من حوله ،
ويفهم هذا من قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء
غدقا } ( الجن : 16 ) ، وتستمر عناية الله بعباده المستقيمين على طاعته حتى ينتهي
بهم مطاف الحياة ، وهم ثابتون على كلمة التوحيد ، لتكون آخر ما يودعون بها الدنيا ،
كما قال الله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا
ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي
الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم } ( فصلت : 30 – 32 ) .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __



وإذا أردنا أن تتحقق الاستقامة في البدن فلابد من استقامة القلب أولا ،
لأن القلب هو ملك الأعضاء ، فمتى استقام القلب على معاني الخوف من
الله ، ومحبته وتعظيمه ، استقامت الجوارح على طاعة الله ،
ثم يليه في الأهمية : استقامة اللسان ، لأنه الناطق بما في القلب والمعبّر عنه .
نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .




http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح الثاني والعشرون : الاقتصار على الفرائض يدخل الجنة

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما ،
أن رجلا سأل رسول الله عليه وسلم فقال : " أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ،
وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ،
أأدخل الجنة ؟ " ، قال : ( نعم ) . رواه مسلم .
ومعنى حرّمت الحرام : اجتنبته،
ومعنى أحللت الحلال : فعلته معتقدا حلّه .
لما أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، جعل الغاية من ابتعاثه
الرحمة بالخلق ، والإرشاد إلى أقصر الطرق الموصلة إلى رضى الربّ ، وإذا رأينا
قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الحج : 107 ) ، تداعى إلى
أذهاننا الكثير من الصور التي تؤكّد هذا المعنى ، فإنه صلى الله عليه وسلم
لم يدّخر جهدا في إنقاذ البشرية من الضلال ، وتبصيرهم بالهدى والحق .
وتحقيق هذا الهدف يتطلّب الإدراك التام لما عليه البشر من تنوّع في القدرات والطاقات ،
إذ من المعلوم أن الناس ليسوا على شاكلة واحدة في ذلك ، بل يتفاوتون تفاوتا كبيرا ،
فلئن كان في الصحابة من أمثال الصدّيق و الفاروق وغيرهم من قادات الأمة الذين
جاوزت همتهم قمم الجبال وأعالي السحاب ، فإن منهم – في المقابل –
الأعرابي في البادية ، والمرأة الضعيفة ، وكبير السنّ ، وغيرهم ممن هم أدنى همّة وأقل طموحا من أولئك الصفوة .
ولذلك نرى – في الحديث الذي اوله – ذا الصحابي ، وقد أتى ليسأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، سؤال المشتاق إلى ما أعده الله تعالى لعباده المتقين
في الجنة ، ومسترشدا عن أقصر الطرق التي تبلغه منازلها ، فقال :
" أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ،
وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ ".
إن هذا السؤال قد ورد على ألسنة عدد من الصحابة رضوان الله عليهم بأشكال متعددة ،
وعبارات متنوعة ، فقد ورد في صحيح البخاري و مسلم ، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى
الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( خمس صلوات في اليوم والليلة ) ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال :
( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وصيام رمضان ) ،
قال : هل علي غيره ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، وذكر له رسول الله صلى الله
عليه وسلم الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ،
قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) ، وعن أبي أيوب الأنصاري


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __





رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني
بعمل يدخلني الجنة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري .
ومما لا ريب فيه أن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي
نحن بصدده – كان دقيقا في اختياره للمنهج الذي رسمه لنفسه ؛ فإنه قد ذكر الصلوات المكتوبات ،
وهي أعظم أمور الدين بعد الشهادتين ، بل إن تاركها بالكلية خارج عن ملة الإسلام ،
كما جاء في الحديث الصحيح : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) .
وبعد الصلاة ذكر صوم رمضان ، وهو أحد أركان الإسلام العظام ، و مما أجمع عليه
المسلمون ، وقد رتّب الله عليه أجراً كبيراً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
ثم أكّد التزامه التام بالوقوف عند حدود الله وشرائعه ، متمثلا بتحليل ما أحله الله في كتابه ،
وبيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، واجتناب ما ورد في هذين المصدرين
من المحرمات ، مكتفيا بما سبق ، غير مستزيد من الفضائل والمستحبات الواردة .
ولسائل أن يسأل : لماذا لم يرد ذكر للحج والزكاة في الحديث ، على الرغم من كونهما
من أركان الإسلام ، ولا يقلان أهمية عن غيرهما ؟ والحقيقة أن الجواب على ذلك يحتاج
منا إلى أن نعرف الفرق بين الحج والزكاة وبين غيرهما من العبادات ، فإن فرضيتهما
لا تتناول جميع المكلفين ، فالحج لا يجب إلا على المستطيع ، كما قال الله تعالى :
{ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (آل عمران : 97 ) ،
كذلك الزكاة لا تجب إلا على من ملك النصاب ، ونستطيع أن نقول أيضاً : إن
هذا الحديث ربما ورد قبل أن تفرض الزكاة أو الحج ؛ فإن الحج قد فُرض
في السنة الثامنة ، والزكاة وإن كانت قد فُرضت في مكة فإنها كانت عامة
من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي بيان النصاب إلا في المدينة ، ولعل هذا هو السر في عدم ذكرهما في الحديث .
وهنا تأتي البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين أن الالتزام بهذا المنهج الواضح ،
كاف لدخول الجنة ، وهذا يعكس ما عليه الإسلام من يسر وسماحة ، وبعدٍ عن المشقّة والعنت ،
فهو يسرٌ في عقيدته ، يسرٌ في عباداته وتكاليفه ، واقع ضمن حدود وطاقات البشر ،
وهذا مما اختص الله تعالى به هذه الأمة دون سائر الأمم .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




لكن ثمة أمر ينبغي ألا نُغفل ذكره ، وهو أن التزام العبد بالطاعات وفق
ما أمر الله به ، واجتناب المحرمات وتركها ، يحتاج إلى عزيمة صادقة ،
ومجاهدة حقيقية للنفس ، وليس اتكالا على سلامة القلب ، وصفاء النية ،
وليس اعتمادا على سعة رحمة الله فحسب ، لأن للجنة ثمنا ، وثمنها هو العمل
الصالح كما قال الله تعالى : { وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون }
( الزخرف : 72 ) ، فإذا صدقت نية العبد ، أورثته العمل ولابد .
وعلى أية حال فإنه يجب على الدعاة إلى الله أن يفهموا طبيعة هذا الدين
حتى يتمكّنوا من تربية الناس على مبادئه ، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير والصواب ، والحمد لله رب العالمين .



http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/613791022.gif




الحديث والشرح الثالث والعشرون : الإسراع في الخير

http://www2.0zz0.com/2013/06/24/04/112746103.png


عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ،
وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ،
والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ،
فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم
كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في قومه ما أوتيه من الفصاحة
والبلاغة في كلامه ؛ فعلى الرغم من كونه أميا لا يحسن القراءة و الكتابة ،
إلا أنه أعجز الفصحاء ببلاغته ، ومن أبرز سمات هذا الإعجاز ما عُرف به من
جوامع الكلم ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرشد أمته ويوجهها بألفاظ قليلة ،
تحمل في طيّاتها العديد من المعاني ، ولم تكن هذه الألفاظ متكلفة أو صعبة ،
بل كانت سهلة ميسورة على جميع فئات الناس .
وها نحن أيها القاريء الكريم ، اول أحد جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ،
فإن هذا الحديث قد اشتمل على العديد من التوجيهات الرائعة ، والعظات السامية ،
تدعوا كل من آمن بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، أن يتمسك بها ، ويعمل بمقتضاها .
وأول ما ابتدأ به النبي صلى الله عليه وسلم وصيّته هو الطهور ، والطهور شرط الصلاة ،
ومفتاح من مفاتيح أبواب الجنان ، ويقصد به الفعل الشرعي الذي يزيل الخبث ،
ويرفع الحدث ، ولا تصح الصلاة إلا به ، ويشمل أيضا تطهير الثياب والبدن والمكان .
وقد اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان )
على أقوال ، منها : أن الإيمان الحقيقي يشمل طهارة الباطن والظاهر ، والوضوء يطهّر
الظاهر ، وهذا يدل على أن الوضوء شطر الإيمان ، واستشهدوا بالحديث الذي رواه مسلم
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ
فأحسن الوضوء ، خرجت خطاياه من جسده ، حتى تخرج من تحت أظفاره ) ، وقالوا أيضا :
الطهارة هي شطر الصلاة ؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بطهور ، ومستند هذا القول أن المقصود بقوله
في الحديث : ( شطر الإيمان ) هو : الصلاة ، ونظير ذلك قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم }
( البقرة : 143 ) ، أي : صلاتكم ، ومما قالوه أيضا : أن الطهور شطر الإيمان ؛ لأن الطهارة تُكفر
صغائر الذنوب ، بينما الإيمان يكفر الكبائر ، فصار شطر الإيمان بهذا الاعتبار ،
ولعل من الملاحظ أن هذه الأقوال متقاربة ، وكلها تصب في ذات المعنى .



__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __





ثم انتقل الحديث إلى الترغيب في ذكر الله عزوجل ، فقال :
( والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ) ،
وهذا يبين عظيم الأجر المترتب على هذه الكلمات الطيبات ، فالحمد لله تملأ الميزان يوم القيامة ؛
وذلك لما اشتملت عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتبجيل له ؛ لذلك يستحب
للعبد إذا دعا أن يقدم بين يديه الثناء الجميل ، مما يكون أدعى لقبول دعائه ، ثم إن الحمد
والتسبيح يملآن ما بين السماء والأرض – بنص الحديث - ؛ والسرّ في ذلك : ما اجتمع فيهما
من التنزيه للذات الإلهية ، والثناء عليها ، وما يقتضيه ذلك من الافتقار إلى الله ؛ وهذا
ما جعل هاتين الكلمتين حبيبتين إلى الرحمن ، كما جاء في حديث آخر .
وأما الصلاة ، فقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنور ، وإذا كان الناس يستعينون
على الظلمة بالنور ، كي تتضح لهم معالم الطريق ، ويهتدوا إلى وجهتهم ، فذلك شأن الصلاة أيضا ،
فهي نور الهداية الذي يلتمسه العبد ؛ حيث تمنع الصلاة صاحبها من المعاصي ، وتنهاه عن المنكر ،
كما قال تعالى في كتابه : { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ( العنكبوت : 45 ) ،
ويقوى هذا النور حتى يُرى أثره على وجه صاحبه ، قال الله تعالى : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود }
( الفتح : 29 ) ، ولن تكون الصلاة نورا لصاحبها في الدنيا فحسب ، بل يشمل ذلك الدار الآخرة ،
كما قال عليه الصلاة والسلام : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد ، بالنور التام يوم القيامة ) رواه الترمذي .
وإذا كانت الصلاة من مظاهر العبودية البدنية ، فإن الصدقة تعد عبادة مالية ، يزكّي بها المسلم ماله ،
ويطهّر بها روحه من بخلها وحرصها على المال ، لاسيما وأن النفوس قد جبلت على محبّة المال والحرص
على جمعه ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { وتحبون المال حبا جما } ( الفجر : 20 ) .
ومن محاسن هذه العبادة – أي الصدقة - أن نفعها متعد إلى الغير ،
إذ بها تُسدّ حاجة الفقير وتُشبع جوعته ، ويكفل بها اليتيم ، وغير ذلك من
مظاهر تلاحم لبنات المجتمع المسلم ؛ الأمر الذي جعل هذه العبادة من أحب الأعمال إلى
الله تعالى ، وبرهانا ساطعا على إيمان صاحبها ، وصدق يقينه بربّه .


__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __





ولنقف قليلا مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( والصبر ضياء ) ،
لنستوضح دقة هذا التعبير النبوي وروعته ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد وصف
الصبر بالضياء ، والضياء في حقيقته : النور الذي يصاحبه شيء من الحرارة والإحراق ،
بعكس النور الذي يكون فيه الإشراق من غير هذه الحرارة ، ويوضّح هذا المعنى قوله تعالى :
{ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } ( يونس : 5 ) ، فالشمس ضياء لأنها مشتملة
على النور والحرارة والإحراق ، أما القمر فهو نور ، وإذا عدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم :
( والصبر ضياء ) أدركنا أن الصبر لابد أن يصاحبه شيء من المعاناة والمشقة ، وأن فيه نوعاً من
المكابدة للصعاب ، فلا ينبغي للمسلم أن يعجزه ذلك أو يفتّ من عزيمته ، ولكن ليستعن
بالله عزوجل ، ويحسن التوكل عليه ، حتى تمرّ المحنة ، وتنكشف الغمّة .
ثم ينتقل بنا المطاف إلى الحديث عن القرآن الكريم ، فإن الله عزوجل أنزل كتابه
ليكون منهاجا للمؤمنين وإماما لهم ، يبيّن لهم معالم هذا الدين ، ويوضّح لهم أحكامه ،
ويأمرهم بكل فضيلة ، وينهاهم عن كل رذيلة ، فانقسم الناس نحوه إلى فريقين :
فريق عمل بما فيه ، ووقف عند حدوده ، وتلاه حق تلاوته ، وجعله أنيسه في خلوته ،
فذلك السعيد به يوم القيامة ، وفريق لم ينتفع به ، بل هجر قراءته ، وانحرف عن دربه
ولم يعمل بأحكامه ، فإن هؤلاء يكون القرآن خصيما لهم يوم القيامة ، وبين هذا الفريق
وذاك يقول الله عزوجل واصفا إياهما : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة
للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } ( الإسراء : 82 ).
ثم يتوّج النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بوصية رائعة ، يحدد فيها أحوال الناس
وطبائعهم ، إذ الناس سائرون في خضم هذه الحياة ، يغدون ويروحون ، يكدحون
في تحقيق مآربهم وطموحاتهم ، والذي يفرُق بينهم : الهدف الذي يعيشون لأجله ،
فمنهم من سعى إلى فكاك نفسه وعتقها من نار جهنم ، فباع نفسه لله تعالى ،
ومنهم من جعل همّه الحصول على لذات الدنيا الفانية ، وشهواتها الزائلة ، فأهلك نفسه
وباعها بثمن بخس ، قال الله عزوجل : { ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ،
قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها } ( الشمس : 7 – 10 ) ، فمن زكّى نفسه ،
فقد باعها لله ، واشترى بها الجنة ، ومن دسّ نفسه في المعاصي ، فقد خاب وخسر ،
و كتبت عليه الشقاوة في الدنيا والآخرة ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ، ويكرمنا بدخول جنته .




http://www12.0zz0.com/2013/04/27/15/709006439.png



__ __ __ __ __ __ __ __ __ __ __




مــحـــمــد

http://www7.0zz0.com/2013/04/18/11/916433798.gif

اللهم نسألكـ الهــدى والـتـقـوى والعـفـاف والـغـنـى والـحـمـد لـكـ والشــكر لكـ



http://im35.gulfup.com/pgrfz.png



http://www12.0zz0.com/2013/04/16/05/860152367.gifالله ولــــــى التوفيقhttp://www12.0zz0.com/2013/04/16/05/860152367.gif



http://www11.0zz0.com/2012/12/24/05/657599395.gif



http://www12.0zz0.com/2012/12/16/21/694213746.jpg

PirateOfHell 27-06-2013 07:46 PM

تسلم ايدك
:biggrinthumb::biggrinthumb::biggrinthumb:

Ahmed El basha 28-06-2013 04:51 AM

روعـــــــــة :love:

The_Mask 28-06-2013 05:03 AM

بجد 10/10

:thumbup:

MịηaTσ 28-06-2013 05:41 AM

شغل عالى اوى :)

☜ ĂиTaKą ☞ 28-06-2013 07:36 AM

شغل عالى اوووووى

بجد

10/10

:mfr_bl2::mfr_bl2:

CError 29-06-2013 11:42 AM

شكرا للجميع منورين بقا :)

$Divo 29-06-2013 11:50 AM

جهد رائع ،
وموضوع أروع

تسلم :biggrinthumb:

╣VendeTTa╠ 30-06-2013 07:13 AM

تسلم ايدك

CError 30-06-2013 09:01 AM

شكرا للجميع منورين

MiLeN 01-07-2013 08:53 AM

منتظرين منك المزيد يا محمد
الموضوع جميل جداً:mushy:

CError 02-07-2013 11:12 PM

شكرا للجميع منورين

TYKE 03-07-2013 10:19 AM

روعة اصاحبي تسلم ايدك

™_Paskota_™ 03-07-2013 11:54 AM

رائع
تسلم ايدك

samaam 03-07-2013 03:01 PM

تسلم الايااادى
جزاك الله خيرا


الساعة الآن 11:01 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.